أضف إلى المفضلة
الجمعة , 19 نيسان/أبريل 2024
الجمعة , 19 نيسان/أبريل 2024


العلاقات الإنسانية في روسيا وأوكرانيا أعمق من الحرب

بقلم : ليليان معروف
23-02-2022 06:14 AM

يعيش سكان البلدين روسيا وأوكرانيا حالات كبيرة من الخوف في ظل الحديث عن حرب قد تنشب بين لحظة وأخرى, ليس تخوّفا من الحرب بحد ذاتها كحرب بين دولتين عدوتين بل لأنّها حرب بين دولتين جارتين, فالعلاقات التاريخية وصلات القربى بين الشعبين الشقيقين أعمق من أي خلاف فلا أحد يريد هذه الحرب على المستوى الاجتماعي وحتى على المستوى الرسمي, حرب يعمل الغرب على تأجيجها وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن الاتحاد إلى الانفصال, ومن الانفصال إلى العيش بسلام وصولاً إلى افتعال الحروب:
الاتحاد السوفيتي
تأسس الاتحاد السوفيتي في عام 1917 لينتهي في عام 1991حيث قام على أساس ثورة حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الذي كان بقيادة فلاديمير لينين, وضم الاتحاد 15 جمهورية على رأسها روسيا وأوكرانيا ليشكل أكبر دولة في القرن العشرين بمساحة تقدر ب 22402000 كلم2 والتي تشكل ربع قيمتها مساحة الدول الإسلامية.
أحاط بالاتحاد السوفيتي الكبير ثلاثة محيطات وحدّته 12 دولة, كما بلغ عدد السكان قبيل التفكك 293 مليون نسمة يتوزعون على 120 قومية عرقية ولغوية من 15 دولة، وكان مجلس السوفييت الأعلى يُعتبر الجهاز الأعلى في السلطة، ويُنتخب بالاقتراع العام لولاية مدتها أربع سنوات.
الانفصال
بدأت عوالم الانفصال تظهر منذ شهر أب لعام1991 ليتأكد ذلك في أيلول ويعترف حينها مجلس الدولة بانفصال جمهوريات البلطيق “استونيا وليتوانيا ولاتفيا” عن الاتحاد السوفيتي, وفي كانون الأول من نفس العام وقّع رؤساء كل من روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا على وثيقة تفكيك الاتحاد السوفيتي وإنشاء رابطة الدول المستقلة التي انضمت إليها الجمهوريات السوفيتية السابقة باستثناء جمهوريات البلطيق, وبذلك أٌعلن رسمياً في 26 كانون الاول عن انتهاء وجود الاتحاد السوفيتي, واستقلت روسيا عن أوكرانيا وأصبح لكل منهما رئيس ودستور ولغة خاصة بهما, وانتهى معهما عهد الوحدة السياسية بينما بقيت الوحدة بين الشعوب وصلات القربى.
صلات القربى
عقود من الاتحاد والنفوذ العظيم عقود من التاريخ المشترك واللغة الواحدة والمصير الواحد جمعت روسيا وأوكرانيا, تاريخ فرض نفسه وفرض صلات قربى بين البلدين ليست وليدة اليوم بل وليدة عقود من الوحدة, هذه الصلات تشبه اليوم صلات القربى التي تجمع عائلات لبنان وسوريا تماماً, أمهات من هنا أباء من هناك, والعكس صحيح, أبناء يحملون الجنسيتين الروسية والأوكرانية, طلاب يدرسون هنا وطلاب يدرسون هناك.
وتقول احدى الفتيات الروسيات أنّ الشعبين الروسي والأوكراني يشبهون بعضهم في العادات والتقاليد والأكل وحتى الشكل الخارجي, وإنّ الأوكرانيين يتحدثون الروسيّة أيضاً اضافة إلى اللغة الأوكرانية الأم, مبينة أنّ العلاقات بينهم جميلة وراقية وعميقة بسبب الزواج بين الطرفين والقرابة لأنّ الشعبين الروسي والأوكراني لا يتزوجون إلا من بعضهم البعض ونادراً ما يصاهرون الغريب, واليوم الشعب الروسي يحتضن الشعب الأوكراني القادم من بلاده بكل حب.
التخوّف من الحرب
يعيش سكان البلدين الشقيقين حالة من الخوف لأن الروس يعتبرون الأوكرانيين أخوة والعكس صحيح, وتسود شعوب المنطقتين حالة من الذعر والبلبلة في حال نشوب أحرب فلا أحد فيهم يريد أن يقاتل الأخر أو يقتل الأخر.
وأمّا الرعب الأكبر فإنه في قلوب السكان المهجرين من أوكرانيا لأول مرة في عام 2014حيث نزح ما يقارب المليون والنصف مليون شخص داخلياً في أوكرانيا وهم الأن خائفون من الفرار الثاني, وتقول احدى الفارات أنّها أصيبت بالذعر في أول اسبوعين منذ بدء الترويج للحرب, وبدأت تتسأل ماذا ستفعل؟ أين ستذهب هذه المرة وهل يجب أن تبقى هنا؟ لتعيد نفس مشاعر الخوف التي عاشتها أول مرّة, مؤكدةً أنّها مشاعر صعب أن تتحدث عنها حيث كان الأمر مرعب بالنسبة لها في عام 2014 وكانت تراقب الوضع من بعيد, ولم تعتقد أنّها ستكون من بين الفارين أوّل مرّة من دونيتسك, بدأت القذائف تنهال عليهم وتدمرت البيوت وأصبح هناك شح في الغذاء ونقص في الكهرباء ما دفعهم للهروب, وهي اليوم في حالة من القلق أن يتكرر ذلك للمرة الثانية, لا أحد يحب الخروج من بيته فجأة أو يودّع أهله وجيرانه أو أن يترك أرضاً عاش بها لسنوات.
