أضف إلى المفضلة
الخميس , 02 أيار/مايو 2024
الخميس , 02 أيار/مايو 2024


الشيخ كليب باشا الشريدة 1865 – 1941

بقلم : د .احمد عويدي العبادي
07-08-2015 06:02 PM
الشيخ كليب باشا الشريدة
(قاهر الصهاينة، وفارس المقاومة ضد الاستعمارين الانجليزي والفرنسي واذنابهما، زعيم من زعماء الحركة الوطنية الأردنية، وصاحب المشروع الوطني في ان الأردن للأردنيين وصاحب مشروع استعادة الكرامة الأردنية من مغتصبيها).
1 = الطريق الى شخصية وطنية عظيمة
التقيت بالسيد د. عبد العزيز الشريدة في منزله يوم الأربعاء الموافق 5/8/2015 من التاسعة والنصف صباحا الى الثانية عشرة ظهرا خلف جريدة الراي، وحضر جانبا من القاء ولده السيد أسامة وهو رجل اعمال في أمريكا، وحدثني د. عبد العزيز عن الشيخ والده كليب اليوسف وكيف رفض رحمه الله لقب الباشا، وانه رحمه الله كان يصر على تسميته كليب اليوسف او أبو فلاح ويرفض تسميته بالباشا او الشيخ، وكانوا يغنون: يا شيخنا يا أبو فلاح على الحرايب كزنا.
ومن مواقفه الحكيمة انه عندما طلب الشيخ فواز البركات الزعبي (أبو ناصر) من الشيخ كليب الشريدة للتعاون ضد بني صخر، وقف الشيخ كليب حائرا بين أن يقف الى جانب حلفائه الصخور، او مع من علاقته بهم على غير ود وهم جيرانه واهل ديرته الزعبية لأنهم أي الزعبية ازروا قوات احمد باشا الجزار ضد الشريدة وكانت جيوش الجزار بقيادة الوني al wane حيث تعرض لهم الشيخ شريدة في وادي الخفر وقتل الوني وانهزم جيش احمد الجزار وكان الشيخ رشيد الزعبي مع الوني يؤازره ضد الشريدة.
وبناء عليه وعندما بدأت بني صخر تحشد ضد الزعبية والتحق بهم سائر البدو , قال كليب الشريدة ان الامر لم يعد صخور وزعبية , وانما بات اهل بيت الشعر ضد اهل بيت الحجر ولم يعد موقع للأحلاف العشائرية , وبالتالي انسلخ كليب اليوسف عن حلفه مع بني صخر في هذه المعركة وهي معركة الرميث وفيه الان جامعة العلوم والتكنولوجيا الحالية , وجمع كليب حوالي 500 فارس من رجاله , وامرهم بإطلاق النار بالجو بكثافة عند بلدة الصريح حيث ان بني صخر ادركوا ان حليفهم الشريدة صار ضدهم فانسحبوا الى الصحراء, وبذلك تحققت الغاية دون حدوث كسر عظم بين الحلفاء , وسميت العملية العسكرية برمتها : حرابة البدو مع الرمثا والتي وقعت اثر مقتل الشيخ صالح الصالح او الصايل الخريشة 31 اذار 1919 م , في سوق الحلال في اربد حيث قتله حسين أبو حماد وفياض العودة الله الخزعلي . وكانت هذه اخر الحرابات بين البدو واهل القرى في ديار اربد والتي وقعت في موسم الحصاد
الشيخ كليب باشا الشريدة الانسان
الباشا كليب الشريدة كان انسانا بمعنى الكلمة، كان متواضعا لا وضيعا، صاحب انفة وكبرياء لكنه لم يكن متكبرا، سخيا كريما لكنه يحافظ على كرامات وكرائم الناس حيث كان قاضيا عشائريا، ومن نوادره الانسانية انه قضى ذات مرة ببياض عرض امرأة معروفة بانها ليست بمستوى بياض العرض، وعندما سئل كيف يعلن براءتها وبياض عرضها قال لمن همس في اذنه هذا السؤال: وهل تريد مني تلطيخ سمعة نساءنا؟ وهل تريد مني ان أعلن حرب داحس والغبراء بين عشيرتين من عشائرنا وكلاهما من رعيتي؟، فنحن نحافظ على أرواح الناس ببياض العرض، والمذنب يلقى جزاءه عند الله سبحانه، فنغرس الوئام بين الناس ونستر الاعراض ويبقى العقاب او الرحمة عند الرحمن الرحيم.
ومن مواقفه الإنسانية انه كان لا يتناول طعامه مع الضيف ولا مع الطورة الثانية وانما مع الأطفال والمعوقين، في الطورة الثالثة والأخيرة، وكان يصر على اطعام المعوقين والاهابيل بيده من الصحن، لقد كان انسانا بمعنى الكلمة، وكان إذا اطل من العلية صمت الناس، وكان يجتمع مئات الفرسان حول العلية (قصر الحكم خاصته) وإذا اطل عليهم صمتوا، وكان كلامه دستورا غير خاضع للنقاش والتعديل، ومن مواقفه انه كان يشتري ملابس المساكين من حوله ويأتي بها من المدينة إليهم فيفرحون بها
وبعد وفاته أراد أولاده تشييد قبره بشكل لافت فاذا بامرأة اسمها كرمة تأتي صبيحة اليوم التالي تقول ان الشيخ كليب جاء اليها البارحة في المنام، وقال لها: يا كرمة اذهبي الى اولادي وقولي لهم لا تبنوا قصرا حول قبري فانا في قصر منيف وشامخ وإذا به قصر مبني من الخبز، ذلك انه كان كريما يطعم الجائع والمسكين والفقير واليتيم وابن السبيل
الشيخ كليب باشا الشريدة صاحب تاريخ مجيد، كان زعيما حقيقيا وقد بنى وأشاد البناء على ما كان اسسه وبناه اباؤه واجداده منذ مجيئهم من وادي بن حماد بالكرك الى ان استقروا في تبنة عاصمتهم العزيزة المجيدة في شمال الأردن، التي كانت تنافس مراكز الانتداب واذنابه بالسيادة والقيادة، وتتفوق عليهم بالممارسة والكرم والكرامة،
ولا يمكن الحديث عن الشيخ كليب الا من خلال الحديث عن ابيه الشيخ يوسف باشا الشريدة، وكلاهما ذلك الرجل الوطني والعقلية المتنورة وسط دياجير الجهل الرسمي والاحتلالي.
