أضف إلى المفضلة
الخميس , 18 نيسان/أبريل 2024
الخميس , 18 نيسان/أبريل 2024


من حياة الناس /طبق البيض

بقلم : سهام البيايضة
03-12-2012 02:40 PM

'أبو سعد سيتأخر مع أولاد البيك ، الذين يقضون إجازتهم في العقبة،وأنا هنا في البيت وحيدة مع أولادي الصغار، يومان ويعود لنا بالسلامة،هو اخبرني هذا الصباح ،عندما اتصل ليطمئن على الأولاد '
أم سعد تحدث نفسها وهي تناول ابنتها الصغيرة آخر قطعة خبز في البيت !
تعيش أم سعد وعائلتها، في شقة مستأجرة في إسكان التطوير الحضري المطل على الحزام الدائري، الذي يصل بين عمان والزرقاء.
رغم صغر مساحة الشقة التي لا تزيد عن الثمانيين متر مربع، الا أن أجرتها باهظة، بالنسبة لدخل زوجها الضئيل ،الذي لا يزيد عن الثلاث مئة وخمسين ديناراً، في أحسن الأحوال التي يعمل فيها سائقاً، لأولاد احد رجال الأعمال الكبار في البلد .
مصروف البيت يخضع لضبط شديد لدرجة التقتير،واليوم انتهت آخر أرغفة الخبز الذي احضره زوجها قبل سفره إلى العقبة
الأولاد يحتاجون الخبز، وحاجيات أخرى، قبل أن يحل الظلام .
اقرب محل تجاري للإسكان، يبعد أكثر من كيلومترين نزولا إلى الطريق السريع ..الذي يظهر من باب العمارة كشريط رمادي يغرق في أجواء الغبار المتطاير من ارض الصحراء القاحلة التي تحيط بالإسكان.
على ورقة صغيرة ،كتبت قائمة بالأشياء التي تحتاجها: أربع ربطات خبز.. كيس حليب ،طبق بيض، وبعض علب جبن المثلثات،وبعض الأشياء الضرورية للأولاد وللبيت، زائد أجرة تكسي ، للعودة،على أن لا يزيد مجموع الصرف،عن العشرين ديناراً الذي وضعته في جيب حقيبتها .وإلا فإنها لن تستطيع إكمال باقي أيام الشهر ،الا بما يكفي لشراء الخبز والجبن الرخيص.
تدثرت أم سعد بمعطفها الأسود 'الكاحت'، وقبل أن تخرج من باب شقتها، تأكدت أن أولادها يرتدون معاطفهم وقبعاتهم ..البرد في الخارج قارصاً هذا اليوم .
قبل أن تغلق باب شقتها ظهرت جارتها العجوز من باب الشقة المقابلة قائلة :اترك ابنك الصغير وابنتك عندي ..وخذي معك سعد ليرافقك ويساعدك ، بدل أن تأخذيهم كلهم ..المسافة بعيدةً نزولاً إلى الطريق الدائري ..ولا تنس انك ستضطرين إلى اجتياز الطريق السريع إلى المحل التجاري ، وأنت تحملين ابنتك الصغيرة !

اعترض الولد الصغير ،باكياً عندما سمع كلام العجوز، واخذ يقفز في مكانه رافضاً البقاء :لا أريد البقاء هنا ..لا أريد ..أريد الذهاب معك !
ابتسمت الأم لجارتها العجوز،ودموع ابنها الصغير تتساقط بغزارة، وفي لحظات احمر وجهه ونزل انفه، وجلس على الأرض يركل رجليه في الهواء :أريد الذهاب معك ..لا أريد البقاء ..لا أريد البقاء هنا !
قالت الأم : شكرا جزيلاً جارتنا الطيبة ،سآخذهم كلهم..منذ سفر والدهم لم يخرجوا من باب العمارة ،لا تقلق علينا ...سأحمل الصغيرة بين ذراعي، وسيمسك سعد بالصغير لحين وصولنا ..وفي العودة سنستأجر تاكسي!

الرياح الشديدة، كانت تصد أجسادهم فوق الطريق المسفلت،على امل مرور احدى حافلات النقل لتقلهم الى بداية الطريق السريع.
سعد ذو العشرة أعوام يمسك بيد أخيه الصغير ،الذي لم يتجاوز الخامسة بعد ،وأم سعد تحتضن الصغيرة التي لم تكمل العامين .
لا تزال الطريق طويلة ،والتعب أخذ يسري خدراً في ذراعيها، تارةً تضع الصغيرة على الأرض، وتارةً تحملها من جديد، لتسرع الخطى خلف سعد الذي يقود أخيه الصغير أمامهما .حتى وصلوا جانب الطريق السريع ،الذي يعج بالسيارات المسرعة على كلا الجانبين .
مهمة اجتياز الطريق هي الأصعب والأخطر على مرحلتين :الاتجاه القادم من عمان ..ثم الاتجاه القادم من الزرقاء، ثم بعدها بدقائق سيكونون على أول درجات المحل التجاري الكبير، الذي اصطفت أمامه مركبات الزبائن والمتسوقين .

