أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 04 كانون الأول/ديسمبر 2024
الأربعاء , 04 كانون الأول/ديسمبر 2024


الأمن الغذائي والابتكار الزراعي

بقلم : سارة طالب السهيل
07-11-2024 07:47 AM

منذ طفولتي، كانت الزراعة تمثل لي رمزًا للأمل والتحدي، رغم أنني نشأت في المدينة بعيدًا عن الحقول.
كنت أستمع إلى قصص جدتي عن الأرض، وكيف كانت تُروى بجهود الفلاحين الذين يزرعون البذور ويعتنون بها، ليجلبوا لنا الثمار الطازجة. كانت تلك القصص تثير في نفسي شعورًا عميقًا بالارتباط بالطبيعة، وتعلمني قيمة العمل الشاق والتفاني.
اليوم، وفي ظل التحديات التي تواجه الزراعة في وطننا، أدركت أن الأمن الغذائي هو حق أساسي لكل إنسان، وأن تطوير هذا القطاع الحيوي يتطلب جهودًا جماعية وإبداعًا مستمرًا.
في هذا المقال، سنستعرض سبل تطوير الزراعة في الأردن، لنحوّل تلك الذكريات الجميلة إلى واقع ملموس يعكس طموحاتنا وآمالنا.
تعتبر الزراعة من القطاعات الحيوية في الاقتصاد الأردني، حيث تؤدي دورًا أساسيًا في تحقيق الأمن الغذائي وتوفير فرص العمل. ورغم التحديات العديدة التي تواجه هذا القطاع، مثل شح المياه وارتفاع تكاليف الإنتاج، إلا أن هناك إمكانيات كبيرة لتطوير الزراعة في الأردن من خلال استراتيجيات فعالة تتماشى مع الظروف البيئية والاجتماعية.
تواجه الزراعة في الأردن العديد من التحديات التي تحتاج إلى حلول مبتكرة. يعتمد الأردن على المياه الجوفية المحدودة ومصادر المياه الأخرى التي تتعرض للاستنزاف، مما يجعل شح المياه تحدياً كبيراً. يمكن معالجة هذا التحدي من خلال تطبيق تقنيات حديثة مثل الري بالتنقيط وإعادة استخدام المياه المعالجة. تشمل التحديات الأخرى ارتفاع تكاليف الإنتاج، والتي تتضمن التكاليف المرتفعة للأدوات الزراعية والبذور والأسمدة. يمكن تخفيض هذه التكاليف من خلال دعم الحكومة وتقديم قروض ميسرة للمزارعين.
تشير الإحصاءات إلى أن الأراضي الزراعية تغطي حوالي 2.6% من المساحة الكلية للأردن، وتساهم الزراعة بحوالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل حوالي 6% من السكان في القطاع الزراعي.
من الحلول الممكنة لتحسين الأمن الغذائي في الأردن هو التحول إلى الزراعة العضوية، حيث يمكن تشجيع المزارعين على تبني هذا النهج لتلبية الطلب المتزايد على المنتجات الصحية. كما يمكن استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل تطبيق الزراعة الذكية واستخدام الطائرات بدون طيار لمراقبة المحاصيل وتحسين الإنتاجية. ومن المهم أيضاً الاستثمار في البحث العلمي والتطوير من خلال إنشاء مراكز بحثية متخصصة لتطوير أصناف جديدة من المحاصيل تتناسب مع الظروف المناخية في الأردن.
هناك العديد من المشاريع الناجحة في الأردن التي تعكس الابتكار الزراعي. على سبيل المثال، مشروع الزراعة المائية في جرش، وهو من أحدث المشاريع الزراعية الحديثة والزراعة الأحيامائية، الذي وفّر أكثر من 1700 فرصة تدريبية لمهندسين زراعيين وفنيين ومزارعين. بالإضافة إلى مشروع الغابات في الصحراء في العقبة، الذي يستخدم المياه المالحة للتخفيف من الضغط على إنتاج الغذاء والطاقة والمياه العذبة في الأردن.
يمكن أن تلعب التكنولوجيا الزراعية الذكية دورًا محوريًا في تحسين الإنتاجية وكفاءة الموارد. من أبرز هذه التقنيات:
الزراعة الدقيقة استخدام تقنيات مثل الطائرات بدون طيار لجمع البيانات حول حالة المحاصيل والتربة، مما يساعد المزارعين على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الري والتسميد.
وأيضا هناك أنظمة الري الذكي فتطبيق تقنيات الري بالتنقيط المدعومة بأجهزة استشعار رطوبة التربة، مما يضمن استخدام المياه بكفاءة، ويقلل من الهدر.
والزراعة العمودية إنشاء مزارع عمودية في المناطق الحضرية، حيث يمكن زراعة الخضروات والفواكه في مساحات صغيرة باستخدام أنظمة الإضاءة LED وتقنيات الزراعة المائية.
تحليل البيانات الكبيرة يعني استخدام كميات كبيرة من البيانات والذكاء الاصطناعي لفهم أنماط الطقس والمعلومات المتعلقة بالزراعة. هذا يساعد على توقع المحاصيل الأفضل وتفادي المخاطر.
أما التطبيقات الزراعية، فهي تطبيقات للهواتف الذكية تساعد المزارعين في متابعة حالة محاصيلهم، وإدارة الموارد، والحصول على نصائح زراعية مدعومة بالبيانات.
من أجل ارتقاء القطاع الزراعي إلى آفاق جديدة، ينبغي أن يتم التنسيق المثمر بين الحكومة والشركات الخاصة عبر تقديم حوافز ضريبية مغرية تحفز على استثمار تلك الشركات في هذا المجال الحيوي. بالإضافة إلى ذلك، يتوجب توفير الدعم الفني الذي يسهم في تمكين المزارعين والمستثمرين من تحصيل المعرفة والخبرة اللازمة، وتقديم برامج تدريب شاملة تعزز من قدراتهم. كما يجب العمل على إنشاء منصات تسويقية محلية ودولية تساهم في تسويق المنتجات الزراعية، مما يرفع من قيمتها، ويزيد قدرتها التنافسية في الأسواق.
تحفيز الزراعة الحضرية في المدن، مثل إنشاء حدائق مجتمعية أو زراعة الأسطح، يمكن أن يساعد على توسيع المساحات الخضراء وتعزيز الأمن الغذائي في المناطق الحضرية.
إن النهوض بالزراعة في الأردن يستلزم تكاتف الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المحلي. عبر استراتيجيات متكاملة، يمكن بلوغ الاكتفاء الذاتي وزيادة الإنتاجية الزراعية، مما يسهم في تعزيز الأمن الغذائي ورفع مستوى معيشة المواطنين. إن تعزيز الابتكار والتعاون بين كافة الفاعلين سيمكن الأردن من تحقيق طموحاته في مجالات الأمن الغذائي والتنمية المستدامة.

الرأي

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012