يوسف باشا الشريدة (والد الشيخ كليب باشا):
تسلم يوسف باشا الزعامة والحكم مبكرا وهو شاب في مقتبل العمر، وكان منذ نعومة اظفاره طلق المحيا عليه المهابة والوقار الممزوجة بسمات الرجولة المبكرة والشجاعة المتزنة والسماحة والجود. وذلك كما يصفه أحد الرحالة عندما حل في ضيافته 1864 في شهر نيسان، حيث كان الباشا جوادا كريما يتهلل فرحا بقدوم الضيف عليه ويقدم له ما تجود به النفس، وعنده من الخزين الكثير الذي يكفي على مدار السنة للأضياف والعائلة والفقراء والمساكين والغارمين وأبناء السبيل، وهو شان ولده الشيخ كليب باشا الشريدة فيما بعد، رحمهم الله جميعا.
وكان يوسف باشا من مواليد 1816 م، وبعد أن تنحى أخوه مصطفى الشريدة عن الزعامة، ولقي شقيقه الاخر رباع الثاني الشريدة مصرعه غيلة وغدرا على ايدي أحد قادة جيش إبراهيم باشا الالباني في بلدة سوف بعد أن أمنه مع آخرين على حياته بعد ثورة جبل عجلون. قام الالباني قائد الجيش المصري المحتل آنذاك المدعو إبراهيم باشا بن محمد علي الكبير أثناء احتلاله للبلاد اقول قام بتعيين الشيخ يوسف باشا متسلما أي حاكما لعجلون عام 1839 بدلا من المتسلم السابق الذي سارت الركبان بظلمه وجوره وقساوته (ويدعى محمد آغا الشوربجي.)
سيطر الشيخ يوسف باشا الشريدة على مناطق واسعة خارج تبنة وحولها التي كانت أكبر بلدة في لواء عجلون كله، وذلك كما جاء في دفتر طابو العثماني – وعندما شكلت الدولة العثمانية ' بموجب قانون الإدارة العثمانية الجديد ' مجلس إدارة قضاء عجلون 1286هـ1869م أصبح الشيخ يوسف باشا العضو الأول في تلك الإدارة، واستمر في العضوية من 1873 – 1869، غاب بعدها عن مسرح الاحداث لمرض الم به واقعده عن ممارسة النشاط، واعتزل الحياة السياسية والاجتماعية.
وقد حقق في حياته اعمالا جليلة وله صفات سامية لا تكون الا للأمراء والقادة والعظماء، ومن أعماله وصفاته الجليلة:
= الكرم الذي يفوق الوصف وسارت به الركبان والشعراء ' وذكره الشيخ صالح المصطفى (أبو شاعر الأردن الخالد عرار) في مذكراته التي نشرناها في كتابنا العشائر الأردنية منشورات المحتسب /عمان
= وذكر صالح المصطفى التل (أبو عرار) أيضا ان الشيخ يوسف باشا الشريدة هو من فك ارتباط لواء عجلون عن نابلس واتبعه الى والي دمشق مباشرة
= أجار النصارى وحماهم كما فعل الأمير راشد الخزاعي من بعده، ومنع أي أذى يقع عليهم، كما فرض حمايته للنصارى
الفارين من لبنان بعد فتنة 1864، واعتبر أي اعتداء يقع عليهم كأنه اعتداء عليه، وقام بتوزيع بعض العائلات على
قرى الكورة ولا يزال بعض منهم في هذه القرى الى الان.
= قسم أراضي نواحي اربد السبعة، حيث عرف كل أناس مقسمهم وحدود أراضيهم وبذلك أنهى المشاكل التي
كانت تنشأ عادة عن مثل هذه الأمور.
= القيام بإشادة العلية (بتشديد اللام والياء =البناية العالية) في تبنة عام 1854، وهي أشبه بالقلعة، لتكون مقرا له ومركزا لزعامته وممارسة الحكم، وقد قام ببنائها بناؤون من مدينة الناصرة، واستمر بناؤها سنة كاملة، وتم جلب حجارتها من موقع قريب يسمى العقبة، وهي مكان يقع الى الشرق من بلدة دير ابي سعيد
الشيخ كليب باشا ابن الشيخ يوسف باشا الشريدة
وُلد كليب الشريدة عام 1865 في قرية تبنة بمنطقة الكورة، من اعمال شرق الأردن، وقد ولد في بيت زعامة عشائرية قوية حيث كان والده الشيخ يوسف باشا الشريدة زعيما لكنه توفي ولما يبلغ الشيخ كليب من العمر الا ست سنوات، حيث انتقلت به والدته إلى أهلها في خربة الغزالة في حوران. وحيث عاش الشيخ كليب ردحا من السنين هناك في كنف اخواله، مع أمه فهيدة بنت الشيخ محمد صالح الزعبي من خربة غزالة في حوران. وكان والدها شقيق شيخ حوران سليم صالح الزعبي. وتوسط انسباؤه من الزعبية لدى الاتراك فيما بعد لإنقاذه (لإنقاذ كليب باشا) من الشنق.
كليب باشا الشريدة قامة وطنية عالية وكريمة ,اقام العدل في رعيته, وظلمه التاريخ والغرباء والاقرباء بلا عدل ولا روية , فمن لا يتم تدوين تاريخه يصبح عرضة للتحريف والتخريف , ومن تتم كتابة تاريخه حسبما هو الهوى السياسي فإنما يخرج من حقيقة التاريخ الى زيف السياسة وتقلباتها , وبخاصة ان السياسة الرسمية الممنهجة في الأردن هي تشويه او إخفاء الصورة المشرقة لرجالات الأردن , لكي يقال انها خالية من الرجال وانها يجب ان تكون من نصيب أعضاء مثلث الغم ( غرباء مرتزقة مقاطيع ) , وانها وطن بلا رجال لرجال بلا وطن , وارض بلا شعب لشعب بلا ارض ,.