هل ستوثر الحرب على الرعايا في البلدين المضيفينوالطلاب؟
ونظراً للعلاقات التاريخية بين البلدين والعلاقات الأُسُريّة العرقية التي تجمع المواطنين ببعضهم , فإنّه يوجد الكثير من الروسيين في أوكرانيا والكثير من الأوكرانيين في روسيا, وفي حال قيام حرب في المستقبل بين البلدين فإنّمصير المواطن الأوكراني أو الروسي في البلد المضيف لن يتغير.
ويوضح الدكتور محمد الاصيل من روسيا أنّ روسيا تمنح المواطنين الأوكرانيين دائماً الاقامة في روسيا, وقبل الأحداث والأن أيضاً إنّ معاملة المواطن الأوكراني كمعاملةالمواطن الروسي تماماً ولهم ميزات كثيرة, وقال الدكتور محمد بشأن مصير الأوكرانيين في حال اندلعت الحرب بين البلدين أنّه لا علاقة للمواطنين الأوكرانيين بهذا الشيء وليس لهم ذنب وهم يمارسون حياتهم الطبيعية في روسيا بكل ما أتيح لهم.
ويشير مصدر من أوكرانيا إلى أنّ الحرب لن تؤثر على الروسيين المقيميين في أوكرانيا ولكن بعض العائلات ستفضل العودة إلى بلدها وقد أبلغت السفارة الروسية بخطاب موجه إلى رعاياها أن يعودوا إلى روسيا مثل باقي الدول التي خاطبت رعاياها وطلبت منهم العودة, وعن الطلاب الروس في أوكرانيا أكد المصدر أنّه لن يحدث شيءلهم إلا أنّه من المتوقع أن يأخذوا عطلة مؤقتة أو يكملون دراستهم في روسيا ثم يعودون بعد نهاية التصعيد.
ويسود القلق جميع المواطنين والطلاب في كلا البلدين لما تجمعهم من علاقات قوية ومحبة ومن هذا المنطلق يحاولون تجنب التصعيد.
المستفيد من الحرب بين روسيا وأوكرانيا:
يسعى الغرب بكل ماكينته الإعلامية إلى جر روسيا وأوكرانيا إلى حرب محسومة النتائج لصالح روسيا, لكن نتائج هي غير مرغوبة للروسيين والأوكرانيين, حرب لا تريدها روسيا ولاتريدها أوكرانيا, واليوم ونحن على أبواب حرب مدفوعة من الغرب نجري سرد سريع للمستفيدين:
في النظر إلى اقتصادات الدول المّروجة إلى الحرب الأوكرانية الروسية نرى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا يعانون من أزمة اقتصادية ورفض شعبي بنسب متفاوتة ولكن لابأس بها, ويحاولون افتعال الحرب لصرف نظر مواطنيهم عن أزماتهم الداخلية التي يعانون منها.
وفي حال اندلعت الحرب سوف تضطر أوكرانيا إلى شراء المزيد من الأسلحة والوجهة الأولى ستكون الولايات المتحدة الأمريكية ما سيؤدي إلى زيادة مبيعات الاسلحة من الأخيرة لأن جزءا من اقتصادها مبني على بيع الأسلحة والنفط, لذلك تفتعل الحروب كل عدة سنوات.
وأيضا عودة روسيا لتأخذ موقع هام في العالم لم يعجب الولايات المتحدة كثيراً حيث أنّ تطور الاقتصاد الروسي في الفترة الأخيرة وتعاظم علاقات روسيا مع الدول الغربية والشرق أوسطية لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة, وبالتالي من صالح الولايات المتحدة اشغال روسيا وايقاف تمدد نفوذها ومن صالحها أيضاً اندلاع حرب تترتب عليها بعض الخسارات على روسيا وجرّها إلى حرب استنزاف طويلة, اضافة إلى تحضير الولايات المتحدة نفسها لفرض عقوبات على روسيا بغية حصارها واضعافها.
وهناك مستفيد أخر أيضا وهي تركيا حيث يقول المحلل السياسي الصربي نيكولا ميكوفيتش إنّه إذا اشتعلت الحرب, فإن أنقرة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من روسيا وأوكرانيا، قد تكون أحد المستفيدين الرئيسيين، من خلال بيع الأسلحة إلى أوكرانيا وشراء الأسلحة من روسيا، ويبدو أن تركيا قد حققت بالفعل بعض أهدافها الجيوسياسية.
وبين مصالح الكبار والصغار ومستفيد وخاسر يبقى الشعبين الروسي والأوكراني الشقيقين هم الخاسر الأكبر في هذا النزاع الذي يرغب به الغرب, فما يجمع الشعبين أعمق من الخلافات والحروب المصطنعة.

كاتبة سورية' رأي اليوم '




التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012