أضف إلى المفضلة
الجمعة , 16 أيار/مايو 2025
الجمعة , 16 أيار/مايو 2025


الأعراس الجبلية

بقلم : حصة سيف
04-05-2025 08:51 AM


يستحق التقدير كل من تمسّك بالعادات والتقاليد الأصيلة، خاصة في زمن تتسارع فيه وتيرة التغيير والانفتاح على أنماط الحياة الحديثة، فالحفاظ على الموروث الشعبي لا يعني الجمود، بل هو تجديد للعهد بالقيم التي تربّينا عليها، وتجسيد حيّ لروح الترابط والتكافل التي تميز مجتمعنا.

وتُعدّ الأعراس التقليدية، ولا سيما الجبلية منها، إحدى أبرز صور هذا التراث، فهي ليست مجرد احتفالات تُقام وتنتهي، بل مناسبات تُعيد بث الحياة في قيمنا ومبادئنا، حيث يتفازع الناس ويتعاونون لإتمام الفرح، في صورة مشرقة للتكافل الاجتماعي الذي يجمع الأسر والقبائل، وهي حدث فريد من نوعه يجتمع فيه أعداد كبيرة من الأسر والجماعات، وهي فرصة رائعة لدعوة الأجانب والسياح للاطلاع على صور بهجتنا بما تحمله من ثقافة وقيم وتقاليد، كما يعتبر بحد ذاته حدثاً يتعرف فيه أفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين على أحد أبرز مظاهر الاحتفالات في الحياة الجبلية.
فالعرس الجبلي يبدأ قبل يومه المنتظر، فالأهازيج والطبول تتعالى قبل موعد العرس بأيام وقد تصل إلى أسبوع، ويصل الضيوف من كل حدب وصوب، حاملين معهم الذبائح ومشاعر الفرح. ويتميّز العرس الجبلي بطقوسه الفريدة، من الرزيف، والمزافن بالسيوف، والندبة، إلى الاستعراضات التي تؤدى بلباس تقليدي مهيب، أهمها محزم الخنجر و”الزَّانة” التي كانت في الماضي ذخيرة حقيقية، وأصبحت اليوم رمزاً للزينة والهوية.
ويصل المعازيم جماعاتٍ وقبائل، كلٌ يدخل بسيرته الخاصة وصيحاته الترحيبية، بينما يقف أهل العريس لاستقبالهم بالهتاف والتقدير، والطبول الجبلية، بلحنها الفريد، تصدح في أرجاء الجبال وتُنعش الأرواح، لتعيد الحياة للحن الحياة القديمة، بما تحمله من معانٍ وقيم اجتماعية تتأصل في نفوس الأجيال.
حتى الأطفال لهم نصيبهم من هذه الفرحة، يقلدون الكبار في الرزيف والندبة واستقبال الضيوف، بينما تشارك الفتيات في تقديم الضيافة للنساء، في مشهد يرسّخ استمرارية التقاليد عبر الأجيال وتكبر معهم تلك العادات لتضيف لهم خبرات ومهمات لا يعيشها الكثير من أقرانهم، لتشد عودهم وتجعلهم قادرين على حمل المزيد من المهام. وإحياء هذه المناسبات ليس مجرد حنين إلى الماضي، بل تأكيد على أن في عاداتنا ما يربطنا ببعض، ويقوّي جذورنا، ويمنحنا هوية لا تزول، وإحياؤها لا كذكرى فقط بل كأمانة نسلمها لمن بعدنا.

الخليج الاماراتية

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012