أضف إلى المفضلة
الخميس , 25 نيسان/أبريل 2024
شريط الاخبار
بحث
الخميس , 25 نيسان/أبريل 2024


ماذا حدث في فوكوشيما؟

بقلم : د.أيوب أبودية
03-05-2014 10:21 AM
لقد قاومت الأبنية الحديثة في اليابان الموجات الزلزالية لأكثر من دقيقتين ولكن الأبنية التي كانت قائمة على تربة ضعيفة انهارت أو انقلبت، وما تبقى منها جرفته موجات التسونامي العاتية التي اجتاحت البر إلى عمق كيلومترات عديدة. كذلك اشتعلت الحرائق بفعل انفجارات الغاز ومستودعات النفط وتوقفت المفاعلات النووية عن العمل بمجرد حدوث الهزة بطريقة آلية.
ولكن المفاعلات النووية تحتاج إلى مياه لتبريد التفاعل النووي الذي يظل نشاطه مستمراً حتى بعد توقف المفاعل، ولسوء الحظ أغرقت موجات التسونامي البحرية أجهزة ومولدات الطاقة التقليدية ومستودعات وقودها، فلم يعد بالإمكان استمرار ضخ المياه للتبريد، فارتفعت درجة الحرارة، وانفجر البناء الواقي للمفاعل رقم 1 في مفاعل فوكوشيما بفعل انفجار غاز الهيدروجين، وانتشرت الإشعاعات حول المحطة؛ ولكن على الأرجح أن الوقود النووي شرع في الذوبان لارتفاع درجة حرارته فأصبح الخطر الإشعاعي أعظم بإطلاق مواد مشعة كاليود والسيزيوم المشع، الأمر الذي زاد من المسألة تعقيداً وضاعف الإشعاعات النووية المنبعثة في محيط المفاعل، حيث تم إجلاء نحو 200,000 نسمة في دائرة قطرها 20 كيلومتراً.
وكان من المستغرب أن توزع الحكومة حبوب اليود على المواطنين بعد الانفجار، إذ كان من المفروض اللجوء إلى ذلك مبكراً. فإذا كانت الاستعدادات لمواجهة هذه الكارثة في دولة متقدمة جداً كاليابان على هذا النحو من التباطؤ، فيمكننا تخيل ردة الفعل في الدول النامية والمتخلفة على الكوراث النووية!
وهذا التباطؤ يعني تعرض الناس إلى إصابات إشعاعية تؤدي إلى سرطان الغدد الدرقية وسرطان الدم، وبخاصة لدى الأطفال دون سن العاشرة. وهذا يكشف أيضاً عن مخاطر هائلة في إجراءَات الأمان والوقاية، وبخاصة في دولة متقدمة مثل اليابان حيث حوادث الزلازل هي نمط حياة، الأمر الذي يجعل من هذه الحادثة درساً قاسياً للدول النامية التي كانت تتطلع إلى عصر نهضة جديد في الطاقة النووية حول العالم!
وفي مواجهة ذلك، تم استخدام ماء البحر المضاف إليه بعض المركبات الحمضية Boric Acid لتبريد الوقود المنصهر وامتصاص النيوترونات، ولكن، بعد أن تعرت أنابيب الوقود النووية لتطلق كميات كبيرة من الإشعاعات، عادت لتهدأ قليلاً وانخفضت شدة الإشعاع من نحو 1500 مايكرو سيفريت إلى دون 200.
وبعض المفاعلات الأخرى في فوكوشيما واجهت مشكلة مماثلة؛ ولتخفيض الضغط، تم إطلاق بخار الماء الملوث بالإشعاعات في الهواء الطلق؛ ويبدو أن الأمور كانت مرشحة للتفاقم، وبخاصة في ضوء ملاحظة مادة السيزيوم Cesium وغيرها من المواد المشعة كمؤشر على انصهار الوقود النووي.
إن استخدام ماء البحر المالح لتبريد المفاعل أوقف المفاعل عن العمل إلى الأبد لخاصيته العالية في تسارع صدأ التمديدات المختلفة وتلفها، الأمر الذي يعني خسارة على الأقل ثلاثة مفاعلات خسارة شبه تامة. وعلى أي حال فإن المفاعل رقم 1 في دايتشي Daiichi عمره أصلاً نحو أربعين عاماً. وهكذا انقضت أيام عمل أغلب المفاعلات هناك وأعلن رئيس الوزراء الجديد إغلاق 54 مفاعلاً لحين التأكد من الجاهزية والأمان، ولم يتم تشغيل سوى مفاعلين حتى نهاية شهر حزيران 2012 عندما اجتاحت العاصمة تظاهرات عارمة رافضة إعادة تشغيل المفاعلين.
كان يُظن أن اعتماد اليابان على نحو 30% من طاقتها الكهربائية على الطاقة النووية سوف يؤدي إلى شلل اقتصادها ولكنها لجأت إلى إجراءَات ترشيد الاستهلاك بتعاون منقطع النظير من الشعب الياباني وإدارة شؤون أزمة الطاقة بنجاح. ولكن الأضرار الاقتصادية قدرت بمئات المليارات من الدولارات. وقد صرحت شركة الكهرباء هناك 'تبكو' بحجم الخسائر التي تبلغ مبدئياً نحو 245 مليار دولار.
