أضف إلى المفضلة
الجمعة , 26 نيسان/أبريل 2024
شريط الاخبار
العدوان: 31 تموز الموعد المتوقع لفتح باب الترشح للانتخابات النيابية الوطني لمكافحة الأوبئة: الأردن خال من أي إصابات بالملاريا وزير الداخلية: أهمية مشاركة المواطنين في الحياة السياسية والحزبية تنظيم الاتصالات تتخذ جميع التدابير لإيقاف التشويش في نظام "جي بي أس" الملك لماكرون محذرا: الهجوم الإسرائيلي على رفح خطير الملكية: سندخل طائرات صديقة للبيئة إلى أسطولنا ارتفاع الفاتورة النفطية للمملكة 4.9% خلال شهرين توقيف محكوم غاسل أموال اختلسها بقيمة مليون دينار بحث التشغيل التجريبي للباص السريع بين الزرقاء وعمان بلدية إربد تدعو للاستفادة من الخصم التشجيعي على المسقفات القوات المسلحة الأردنية تنفذ 6 إنزالات جديدة لمساعدات على شمال غزة بمشاركة دولية الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال للمستوطنين المتطرفين باقتحام الاقصى المملكة على موعد مع حالة ماطرة استثنائية تستمر 10 أيام أكثر من 34.3 ألفا حصيلة الشهداء في غزة منذ بدء العدوان 18 إصابة بحادث تصادم في الموجب
بحث
الجمعة , 26 نيسان/أبريل 2024


الكرك،عبقرية المكان

06-11-2010 11:56 AM
كل الاردن -

الى عاشق الكرك، "العزيز ناظم برقان، ذكرى ساعات طيبة"

     العام 1925 ،  اقترح الصحافي العربي ،  نجيب نصار ،  أن تكون الكرك عاصمة للإمارة الأردنية الفتية .  لماذا ؟  لأنها "تتوسط البلاد."  وكذلك :"لموقعها الحربي ،  وطيب مناخها ،  وما يحيط بها من سهول فسيحة..."  ولما كانت الكرك من مفاتيح سورية الطبيعية ،  ونقطة التقاء مع الديار المصرية ،  فقد اقترح نصار أن مستقبل المنطقة الاقتصادي والعمراني "يستدعي ربط مصر بالعقبة بالكرك بالقطرانة ،  بخط حديدي ."

     أن عبقرية المكان الكركي التي أملت على نصار تأملاته هذه ،  هي نفسها التي جعلت الكرك في قلب استراتيجيات الملوك العظام ميشع وصلاح الدين والظاهر بيبرس .  وهي التي كانت وراء تاريخ الكرك الكثيف المحتشد منذ الألف الخامس قبل الميلاد ،  وحتى اليوم .

     تقع الكرك على سمافة (130) كيلومتراً من عمان .  ويمكنك أن تصلها عبر الطريق الصحراوي السريع ،  ولكن الرحلة الحقيقية إلى الكرك هي الرحلة على الطريق الملوكي القديم الذي بناه الامبراطور الروماني تراجانTrajana  Nianova ،  ويربط بصرى (في حوران) بالبحر الأحمر .  وهو الطريق الذي طالما سلكته قوافل التجارة وجحافل الجيوش .

     من عمان إلى القويسمة ،  فاليادودة ،  فحسبان ،  فمأدبا ،  قاطعاً وادي الوالة إلى ذيبان (ديبوز القديمة – عاصمة مؤاب) تكون قد وصلت ،  صعوداً ،  إلى مشارف رأس وادي الموجب الشمالي .  هنا ،  تبدأ بلاد الكرك .  وهنا :  توقف ،  وترّجل ،  وتأمَّل بحد الطبيعة.  لن تنسى أبداً مشهد الانحدار السحيق (ألف متر تقريباً) إلى مجرى الوادي ، حيث يبدأ مرتفع شاهق مواز إلى ضفة الموجب الأخرى ،  "مطل الموجب." وأمام مشهد الهوة الهائلة التي تخلب الألباب ،  سوف تأخذك مشاعر الرهبة ،  قبل أن تبدأ السيارة بالهبوط في الطريق الحلزوني المتعرج المستمر إلى الأسفل ،  فإلى الأعلى حتى الضفة الأخرى .  عندها سوف تكتشف أن عظمة الطبيعة لا توازيها سوى عظمة الإنسان الذي يطوّعها أمام ارادته .  لقد شق اجدادنا المؤابيون هذا الطريق ،  لكي يعبروا هوة الموجب .  وأعيد تعبيد الطريق ،  في الفترة الرومانية ،  جزءاً من الطريق الملوكي .  ووادي الموجب هو من أكبر روافد البحر الميت ،  بعد نهر الأردن .  ويبدأ من منطقة اللجون (شرقي الكرك.)  ويجري لمسافة (25) كيلومتراً في الاتجاه الشمالي – الغربي ،  حتى التفائه بوادي السعيدة ،  ثم ينعطف نحو الغرب ، باتجاه البحر الميت ،  وقبل مصبه بثلاثة كيلومترات ،  يلتقي بوادي الهيدان.  ويبلغ طوله الإجمالي (80) كيلومتراً .

     تواصل الآن المسير في سهل فسيح هو سل الرّبة .  وهو واحد من أربعة سهول كبيرة تحيط بالكرك هي الربة ،  ومؤتة ،  والمزار ،  وذات راس. على يمينك يظهر جبل شيحان ،  وامامك بلدة القصر .  وربما تقف هنا ،  لتشاهد بقايا المعبد النبطي .  ومن القصر إلى بلدة الرّبة (ربة مؤاب) وقد أطلق عليها اليونانيون اسم "أديو بوليس" .  وتعني "مدينة أريس" .  وأريس هو إله الحرب عند اليونان .

     وكان للربة شأن كبير جداً في الفترة الرومانية ...البيزنطية ،  إّلا ان معظم آثار المدينة ما يزال مدفوناً تحت الأرض .  وإلى جانب الهيكل النبطي – الروماني ،  يمكننا ان نلاحظ كنيسة صغيرة .  وعثر ،  سنة 1978 ،  على بركة تعود إلى القرن الميلادي الأول ،  بمحاذاة مدرسة الربة الزراعّية .

