أضف إلى المفضلة
الخميس , 25 نيسان/أبريل 2024
الخميس , 25 نيسان/أبريل 2024


علياء ... ملكة القلوب

بقلم : الدكتور حسين عمر توقه
09-02-2013 11:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) صدق الله العظيم
كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز . وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور .
اللهم عبدك رد إليك فارأف به وارحمه . اللهم جاف الأرض عن جنبيه . اللهم افتح أبواب السماء لروحه الطاهرة وتقبله بقبول حسن .
كثيرة هي الكلمات وكثيرة هي الدموع . في ذلك اليوم الحزين استيقظت الملكة علياء رحمها الله وطالعت صحف الصباح وشد انتباهها ذلك النداء الحزين المكتوب بالحروف البيضاء على خلفية سوداء تستصرخ من خلاله مدينة الطفيلة المسؤولين أن يبادروا إلى تحسين مستوى مستشفى الطفيلة .
كانت السماء ملبدة بالغيوم ولكن قلب الملكة الأبيض لم ير غير نداء الإستغاثة من مواطني الطفيلة فقررت أن تلبي النداء واتصلت مع الطيار بدر الدين ظاظا وأخبرته برغبتها في الوصول إلى الطفيلة في أسرع وقت ممكن وتم الإتصال مع وزير الصحة الأردني محمد البشير ومع اللواء داوود حنانيا مدير الخدمات الطبية وتم إتخاذ كافة الترتيبات للقيام برحلة أخيرة من قصر الهاشمية إلى مستشفى الطفيلة .
وبكل الحماس وتلبية للنداء أخبرت علياء زوجها الملك الحسين رحمه الله بعزمها على زيارة المستشفى وقرأ الحسين نداء الإستغاثة ووعدها بأن يقوما معا بزيارة الطفيلة وأخبرها أن الأحوال الجوية لا تسمح في القيام برحلة جوية في ذلك اليوم الغائم. كما أخبرها أن لديه إفطار عمل مع ضيف الأردن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة وهو في طريقه إلى قصر الهاشمية .
وتم إلغاء الرحلة ولكن إرادة الله أكبر من إرادة الجميع ولا راد لقضاء الله سبحانه وتعالى . ونظرت الملكة الإنسانة إلى تلك الصفحة من جديد وعادت لتقرأ كلمات الإستغاثة الحزينة . وكتبت بيدها على ورقة صغيرة كلمات معدودة تم تسليمها إلى جلالة الملك الحسين رحمه الله وهو في الإجتماع الرسمي مع ضيفه الأمين العام للأمم المتحدة تقول فيها ( لقد قررت أن أزور الطفيلة ) وتم إتخاذ الإجراءات للقيام بالرحلة إلى الطفيلة وتم الإتصال من جديد مع وزير الصحة الشهيد محمد البشير واللواء داوود حنانيا الذي تم استدعاؤه بشكل طارىء إلى غرفة العمليات لمعالجة جندي تعرض إلى جلطة قلبية ويشاء القدر أن ينتدب اللواء داوود حنانيا الطبيب المقدم مهند ألخص كي ينوب عنه في هذه الرحلة . وكان قد سبق أن أصيب الطبيب مهند ألخص في حرب 1967 في الضفة الغربية إصابة بالغة فقد على إثرها عينه وهو يؤدي واجبه الإنساني في المستشفى العسكري حين كانت الطائرات الإسرائيلية تقصف نشامى الجيش العربي الباسل ولم تميز طائرات العدو في ذلك الوقت بين المستشفى العسكري وبين الوحدات المقاتلة.
وقام المقدم الطيار الركن بدر الدين ظاظا وهو طيار الملك ومن أكفأ طياري سلاح الجو بقيادة طائرة الهيلوكبتر الملكية فرنسية الصنع وتوجه بها إلى مستشفى الطفيلة حيث قامت الملكة يرافقها وزير الصحة الأردني وطبيب عسكري منتدب من قبل مدير الخدمات الطبية بتفقد مرافق المستشفى والإطلاع على كافة الإحتياجات ترقبها عيون الشعب الطيب وقد مسحت الملكة الشهيدة بيديها تلك الدموع الحزينة واستبدلتها بنظرات أمل ووفاء . وما أن أنهت الملكة الإنسانة جولتها الإنسانية حتى بادرت في رحلة العودة إلى عمان.
وفي طريق العودة تعرضت طائرة الهيلوكبتر إلى عاصفة هوجاء تخللتها سحب متواصلة من الغيوم حيث ارتطمت الطائرة بأحد الجبال وانقطع الإتصال مع الطائرة وخيم صمت مطبق فوق أجواء الأردن .
وتم إبلاغ الملك الحسين رحمه الله بإنقطاع الإتصال ومضى الوقت العصيب وعملية البحث عن الطائرة مستمرة وجاء خبر الإستشهاد عنيفا عاصفا قاسيا وتجمع الناس تلقائيا في بيت المرحوم بهاء الدين طوقان .

