أضف إلى المفضلة
الثلاثاء , 23 نيسان/أبريل 2024
الثلاثاء , 23 نيسان/أبريل 2024


الانتقام والاجتثاث (1) و (2)

بقلم : محمد داودية
05-09-2022 06:04 AM

الانتقام والاجتثاث (1) !!
كان محمد عودة القرعان مديرا عاما لمؤسسة الإقراض الزراعي عندما تم توقيف الموظف المهندس الزراعي سمير الحباشنة في سجن المحطة، بتهمة إحياء تنظيم صلاح جديد.
حين مرت 6 شهور على التوقيف، دخل عدد من مدراء المؤسسة على مديرهم يطلبون موافقته على وقف صرف راتب المهندس الحباشنة تنفيذا للتعليمات.
غضب محمد عودة القرعان، وصرخ: ظننت أنكم جئتم تستأذنونني لزيارة زميلكم وأنكم تطلبون مساهمتي لشراء الكتب والسجائر والملابس الداخلية للتخفيف من محنة زميلكم.
حاول عدد من السياسيين والضباط الانقلاب على الملك حسين، و ضَلَعَ بعضُهم في محاولة اغتياله.
اعتُقل عدد و فرّ آخرون إلى الخارج طالبين اللجوء السياسي في برلين وموسكو وبكين وبلغراد وسورية ومصر حيث شهّروا من اذاعاتها، بالملك !!
أصدر الملكُ عفوه عن أبناء الوطن فعادوا واصبحوا من أشد المخلصين للعرش.
وقد تجلت رفعةُ الملك حين أمر بأن يُحال إلى التقاعد فقط، من كانت خدمته قابلة للتقاعد. وأن يُعاد إلى الخدمة برتبة أقرانه، من لم يصل إلى سن التقاعد، من اجل الحصول عليه !!
ابراهيم الحباشنة، نذير رشيد، علي الحياري، علي أبو نوار، سليمان ارتيمة، صالح الشرع، رفعت عودة وصادق الشرع...
استلم وصفي التل عمله مديرا عاما للإذاعة فلاحظ ان أحد المراسلين 'نايط' كثير التغيب.
ناداه وصفي ونبهه، فانتظم المراسلُ حيناً، ثم 'فَرَطَها'.
'دَقّ وصفي برقبته وبطحه' قائلا له: إن عقوبة الحسم من راتبك عقوبةً لأسرتك، العقوبة محصورة فيك 'زي ما انت شايف'.
رحل منذ ثلاثة أيام، ثلاثة مثقفين سياسيين عراقيين بارزين، هم سامي مهدي ونديم الياسين وسلام الشمّاع يرحمهم الله.
ويسجل أن آلاف الرجال والنساء المحسوبين على العهد العراقي القومي السابق، طيارين وعلماء وإعلاميين وأكاديميين وضباطا، اغتيلوا أو سُجنوا أو هُجّروا من ديارهم أو فرّوا من فِرق الاغتيالات أو حرموا من اراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم وحقوقهم التقاعدية، مثلما حصل مع الراحلين آنفي الذكر، رغم أنهم لم يشاركوا في أية انتهاكات.
وهل تُدار الدول بغرائز الانتقام والاجتثاث لا بقاعدة 'إذهبوا فأنتم الطلقاء' ؟!

الانتقام والاجتثات (2)
الحالة المغربية نموذجا.
انتهكت الأنظمةُ إنسانيةَ الإنسان وحقه في الحياة والتعبير، بلا رحمة أو هوادة.
وقاوم الإنسان أنظمة الطغاة، أطاحها ومزقها بلا هوادة.
لم تكن العبودية أول أنظمة الانتهاكات الفظيعة، ولن يكون آخرها 'المكارثية' ومذبحة 'ماي لاي' في فيتنام ومخزاة أبو غريب في العراق. ولا 50 مذبحة ارتكبتها الصهيونية بحق الشعب العربي الفلسطيني.
لقد أدانت الأنظمةُ الراشدة الحيّة تعسفَها وظلمَها، في سعيها إلى التبرؤ والتطهر من الماضي الدامي، فالنظام الراشد المحنك، يدرك أن لا مفر من سطوع نور الحقيقة.
كانت الأرجنتين أول من شكّلت لجنة وثّقت انتهاكات حقوق الإنسان في ظل الديكتاتورية العسكرية عام 1984.
وأنشأت تشيلي لجنة مماثلة عام 1990. وشُكّلت لجانٌ في أوغندا وأندونيسيا والسلفادور وغواتيمالا وجنوب أفريقيا ونيبال وكمبوديا وكندا وأستراليا ...
إن إنصاف المعارضة، والاعتذار عن الأفعال الوحشية المرتكبة بحقها، لهو البداية لا النهاية. فالوجه الآخر لمسألة 'نبش الماضي' هو وجوب أن لا يظل من ارتكبوا الجرائم، في منأى عن المحاسبة والإفلات من العقاب.
إن مراجعة الماضي والتحديق في بشاعته، هي إجراء أخلاقي، ينصف المضطهَدين والذين تم اغتيالهم ويريح ذويهم كثيرا، وليس كليا.
وليس من مؤشر دقيق على الكوميديا السوداء، كمطالبة الظالمين بالاعتذار عن مقارفاتهم، و في المقابل قليلة هي الأنظمة التي اعتذرت لشعوبها عن القمع والإذلال !!
أقدم الملك محمد السادس ملك المغرب على أشجع القرارات وأكثرها إنصافا وعدلا، حين شكّل 'هيئة الإنصاف والمصالحة' عام 2004، التي راجعت الماضي وغطّت الحقبة من 1956 حتى 1999، المُسمّاة 'سنوات الدم والرصاص' !!
فقد كلّف الملكُ 'هيئة الإنصاف والمصالحة' بجبر الأضرار التي لحقت بضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي. وحقَّقت اللجنة في نحو 20000 حالة، وقدمت توصياتها بتوزيع 85 مليون دولار على 16000 فرد، وخلصت إلى وفاة 742 شخصًا من المختفين قسريًا.
سوف تصل أنظمة العالم الفاسدة المستبدة إلى ساعة الحقيقة عاجلا وآجلا. ولن يقبل المظلومون أن تظل المراوحة بين مبدأي المصالحة و العقاب، فالحق في الوصول إلى الحقيقة ليس كافيا في نظر الجميع.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012