     عند مدخل الربة ضريحا أثنين من بناة الأردن الحديث ،  هما رئيس الوزراء هزاع المجالي وقائد الجيش حابس المجالي .  وكلاهما لعبا أدوراً في السياسة الأردنية التي ظلت طوال القرن العشرين ،  تدين إلى ديناميات الكرك وشخصياتها ،  بالكثير .  فعلى نطاق البلاد ،  يعتبر أحد قادة الكرك ،  حسين الطراونة ،  الأب الروحي للحركة الوطنية الحديثة التي تأسست في العشرينيات .  كذلك ،  فقد كانت الكرك موئلاً للأحزاب السياسية في الخمسينيات ،  ودعامة للنظام السياسي طوال عقود ،  وفيها ،  بالذات ،  تبلورت الفعاليات الشعبية التي أدت في العام 1989 ،  إلى الإنطلاقة الجديدة للديمقراطية الأردنية .

     بعد الربة ،  تواصل ... إلى اليمين ،  يقع وادي أبن حماد .  وتلتقي في هذا الوادي مياه الأمطار المتحدرة من مرتفعات صرف وأدر والياروت وبتبر .  وهو يسير باتجاه الغرب ،  ليصب في البحر الميت .  وفيه يقع حمام مياه ساخنة ،  يعرف باسمه .  ويروي وادي أبن حماد ،  في طريقه ،  مزارع وبساتين ،  وخصوصاً في المنطقة الغورية .

     أمامك الآن "الثنية" التي كان عرار – شاعر الأردن ،  يقسم بها في غزلياته الرائعة .  وعما قليل يمكنك أن تتجه شمالاً (حوالي 11 كيلومتراً) إلى مؤتة ؛  ويميناً إلى الكرك .

     وفي سهل مؤتة ،  وقعت واحدة من أعظم الأحداث في تاريخ الدعوة الاسلاميّة ؛  إذ شهد هذا السهل ،  اللحظة التاريخية لخروج قوة الإسلام من نطاق جزيرة العرب ،  لتعمّ أرجاء المعمورة .  هنا ،  نشبت أولى معركة بين العرب المسلمين والروم البيزنطيين ،  العام 629 ميلادي ،  واستشهد فيها جعفر بن أبي طالب (جعفر الطيار) وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة .  وقد بني مشهد على موقع المعركة (على مقربة من جامعة مؤتة .) وأما الشهداء فقد دفنوا في "المزار" ، حيث يمكنك أن تقرأ الفاتحة ،  وتحيي ذكرى أولئك الرجال العظام الذين صنعوا ،  بدمائهم ،  أمجاد العروبة والإسلام .  لقد أعادت وزارة الأوقاف ،  بناء مسجد المزار ،  وأقامت ،  بالقرب منه ،  متحفاً اسلامياً يستحق زيارتك أيضاً .

     ومؤتة كانت معروفة منذ الجاهلية ،  بصناعة السيوف الممتازة . وفي هذا يقول الشاعر: 

            الله للشم الأنوف كأنهم

                      صوارم يجلوها بمؤتة صيقَلُ

     تمتد جبال الكرك من وادي الموجب شمالاً إلى وادي الحسا جنوباً .   ومتوسط ارتفاعها (1150) متراً عن سطح البحر ،  وأعلى ارتفاع لها في "جبل الضباب" الواقع جنوب غربي المزار ،  ويبلغ ارتفاعه (1305) أمتار .  هل تريد أن تواصل صعوداً إلى "جبل الضباب" أم تفضل العودة إلى الطريق الرئيسي ،  يميناً إلى "عين سارة" ،  وبساتينها ،  في "وادي الكرك". هنا ،  يمكنك أن تقضي وقتاً طيباً في متنزه عين سارة .  وإذا كنت قد رتّبتَ الأمر مسبقاً ،  يمكنك أن تتناول هنا وجبة غذاء تقليدية ،  "المنسف" اللذيذ من اللحم واللبن الجميد والأرز وخبز الشراك .  أنه "المنسف" الأطيب في الأردن ،  حيث يعترف الجميع بأن الجميد الكركي هو الأفخر في البلاد .

     والآن ،  إلى الكرك .  هنا ،  عندما تصل "المرج" ،  سوف ترفع رأسك إلى الأعلى ،  حيث ترتفع المدينة التاريخية .

     تُسمّى الكرك ،  في المأثور الشعبي الأردني ،  "خشم العقاب"  أي أنف النسر الأسمر. وهي كذلك بالفعل .  فقد بنيت المدينة على جبل يرتفع (960) متراً عن سطح البحر ،  يطل غرباً على الأغوار والبحر الميت ،  وتحيط به الأودية ،  في انحدارات شديدة ،  من ثلاث جهات :  وادي الست من الشرق ،  ووادي الإفرنج من الغرب ،  ووادي الكرك من الشمال . وإلى هذه الحصانة الطبيعية ،  تدخلت يد الإنسان لتجعل من الكرك كلها قلعة .  ففي الجنوب،  حُفر خندق يفصل الجبل الذي تقوم عليه المدينة ،  عن جبل الثلاّجة .  وأصبحت الكرك ،  بذلك ، "خشم العقاب" حقاً ،  يحيطها سور منيع ،  ربما يعود أصله إلى الألف الرابع قبل الميلاد .  لكن بانيه الكبير هو الملك المؤابي العظيم ميشع (فترة حكمه : 853 – 830 ق.م.).  وتشغل أبنية "قلعة الكرك" ، كامل الجزء الجنوبي من الجبل ،  المدينة .  وهذا الجزء هو نتوء صخري مستطيل الشكل .  اتجاهه شمال/جنوب.  وقد فصلت القلعة عن المدينة ،  بخندق ضم حفرة في الصخر .  وبذلك ،  أصبحت القلعة ،  محصنة بخندقين . 

