أضف إلى المفضلة
السبت , 20 نيسان/أبريل 2024
شريط الاخبار
بحث
السبت , 20 نيسان/أبريل 2024


التغير المناخي والأمن (المائي ،الغذائي والطاقة)

بقلم : المهندس صخر النسور
28-08-2022 11:56 PM

موجات حر شديدة ، جفاف، قلة هطول مطري، حرائق، ذوبان للثلج، ارتفاع مستوى سطح البحر، فيضانات، عواصف رملية، أعاصير وعواصف مدمرة، كل ذلك وغيره من اضطرابات وأجواء مناخية غير اعتيادية تحدث بالعالم أجمع حيث اخذت هذه الظواهر الجوية القصوى تتزايد في تواترها وشدتها.

ويخبرنا العلم بأن تغير المناخ حقيقة لا يمكن إنكارها وفقا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) بتقريرها 'تحديث المناخ العالمي السنوي:' 2022-2026 ' حيث يُتوقع أن يكون المتوسط السنوي العالمي لدرجة الحرارة القريبة من السطح لكل عام بين الأعوام ( 2022 و2026 ) أعلى بمعدل يتراوح بين (1.1 درجة مئوية -1.7 درجة مئوية ) مقارنةً بمتوسط درجات الحرارة بين الأعوام ( 1850 و1900)، وهو معدل ارتفاع لم تشهده الأرض منذ 125 ألف عام، أي منذ الفترة التي سبقت العصر الجليدي الحديث. مما سيؤدي الى ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض بمقدار 1.1 درجة مئوية مما قد يسبب آثارا كارثية على التوازن البيئي الطبيعي.

فالأنهار الجليدية والصفائح الجليدية في المناطق القطبية والمناطق الجبلية باتت في حالة ذوبان أسرع من أي وقت مضى كما ورد في تقرير اللجنة الاستشارية لعلوم المناخ التابعة للأمم المتحدة عام 2019 .

إن القطب الشمالي يحترّ 'بأكثر من ضعف المتوسط العالمي' بسبب عملية تعرف باسم التضخيم القطبي (وتحدث تلك الظاهرة عندما يذوب الجليد البحري والثلج اللذان يعكسان بشكل طبيعي حرارة الشمس، في مياه البحر التي تمتصها) الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع متوسط مستويات سطح البحر نحو 17 سم، وهذا الارتفاع في منسوب مياه البحار سيفاقم الفيضانات الساحلية والعواصف حيث ويوجد ما يقرب من ثلثي مدن العالم التي يفوق عدد سكانها خمسة ملايين نسمة في مناطق معرضة لخطر ارتفاع مستوى سطح البحر، ويعيش نحو ٤٠ في المائة من سكان العالم ضمن نطاق ١٠٠ كيلومتر من الساحل. وإذا لم يُتخذ أي إجراء في هذا الصدد، قد يأتي يوم، ولعله في حياتنا، على مقاطعات بأكملها ومدن ساحلية ستكون مغمورة تحت الماء، الأمر الذي سيؤدي إلى نزوح الملايين من الناس.

للاحترار العالمي آثارا على الأمن الغذائي والمائي للناس جميعا. فتغير المناخ سبب مباشر لتدهور التربة، الأمر الذي يحد من كمية الكربون الذي يمكن للأرض أن تستوعبه، كما أن التغيّر العالمي في نسق هطول الأمطار وعدم القدرة على التنبؤ بأنماط الطقس والظواهر المناخية الأشدّ قسوة ستسبب أضراراً كبيرة في المحاصيل الزراعية التي تعتمد عليها الأنظمة الغذائية العالمية، لتؤدي حالة عدم الاستقرار هذه إلى الزيادة المستمرة للأسعار، مما يعني انعدام الأمن الغذائي وهذا قد يؤدي إلى تأثيرات تمتد مدى الحياة، إضافة إلى تدمير سبل العيش، وزيادة الهجرة والنزاعات والحروب والصراعات. كما تتسبب الفيضانات بإضعاف مرافق المياه والصرف الصحي والبنيه التحتية مما يقود إلى انتشار أمراض من قبيل الكوليرا.

إن تغير المناخ من التهديدات الكبرى للسلم والأمن الدوليين. فبسبب آثار تغير المناخ يحتدم تنافس الدول على الموارد، مثل الأراضي والغذاء والمياه ومصادر الطاقة ، الأمر الذي يؤجج التوترات الاجتماعية والاقتصادية ويؤدي بصورة متزايدة إلى خسائر بالارواح النزوح الجماعي للسكان.