وقفت أم سعد أمام رفوف المحل المكدسة بالمواد التموينية،عصائر، حلويات ،وأنواع مختلفة من الخبز،وأنواع عديدة من البقالة والأدوات المنزلية .
جمعت أم سعد حاجاتها في سلة صغيرة ، وأولادها يتجولون داخل المحل ،ينظرون إلى بضاعة يعرفونها وأخرى لا يعرفونها ..وكلما حاول الصغير مد يده على شيء حوله،كانت أمه ترمقه بنظرة رفض قائلة له :سأشتري لك العصير و'الشيبس' الذي تحبه ..اترك ما بيدك ..هذا ليس لنا !.
كل الإرشادات والتنبيهات التي ألقتها عليهم في الطريق، تلاشت وتبخرت بمجرد دخولهم باب المحل .
بالنسبة للأولاد ،مرافقة أمهم ،كانت مجرد رحلة مشاهدة واستطلاع ،وإذا وقعت يد احدهم على بسكويته أو لعبة صغيرة، ترمقهم بتلك النظرة التي يترجمونها فوراً إلى : اترك ما بيدك ..هذا ليس لنا !
وضعت أم سعد مشترياتها في أكياس بلاستيكيه، وطلبت من سعد أن يحمل أكياس الخبز ،وستحمل هي باقي الأكياس، لحين وصولهم إلى جانب الطريق، وإيقاف تكسي أجرة، يقلهم إلى بيتهم قبل أن تغيب الشمس .

وقفت أم سعد متكئة على إحدى السيارات أمام المحل ،تمسك بيد ابتنها الصغيرة ،تراقب سعد على جانب الشارع يمارس دور الرجل المسؤول عن أمه وإخوته وبجانبه على الإسفلت أكياس مشترياتهم إشارة إلى حاجتهم إلى مركبة نقل، يلوح بيده، كلما شاهد مركبة صفراء تظهر من خلف المنعطف البعيد،ويصفر عالياً ،عندما يتجاوزونه مسرعين غير مبالين به.
مضي أكثر من نصف ساعة في البرد، وفجأة، تذكرت أم سعد انها نسيت إحضار طبق البيض .
بسرعة طلبت من سعد أن يراقب أخوه الصغير وأخته قائلة له :انتبه لإخوتك يا سعد ،أريد أن احضر طبق البيض ..لقد نسيت أن اشتريه ..ابق مع إخوتك وسأعود حالاً!
قال سعد مستغرباً : طبق بيض كامل يا أمي؟ ..يا الله ..لقد اشتقت لطعم البيض ..من زمان ما أكلنا بيض !
تجاهلته أمه قائلة:انتبه لإخوتك واخفض صوتك، حتى لا يسمعك الناس !..ثم توجهت مسرعةً إلى المحل التجاري ،يركض خلفها الولد الصغير.
غابت دقائق داخل المحل ثم خرجت حاملةً بين يديها طبق البيض وقد غلفته بكيس ..وأثناء خروجها من الباب الرئيس ،تعثرت قدمها وسقطت على ركبتيها أرضاً، حتى كاد وجهها يلامس الطبق، لكنها تداركت نفسها عندما كبت على الأرض .
نظرت حولها ..لا احد حولها الا وأولادها، الذين هرعوا لإنقاذ البيض ،ومساعدتها على النهوض، وقبل أن تنهض طلبت من ابنها الصغير، أن يحضر لها كيساً جديداً من داخل المحل ،لتعيد فرز وترتيب البيض الغير مهشم فوق الطبق ووضعه في الكيس الجديد،وعندما انتهت ،ناولته لسعد الذي أخذه، ووضعه على مؤخرة مركبة ، كانت قريبة منهم ،ثم عاد ليساعد أمه على النهوض من كبوتها!
البنت الصغيرة كانت تجهش بالبكاء خوفاً على أمها، والصغير زادت حركته وهو يحاول أن يقترب من الشارع. سعد قرب أمه ،يحاول أن ينفض عن معطفها التراب الذي علق عليه، ألام تصرخ على الصغير حتى لا يقترب من الشارع ،الوقت شارف على الغروب ..في هذا اللحظة.. مرت مركبة أجرة مسرعةً أمامهم ، صفر لها سعد علها تتوقف .
الوقوف السريع للمركبة جعلها تقف بعيداً عنهم،حمل سعد الأكياس وتوجه بسرعة إلى المركبة .
حملت الأم البنت الصغيرة التي زاد بكاءها، وبيدها الأخرى أمسكت بالولد الصغير ..متوجهةً إلى المركبة حتى لا يغير سائقها رأيه، ويرفض أن يقلهم إلى البيت !.
فتحت الأم الباب الخلفي للمركبة ،أوقفت البنت الصغيرة على المقعد الخلفي ..ثم دفعت الصغير إلى جانبها ،لتجلس بجانبهم ،وقبل أن تغلق الباب، ناولها ابنها سعد الأكياس، لتضعها بجانبها وعند أقدامها ،ثم أغلق الباب ،وتوجه ليجلس بجانب السائق .
شعرت الأم بارتياح كبير ،لقرب انتهاء مشوارها الصعب، وقد أنهكهم تعب الوقوف والانتظار ..البنت الصغيرة توقفت عن البكاء، وبدأت تشعر بالنعاس . دقائق ..تصل وأولادها شقتهم في الإسكان !
انطلقت المركبة مسرعة فوق الطرق السريع ،وبالرغم من ألم ركبتيها والتراب العالق على معطفها،الا انها لم تتذكر طبق البيض.. الذي وضعه سعد فوق تلك المركبة أمام ذلك المحل التجاري الكبير !

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
03-12-2012 05:04 PM

اخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخ يا فقر لو كنت رجلا لقتلتك

2) تعليق بواسطة :
04-12-2012 11:12 AM

شو اخبار الحاج سلامه هو بحاجه ماسه للمساعد لله يا محسنين ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012