     هناك معطيات تشير إلى أن منطقة الكرك عرفت الاستيطان الحضري منذ العصر الحجري – النحاسي (4500 – 3200 ق.م.) .  وربما كان فرعون مصر ،  تحتمس الثالث (1504 – 1450 ق.م.) أشار إلى الكرك ،  باسم حركور ، في أخبار حملته على فلسطين وسورية ،  وفيها ذكر صريح لذيبان والياروت . ويظهر أن علاقات وطيدة ربطت مصر الفرعونية بالكرك .  فنصب البالوعة (وهي قرية مؤابية شمال الكرك)  والمؤرَّخ   إلى  نحو (1200 ق.م.) ،  يقلد ،  بوضوح ،  أسلوب النحت الفرعوني ،  وتظهر عليه صورة إله يسلم صولجاناً إلى ملك بحضور الإلهة .  والنصب محفوظ اليوم في متحف الآثار الأردني بعمان .

الملك ميشع

     أزهى الفترات في تاريخ الكرك القديم ،  هي فترة المملكة المؤابية (من القرن الثاني عشر إلى القرن السادس قبل الميلاد.) وقد اشتبكت هذه المملكة مع الغزاة الإسرائيليين في حروب يذكر العهد القديم أخبارها .  وهو يشيد إلى الكرك باسم قير مؤاب (أشعيا 1:15 ) وقير حراست (أشعيا 7:16) وقير حارس (آرميا 31:49) إّلا أن الوثيقة التاريخية التي يُعتَدّ بها حول تاريخ المملكة المؤابية ،  وحروبها مع الإسرائيليين ،  تأتيان من القرن التاسع قبل الميلاد .  وهي مسلة ميشع التي نصبت ،  على الأرجح ،  سنة 842 ق.م. ،  واكتشفها كليو غانو والذي كان ملحقاً بالقنصلية الفرنسية في القدس سنة 1868 في ذيبان (على بعد 64 كيلومتراً من عمان) .  والمسلة ، وهي نصب من الحجر البازلتي الأسود (ارتفاعه 15ر1 متراً) محفوظة ،  اليوم ،  في متحف اللوفر في باريس ،  وتوجد نسخة عنها في متحف الآثار الأردني .

     وعلى المسلة نقش من 34 سطراً في نص يعدد مآثر الملك المؤابي ،  وانتصاراته ، وانجازاته .  ومنها – على لسان ميشع – مما يخصّ الكرك (= قرحي في النص المؤابي) الآتي : "أنشأت معبداً (للإله) كموش بقرحي (.) وأنا الذي بنى قرحي (.) وبنيت كذلك سور الاكروبولس في قرحي .  وأنا الذي بنى أبواب قرحي وأسوارها .  وبنيت موقع بيت الملك .  وأنا الذي حفر كلا البركتين للماء بداخل المدينة .  ذلك لأن المدينة كانت خالية من أيّ بئر .  فقد قلت يومها للشعب :  ليحفر كل رجل منكم بئراً بداخل بيته .  وأنا الذي قطع الأخشاب بأيدي الأسرى الإسرائيليين ،  القرحي (.) وعبّد الطريق في وادي الموجب."

      وما تزال أجزاء من سور ميشع ،  صامدة حتى اليوم .  وكذلك ، فإن البركتين اللتين أنشأهما في الكرك ما تزالان ماثلتين الأولى في الجزء الشرقي من المدينة – وتستخدم ، اليوم، محطة للحافلات – والثانية في الجزء الغربي منها – وتستخدم ساحة عامة . – وما تزال ،  كذلك ،  بقايا صغيرة من القناة المذكورة في نص المسلّة ،  وهي تمتد من "عين الست" (حي الثلاّجة) باتجاه الكرك .  وعلى الأرجح ،  فإن القلعة الصليبية – الأيوبية – المملوكية القائمة،  قد بنيت على أساسات معبد الإله كموش ،  في الموقع نفسه .

     أَفُلَت المملكة المؤابية في القرن السادس قبل الميلاد ،  تحت وطأة الاجتياح الآشوري لسورية وفلسطين .  وفي الفترة الفارسية الأخمينية ،  عرفت الكرك ،  مرة أخرى ، الإزدهار كمحطة تجارية ومركز إداري .  وحافظت الكرك على موقعها المميز ،  محطة للقوافل ،  في ظل مملكة الأنباط التي امتدت أراضيها من مدائن صالح في الجنوب إلى حوران في الشمال ،  وكانت عاصمتها في البتراء التي تبعد مسافة      كيلومتراً عن الكرك.

     ومن الفترة النبطية ،  اكتشفت مدافن في خربة كازون عند غور المزرعة .  كما وتظهر،  بوضوح ،  منحوتة نبطية لإله القوافل ،  اعيد استخدامها في الرج الشمالي لقلعة الكرك .  ويلاحظ زائر القلعة ،  عدة زخارف معمارية نبطية أعيد استخدامها في الأبنية الجنوبية .

     وقد علا شأن الكرك ،  في الفترة الرومانية التي تبدأ هنا في سنة 106 ميلادية عندما ضم الامبراطور تراجان ،  المملكة المؤابية ،  وذلك بسبب ازدهار التجارة المارة في الطريق الملوكي بين بصرى والبحر الأحمر ،  عبر المدينة التي منحها الامبراطور هدريان ،  حق سك العملة باسم كرك مؤاب .  ووجدت أختام الكرك الرومانية في كرنب في النقب .  وكانت الكرك قد اصبحت جزءاً من "الولاية العربية" التي أسسها الرومان ،  وكان مركزها الإداري في الربة التي كانت تدعى أريوبوليس .

     وعلى خريطة مأدبا الفسيفسائية التي تعود إلى القرن السادس الميلادي – الفترة البيزنطية،  تظهر الكرك (باسم كرك موبا) على صورة قلعة مهمة علىقمة جبل محاط بالأسوار .  وتظهر في داخلها أبنية عديدة من بينها كنيستانهما كنيسة العذراء مريم ،  في وسط المدينة وإلى اليمين منها ،  كنيسة الخضر ،  وهي أقدم بناء في الكرك .  أما كنيسة الروم الأرثوذكس في الجزء الشرقي من المدينة ،  فترجع إلى أواخر القرن التاسع عشر ، لكن فيها جرن معمورية ،  ويعود إلى الفترة البيزنطية ،  حين كانت المدينة مركزاً كنسياً للأسقفية .

