أضف إلى المفضلة
الأحد , 05 أيار/مايو 2024
شريط الاخبار
انتهاء مباحثات الهدنة في القاهرة .. ووفد حماس إلى الدوحة الزميل الرواشدة يؤكد ضرورة التركيز على الإعلام الجديد ومواقع التواصل لمتابعتها من قبل مئات الملايين يجب ان تكون منتسبا للحزب حتى تاريخ 9 اذار الماضي وما قبله ،حتى يحق لك الترشح على القائمة الحزبية أورنج الأردن تعلن عن فتح باب التسجيل للمشاركة في هاكاثون تطبيقات الموبايل للفتيات تصنيف المناطق في الدوائر الانتخابية المحلية وعدد مقاعدها القوات المسلحة الأردنية تنفذ 5 إنزالات جوية لمساعدات على شمال غزة - صور الكنائس تقتصر الاحتفالات بالفصح على الصلوات نتنياهو: لا يمكن قبول إنهاء الحرب والانسحاب من غزة ارتفاع حصيلة العدوان على غزة إلى 34683 شهيدا و78018 مصابا الملك يعزي بوفاة الأمير بدر بن عبد المحسن الداخلية تعلن إحالة ‏عطاء إصدار جوازات السفر الأردنية الإلكترونية امن الدولة تُغلظ عقوبة 5 تجار مخدرات وتضعهم بالأشغال المؤقتة 20 عاما الحكومة تحدد سقوفا سعرية للدجاج الطازج لارتفاعه بشكل غير مبرر محمد هيثم غنام.. مبارك تخرجك من جامعة إلينوي الأمريكية تدهور مركبة خلاط تغلق مسربا على الصحراوي
بحث
الأحد , 05 أيار/مايو 2024


اول دستور اجتماعي اردني مكتوب عام 1919 م

بقلم : د .احمد عويدي العبادي
15-08-2015 01:28 PM
اتفاقية النواحي/ وثيقة تاريخية هامة جدا ونادرة
وثيقة عشائر بني كنانة 'نواحي الكفارات والسرو والوسطية' 1337 هـ -1919 م

نسخة بني كنانة
عنوان الوثيقة: وثيقة اتفاق لدرء الأخطار الداخلية والخارجية على نواحي: الكفارات والسرو والوسطية.
قياسات النسخة:
العرض: = 31.9 سم واحد وثلاثون سنتيمتراً وتسعة ميليمترات
الارتفاع: 47 سم سبعة وأربعون سنتيمتراً.
مكتوب على الوجهين الأول 27 سطراً كتابة + سطر بسملة + سطر عنوان من كلمتين + 3 أسطر تواقيع. أما الوجه الثاني فعليه سطران كتابة + اثنا عشر صفاً من الأختام.
عدد المواد:
10-عشر مواد.
عدد التواقيع:
على الوجه الأول سبعة عشر توقيعاً سبعة منها مصحوبة بالأختام.
طريقة التوقيع:
تسجيل الاسم واللقب (أفندي – مكتوبة أفف)
ووضع الختم أحياناً مرافقاً للاسم وأحياناً بدونه.
عدد الأسماء والتواقيع على الوجه الثاني:
ثمانية وسبعين ختماً بالإضافة إلى ثلاثة أسماء مذكورة بدون ختم وهي: مطلق المحمد وبشير المفلح وإبراهيم العبد الرزاق. وهناك أربعة وأربعين اسماً من الثمانية والسبعين يقترن الاسم والختم معاً. وأما البقية فأختام دونما تدوين للاسم معها. ويبلغ المجموع العام للتواقيع والأختام معاً تسعة وتسعون اسماً وهي من ناحيتي الوسطية والسرو. ولا توجد تواقيع عن ناحية الكفارات إلا أسماء الكفلاء فقط.
الورق:
مسطر عمودياً وأفقياً: أما البعد الأفقي بين السطر والآخر فهو سبعة ميليمترات و0.2 من الميليمتر. أما البعد العمودي فهو متفاوت.
نص الوثيقة
بس الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم نسخة جليلة مصدقة من رؤساء النواحي الثلاثاء وهي الكفارات والسرو والوسطية لدفع الضرر وحسم الفساد عنها.