ينحدر الشيخ كليب باشا الشريدة من بيت الزعامة، مفتتحاً من خلال سنوات عمره مرحلة مختلفة من الزعامة ومنهج إدارة الحكم، فكانت الدولة العثمانية تتراخى قواها في تلك البقعة التي سيجتها الجبال العصية واحاطتها الأودية والغابات الباسقة المتشابكة، ورعتها انصهار محبة الراعي والرعية والسماحة والرقي في الاخلاق والاذواق الذي كانت تتميز به اسرة الشريدة بعامة والشيخ كليب باشا بخاصة , وتوحد فيها الفلاحون والقرويون والعشيرة الحاكمة، مشكلين مع قسوة التضاريس حكماً رشيدا شبه ذاتي تقوم فيه المضافة التي توازي قوة وفعل السرايا بكل ما تقوم به مؤسسة الحكم المدني والشرعي، فلقد أولى الشيخ كليب عناية فائقة في ترميم المضافة وتقوية نفوذها في العهد التركي , وذلك في ظل الفراغ الذي خلفه غياب الحكم المركزي، وتنامي قوى العشائر وإمارات الحكم المحلي
كليب الشريدة (1865 -1941)، هو زعيم وطني أردني وعربي قومي بامتياز، رضع الانفة والكرامة والاباء والتدين مع حليب امه ومن نسائم جبال عجلون وأزاهير تبنة التي كانت مركز الزعامة في مستعصم من الأرض تأبى الرضوخ للقوى الاحتلالية والغريبة
لذا فان تاريخ ثورة الشيخ كليب باشا الشريدة لم يكتب على حقيقته حيث جرى التحريف لصالح الغرباء والاعداء لتبيان ان الأعداء يتمتعون بالسماحة وسمو الاخلاق ونحن لا اخلاق عندنا وان الغرباء هم أصحاب اليد العليا ونحن أصحاب اليد السفلى , وهذا مرفوض لأنه كلام عاري عن الصحة , فرجالاتنا لم يرتكبوا الجرائم بل ان الغرباء واذناب الانتداب والزوائد الدودية السياسية , هم من ارتكبوا الجرائم بحقنا وحق وطننا وتاريخنا وقاماتنا الوطنية وهويتنا وشرعيتنا , ليقال ان البلاد مقفرة من القيادات واننا عاجزون عن إدارة انفسنا وبلادنا ,ولكي يقال ان علينا الاعتراف بنظرية وهمية ترى في الغرباء انهم أصحاب جينات متفوقة , واننا أصحاب جينات متخلفة . ونقول هنا: كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا.
ومن التحريف لثورة الشريدة مثلا ادعاء الجهات الارتزاقية واذناب الانتداب، ان الاعتداء والعدوان وقع ابتداء من الشريدة ومؤيديه، وانه من بدأ بالشر والبادئ أظلم، والحقيقة ان قوات الإدارة الانتدابية أحاطت برعية الشيخ كليب باشا، وبخاصة بعشيرة الشقيرات من كل جانب ووصلوا إلى الخيام وارتكبوا مجزرة وحشية بحق عشيرة الشقيرات قبل أن ينهضوا صباحا من فراشهم. وهذا برهان على النية المبيتة لإذلال وقتل الأردنيين الأبرياء منهم قبل الثوار.
فلو كان الاعتداء بدأ من الأردنيين من اتباع الشيخ كليب لما وجدت قوات الغزو الانتدابي أحدا في الخيام ولما استطاعوا الوصول إليهم أصلا. وحيث ان القرى قريبة من بعضها بعضا، فإنها وحال سماعها صوت البارود سارعت للفزعة كما هي عادة الأردنيين في سائر العشائر والأماكن الأردنية. ذلك ان النخوة والشهامة ونصرة الجار هي التي كانت سائدة أيام ذلك الزمان ولا تزال من طبائع الأردنيين
تعاقب حكومات الغرباء
لم يكن الأردن خاليا من الرجال والمتعلمين والمثقفين ,قبل ان يبتلى بأذناب الانتداب وادواته ومثلث الغم , والزوائد الدودية الاحتلالية الهاربة من اوطانها , الذين تعاملوا مع الأردن واهله على انه وطن بلا مواطنين ليكون لمواطنين بلا وطن , وانه ارض بلا شعب ليكون لشعب بلا ارض , وانه وطن بديل لكل افاك سياسي فاشل او مطرود من بلده هاربا حاسر الراس بلا ساتر لعورته وسوأته , فوجد وطنا بديلا عن وطنه( سياسيا واجتماعيا وامنا) وهوية بديلا عن هويته, وشرعية بديلا عن شرعيته وشعبا خيرا من شعبه الذي طرده او لم يناصره , وبالتالي صارت الإدارة الانتدابية بالأردن موئلا للغرباء, وكما قال الشاعر العربي أمرئ القيس ( , وكل غريب للغريب حبيب ) , من ابيات قال فيها:
اجارتنا ان الخطوب تنوب واني مقيم ما أقام عسيب
اجارتنا انا غريبان هاهنا وكل غريب للغريب نسيب
فأن تصلينا فالقرابة بيننا وان تصرمينا فالغريب غريب
اجارتنا ما فات ليس يؤؤب وما هو آت في الزمان قريب
وليس غريبا من تناءت دياره ولكن من وارى التراب غريب
في اعقاب هذه الأحداث وقمع الثورة الأردنية التي قامت بقيادة الزعيم الوطني كليب باشا الشريدة بوحشية وحقد لا تعرفه قلوب الرحماء والكرماء , وانما تؤمن به وتمارسه النفوس العفنة والقلوب السوداء التي تزيد عن قلوب الذئاب عهرا ووحشية وسوادا , وعقب هيمنة الغرباء على الأردن واقصاء اهله ورجالاته , وتحديدا في شهر آب / 1921 تغيرت حكومة السوري رشيد طليع, وجاءت بعدها حكومة اللبناني مظهر أرسلان التي بدورها لم تعمر طويلا ، وكلاهما وجهان لعملة واحدة , جاءت على اعقابها حكومة السوري علي رضا الركابي مرة أخرى في تبادل للكرة بأيدي الغرباء مع حرمان الأردنيين من تداولها
أما السيدان على خلقي وأمين التميمي فقد خرجا من الحكومة الثانية، اما علي رضا الركابي: فقد ولد وتوفي في دمشق من سنة 1942 – 1877، التحق بإمارة شرق الأردن مع قطعان الغرباء سنة 1922 وتولى رئاسة الحكومة مرتين وعاد إلى دمشق حيث توفي ودفن فيها.
