أضف إلى المفضلة
الجمعة , 07 تشرين الثاني/نوفمبر 2025
شريط الاخبار
مجلس الأمن يرفع العقوبات عن الرئيس السوري ووزير الداخلية الأرصاد الجوية: 2025 من أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق أميركا تبدأ مفاوضات أممية بشأن تفويض قوة دولية في غزة الأردن يشارك في مؤتمر الأطراف COP30 في بيليم البرازيلية الرئيس اللبناني: إسرائيل ترتكب جريمة سياسية كلما أبدى لبنان انفتاحًا على الحل السلمي إعلان قائمة المنتخب الوطني لمواجهتي تونس ومالي وزير الخارجية يجري اتصالا هاتفيا مع نظيرته النمساوية استكمالاً للزيارة الملكية للكرك رئيس الديوان الملكي يلتقي 200 شخصية من أبناء وبنات المحافظة جولة ملكية آسيوية لتعزيز الشراكات الاقتصادية وتوسيع فرص الاستثمار في الأردن الإحصاءات العامة: أداء ضعيف لإنتاج زيت الزيتون مقارنةً بالمواسم السابقة إغلاق جسر عبدون المعلق مؤقتاً لإجراء أعمال صيانة صباح الجمعة انخفاض أسعار الذهب محليًا .. وغرام 21 يتراجع إلى 80.9 دينارًا "الزراعة": بدء استقبال طلبات استيراد زيت الزيتون الأحد المقبل الدوريات الخارجية تسجل مخالفة سرعة بلغت 174 كم/ساعة الملك يبدأ زيارة إلى اليابان السبت في مستهل جولة عمل آسيوية
بحث
الجمعة , 07 تشرين الثاني/نوفمبر 2025


عامان على الإبادة.. حين سقط القناع عن وجه العالم

بقلم : آمال الرطروط
12-10-2025 06:48 AM

و نحن في خضم الأخبار عن إنهاء الحرب على غزة والاتفاق بين حماس و إسرائيل، يكون قد مر عامان على حرب الإبادة، عامان من الدم والرماد، عامان تحول البشر فيهما إلى أرقام حتى توقفنا عن العد، عامان تحولت فيهما بيوتنا إلى إطلال، عامان و كل حياة في غزة سُلبت منها الروح. عامان كُشف فيهما حقيقة العالم الذي طالما تغنّى بالحرية و حقوق الإنسان، فإذا به يصمت أمام هذه الإبادة، بل يشارك فيها بوجه بارد وبصوت مخنوق بالأكاذيب.

منذ السابع من أكتوبر، لم تُقصف غزة وحدها، بل قُصفت معها كل القيم التي ادّعت الإنسانية أنها تحميها. سقطت الأقنعة واحد تلو الآخر، دول كبرى تبيع الموت في صناديق أسلحة، تمول الحرب وهي ترفع شعار الأخلاق، ومنظمات دولية تُدوّن البيانات لا لإنقاذ الأرواح بل لتبرئ نفسها. أما العالم المتحضر، فيواصل حديثه عن القانون الدولي وحقوق الإنسان كمن يروي نكتة سوداء في جنازة جماعية.

غزة لم تكن مجرد ساحة حرب، بل كانت مرآة نُصبت في وجه هذا العالم، فأنعكس فيها وجهه الحقيقي، وجهٌ بلا ملامح، بلا ضمير، بلا إنسانية. عامان تهاوت فيهما اللغة أمام هول ما يُرتكب من مجازر، وتحول الصمت إلى تواطؤ، والحياد إلى مشاركة خفية في الجريمة. أُخرست الأصوات التي نطقت بالضمير، حتى صار العدل تهمة، وصار الصمتُ براءة.

لكن وراء هذا المشهد الدموي، ثمة حياةٌ تصر على الوجود. ففي غزة، لم يبق شيء لم يُمسّه الوجع، المستشفيات تحوّلت إلى مقابر، المدارس إلى ملاجئ، والملاجئ إلى أهداف. كل بيت هناك يحمل قصة فَقْد، وكل أمّ تحفظ أسماء أبنائها الراحلين كأنها تحفظ آيات من كتاب مقدس. ومع ذلك، لا يزال الغزيون يزرعون الأمل كما يُزرع الضوء في العتمة، يؤمنون أن الغد آتٍ، ولو بعد حين.

الحياة في غزة لم تعد حق يُمنح، بل صراعاً يومياً من أجل البقاء. يُولد الطفل هناك تحت القصف لا ليسأل عن الحياة، بل ليُطالب بها. ومع ذلك، يتعامل العالم مع حق الفلسطيني في الحياة كأنه رفاهية يمكن النقاش حولها، بينما هو أبسط حقوق الوجود الإنساني.

منذ البداية، لم تكن القضية سوى قضية أرض تُسلب وشعب يُراد تهجيره. حق الفلسطيني في الدفاع عن أرضه ليس ترفاً، بل حقٌ أقرّته القوانين والأعراف، وكفلته كل مواثيق السماء والأرض. كل حجر يُرمى في وجه دبابة هو شهادة حياة في وجه آلة الموت، وكل يد تتمسك بالأرض هي إعلان بقاء ضد مشروع المحو والتهجير.

تبدو الإنسانية اليوم كما لو أنها فقدت بوصلتها، تائهةً في صحراء من النفاق السياسي والأنانية الدولية. لا أحد يسأل كيف تحوّل الدفاع عن الحياة إلى جريمة؟ وكيف صار التضامن مع المقهور فعل يستوجب العقاب؟ تلك الأسئلة وحدها كفيلة بفضح هشاشة النظام الأخلاقي الذي يتغنى به العالم، وكشف زيف إدعاءاته التي تُبني على ظلم الإنسان.

لقد انكشفت اكذوبة ما يُسمى حقوق الإنسان التي لم تعد مبدأً عالمياً، بل أداة انتقائية تُرفع حين تخدم مصالح الأقوياء وتُطوى حين يكون الضحية فلسطينياً. تلك الحقوق التي وُجدت لحماية الضعفاء، تحولت اليوم إلى درع لحماية الجلادين.

ومع ذلك، أصبحت غزة قلب العالم الحي، تنزف لكنها لا تموت، تُقصف لكنها لن تنكسر. في كل ركام تولد روح، وفي كل ظلمة يشتعل ضوء. غزة لم تعد مجرد جغرافيا محاصرة، بل صرخة ضمير في وجه عالم أصمّ، ومعنى متجدد لمقاومة الظلم في زمن إنهارت فيه القيم وسقطت فيه الأقنعة.

في ذكرى حرب الإبادة و الحديث عن إتفاق سلام بطعم الموت و الدم، لا نطلب من العالم دموعاً، بل صحوة ضمير و عدالة للضحايا الأبرياء. فالتاريخ لا يرحم الصامتين، والعدالة وإن تأخرت لا تنسى من خانها. وما حدث في غزة طوال عامين ليس مجرد مأساة محلية، بل اختبار أخلاقي للبشرية جمعاء، إما أن نستعيد إنسانيتنا، أو نُسلّم بأن هذا العالم قد مات أخلاقياً، ودفن قيمه تحت ركام غزة.

القدس

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012