ولما رائينا من ثوران الانقلاب المستدير والفساد المفرط المستهل بسائر النواحي كفيض المزن من سفك الدماء والسرقة وسلب مواشي وخلافها مما يوجب إلى خلل راحة عموم الأهالي قد صار جمعنا واتفاقنا نحن عموم رؤساء النواحي المندرجة أسمائنا ذيلاً حتى نجري حماية لأنفسنا ووطننا ومواشينا من الأعداء اتباعاً لقوله تعالى سنشد عضك بأخيك وامتثالاً إلى مادة القانونية العربية على مادات مذكورات أدناه وسيأتي بيان تفصيلاتها حرفياً واتفاقنا بيد واحدة وبلسان واحد نقول الله على ما نقول وكيل ما نخالف كل مادة مذيلة نحن رؤساء النواحي الثلاثاء وهي الكفارات والسرو والوسطية وتبايعنا مبايعة لا نحول عنها ولا نحول عن مادتها الداخلية والخارجية مربوطين بلسان واحد معقودين بيد واحدة كعضد واحد ونفس واحدة للمحافظة على سائر نفوس نواحينا المذكورات وأوطانها ومواشيها وعقاراتها وتخليصها من سائر الأعداء سواء كان بعيداً أو قريباً وكذلك تربية اللصوص الأجنبية وغير الأجنبية على التفصيلات المدروجات أدناه.
المادة الأولى:
إن كل من يتعدى على أحد أهالي نواحينا الثلاثاء وهي الكفارات والسرو والوسطية سواء كان من عشائر العربان أو غيرها من غير حق مشروع فعلينا عموماً بدون تفريق أو نقابل المعتدين بالمثل ونضرب على كل يد آثمة تريد هضم حقوقنا وكل من يتأخر عن مقابلة العدو من أهالي نواحينا نكون بأجمعنا يداً واحدة عليه ونفرشه للعموم ونجبره على المدافعة قوة واقتداراً ولو اقتضى الأمر نسلب أمواله وننهب حلاله ولا يجوز لأحد منا أن يدافع عنه على طبق هذه المادة وإن صدر ذلك من أحد منا فحكمه حكم المتأخر.
المادة الثانية:
إذا لا سمح الله اختلفنا مع أحد الأعداء في الخارج وقتلنا من الأعداء فتودي دية القتيل بعد انعقاد الصلح سواءً كان شخصاً أو أكثر فتكون ديته على عموم أهالي نواحينا.
المادة الثالثة:
إذا لا سمح الله إذا كان المقتول من قبل الأعداء أحد أهالي نواحينا لا يتم الصلحة عليه إلا برأي العموم وديته إلى وريثه.
المادة الرابعة:
إن قتيل نواحينا معادلاً إلى قتيل الأعداء حين الصلح أي معادة رجال منا ومن الأعداء إذا لا سمح الله حصل ما يكدر ولا يسوغ لأهل القتيل محاسبة عليه بمثل أن يطلبوا مداه حث سداد عن قبيلة المقتول من الأعداء.
المادة الخامسة:
كل من سرق من أهالي النواحي الثلاثاء المذكورات إلى أحد أهاليها شيئاً من مال أو حلال وثبت عليه بموجب شهود عدول شرعية يؤدي ما سرق مربعاً ويجازي عشائرياً
المادة السادسة:
إذا كان السارق أحد أهالي النواحي المذكورات وقتل في مراح المحل المسروق حين السرقة فليس لأهل المقتول أن يطوه أي القاتل ولا أن يجلوه إلى محل آخر ولا يسوغ أن يطلبوه مداه عن خمسة آلاف غرش تدفع إلى ورثته.
المادة السابعة:
كل من تجرأ من أهالي نواحينا على أن يلفي أحداً من الأعداء في بيته أو يمر أو يضيف فيعد عدواً مثله ويفرش ماله وحلاله للعموم وكذلك لا يجوز لأحداً من أهالي نواحينا المتفقة أن يذهب إلى طرف الأعداء أو إلى بيوتهم.
المادة الثامنة:
لقد جرى الاتفاق بيننا نحن رؤساء وأهالي نواحينا المذكورات على تطبيق المادة السابعة المندرجة أعلاه وكل من تجرأ على شيئاً من ذلك نكون عمومنا يداً واحدة على المخالف ولنا أن نفعل به ما نشاء لتربيته وتأديبه وننهب أمواله وحلاله ولا يجوز لأحد منا أن يلبي دعوته بشيء ولا يجوز لأحد منا أن يساعده بشيء ولا يجوز لأحد منا أن يدافع عنه وإذا صدر ذلك فحكم الملبي والمساعد والمدافع حكم جاني هذه الأفعال.