تألفت حكومة السوري علي رضا الركابي الثانية بعد قمع الثورة الأولى للشيخ كليب باشا، وجاءت حكومة الغرباء بعد المذبحة التي ارتكبها بحق الأردنيين في ثورة الشريدة الوطنية الأولى، وتمت مكافأته على جرائمه واسناد رئاسة الوزراء اليه ثانية، واظهر حقده على الأردنيين ونظرته الفوقية عليهم، وكما كان استبعدهم واقصاهم بقوة السلاح، كرر حقده المدعوم من الإدارة الانتدابية، أقول كرر حقده من خلال القرار السياسي الانتدابي، وبالتآمر مع كافة قوى الشر الاحتلالية التي ابتلي بها الأردن.
تالفت الوزارة الجديدة على النحو التالي:
1- علي رضا الركابي رئيس المستشارين.
2- مظهر ارسلان مستشار الملكية (الداخلية).
3- الأمير شاكر بن زيد نائب العشائر.
4- إبراهيم هاشم مستشارا للعدلية.
5- الشيخ سعيد الكرمي قاضيا للقضاة.
6- أحمد حلمي مستشار المالية.
7-أحمد مريود معاون نائب العشائر
وليس فيهم أردني واحد وكلهم غرباء لا علاقة لهم بالأردن.
رواية زوجة كليب باشا عن وحشية التعامل بعد الثورة
يروي الابن الأصغر للشيخ كليب باشا الدكتور عبد العزيز كليب الشريدة حول ممارسات قطعان العسكر الغرباء الذين داهموا البيوت في اعقاب الثورة قائلا على لسان والدته زوجة الشيخ كليب باشا (وهي تروي وحشية عسكر الارتزاق):
حدثتني والدتي قالت: فررنا من تبنة كل على وجهه وأنا فررت إلى أهلي في قرية جحفيه ولكن قبل أن نفر حاولنا أن نغلق أبواب البيوت والحواصل التي فيها المؤن والمحاصيل علها تسلم، تقول والدتي/ إن غرفتين كبيرتين (وأنا أعرفهما)
ملأناهما بصفائح السمن والزيت، اما /مغارة أبو سن / فملأناهما بالعفش والوهد أما المحاصيل الحقلية فكانت الحواصل والجميع (بئر صغير) مملؤة بها، ولكن ومع الأسف عندما دخل العسكر تبنة كانوا يخلطون الزيت بالسمن والقمح بالشعير ويمزقون الفرش والوهد ويبعطون (أي يطعنونه بالحربة التي في راس البندقية) الملابس لا لشيء إل انتقاما من هذا العدو الأردني (وهو الباشا ورعيته) أما المهباش فكان من نصيب فريدريك بيك.
وتضيف المرحومة والدة د عبد العزيز في روايتها له: (بعض اخواني وأقاربنا فروا إلى طفس في سوريا وبعضهم فروا الى قرى جبل عجلون حيث أقام أناس منهم في بلدة صخرة وفي بيت الشيخ محمد السليم المومني لمدة أربعة أشهر معززين مكرمين. كما ان كاتبه الكليب توفيت ودفنت في طفس)
زعيم وطني تاريخي رضع الكياسة والسياسة والحكمة
كليب باشا رضع السياسة والكياسة والحكمة والتأني والحزم والحلم كابرا عن كابر، فكان زعيما وطنيا قاوم الانتداب البريطاني على الأردن وادوات الانتداب من ذوي الزيارة الاحتلالية في أوائل القرن العشرين، ورفض منطق الاحتلال الذي فرضه الغرباء على الأردن والاردنيين ورفض تبعية الأردن وأهله لشراذم من مقاطيع الأرض ومطاريد السياسة والباحثين عن مقر وملاذ امن ولكن على حساب ترويع اهله والتحكم فيهم،
وأدرك الشيخ كليب باشا ان الإدارة الانتدابية لا علاقة لها بالوطنية ولا القومية ولا الإسلام، وانما هي هامة (بتشديد الميم) هائمة تبحت عن جحر امن، فضاقت عليها الأرض بما رحبت، ولم تجد جحرا ولا ثغرا، ثم جاءت الى الأردن ووجدت صدور رجال يرحبون بالغريب على الا يعلوهم، ويحمونه على الا يسلبهم امنهم وحمايتهم، وكما قال الشاعر
لعمرك ما ضاقت بلاد باهلها ولكن اخلاق الرجال تضيق
فقد ضاقت اخلاق الوطنيين الأردنيين بهذه القطعان المشرذمة التي عملت منذ اليوم الأول على شرذمة الأردنيين وشق صفوفهم ضمن المبدأ البريطاني: (فرق تسد)، ولكن قطعان الإدارة الانتدابية والزيارة الاحتلالية عملوا على مبدا ثلاثي وهو :( شكك، فرق، تسد)، فزرعوا الشك بين الأخ وأخيه والابن وابيه وفرقوهم عن بعضهم بعضا.
شارك الشيخ كليب الشريدة في (مؤتمر قم) الذي انعقد يوم السادس من نيسان عام 1920 في قرية (قم)، بهدف التصدي للعصابات الصهيونية، وإيقاف الاستيطان وسرقة الأراضي الفلسطينية من قبل الصهاينة وأعوانهم الانجليز وجواسيسهم.
كما دعم وشارك في المعارك حامية الوطيس التي شنتها العشائر الأردنية، ضد القوات البريطانية والفرنسية، وضد العصابات الصهيونية المستوطنة على أرض فلسطين. وقام بتجهيز قوة مكونة من 200 جندي بقيادة ابنه عبد الله للمشاركة في محاربة الفرنسيين عام 1920 وإخراجهم من بلاد الشام،
وبعد سقوط الحكومة العربية في دمشق بعد معركة ميسلون واكتمال الاحتلال الفرنسي لسوريا، حدث فراغ سياسي بالأردن، وقامت إدارات محلية لتسيير الأمور في البلاد في مرحلة كانت ستتبعها مرحلة توحيد الأرض الأردنية واهلها وهويتها، حيث كانت زعامات البلاد تعرف بعضها بعضا وكلهم اخلاص من اجل توحيد الأرض والانسان وإبراز الهوية بالصيغة العصرية الجديدة.