     فتحت الكرك أبوابها ،  سنة 634 ميلادية ،  للقائد العربي يزيد بن أبي سفيان سلماً .  وحافظت القبائل العربية المسيحية التي انتصرت للمدّ العربي الإسلامي ، على قوتها وكنائسها وحرية ممارسة طقوسها الدينية .  وفي الفترة الأموية ، أصبحت الربة ،  بدلاً من البتراء ، مركزاً كنسياً لمتروبولية فلسطين الثالثة (وكانت تشمل جنوبي الأردن وفلسطين والنقب وسيناء.) وتؤكد ذلك ،  كتابة يونانية وجدت في الربة وتعود إلى فترة خلافة عبد الملك بن مروان .  وهي محفوظة ،  اليوم ، في متحف الكرك .

صلاح الدين الأيوبي

     استولى الصليبيون على الكرك ،  وأعادوا بناء قلعتها بصورة جذرية ،  وحصنوا المدينة،  خلال السنوات (1136-1143 ميلادية) .  وقد احتلت قلعة الكرك موقعاً مركزياً في الاستراتيجية القتالية للقلاع والممالك الصليبية في فلسطين والأردن .  إّلا أن المحاولات العربية ،  لاسترداد قلعة الكرك ،  لم تهدأ طوال الخمسين عاماً التي قضاها الصليبيون فيها.  وقد تعرضت قلعة الكرك الصليبية لهجمات القبائل العربية .  وفي سنة (1158 ميلادية) هاجمها الفاطميون في حملة من مصر .  وفي سنة (1170 ميلادية) ،  قام صاحب  دمشق نور الدين محمود بمحاصرة الكرك ،  ونصب عليها المجانيق .  إّلا أن محرر الكرك من الصليبيين هو صلاح الدين الأيوبي الذي هاجمها مراراً ،  مدركاً أهميتها الإستراتيجية في حربه ضد الممالك الصليبية في بلاد الشام كلها .  فقد كانت قلعة الكرك ،  نقطة مراقبة ورصد لجمع المعلومات عن تحركات الجيوش الاسلامية ،  وثغرة أمينة في طريق المواصلات بين مصر والشام والحجاز .  وكان صاحب القلعة الصليبي الشهير ريجنالد – المعروف في المصادر العربية بـ أرناط –  يهاجم  قوافل  التجارة  والحجيج .   وفي  سنة (1186 ميلادية) اعتدى على احدى القوافل التجارية القادمة من مصر إلى دمشق ،  وأسر من فيها .  وكان يقتل أسراه بالقائهم من على أسوار القلعة إلى المنحدرات السحيقة .

     خرج صلاح الدين الأيوبي ،  سنة 1187 ميلادية ،  في حملة رئيسية حاسمة ضد الصليبيين ،  واستدرج جيوشهم إلى سهل حطين ،  حيث كتب له النصر .  وكان (أرناط) من بين أسراه ،  وقد قطع رأسه ،  جزاء اعتداءاته الأثيمة ،  بينما عومل معظم الصليبيين الآخرين ،  بالسماحة المعهودة عن المقاتلين العرب المسلمين.

وبينما كان صلاح الدين الأيوبي يقاتل في حطين ،  كانت قوات من جيشه تحاصر قلعة الكرك التي لم تستسلم ،  لحصانتها ،  إّلا بعد حصار دام سنة ونصفاً ،  في رمضان 1188 هجرية. وتخليداً لذكرى محررها العظيم ،  أقامت مدينة الكرك الحديثة ،  نصباً تذكارياً للقائد صلاح الدين الأيوبي في أحد ميادينها .

الظاهر بيبرس

     شهدت الكرك في الفترة الأيوبية ازدهاراً كبيراً ،  وقد تمت اعادة بناء قلعتها ، وأسوارها،  وتجديد مبانيها ،  وحولوا بيت الأمير في وسط القلعة إلى مدرسة إسلامية ،  والقبو المجاور إلى مسجد .  وفي عهد ملك الكرك الأيوبي الناصر داوود (1249-1258 ميلادية) أصبحت الكرك داراً للآداب والعلوم .  وظهر في هذه الفترة ،  الطبيب الكركي الشهير أبن القف ،  وهو من نصارى الكرك المقربين إلى الملك الأيوبي .

     غير أن الكرك كانت على موعد مع قائد عظيم آخر أحبها ، مثل مؤسسها ميشع ،  إنه السلطان المملوكي الظاهر بيبرس ،  الذي عاش في الكرك منفياً ،  ثم دخل إليها ،  سنة 1262 ميلادية ،  سلطاناً ،  فاعتنى بها عناية خاصة ،  وعمَّرها ،  وجددها ،  واتخذها خزانة لأمواله وذخائره .

     وقد تكررت زيارات بيبرس (الذي كانت القاهرة عاصمة ملكه) إلى الكرك .  وكان يشرف شخصياً ،  على عمليات البناء المستمرة فيها .

     وأبراج الكرك ،  القائمة الآن ،  تعود ،  في معظمها ،  إلى إنشاءات الظاهر بيبرس الذي جددها أو علاّها ووسعها .  وهناك برجان ما يزالا قائمين ويحمل كل منهما شريطاً كتابياً باسمه وشعاره (الأسد) وهما البرج نصف الأسطواني وبرج الظاهر بيبرس .

     كانت مملكة الكرك خزانة لأموال سلاطين المماليك ،  ومرعى لقطعان مواشيهم ،  ومنفى وسجناً لخصومهم ،  وممراً أساسياً بين مصر والشام ،  ونقطة أمن واستراحة على طريق الحج إلى الديار المقدسة.  وكانت مزاراً ومقاماً للسلاطين والأمراء .  فهي كانت من درر السلطنة .   وتشير المصادر التاريخية إلى أن الكرك (والشوبك) اشتهرتا في الفترة المملوكية ،  بمظاهر الترف والحياة الحضرية ،  والمغاني ،  والحانات ،  والموائد ،  ورحلات الصيد ،  ومواكب الأبهة . 

الكرك الحديثة

     فتح العثمانيون ،  بلاد الشام ،  العام 1515 ميلادية .  إّلا أنهم تركوا شرقيّ الأردن وشأنه ،  ما عدا تفاهمات عقدوها مع القبائل ،  لضمان أمن طريق الحج ،  مقابل مخصصات مالية . وقد أدت القرون الأربعة التالية من التفاعلات الداخلية والحكم الذاتي في المناطق الأردنية ،  ومنها الكرك ،  إلى تبلور تركيبة وهوية المجتمعات المحلية في البلاد.