ووفقاً لآخر الأبحاث من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أمامنا أقل من 11 سنة لإجراء التحوّل الضروري لتجنب أسوأ تأثيرات تغير المناخ. اذ بات لازما تخفيض مستوى ثاني أكسيد الكربون في الجو بمقدار 45 في المئة بحلول عام 2030 لمنع تجاوز الاحترار العالمي 1.5 درجة مئوية وبمعنى آخر، العتبة التي يمكننا تجنب أسوأ تأثيرات تغير المناخ إذا لم نتجاوزها.

هنالك تفاوت في آداء دول العالم للتعايش والإستعداد لمواجهة هذه التغيرات المناخية وأثرها على مناحي الحياة كافة (صحة، غذاء، إقتصاد، صناعة، سياحة) لضمان تطور ونمو و سلامة الشعوب وديمومة وجود الدول ، فمنها من استشرفت المستقبل بشكل مبكر وأعدت العدة والخطط الإستراتيجية ومنها ما زال في حالة غيبوبة وعدم فهم لما هو قادم .

ولما كان الأردن من ضمن الدول المتأثرة بالتغيرات المناخية وليست مسبباً فيه وكما هو معرف بأن الدول الصناعية الكبرى هي صاحبة الأثر الأكبر في إحداث هذا الخلل في توازن الطبيعة. وبشكل عام فان العالم أجمع يعاني من أثار التغير المناخي، وبشكل خاص في الأردن يعتبر نقص وشح المياه الشديد وارتفاع كلف الطاقة أحد أكبر المعيقات أمام التطور الاقتصادي والتنموي في الأردن، حيث يتراوح معدل الهطول المطري حاليا ما بين 50 الى 570 ملم سنويا، ويقدر معدل الهطول المطري طويل الامد بحوالي 8 مليار متر مكعب، علما بأن أقل من 10 ٪ من المعدل قابل للاستخدام على شكل تصريف سطحي وتغذية للمياه الجوفية (أقل من 800 مليون م 3).

تجدر الاشارة الى أن حصة الفرد في الأردن من المياه من أقل الحصص المائية في العالم (اقل من 80 م 3/الفرد/السنة) وهي في نقصان مستمر جراء النمو السكاني والهجرات القسرية من الدول المجاورة الى الأردن حيث بلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين وغير المسجلين حوالي ( 1,330,000 ) (UNCHR 2019)، كل هذا ينعكس سلبا على قطاع المياه بسبب زيادة الطلب على المياه ومحدودية الموارد المائية مما أدى الى استنزاف عدد كبير من المصادر المائية وهبوط حاد في مستوى سطح المياه الجوفية والذي أدى الى تراجع في نوعية المياه القابلة للاستخراج .

إضافة الى ما ذكر فإن آثار التغير المناخي زادت من حدة الأزمة المائية في الأردن والمتمثلة بارتفاع درجة الحرارة في المنطقة لتزيد عن 0.2 درجة مئوية لكل عقد من الزمن. على مدى نصف القرن الماضي زاد متوسط درجات الحرارة السنوية في عمان بما يزيد عن 1.5 درجة مئوية وانخفض الهطول المطري بما يزيد عن 50 ملم سنويا، اضافة الى زيادة في موجات الحر الشديدة وازدياد عدد الأيام ذات درجات الحرارة العالية.

حيث يسهم التغير المناخي في العجز المائي المستقبلي وتناقص المياه المتاحة بقدر ما تسهم التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتغيرات الجيوسياسية في زيادة الطلب على المياه.

اما عن الأمن الغذائي في الأردن، تعتبر الاغوار وبخاصة وادي الأردن (سلة غذاء الأردن) الجزء الأكثر خصوبة في الأردن وهو موقع يتميز بدفئه في فصل الشتاء، ويتمتع بميزة الإنتاج الزراعي المبكر للخضار والفواكه مقارنة ببقية مناطق المملكة ودول الجوار وقد بلغت المساحة المزروعة بالمحاصيل الحقلية والحبوب في عام 2019 نحو (783,358) دونم، أما الخضروات فبلغت مساحتها حوالي (441,613) دونم، والأشجار المثمرة من ضمنها الحمضيات حوالي (386,465) دونم بدون الزيتون المثمر البالغ مساحته (957,004) دونم. وعليه تقدر المساحة الإجمالية المزروعة في المملكة في عام 2019 نحو (2,568,650 ) دونم تشكل ما نسبته (3%) من مساحة المملكة أما الإنتاج، فقد بلغ إجمالي انتاج المملكة من الحبوب والمحاصيل القمحية والخضروات بأنواعها وانتاج الأشجار المثمرة حوالي ( 2,685,916 ) طن حسب التقرير الإحصائي لوزارة الزراعة عام 2019.