في هذا الاطار تشكلت حكومة دير يوسف التي أنشأها الشيخ كليب، في موازاة حكومة إربد التي ترأسها علي خلقي الشرايري، واصر الشيخ كليب من الإدارة الانتدابية الاحتلالية أن تكون ناحية الكورة وسائر الإدارات المحلية في الديار الأردنية , مرتبطة مباشرة بإدارة مركزية في عمان ايمانا منه بوحدة الأردن وإبراز هويته , وليس بشرذمة البلاد واهلها، فجوبه طلبه بالفرض والقمع من قبل إدارة الزيارة الاحتلالية , فتوترت العلاقات بين الزيارة الاحتلالية والشيخ كليب باشا ضمن صراع الوجود والبقاء والفكر , بين فكر وطني ثابت ( قراري ) وضده فكر ارتزاقي احتلالي (فراري) ، وشتان بين المفهومين والهدفين .
توترت العلاقة بين المشروع الوطني الأردني الذي يحمله الشيخ كليب باشا كما كان يحمله الأمير ماجد بن عدوان والأمير عودة أبو تايه وسائر رجالات الحركة الوطنية الأردنية، وفيما بعد حملته قيادات الحركة الوطنية العسكرية عام 1957=1958م في محاولة اللجوء الى السلاح، لتحقيق التغيير. كان الامر صراع وجود بين الأردنيين اهل الهوية والشرعية والوطنية من جهة، وبين الإدارة والزيارة الاحتلالية الغريبة الانتدابية الجديدة الوافدة لأنها إدارة تريد ابتلاع البلاد وان تقوم على أنقاض الأردنيين، وبالتالي فان طلب الشيخ كليب باشا لا يتفق مع سياسة شكك فرق تسد، فادى ذلك الى وقوع صدامات مسلحة على مستويات مختلفة بين القوات الانتدابية المكونة من الغرباء وبين المسلحين من رجال الشيخ كليب الشريدة.
كليب باشا يقود الثورة لكرامة الأردنيين وهويتهم وشرعيتهم
قاد الشيخ كليب الثورة ضد القوى الوافدة والإدارة الانتدابية، دفاعا عن الأردن هوية وشرعية ووطنية وكان من قادة وزعماء الحركة الوطنية الأردنية، والتي الت على نفسها عبر القرون وعبر رجالاتها في كل زمان ان تدافع عن هوية الأردن وشرعيته وتجذره ضد قوى الاحتلال والاخلال والغرباء والمرتزقة والمقاطيع والمطاريد،
ولكن القوى الوافدة لم يرق لها الصوت الوطني والفكر الوطني والموقف الوطني الذي وقفه كليب باشا ورجالاته، فقامت القوى الغريبة الوافدة باستخدام اقوى وأعتى ما توفر لها من قوة وبطش وسلاح وقصف وقتل في رسالة الى الأردنيين جميعا ان من يرفع راسه ضد الإدارة الانتدابية والغرباء لن يجد الا لنار والقتل والدمار، والمدفعية والرشاشات والطائرات، وقتل الأردنيين والتنكيل بالأردنيين.
واستطاعت القوة ان تغلب الشجاعة، وبات الشيخ كليب باشا طريداً للإدارة الانتدابية، والزيارة الاحتلالية التي أرسلت قوة عسكرية بقيادة الضابط الدرزي اللبناني فؤاد سليم للقبض على الزعيم الوطني كليب باشا.
اذن كانت ثورة الكورة من بين الانتفاضات الأولى ضد الانتداب البريطاني على الأردن واذناب وأدوات الانتداب. حيث قامت الثورة عام 1921 تحت شعار 'الأردن للأردنيين' وأسفرت عن خسائر طفيفة، وتوصل أطراف النزاع في البداية في إلى تهدئة وهدنة عبر المفاوضات وما سمي العفو الانتدابي عن رجال الثورة، ولكن القوى الانتدابية نكثت بوعودها وغدرت ومارست اقصى درجات الوحشية ضد رعية الشيخ كليب، من هنا اندلعت ثورة الكرامة والوطنية والشرعية والهوية مرة أخرى في عام 1923. وتم سحقها بأقصى درجات العنف والقوة بدعم من سلاح الجو الملكي البريطاني.
ثورة الكورة في المرتين
في 5 / 10 /1918 م أعلن عن قيام الحكومة العربية في دمشق بعد تحرير بلاد الشام من الاتراك، ودور الزعماء الأردنيين وعلى راسهم عودة أبو تايه في تحرير الأردن والتشوف ليحكمه اهله، حيث رفع الأردنيون شعارهم الخالد وهو: الأردن للأردنيين.
وتنفيذا لاتفاقية سايكس بيكو في فرض الانتداب البريطاني على الأردن وفلسطين والعراق، والانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان، تقدمت القوات الفرنسية واحتلت دمشق بعد ان هزمت القوات العربية السورية في معركة ميسلون يوم »24 / 7 / 1920 م».
وهنا سارع الأردنيون الذين كانوا يتبعون إداريا لحكومة دمشق العربية وتقطعت بهم الأسباب، إلى تشكيل حكومات محلية كان من بينها حكومة ناحية الكورة التي تشكـَّـلت برئاسة الشيخ كليب باشا الشريدة في 15/9/1920 م وعُـرفت باسم حكومة» دير يوسف» وهي بلدة تقع في الوسط ما بين ناحية الكورة وناحية بني عبيد، وصار الباشا كليب يديرها بما يناسب ذلك العصر من اسلوب إدارة وتعامل مع اهل المنطقة.
وعندما تأسست الإدارة الانتدابية في عمان , كان من بين التنظيمات الإدارية التي اتخذتها الإدارة الانتدابية إلحاق منطقة الكورة إدارياً بالحاكم الإداري في إربد، ولكن زعيم الكورة الشيخ كليب باشا الشريدة اعترض على أن تكون الكورة تابعة لإربد لما كانت عليه ناحية الكورة وزعامتها من تأثير في المنطقة، وطلب أن تكون ناحية الكورة مرتبطة مباشرة بالحكومة المركزية في عمان، ولكن الحكومة المركزية لم تستجب لطلب الشيخ كليب الشريدة فتوترت العلاقة بين الادارتين, أدت الى وقوع صدامات مسلحة على مستويات مختلفة بين مسلحي الجهتين
لم تلبث الأمور أن تطورت وتفاقمت حين قاد الشيخ كليب الشريدة ثورة مسلحة ضد الادرة الوافدة والزيارة الاحتلالية والقوى الغريبة التي تريد الهيمنة على الأردن وأهله وشرعيته وهويته، وأصرَّت الحكومة الانتدابية على ان الثورة الوطنية التي قام بها الشيخ كليب ليست في عرف الغرباء الا تمردا مسلحا يجب القضاء عليه بأقصى درجات العنف والقوة والقمع المسلح.