ونعتقد أن اليابان سوف تتوجه إثر هذه الكارثة إلى بناء محطات لتوليد الطاقة من المصادر النظيفة والآمنة للطاقة المتجددة، كالرياح والشمس والغاز، مع مراعاة توزع مراكز إنتاجها كي يكون الضرر محصوراً في مناطق دون أخرى في المستقبل تجنباً لكوارث مستقبلية متوقعة في هذه الجزيرة المنكوبة بأعظم زلزال كانوا في انتظاره منذ مئتي سنة على الأقل.
ويثبت معارضة الأغلبية من الشعب الياباني للمفاعلات النووية تظاهر عشرات الآلاف في شوارع طوكيو في مطلع حزيران عام 2011 لوقف المفاعلات النووية نهائياً، حيث تظاهر 170,000 ياباني بعد إعادة تشغيل مفاعلين نووين في نهاية شهر حزيران من العام 2012 من أصل 54 مفاعلاً تم توقيفها عن العمل، كما يثبت جدية قرار الحكومة اليابانية في التخلي عن الطاقة النووية سنها قانوناً يلزم كافة الأبنية الحديثة باستخدام اللوحات الكهروضوئية لتوليد الكهرباء.
وفي أثناء الكارثة كان اليابانيون يأملون أن تستمر الرياح في عصف التلوث الإشعاعي إلى المحيط بعيداً عن المناطق الأهلة بالسكان؛ ولكن كانت هناك تقارير عن مخاطر اتجاه الغيمة المشعة صوب الفيليبين، ولكن ماذا كان سوف يحدث إذا تغير اتجاه الهواء باتجاه اليابان نفسها، وما الذي كان من الممكن أن يحدث للناس والطبيعة بمجملها؟ وبالرغم من ذلك فإن حادثة فوكوشيما باتت كارثة بكل المقاييس!
لم تلحق المفاعلات الستة في منشأة فوكوشيما النووية أذى مباشر يذكر جراء الزلزال الذي ضرب اليابان يوم الجمعة 11/3/2011، ولكن إغراق موجات المد البحرية للمنشأة أعطبت التمديدات الكهربائية ومولدات الكهرباء التي تعمل بالنفط؛ ولما كانت المفاعلات المتوقفة قد حجبت الكهرباء عن المنطقة، فلم يعد للتمديدات الكهربائية فائدة. لقد أصبحت المنطقة كلها على أعتاب كارثة نووية ربما لم يشهد لها العالم مثيلاً من قبل!
إن المقولة المتمثلة في أن موجات مد التسونامي البحرية هي التي أعطبت مضخات مياه التبريد لمفاعل نووي فوكوشيما دايتشي في آذار 2011 ليست دقيقة تماماً، فقد اتضح الآن أن تقارير عديدة قد وثقت تسربات في المياه من الأنابيب منذ سنتين قبل الحادثة فيما تقول أخرى إن انصهار قلب المفاعل لم يكن بفعل موجات التسونامي وذلك وفق الباحثان ديفيد مكنيل وجيك أدلشتين إنما بفعل الزلزال؛ ومهما تكن حقيقة ما حدث فإن هذا الإهمال يصعب تصديقه في دولة مثل اليابان.
وما زالت اليابان اليوم تستعد لمعالجة الكارثة بتصنيع رجال آليين للوصول إلى الأنابيب التي انصهرت وتستعد كذلك لتنظيف منطقة نصف قطرها ثلاثين كيلو متراً حول المفاعل؛ وقد رصدت شركة الكهرباء تبكو TEPCO مبلغ 245 مليار دولار كتعويضات أولية عن الخسائر، بما في ذلك إعادة توطين نحو مئة ألف شخص نزحوا عن منازلهم وما زالوا يقطنون خارج منطقة الكارثة. ربما يكون ترميم أضرار الزلزال والتسونامي ممكناً في غضون بضع سنين أما إعادة الحال إلى ما قبل الكارثة على صعيد التلوث الإشعاعي فتحتاج إلى مئات السنين وربما أكثر.
وبالرغم من أن المفاعل يغلق ذاتياً في حالات الزلازل ويتوقف عن العمل، فإن التفاعل النووي الانشطاري يستمر بقدرة بسيطة ولا يتوقف فجأة، لذلك كان لابد من استمرار تبريد المفاعل. ولكن المضخات التي توقفت عن العمل أدت إلى ارتفاع درجة حرارة المفاعل وحدثت إنفجارات غاز الهيدروجين المتتالية في المفاعلات الأربعة الأولى، كما نشبت حرائق في المفاعل الرابع، الأمر الذي أصاب نظام التبريد بالتدمير الجزئي وزاد المشكلة تعقيداً.