كانت الدموع تملأ عيني الملك الإنسان وهو يلقي بالنظرات الأخيرة على رفات الزوجة الشهيدة علياء ملكة القلوب ورفاتها الطاهر يوارى التراب في الهاشمية . وغابت البسمة الطيبة وبكت السماء في التاسع من شباط عام 1977
الشهيدة علياء من عائلة طوقان التي ترجع في تاريخها إلى مدينة نابلس الشهيد معالي محمد البشير العواملة من السلط الشهيد الطيار المقدم الركن بدر الدين ظاظا كردي من مواليد السلط الشهيد الطبيب المقدم مهند ألخص حاتوغ شركسي من ناعور هذه الكوكبة الطاهرة من الشهداء هم مثال من المجتمع الأردني الذي كنا نعرفه ونرضاه
فيا أرحم الراحمين اللهم إني أسألك بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيك نبي الرحمة وبسيدنا إبراهيم خليلك وبسيدنا موسى نجيك وبسيدنا عيسى كلمتك وروحك . أن ترحم شهيدتنا علياء وشهداءنا محمد ومهند وبدر رحمة تليق بكرمك وأن تغفر لهم وتكرم نزلهم وأن تجعل مأواهم الجنة يا أرحم الراحمين

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
10-02-2013 01:09 AM

لهم الرحمه جميعا. امين

2) تعليق بواسطة :
10-02-2013 06:42 AM

رحم الله هذه الكوكبة العطرة من الشهداء رحم الله الملكة علياء التي لبت نداء أبناء شعبها وهذه التلبية هي أقدس مهمة يمكن أن تقدمها ملكة إلى أفراد شعبها ورحم الله وزير الصحة وهو يستشهد على رأس عمله ورحم الله المقدم الركن الطيار بدر طاطا أحد صقور سلاح الجو الملكي الذي قضى وهو يؤدي الواجب الموكول إليه ورحم الله المقدم الطبيب مهند ألخص وهو يمثل الخدمات الطبية الملكية هذه الكوكبة الخيرة من الشهداء هي مثال على النسيج الإجتماعي للمجتمع الأردني وهي نتاج للوحدة الوطنية

رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جنانه

3) تعليق بواسطة :
10-02-2013 09:46 AM

مقال يعكس وفاء صاحبه..انا صديق قديم للدكتور حسين عمر توقه..كم يفخر الإنسان بمعرفه رجل من معدنه

4) تعليق بواسطة :
10-02-2013 10:17 AM

شكرا للكاتب المحترم ولكن يا سيدي السؤال الحاضر هو هل تحسنت الخدمات الطبية وهل حصل تقدم على ما يقدم من خدمات صحية في محافظة الطفيلة او أي محافظة جنوبية؟ ما هو الفارق الحضاري في مستشفى الطفيلة منذ تاريخ 9 شباط 1977 وحتى اليوم؟...شكرا أخي الكاتب لكون المرحومة صدمت كل الأردنيين بانتقالها الى الرفيق الأعلى ولكن ألا نستحق في الجنوب ووفاءا لها ان يُلتفت لمستوى الخدمات الصحية المتدني البائس؟

5) تعليق بواسطة :
10-02-2013 11:01 AM

نتعلم منك دائما أيها الصديق المعلم ولمسات الوفاء تُطلُ دائما علينا في كل المواضيع التي تتناولها وهذا ما يؤكدُ كلمةٌ حفظتها عن والدي رحمه الله "الطبع تحت الروح" فلن يغادرُ الوفاء مقالاتك لانه طبعٌ فيك أصيل,مع كل الاحترام استاذي الكريم

6) تعليق بواسطة :
11-02-2013 12:44 AM

أقدم جزيل شكري وامتناني للدكتور حسين توقه على كتاباته الوطنية الصادقة الرائعة والتي ان تدل على شيء فانما تدل على مايتحلى به الدكتور من حب وولاء وانتماء لهذا البلد المقدس , رحم الله الملكة الشهيدة والشهداء الابرار الذين قضوا معها اثناء القيام بالواجب الوطني الانساني المقدس .

7) تعليق بواسطة :
09-02-2019 01:09 PM

اشكرك الدكتور حسين جزيل الشكر على مقالك ورحمة الله على شهدائنا الملكة علياء والدكتور محمد البشير والطيار بدر الدين ظاظا وزوجي الدكتور مهند الخص الذي ترك طفلا عمره شهران وانتقل إلى الرفيق الأعلى لتلبية واجب الوطن ونحتسبه عند الله شهيدا
ان التدهور في الخدمات لا يحتاج لمصيبة أخرى بل محاسبة المقصر

8) تعليق بواسطة :
10-02-2019 11:01 PM

رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جنانه.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012