وعندما وجدت الإدارة الجديدة ما للشيخ كليب من مكانة عظيمة وكريمة عند الناس، وان هيبة الإدارة الوافدة تلاشت امامه كما يتلاشى الظلام امام ضوء الشمس، شكل كليب باشا ومشروعه الوطني للحركة الوطنية الأردنية كابوسا ثقيلا على الركابي واعوانه ممن يعلوه ويدنوه، وصار الهم الأول للغرباء وعلى راسهم الركابي ومن علمه السحر والحقد ودعمه في مسعاه الخبيث، أقول صار همهم الأول زعزعة مكانة الشيخ كليب، لان كليب باشا يحمل مشروعا وطنيا اردنيا يشكل خطرا على الغرباء ويجعل الأردن للأردنيين.
لذا تحرك الركابي بنفسه إلى إربد ليشرف بذاته على الحملة العسكرية ضد الباشا كليب الشريدة، والتي انتهت بلجوء الشيخ كليب وابنه عبد الله وابن أخيه رشيد الجروان إلى مضارب الشيخ حديثة الخريشة/ بني صخر في الموقر، حيث ان اهل الكورة الذين كان يتزعمهم الشريدة هم حلفاء وأبناء عم لبني صخر والعبابيد وبني حميدة
أصبح الشيخ كليب باشا الشريدة وابنه الشيخ عبد الله مطاردَين رسميا من الإدارة الانتدابية التي سيَّرت قوة عسكرية بقيادة الضابط اللبناني فؤاد سليم للقبض عليهما بأمر صادر عن حاكم عجلون آنذاك أمين التميمي، ولكن الأمور هدأت بعد أن التقى راس الإدارة الانتدابية في قرية سوف بالشيخ كليب الشريدة، لكنها سرعان ما عادت إلى التوتر بعد أن أخذت الحكومة المركزية الوافدة برئاسة السوري علي رضا الركابي تتعمد مضايقة الشيخ كليب الشريدة وأنصاره من أهالي الكورة، وبلغ من حقد رئيس الحكومة علي رضا الركابي على الشيخ كليب الشريدة أنه قرَّر الانتقال من العاصمة عمان إلى إربد ليشرف بنفسه على الحملة العسكرية ضد الشيخ الشريدة وأنصاره( كما ذكرنا أعلاه) .
وبعد وساطات ومفاوضات سلم الشيخ كليب ومن معه أنفسهم للحكومة، وذلك بعد أن أخذ الشيخ حديثة وعداً من الإدارة الوافدة بعدم إعدام أحد منهم، وتمَّت محاكمتهم في محكمة عسكرية، انعقدت في إربد وحكم على الشيخ كليب بالإعدام، وحكم على ابنه عبد الله الذي أصبح وزيراً فيما بعد، وعلى ابن أخيه رشيد جروان بالسجن خمسة عشر عاماً، وحُـكم بمدد متفاوتة على الآخرين، ولكن تلك الأحكام سقطت بعد ان تحرك سائر زعامات الأردن من العقبة حتى الهضبة , وهددوا بطرد الإدارة الانتدابية والزيارة الاحتلالية من البلاد , فاضطرت القوى الغريبة والإدارة الانتدابية للرضوخ صاغرة الى مطالب الأردنيين بإطلاق سراح الشيخ كليب باشا وابنه وابن أخيه ومن معه .
شارك الشيخ عبد الله كليب الشريدة في حكومةِ الرئيس توفيق أبو الهدى المشكـَّـلة في 29/7/1941م وزيراً للتجارة والزراعة، ثمَّ شارك في حكومةِ الرئيس أبو الهدى المشكـَّـلة في 4/5/1954م وزيراً للدولةِ اعتباراً من 8/5/1954م حيث أُضيف للحكومة بموجب تعديل وزاري بعد أن تبيَّن أنها كانت تخلو من ممثلٍ لشمال الأردن.
ولكن العلاقة بين عمان، عاصمة الادارة الانتدابية، وبين الزعيم الوطني الأردني الشيخ كليب باشا الشريدة توترت ثانية، وانتهت إلى مصادمات عسكرية، حيث شرعت حكومة السوري علي رضا الركابي بمضايقة الشيخ، بهدف استفزازه، لاستدراجه إلى مواجهة عسكرية يُعيد بها الهيبة إلى الإدارة الجديدة المكونة من أشلاء الفارين من اوطانهم، الغادرين بشعوبهم، فاتحدوا بدعم الانجليز ضد أبناء البلاد، وارادت هذه الإدارة ان يكون لها هيبة حيث كانت بلا هيبة، ورات ان هذه الهيبة لا تأتي الا بالقمع ولغة القوة والقتل والتنكيل بأصحاب الهيبة .
وتم سجن كليب الشريدة في سجن السلط، حيث أن زعماء السلط والبلقاء من السلطية والعبابيد والعدوان، اعتبروا الشيخ كليب باشا ضيفا عزيزا عليهم. وكانت المناسب ترسل يوميا اليه في السجن بينما كانت زوجته تقيم في بيت الزعيم الوطني الشيخ محمد الحسين العواملة معززة مكرمة بين اهلها. وعندما نفي الشيخ محمد الحسين الى مأدبا لم يغمض لكليب الشريدة جفن وظل يتوسط له عند الإدارة الانتدابية حتى انتهى الامر بالعفو عنه
وقد كان للشيخ كليب باشا الشريدة علاقة حميمة مع المجاهد الشيخ مبارك أبو يامين العبادي والأمير راشد الخزاعي، في تمرير ونقل السلاح والمال والمؤن والمجاهدين لتعزيز الثورة الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني وقطعان الصهاينة الإرهابيين والمستوطنين، وقدموا لفلسطين أفضل مما يمكن لفلسطيني وطني ان يقدمه للقضية
مما قاله كتاب اردنيون بالشيخ كليب باشا
يقول المؤرخ السيد محمود عبيدات عن كليب باشا: من لا يعرف الشيخ كليب باشا الشريدة فعليه أن يقرأ بدايات الثورة الفلسطينية عام 1936، حيث كانت مضافته الملاذ الآمن للمجاهدين، وكان أفراد عشيرته جنود رصد للمجاهدين يسهلون خروجهم ودخولهم، وينقلون لهم تحركات جنود الاحتلال البريطاني،
ورصد المؤرخ محمود عبيدات تجهيز كليب الشريدة مائتي مقاتل بقيادة ابنه عبد الله في الثورة الحورانية، ضد الفرنسيين وشاركت في القتال بمعارك نوى والشيخ مسكين. وقد أورد شكاوى الفرنسيين في سوريا للمعتمد البريطاني في عمان من الغارات التي نفذها الوطنيون الأردنيون من أمثال عبد الله كليب الشريدة، ومنور الحديد وسعيد المفتي ومحمد علي العجلوني الذين هبّوا لنجدة سوريا.