     وقد نشأ في الكرك ،  خلال هذه الفترة ،  واستقر تنظيم اجتماعي – سياسي محلي يقوم على رابطة حضرية تتكون من اتحادات عشائرية ،  في ظل ثقافة مشتركة تقوم على التسامح الديني ،  ووحدة القيم والمرجعيات ، والتضامن الفلاحي في مواجهة الضغوط الآتية من البادية .

     لقد قاتل أهل الكرك ،  بشجاعة وثبات ، دفاعاً عن مدينتهم واراضيهم الزراعية وتوسيع رقعتها .  وفي الأعوام (1838-1840) ،  تصدى الكركيون لقوات ابراهيم باشا (إبن محمد على باشا ، حاكم مصر) واضطروا إلى هجرتها بعض الوقت ،  هرباً من حملات التنكيل .  وقد اجتاحت قوات ابراهيم باشا ،  الكرك ،  وخرّبتها ،  وطاردت الأهالي في الشعاب والأودية والجبال.  وحين عاد الشاعر       ،  بعد انسحاب القوات الغازية ،  قال يعتذر من الكرك :

يا دار لا تلومينا بالتخلّي           وياما ذبحنا دونك كل مرفاس

كم عسكري أبحوطة السور ظلّ    لعيون من تردف ورا الظهر مقواس

ومعنى هذين البيتين :  ايتها الكرك لا تلومينا لأننا تركناك عرضة للنهب والتخريب .  لقد قاتلنا دونك بكل شجاعة واخلاص ، اكراماً لعيون الصبايا ،  ولكننا اضطررنا إلى المغادرة مرغمين .  وهذه الوقفة تدلنا على حمية أهالي الكرك ،  وعمق العلاقة التي ربطتهم بمدينتهم.

     نبهت حملة ابراهيم باشا ،  السلطات العثمانية ،  إلى الأهمّية الاستراتيجية والاقتصادية لشرقي الأردن ،  إّلا أنها لم تقرر إرسال قوات وإقامة إدارة في الكرك ،  حتى العام 1893 ميلادية ،   حين أصبحت قصبة الكرك ،  مركزاً للواء يضم أقضية السلط والطفيلة ومعان ،  أي كل الأراضي الأردنية إلى الجنوب من نهر الزرقاء ،  بينما كانت المنطقة الشمالية تابعة للواء حوران .

     وقد شهدت الكرك ،  في مرحلة الإدارة العثمانية القصيرة (1893- 1917) تطوير بعض البنى التحتية والخدمات العامة .

     ومن العمائر العثمانية في الكرك ،  "المدرسة الرشدية" التي بناها المتصرف رشيد باشا ،  العام 1899 ميلادية ،  بأموال من تبرعات الأهالي .  وما يزال مبنى هذه المدرسة قائماً وشاهداً على قوة التضامن الأهلي .  وهناك ،  أيضاً ،  الجامع الحميدي (1898 ميلادية) والجامع العمري (أعيد بناؤه على أساسات ربما تكون أموية ، 1900 ميلادية) .

     أنشأ العثمانيون سراي حكومية ومستشفى في المدينة ،  ووصلوها بخدمات البريد والتلغراف ،  وقاموا بأعمال صيانة وتجديد في "القلعة" التي استخدموها كحامية عسكرية .

     واصطدمت عشائر الكرك مع العثمانيين بسبب قرارهم بفرض التجنيد الإجباري على أبناء الكرك . وتطور الصدام إلى انتفاضة واسعة شملت المناطق المحيطة بالمدينة .  وقد خلف هذا الحدث الكبير ،  انطباعات عميقة في الوجدان الشعبي والأدبيات المحلية ،  وكان إيذاناً بمرحلة جديدة من تاريخ الأردن الحديث .

الأسوار والأبراج والمداخل

     تتمتع قلعة الكرك ،  بأسوار مزدوجة .  فبالإضافة إلى اسوارها ،  هناك سور المدينة . وتكشف الأجزاء الباقية منه أنه يسير وفقاً للخطوط الكنتورية للجبل ،  فيزداد ارتفاعه في المناطق المنخفضة ويقل في المناطق المرتفعة .  ويمكننا مشاهدة ثلاثة انواع مختلفة من الحجر في قواعد السور ،  لعلها طبقات البناء التاريخي :  المؤابي ،  فالصليبي ،  فالأيوبي – المملوكي .

     وكان سور الكرك ،  في الأساس ،  يحيط بها كالمعصم ،  وتتخللّه الأبراج التي اعتني بها الأيوبيون والمماليك بصورة خاصة .  وبقي منها ستة أبراج ،  تدلنا على أن هؤلاء بنوا الأبراج بمختلف أنواعها :  المربع والمستطيل وشبه المنحرف والدائري ،  مع مراعاة طبيعة الأرض ،  وبما يتلاءم مع العمليات الحربية .  فالأبراج تسيطر على مدخل المدينة ،  وعلى سطحها يتمكن المحاربون من التنقل بحرية خلف جدران واقية ،  والمراقبة ،  والاستعداد .

     وقد تم توزيع الأبراج على السور ،  بحيث يمكن التخاطب فيما بينها ، أو فيما بينها وبين القلعة بالصوت أو الإشارة .

     روعي في بناء الأبراج ،  الوجود الدائم للمقاتلين فيها ، فهي واسعة من الداخل ،  جيدة الإضاءة والتهوية .  وتوفر سماكة جدرانها البرودة في الصيف والدفء في الشتاء ،  وتصميم سقوفها على شكل قبة محمولة على مثلثات كروية أو على شكل قبو برميلي ،  سهَّل انسياب الأمطار عنها عبر مزاريب تحمل المياه إلى الآبار أسفل الأبراج ،  أو عبر قنوات إلى البرك الموجودة داخل المدينة .

     وبوابات الأبراج هي ،  بالطبع ،  داخلية ،  ويسهل الإنسحاب منها إلى القلعة ،  وهي الملجأ الأخير للقوات في حال سقوط المدينة .