وعندما بدأت المضخات تعمل بعد أيام كان الضرر كبيراً، فلم تصل المياه إلى أحواض تبريد الوقود المستنفذ أو إلى قلب المفاعل، الأمر الذي سارع من الانصهار الجزئي في المفاعلات 1، 2، 3 وإطلاق المواد المشعة في الجو، فيما كانت الأعين مركزة بصورة خاصة على المفاعل الثالث الذي يستخدم البلوتونيوم مع اليورانيوم والذي ربما يكون قد أطلق أشد المواد إشعاعاً وخطورة.
وما لبثت الحكومة أن أعلنت عن جفاف البرك التي تبلغ من العمق 15 متراً والتي تحتوي الوقود المستنفذ في المفاعل الرابع، الأمر الذي حفز إطلاق المواد المشعة في الجو وأصبح الاقتراب من هذه المواقع مجازفة حقيقية، وبالرغم من ذلك تطوع الكثير من العاملين لإنقاذ الوضع!
لا شك أن العاملين في الموقع قد تعرضوا لإشعاعات كبيرة ومركزة، وسوف يموت بعضهم في غضون أيام أو ربما أسابيع من تاريخ تعرضهم للإشعاع المركز، أما الضرر على الأمد البعيد فعظيم جداً، بدءَاً من الشدة الإشعاعية التي تعرض لها الناس وفقاً لقربهم من المصدر المشع وشدته والفترة الزمنية التي تعرضوا فيها للإشعاع، فضلاً عن خطر استنشاق المواد المشعة أو دخولها إلى الجسم عبر الجهاز الهضمي أو بتناول الغذاء الملوث أو شرب الماء الملوث. والمخاطر الأكثر هولاً هي طبيعة التشوهات التي سوف تتعرض لها الأجنة البشرية في المستقبل!
لقد منع الأطفال من شرب مياه الصنابير في طوكيو، لأنهم الأكثر عرضة للإصابة بالغدة النخامية وسرطان الدم. كما أعلن عن خطورة تناول الحليب والسبانخ وبعض الخضروات المزروعة بالقرب من المفاعل. ولا شك أن أغلب المواد الغذائية ستكون مشعة، حيث حظرت مبيعات المواد الغذائية المنتجة في دائرة قطرها 100 كيلومتر، وذلك بتاريخ 19/3/2011، حيث تتضح من هذا القرار الأبعاد الكارثية للمفاعلات النووية التي لا ريب أنها سوف تتكشف أكثر بصورة تدرجية بمرور الزمن.
إنّ أشد نظائر السيزيوم إشعاعاً هو سيزيوم 137، وينجم عن التفاعل الانشطاري لليورانيوم والبلوتونيوم؛ والسيزيوم هو من المعادن السائلة عند درجة حرارة الغرفة الطبيعية، ونصف عمره الإشعاعي حوالي 30 عاماً، ويطلق أشعة ألفا وبيتا ليتحول في النهاية إلى باريوم. والخطر الأعظم منه هو ملامسة هذه المعادن المشعة وإدخالها عبر الفم أو تنفسها لتدخل إلى الجسم فتؤثر إشعاعات ألفا مباشرة على الخلايا الحية والمادة الوراثية وخلايا الدم البيضاء والغدد اللمفاوية وما إليها، فتؤدي إلى الإصابة بالسرطان واختلال وظائف خلايا الجسم المختلفة.
لا يمكن على وجه السرعة حصر الضرر الناجم عن انتشار العناصر المشعة في المياه وعلى التربة وفي الهواء ولكن ما هو مؤكد أن المواد المشعة سوف تنتقل حول العالم عن طريق الرياح والغذاء والمحيطات، وبخاصة التيارات البحرية التي تمر بمحاذاة اليابان لتصل إلى شواطئ أميركا الشمالية ثم ترتحل غرباً لتصل إلى شمال أستراليا وإندونيسيا وما حولها، وتستمر غرباً إلى المحيط الهندي لتدور حول إفريقيا وتتجه شمالاً عبر المحيط الأطلسي لتصل إلى شمال أوروبا، وذلك قبل أن تستدير لتعود مرة أخرى في دورة مغلقة.
وحتى لو طمرت المفاعلات بالخرسانة، كما فعلوا قبل ذلك في مفاعل تشرنوبل عام 1986، فإنّ أضرارها قد انتشرت في العالم عبر مياه المحيط والغلاف الجوي، وإن ذكراها سوف تظل إلى الأبد في أذهان الأجيال القادمة لتذكر بمخاطر المواد المشعة وقدرتها التدميرية الصامتة واللامرئية وغير المحسوسة التي لم تقوَ اليابان على مواجهتها، وهي الدولة الغنية والمتقدمة تكنولوجياً والتي يتميز شعبها بالتفاني في عمله ودقة إنتاجه ورفعة خلقه.

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
03-05-2014 02:08 PM

ا لم يقل طوقان انه خطا اداري ما حدث في فوكوشيما؟ الخطأ الاداري الوحيد هو تعيينه في مناصب حساسة

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012