ويقول الكاتب علي الطراونة: كليب الشريدة زعيم وطني باقتدار وانفة. كليب الشريدة شيخ أردني بإقرار واستحقاق. عشق هذا الثرى وجاوز في عشقه المدى مذ كان طفلا كان مختلفا في الفكر عن اقرانه لأنه الخريج من مدرسة الزعامة التي لا تمنح بل تؤخذ ...كليب الشريدة حالة اردنية نادره عاشت في الزمن الصعب وتركت لنا ارثا في الكرم والطيب والتسامح حيث.لم يسمح الفتى الذي فقد والده الشيخ يوسف الشريدة قبل أن يتجاوز عمره ست سنوات, لهذا الحدث الكبير أن يهز شخصيته التي بدأت تنبني في بيوت أخواله الذين استقبلوا شقيقتهم الأرملة في خربة الغزالة, واتخذ الطفل قراراً لا يتخذه إلا من استوطنت نفوسهم العزيمة وقوة الإرادة من الكبار, مطوعا الغربة والألم وفقدان الأب, ليعتمد على نفسه وهو يضع أولى خطواته على درب الشيخة والزعامة, التي ستقوده ليكون حاكماً محلياً صاحب حكمة وبصيرة نافذة, وقد تمتع بصفات أهلته لذلك, فقد كان طيب النفس حسن الخلق ، تمتع بحب الناس ، واحترمه كل من عرفه ، وهو تقي وورع دائم العبادة.
ويضيف السيد علي الطراونة قائلا:
حين فكر (أي الشيخ كليب باشا ) ببناء مركز للحكم كان تطوير المضافة نصب عينيه, فحولها إلى مؤسسة حكم ذات هيبة، جعل لها خدماً وحرساً وعمالاً يقومون على خدمة الضيوف والمحتاجين ورواد المضافة ، وقد تم تأمين ميزانية كافية من خلال مساهمة الفلاحين بما يشبه الضرائب، مقابل حمايتهم وصون ممتلكاتهم وتقديم العون عند الحاجة ، وتأمين حل مشاكلهم وتحصيل حقوقهم بشكل عادل ، وكان ذلك شكلاً من الحكم الذاتي الحقيقي, نشأ في غياب سلطة الدولة العثمانية, التي كانت تعاني من مصاعب السيطرة على بعض المناطق الداخلية، ولم تكن قادرة على مواجهة الزعامات المحلية المتنامية, آنذاك ولمواجهة ذلك الوضع, قررت الأستانة إنشاء مديرية ناحية الكورة, لتخلق نوعاً من الحكم المركزي الذي لم يرفضه الشيخ كليب ، لكنه بحكمة وقوة تمكن من الاحتفاظ بأهم صلاحياته ، ولم تجد المديرية الجديدة مناصاً من التعاون معه, والقبول بتدخلاته وإملاءاته المتواصلة, في سبيل تجنب الصدام معه ومع الأهالي الذين يدينون له بالولاء والمحبة, وجاء ذلك بعد تجربة مريرة للمديرية, التي حاولت استعمال الشدة, فسجنت الشيخ وابنه في الشام مركز ولاية سورية ، ( وحكمت عليه بالإعدام ) لكن الدولة تراجعت عن كل ذلك ، لأنها أدركت أن استقرار العشائر والمناطق التابعة لها, لا يكون إلا من خلال تعاون زعمائها.
كليب باشا صاحب النخوة الأردنية
ومرة ثانية ومن قراءة تاريخ الرجال الكبار في بلدنا نتبين عمق العلاقة التي تربط شرق النهر بغربه, إذ يروى أنه في 13 أيار عام 1938، طوّق الجيش الإنجليزي قرية تمرة في فلسطين، بهدف اعتقال مناضل كبير من بلدة يعبد, يدعى الشيخ عارف، وباشر الجنود الإنجليز بتفتيش القرية، والقبض على كل من يمتلك سلاحاً... في تلك القرية كان الفلاح الفلسطيني المدعو مدحت ذياب يمتلك بندقية وبضع رصاصات مدفونة في حقل مجاور, وبينما كان يحاول إخراج الرصاصات، فاجأه الجنود وألقوا القبض عليه، دون أن يكتشفوا حيازته بندقية أو رصاصات, وقد حاول الرجل خلال احتجازه دفن ما بحوزته من الرصاص، إلا أن صوتها كشف سره، واقتيد إلى محكمة عسكرية، سرعان ما حكمت عليه بالإعدام.