     وكان يتم الدخول إلى مدينة الكرك عبر مداخل محفورة في الصخر مصممة بحيث يسهل سدّها والدفاع عنها .  وأحد هذه المداخل (الواقع على مسافة 74 متراً جنوبي برج الظاهر بيبرس) عرضه 285 سم وارتفاعه 335 سم ،  يزداد كلما سرنا إلى الداخل حتى يصل إلى سبعة أمتار ،  وبني هذا المدخل على شكل قوس .

القلعة

     تقوم قلعة الكرك على ذروة الجبل ،  في النتوء الغربي منه ،  ويفصلها عن المدينة ،  خندق قطع في الصخر .  وتحيطها خنادق وأسوار وأبراج وطلاقات وبركة ،  كالتالي :

  1. الخندق الشمالي ، وحفر على طول واجهة السور الشمالي للقلعة ،  وعمقه ،  في الأساس حوالي (40-50متراً) ،  بقي منه الآن ، (6-8 أمتار) بسبب الردم .
  2. السور الشمالي ،  ويتعرج على ثلاث زوايا ،  وذلك نتيجة لارتكاز مداميكه على صخر الجبل الذي قطع فيه الخندق .  وطول الجزء المتبقي منه 120 متراً .  وبالنظر إلى ما بقي فيه من طلاَّقات ،  يمكننا أن نقدر بأن المباني التي كانت خلفه تتكون من ثلاثة طوابق .
  3. برجا السور الشمالي ،  توجد بقايا لبرجي في هذا السور ،  أحدهما في الجهة الغربية منه .  وقد فتحت دائرة الآثار العامة ،  سنة 1963 ،  في جداره الشرقي بوابة تؤدي إلى داخل القلعة .  ولم يبق من هذا البرج إلا بضعة مداميك في الجهة الشمالية.  وتقوم خلف السور الشمالي من الداخل قاعتان تمتدان وبطوله تقريباً احداهما في الطابق الأول والثانية في الطابق الثاني .
  4. مدخلا السور الشمالي ،  ويوجد في هذا السور مدخلان كانا يؤديان إلى داخل القلعة. الأول في الزاوية الشمالية الشرقية منه .  وهو مهدم تقريباً .  والثاني إلى الغرب من المدخل الأول بـ 31 متراً .  ويفتح إلى جهة الغرب .  وهو اليوم مغلق ،  وفوق عتبته نحت صليب داخل دائرة .
  5. السور الغربي ،  وطوله حوالي 205 أمتار حتى بداية بركة أم الناصر .  وربعه الأول مهدم .  وحجارته من نوع الطبزة المنحوت بشكل جيد . وفي السور طلاّقات، وبرج ،  وسقاطات لصب المحروقات على الذين يحاولون اختراق الباب السري القائم تحتها ،  أسفل السور .  وتدلنا الطلاّقات الموزعة على هذا السور ،  بأن برجه كان يشتمل على ثلاثة طوابق .  والسور الغربي بكامله عمل اسلامي ونستنتج ذلك من خلال التجانس الكامل في نوعية الحجر الكلسي الأبيض المستعمل في البناء ،  والذي نحت بشكل جيد على نظام الطبزة .  وهذه من مميزات البناء الأيوبي – المملوكي .
  6. السور الجنوبي :  وطوله حوالي 90 متراً .  وهو ينحرف ،  نحو الداخل والخارج ،  بالنسبة للقلعة ،  حسب خطوط الصخور التي يقوم عليها .  وتتوزع على السور طلاقات تظهر أنه كان يتألف من أربعة طوابق .  ويلي الجزء الأخير من هذا السور، جداراً آخر متمم له هو جدار الحصن ،  وهو أعلى نقطة في القلعة .  وتظهر طلاقاته أنه كان يتألف من أربعة طوابق أيضاً .    استخدمت ،  هنا ،  حجارة كلسية منحوتة بصورة جيدة ،  من نوع الطبزة التي تتخللها حجارة مسمسمة.  وعلى الجدار ،  شريط كتابي يعود على الأرجح إلى الظاهر بيبرس ،  بسبب وجود آثار أسدين كانا يحفان بالشريط ،  والأسد هو شعار بيبرس .
  7. البركة :  تقع خارج سور القلعة الجنوبي ،  بين الخندق الذي يفصل جبل الثلاّجة عن   الجبل الذي تقوم عليه القلعة ،  وبين سور الأخيرة .  وتتألف من جزئين (1)  بركة كبيرة من الجهة الغربية مساحتها :  (60) متراً شرق – غرب ،  و(30) متراً شمال – جنوب ،   وعمقها  يتراوح  بين (8 و 10) أمتار  ،   ويصل سمك جدرانها إلى (4ر3) أمتار  .   (2) بركة  صغيرة  إلى  الشرق  من  الأولى  ،   تبلغ  مساحتها (20ر13) متراً شرق – غرب و (15) متراً شمال – جنوب .  وكلا البركتين بنيتا من الداخل بالمداميك الحجرية ،  ذات الحجم الكبير ،  يصل طول بعضها إلى مترين بارتفاع (90سم) .  ويبدو أنها كانت مقصورة من الداخل بالملاط . وما تزال أجزاء منه قائمة حتى اليوم .  ومتوسط سعة بركة القلعة (20 – 25 ألف متر مكعب) .  والأرجح أنه كان يتم نقل المياه إليها من نبع عين الست وينابيع أخرى ،  بواسطة قنوات .
  8. السور الشرقي : وطوله حوالي (170) متراً ،  تتخلله أربعة أبراج من الشمال إلى الجنوب .  ومن الملاحظ أن الجهة الشرقية من القلعة تتميز بوجود رصيف دفاعي من حجارة كبيرة ملساء ،  تمتد  من  الشمال إلى الجنوب ،  بطول حوالي (90) متراً ،  وتنحدر باتجاه الشرق بحوالي (50) متراً،  ويصعب تسلقها ،  بسبب نعومتها وشدة الانحدار في صفحة الجبل .

القلعة من الداخل :

     ندخل إلى القلعة من الباب المستحدث في الواجهة الشرقية ، فنجد أنها تتألف من جزأين رئيسيين :  الجزء الأسفل ويقوم في الجهة الغربية على يميننا والجزء الأعلى ويقوم في الجهة الشرقية على يسارنا ،  وهذا التقسيم ناتج عن طبيعة الجبل الجغرافية حيث الجزء الغربي أقل ارتفاعاً من الجزء الشرقي ،  كما أن في الجبل انحداراً قليلاً نحو الجنوب في كلا الجزأين ،  ونبدأ استطلاع الجزء الأسفل ،  فنتابع سيرنا عبر درج مستحدث ولمسافة خمسين متراً تقريباً ثم ننعطف نحو اليمين للتعرف على مجموعة من الغرف عددها ست غرف .