من أبرز آثار التغير المناخي في الأردن تشمل:

● ارتفاع في معدل درجات الحرارة وزيادة في شدة موجات الحر مما يؤدي الى زيادة التبخر.

● نقصان الهطول المطري مما يؤدي الى قلة التغذية للمصادر المائية السطحية والجوفية.

● زيادة التباين والتذبذب في أنماط الهطول المطري الزماني والمكاني الذي أدى الى مزيد من التغيرات المتمثلة في شدة الجفاف وشدة الفيضانات

● موجات صقيع شديدة تؤثر على المحصول الزراعي في وادي الأردن (سلة الأردن الغذائية)

● عواصف غبارية شديدة تؤثر على الغطاء النباتي والتنوع الحيوي

● ظهور أنماط موسمية مختلفة وزيادة في شدة الجفاف مما يؤثر على كميات التخزين المائي تغذية المياه الجوفية والاضرار بالزراعة البعلية

● تسبب الأمطار الشديدة أيضا زيادة في انجراف التربة والذي يسبب خسائر في تخزين المياه في التربة وترسب الطمي في السدود المائية وتقليل سعتها التخزينية ناهيك عن الانهيارات والانزلاقات

● يؤثر ارتفاع درجات الحرارة أيضا على كفاءة محطات معالجة مياه الصرف الصحي.

ومع كل الجهود المبذوله من الدولة والحكومات والمتعاقبة للتصدي لهذه الظاهرة وتخفيف الاثار السلبية الناجمة عنها الا أنها لا زالت ضمن مجالات المعالجة الافرادية والموسمية وعليه فإننا في الأردن بحاجة ماسة وسريعة إلى التنبه والإعداد لخطط إستراتيجية شمولية قابلة للتنفيذ وفق برنامج زمني يضمن العمل المؤسسي وتكليف إحدى المؤسسات السيادية بمشاركة أصحاب الرأي والخبرة للمشاركة في إعداد هذه الخطط وعمل SWOT Analysis خارطة طريق توضح نقاط القوة والضعف والمخاطر والتحديات لكي نسعى لتخفيف الأثر البالغ لهذه التغيرات المناخية على بلدنا، وقد يكون مركز الأمن وإدارة الأزمات إحدى المؤسسات الوطنية التي نعتز بها كمؤسسة أرادها جلالة الملك منذ نشأته مركز يعمل وفق منهجية علمية تستند الى قواعد البيانات للوصول إلى السبل التي تساهم في الحد من الآثار السلبية على قطاعاتنا المختلفة، وقد أكد جلالة الملك بضرورة إيلاء موضوع الأمن الغذائي أهمية قصوى كرؤية إستراتيجية وتم تكليف الحكومة بضرورة ايلاء هذا الموضوع الأهمية القصوى التي تتمثل بوضع استراتيجيات وسياسات وتدابير من أجل التكيف مع التغير المناخي والتخفيف من آثاره، المتمثلة في ما يلي :

● الاسراع في تنفيذ مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر .

● تجميع وتخزين المياه من خلال بناء السدود بجميع انواعها والبرك واستخدامها في تغذية المياه
الجوفية.

● تكثيف البحث عن مصادر مائية جديدة وتشمل الحصاد المائي وتشجيع الزراعة البعلية والتي تغطي حوالي 60 ٪ من الأراضي الزراعية في الأردن

● الحوافز الاستثمارية لاستدامة استخدامات المياه (والطاقة) وأيضا في استخدام المزيد من الطاقة المتجددة في قطاع المياه والزراعة.

● تحسين نظم جمع البيانات المناخية والرصد والإنذار المبكر.

● ضرورة ايلاء موضوع المياه الاقليمية والعابرة للحدود الاهمية القصوى للحفاظ على الحقوق المائية للاردن .

● نشر الفكر التوعوي للحفاظ على مصادر المياه بالاضافة الى الاتصال المباشر مع المزارعين للوصول الى انماط زراعية تساهم في تحقيق الأمن الغذائي .

الله نسأل أن يحفظ بلدنا الأردن وشعبه الوفي وقيادته الهاشمية الحكيمة .

قال تعالى ' رب اجعل هذا بلدا امنا وارزق أهله من الثمرات ' .

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012