وقد تذكر أحد سكان القرية العلاقة الخاصة التي تربط الشيخ جاد مصطفى ذياب، وهو عم لمدحت بالشيخ كليب باشا الشريدة، وفوراً توجه وفد برئاسة الشيخ إلى دير أبي سعيد، ليشرحوا مطلبهم للشيخ كليب، الذي اصطحبهم من فوره إلى ديوان الادارة الانتدابية
وعد صاحب الشأن في حينه بإطلاق سراح مدحت ذياب، وكتب خطاباً إلى المندوب السامي في فلسطين، شرح فيه ملابسات اعتقال الرجل، طالباً تخفيف العقوبة وفعلاً. خففت المحكمة العسكرية البريطانية حكم الإعدام عن مدحت إلى السجن المؤبد، ليطلق سراحه بعد نحو عامين، مضت الأيام ولم يتسن لمدحت شكر الشيخ كليب على إنقاذ حياته، وتوالت الأحداث في المنطقة، من الحرب العالمية الثانية إلى هجمات عصابات الصهاينة، وصولاً إلى احتلال فلسطين في العام 1948 وتهجير العائلة إلى لبنان. وبقي الجميل في عنق مدحت، الذي قص الحكاية على ابنه عدنان في العام 1972 وأطلعه على الرسالة الأساس إلى المندوب السامي، ليرث عدنان الأمانة عن والده بعد وفاته، ويتتبع أخبار عائلة الشريدة. ثم ليقوم مع وفد من وجهاء منطقته بزيارة عائلة الشريدة ليقدموا شكرهم على الموقف النبيل للشيخ الجليل كليب باشا الشريدة رحمه الله
- مصالحة باشا كليب وراس الإدارة الانتدابية
وأدرك الشيخ علي باشا الكايد العتوم وشقيقه الشيخ عبد العزيز باشا، بان ثورة الشريدة كانت مشروعا وطنيا تم اجهاضه، بمؤامرات بريطانية وعملاء ومطايا بريطانيا، وبالتالي فان الحفاظ على صاحب المشروع وهو الشيخ كليب باشا الشريدة يجب ان يصبح على راس الأولويات، بعد تلاشي المشروع، ولا بد من انقاذ ما يمكن إنقاذه، وان الثورة كانت للدفاع عن الهوية والشرعية الأردنية التاريخية، ودفاعا عن الشرف والعرض وكرامة الانسان الأردني كما قال الشيخ عبد الله باشا كليب الشريدة.
وبذلك شهد قصر علي باشا الكايد العتوم في سوف، حدثا تاريخيا مهما من تاريخ شرق الاردن وذلك باللقاء بين الشيخ كليب باشا الشريدة ورئيس الإدارة الانتدابية، وذلك برعاية الشيخ علي باشا الكايد نفسه،
فقد توجه الشيخ كليب باشا الشريدة الى سوف ترافقه كوكبة من الفرسان قوامها مائة فارس من انصاره ومؤيديه يرفعون راياتهم يتقدمهم ابنه عبد الله باشا، ووصل الركب الى مشارف سوف، حيث كان علي باشا الكايد قد اقام سرادقا ضخما لهذه الغاية يحتوي على عدد كبير من بيوت الشعر والخيام لاستضافة كليب الشريدة ومرافقيه.
في اليوم التالي قدم رئيس الإدارة الانتدابية الى سوف وحضر الشيخ رفيفان باشا المجالية (المجالي) وقدم أيضا عدد من شيوخ العشائر الأردنية وكبار رجالات الأردن، حيث شهدت ردهات قصر الشيخ الكايد قبل تناول الغداء لحظات حاسمة من التوتر والاحتجاجات على هيمنة الغرباء على مقاليد الحكم في البلاد وتعالت الأصوات ان الأردن للأردنيين، وأخرى ترفض المصالحة مع الإدارة الانتدابية، وكادت المجريات والغضب الوطني، ان يعرقل مراسيم الصلح.
تم تعيين الشيخ رفيفان المجالي (وعشائر الكرك) كفيل «وفا ودفا» بإعلان مراسيم المصالحة مع الشريدة، الا ان الشيخ رفيفان المجالي وقبل ان يبدأ، سأل الرئيس الإدارة الانتدابية عن شروطه للمصالحة مع الشيخ كليب باشا الشريدة، فاشترط رئيس الإدارة غرامة على اهل الكورة بواقع ليرة ذهبية «مجيدي» على كل ذكر مهما كان عمره. وهنا نبه رفيفان المجالي الشيخ كليب الشريدة الى ضرورة التزامه بالغرامة محذرا من مغبة الاخلال بهذا الالتزام».
لم يكتف الشيخ رفيفان بإشارة التنبيه والتذكير، بل أعلن صراحة تهديده الذي يبدو انه متفق عليه مسبقا مع رئيس الإدارة الانتدابية، انه إذا لم يلتزم الشريدة بدفع الغرامات المطلوبة فإننا (والكلام للشيخ رفيفان المجالي): «اننا سننقض حجارة الكورة حجرا جدرا إذا لم يتم الوفاء بالالتزام.».
وهنا انقلبت الأمور راسا على عقب، وأعلن شيوخ الأردن بما فيها المعازيب كل من الشيخ علي باشا الكايد وشقيقه الشيخ عبد العزيز باشا رفضهم لما قاله الشيخ رفيفان باشا المجالي وأعلنوا انضمامهم وسائر عشائر الأردن لمؤازرة الشيخ كليب باشا مما يعني ان الإدارة الانتدابية مرفوضة وليس من حقها فرض شروطها على اهل البلاد وهي غريبة عليهم بكل شيء وكرامة.
، قال الشيخ عبد العزيز باشا الكايد بحزم: «ان من يذهب الى الكورة سيمر حتما في سوف، وان كل حجر سينقض من حجارة الكورة سيزرع مكانه رجل….» وهنا صاح شيوخ العشائر الأردنية جميعا يؤيدون ما قاله عبد العزيز باشا ويؤيدون ثورة الشريدة ويطالبون بطرد الغرباء وادارتهم الانتدابية وهم يهتفون (الأردن للأردنيين). كان كلام الشيخ عبد العزيز والشيوخ الاخرين اشارة واضحة لإعلان التحالف مع ثورة الكورة ورفضا للغرباء وان الأردن للأردنيين، وان الشيخ كليب باشا يمثلهم».
وفي ظل الجو المتأزم، تدخل رئيس الإدارة الانتدابية الذي كان يرافقه رئيس ديوانه السوري رمضان شلاش، وهو من مدينة «دير الزور» السورية، وقال رئيس الإدارة الانتدابية باللغة التركية: «حبس. حيص» طالبا من الحضور التوقف عن المناكفة، وقال: «يا كليب. اعفيناك من الغرامة “واضطرت الإدارة الانتدابية صاغرة ومتوسلة ومتقربة الى زعامات العشائر بالعفو عن الشيخ كليب باشا الشريدة ومؤيديه وطلب ملتمسا من الشيخ علي باشا الكايد الايعاز بسرعة تقديم الغداء، وكذلك كان.

التعليقات
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012