والغرفة الأولى منها ، وهي قائمة في الجزء الشمالي مساحتها (3 x 30ر2 متر) وارتفاع سقفها (5ر2 متراً) ،  مدخلها على شكل قنطرة عرضها (30ر2 متراً) ،  في صدرها من الشمال شباك مساحته (100 x 120 سم) ومن يجلس في هذا الشباك يشرف على أبراج المدينة .     

     بعد هذه الغرف نتابع السير باتجاه الجنوب فتنخفض الأرض تدريجياً بحث تبدو لنا الغرف التي غادرناها كطابق ثالث ،  ثم نشاهد على يميننا ثلاثة أبواب تفتح للجنوب :

  1. الأول يؤدي إلى قاعة مساحتها (60ر23 متراً x 40ر5 متراً) أرضيتها مبلطة بالحجارة المنحوتة نحتاً ناعماً كالبلاط ، وفي سقفها الذي يرتفع حوالي (6) أمتار فتحتان للإنارة والتهوية ،  وهو على شكل قبو برميلي ،  والجدران مقصورة حديثاً بالاسمنت والرمل ،  وتُستعمل هذه القاعة كمستودع لدائرة الآثار ،  وقاعة طعام للبعثات الأثرية التي تعمل في المحافظة،  وليس بها طلاّقات ،  وانما تحتوي في جدارها الجنوبي على يمين المدخل على قبو صغير (5ر1 x 2 متراً) منخفض عن مستوى أرضية القاعة ،  مغلق في نهايته وبتقديرنا أنه يحتوي على درج ينزل إلى الطابق الأول من القلعة .
  2. والثاني يؤدي إلى مهبط درج نحو القاعة الشمالية  القائمة في الطابق الأول . 
  3. والثالث يؤدي إلى قاعة "المتحف" ومساحتها (20ر35 متر x 5ر8 أمتار) ،  وأرضيتها مبلطة بالحجارة الناعمة .  وتستخدم ،  اليوم ،  متحفاً .

وحين تغادر قاعة "المتحف" وتواصل سيرك بمحاذاة السور الغربي من الداخل باتجاه الجنوب تشاهد تسع غرف هي امتداد للغرف التي سبق وتحدثنا عنها في هذا الجانب من القلعة ،  كما أنها مطابقة لها من حيث التصميم والحجم ،  وكل منها يحتوي على طلاّقة ،  يغطي الردم أرضية بعضها . بعد صفّ الغرف هذا يوجد وعلى نفس الامتداد وضمن السور الغربي من الداخل ثلاثة أبواب أو مداخل تفتح باتجاه الساحة المركزية . ونهبط من الباب الثالث عبر أربع درجات لنجد أنفسنا في قاعة طولها (80ر13 متراً وعرضها 5 أمتار) ، أرضيتها مبلطة بالحجارة الناعمة ،  وفي كل من جداريها الشمالي والجنوبي طلاّقة .  أما البابان الثاني والثالث فيؤدي كل منهما إلى غرفة مساحتها (25ر2 x 8ر2 متراً) تحتوي كل غرفة في جدارها الغربي على طلاّقة .  ثم نواصل للتعرف على ما تبقى من غرف على السور الغربي ،  حيث يوجد خمس غرف أخرى في النهاية الجنوبية للسور ،  اثنتان منهما مدمرة ،  والثلاث الأخرى مطابقة تماماً للغرف الأخرى .

     أما الجدار الجنوبي للجزء الأسفل من القلعة فيوجد فيه بقايا طابقين من الغرف ،  كل طابق يحتوي على ثلاث غرف ،  وفي كل غرفة طلاّقة وهي من حيث الحجم وطريقة البناء مشابهة للغرف القائمة في السور الغربي .  وفي منتصف الساحة العليا للطابق الثاني من القلعة ،  وفي الجهة الشرقية منه يوجد بناء مستطيل الشكل (8ر6 x 8 أمتار) له مدخلان غربي وسقفه على شكل قبو معقود بالحجارة المنحوتة يتخلله ثلاث فتحات للإنارة . 

القاعة المقبّاة :

     وهي  قائمة  ضمن  السور الغربي للقلعة ،  في الطابق الأول ،  ومساحتها (3ر16 متر x 6ر13 متر) ،  تتقابل في منتصف جدرانها أربع قناطر كبيرة ،  وفي نقاط التقاء هذه القناطر الأربع مع بعضها ،  تخرج مثلثات كروية ،  تحمل فوقها قُبّة ليست مغلقة في أعلاها بل تُركت مفتوحة للإنارة والتهوية ،  وفتحتها تعتبر أكبر فتحة في أرضية  الطابق الثاني حيث أن قطرها الخارجي (7ر2 متراً) ،  وارتفاع القُبّة عن أرضية القاعة ثمانية أمتار ،  وتظهر فيها ستة مداميك دائرية ،  ارتكزت على مدماك حجري ،  حجارته منحوتة على شكل تجويف داخلي مثلث الشكل .

     على يمين الداخل إلى هذه القاعة توجد غرفة على شكل حُنية يقابلها في الجدار الغربي على اليسار غرفة مماثلة ،  وبها طلاّقة نحو الغرب وإلى جانبها غرفة أخرى أصغر حجماً ،  وتحتوي على طلاّقة مماثلة للطلاّقة السابقة ،  وتستندان لبعضهما ،  وتسيطران على سفح الجبل حتى وادي الإفرنج غرباً ، وإلى الشمال من الغرفتين يوجد المدخل الرئيسي للقلعة .

القاعة الشمالية :

     ومدخلها  في  الجدار الشمالي للقاعة  المُقبّاة  –  الوسطى  - ،  ومساحتها (8ر80 متر x 2ر7 متر) ،  أرضيتها مبلطة بالحجارة المنحوتة بشكل ناعم ،  في جدارها الشرقي درج يصعد إلى الطابق الثاني من القلعة .

القاعة الجنوبية :

     ومدخلها  في  منتصف  الجدار الجنوبي (للقاعة المُقبّاة) ومساحة هذه القاعة (5ر37 متر x 65ر8 متر) .  يرتفع في كل جدار من جداريها الشرقي والغربي خمسة مداميك من الحجارة المنحوتة نحتاً ناعماً ،  وفوق هذه المداميك يبدأ تشكل السقف – على شكل قبو – كما يساعد في حمله قنطرتان حجارتهما منحوتة نحتاً ناعماً ومبنية بشكل عرضي ويتخلل السقف ثلاث فتحات مربعة للإنارة والتهوية وارتفاعه حوالي ستة أمتار ،  وسُمكه يزيد على المتر .

القاعة الغربية :

     بعد أن تعرفنا على الجزء الأسفل (الغربي) من القلعة نعود باتجاه مدخلها المستحدث ،  وقبل وصوله بعشرة أمتار ننعطف نحو الشرق ،  وبعد مسيرة عشرين متراً ،  نجد أنفسنا أمام أطول قاعة في القلعة في الجهة الغربية من هذا الجزء  وهي  (القاعة الغربية)  ،  ويبلغ  طولها  (5ر115 متراً) ،   وعرضها (1ر3 – 5ر1 متراً) .  يتوزع على جانبي هذه القاعة غرباً وشرقاً عدد من الأبواب التي تؤدي إلى غرف .

الذروة الجنوبية :

     وتعتبر الواجهة الجنوبية من الجزء الأعلى في القلعة من أحصن النقاط الاستراتيجية وأمنعها .  وهي تمتد بطول (35) متراً من الشرق إلى الغرب ،  كما يلتقي معها جزء من السور في الشرق بطول حوالي (18 متراً) به خمس حُجرات أو غرف تصميم بنائها على غرار الغرف القائمة في الواجهة الغربية من الجزء السفلي في القلعة ،  وكل غرفة منها تحتوي على طلاّقة باتجاه الشرق ،  تغطي من حيث مجال قوس الرمي سفح الجبل المطلّة عليه ،  ومن حيث المراقبة فإنها تكشف لمسافة عشرة كيلومترات باتجاه منطقة أبو حمور ،  كذلك فإنه يلتقي معها جزء من السور في الجهة الغربية بطول (12 متراً) .

     يتقدم الواجهة الجنوبية ولبضعة أمتار بقايا غرف تحت مستوى الأرض مدمرة ،  يمكن التعرف على وجودها من خلال بقايا بعض القناطر والأبواب ،  إلا أنها ليست واضحة المعالم.

الكنيسة وبيت الأمير

     في وسط الجزء الأعلى من القلعة يوجد بقايا كنيسة وإلى الشمال منها ،  مجمع غرف يرجح أنه كان بيتاً لأمير القلعة .

حمام الوردة 

     وإلى الجنوب من الكنيسة ،  مبنى مربع الشكل ينزل إليه بخمس درجات ، كان حماماً . وفي جداره الشمالي ،  يوجد حجر نحتت عليه صورة وردة .  ولذلك ،  يسمى في الموروث الشعبي المحلي ، "حمام الوردة" .  وتحت هذا الحجر ،  يوجد حوض ،  وفي اسفله ثلاثة ثقوب لتصريف المياه .  وربما كانت المياه تصل إلى الحمام بواسطة انابيب فخارية في سقف الحمام.

سجن الخيالة

     وإلى الجنوب من الحمام ،  مدخل يؤدي إلى مبنى مستطيل  الشكل  مساحته (5ر27 متراً x 4ر4 متراً) .  وقد أستخدم هذا المبنى سجناً للأمراء ،  ومنهم عزالدين اسامة (أبن أخ صلاح الدين الأيوبي).

المدرسة

     وإلى الجنوب من السجن ،  هناك مجمع من المباني يشتمل على مسجد ومدرسة وغرف. ويتألف مبنى المدرسة من ايوانين متقابلين .   ومساحة  المبنى (16 متراً x 10 أمتار) .  وله ملحق من غرفتين .  واجهات المدرسة من الحجر الكلسي الأبيض المنحوت نحتاً ناعماً .  ويغطي كل أيوان  سقف  اسطواني  الشكل ،  أما الفناء الأوسط  فإنه مكشوف ،  والأرجح انه كان مغطىَّ بقبّة .

المسجد

     يتألف المسجد من غرفة واحدة مستطيلة الشكل مساحتها (9ر7 متراً x 9ر4 متراً) في جدارها الجنوبي محراب ،  وفي الجدار الشرقي فتحة للإنارة والتهوية يحف بها تجويفان من الداخل (20x30 سم) ،  يقابلهما تجويف ثالث في الجدار الغربي ،  ولعل هذه التجاويف استخدمت لوضع مصابيح للإنارة ،  يغطي هذا المسجد قبو ،  وإلى الجنوب من المسجد غرفة بها فتحة في السقف ومدخلها من فناء المدرسة وفي حال امتلاء المسجد بالمصلين فإنه من السهل استعمال فناء المدرسة للصلاة .

     ومع أنه لا يوجد نقوش تعيد المدرسة والمسجد إلى تاريخ محدد ، إلا أننا نستطيع القول بأنها تعود إلى العهد الأيوبي الذي تميز بإنشاء المدارس وانتشارها لتعزيز مذاهب أهل السنة. مع التركيز على المذهب الشافعي الذي كان له الحظ الأكبر من العناية باعتباره مذهب الدولة.  كذلك ،  فإن بناء المدرسة والمسجد ومعها سجن الخيالة والحمّام والسور الشرقي بأبراجه الأربعة ،  يغلب عليها طابع البساطة والتقشف ،  وبنفس الوقت فأنها تتميز بالمتانة والقوة ،  واتقان التخطيط والبناء ودقة نحت الحجر بأحجامه الكبيرة ،  وكلها ميزات للعمارة الأيوبية .

      ومما يؤكد وجود هذا المسجد في القلعة خلال العهد الأيوبي ،  أن الظاهر بيبرس عندما استولى عليها مُنهياً الحكم الأيوبي ،  قام بأداء صلاة الجمعة في مسجد القلعة .

   

 

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
05-03-2012 08:27 AM

:-|

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012