المادة التاسعة:
قد تعين على كل ناحية كفلاء مختصة لها كفالة الزامية يقوم كل كفيلاً على المخالف منا هذه الشروط والمشروحة أعلاه وكل منا مساعدين له فيما يطلب من المخالف كافة أحكامه المستديرة بين العشائر وأن المخالف مجبوراً ومكلفاً يدفع كافة الاستحقاق المنوه عنه بين رؤساء العشائر والمرتب لهذا الجزاء ولا تأخذ الكفيل القائم على هذه المادة لومة لائم وإن تراخي الكفيل عن القيم وتقاعد فليس يكون من أصحاب الغيرة ولا الحمية على حياة نفوس أصحاب النواحي ولا وطنه أيضاً ويعد من الساقطين وأن جميع ما درج وذكر وحرر أسبابه ثورة الانقلاب والهياج والفساد الثائر في سائر النواحي ولكي يصير حسم ما ذكر وراحة هذه النواحي المذكورات أعلاه حررنا هذه النسخ الثلاثاء لكل ناحية نسخة وتسلميها إلى رئيسها ليكون العمل بها عند اقتضى اللزوم ولا يجوز مخالفة إلى مادة مدرجة بها وقد حررت لتسعة خلت من شهر شوال سنة سبعة وثلاثون وثلاثمائة وألف هجرية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية والله على ما نقول وكيل 9 شوال 1337
رؤساء النواحي والكفلاء قابلين هذه الشروط وقابلين بها
كفلاء ناحية السرو
سودي أفندي أبو راس الحاج عمر أفندي الملكاوي
(اسم) (اسم وختم)
خلف لمحمد الملكاوي قسيم المحمد
(اسم) (اسم وختم)
فالح السمرين محمود الأحمد أبو راس
(اسم) (اسم وختم)
كفلاء ناحية الوسطية
ناجي أفندي العزام حسن عبد الوالي من الطيبة
(اسم) (اسم وختم)
إبراهيم العطية من الطيبة باير سليمان من صمَّة
(اسم) (اسم وختم)
سليمان الأحمد من سوم حمدان أبو عزة من صمَّة
(اسم) (اسم)
كفلاء ناحية الكفارات
كايد أفندي المفلح محمد المحمود من سحم
(اسم) (اسم)
اقويدر السليمان محمد السالم من حرثا
(اسم) (اسم
رشيد العلي من الرفيد
(اسم)
المادة العاشرة:
ولما جرت مطالعة هذه المادات المشروحات بها وجدناها راحة تامة لنواحينا الثلاثاء وحسماً لسفك الدما وردع الفساد الثائر فنقول بلسان واحد لا زالوا رؤساء نواحينا في ذروة التقدم لأنهم بذلوا جهدهم في راحة بلادنا هذه ثم وقد جرى الاتفاق بين رؤساء النواحي وبين عموم الأهالي بأن إذا أحد قتل نفس ظلماً وعدوان فيدفع القاتل الدية الشرعية إلى أولياء المقتول بدون مساعداً له ولا معين له بها ويجلى هو من أوطانه مع من سبقه.
وسواء كان من داخل نواحينا الثلاثاء أو خارجها وقد تصدقت منا بطوعنا واختيارنا لا سيما إذا ثبت على القاتل بحق بموجب شهود عدول يدفع الدية المحمدية إلى أولياء المقتول بغير مماطلة وتقوم عليه كافة رؤساء النواحي وكفلاها ولما جرى التصديق منا نحن رؤساء النواحي الثلاث وهي الكفارات والسرو والوسطية وكفلاها نطلب من مختارين كل قرية من النواحي المذكورات واختياريتها التصديق على كل نسخة لأجل إجراء التطبيق على كل مخالف أحكام المادات المذكورات ويعاقب بموجب أحكامها ويكون التصديق كل ناحية بناحيتها والسلام 9 منه.
تفسير الكلمات والاصطلاحات
رائينا: أي رأينا وبذلك نجد انعدام الياء من الكلمة وأن الهمزة على كرسي بدل أن تكون على الألف.
ثوران: غليان وهيجان: والناس في هرج ومرج قلقة حول مصيرها وحياتها لأنها في خضم حرب كونية وانكسار الدولة الحاكمة وغموض المستقبل المعتم.
الانقلاب المستدير: أي تعاقب الدول وانتهاء واحدة وابتداء أخرى.
المستهل أي المنتشر المهيمن.
كفيض المزن: أي كالمطر المنهمر.
خلل' إقلاق وإزعاج. وزعزعة الأمن؟
صار جمعنا: أي اجتمعنا معاً لدراسة الأوضاع والخروج بقرارات تحول دون السرقات والسلب والقتل وانفلات حبل الأمن.
ذيلاً أي في نهاية الاتفاقية. وقد كتب الحرف بالزين وليس بالذال.
نجري: أي نجر وبذلك نجد الياء بدون نقطتين.
مربوطين بلسان واحد: أي كلمتهم موحدة ولسان حالهم واحد.
المبايعة: أي العهد بالاتفاق لتحقيق الحماية الفردية والجماعية.
نفوس: (جمع نفس) أي سكن وأهالي.
تربية: أي الأخذ بيد من حديد على أيدي اللصوص وردعهم عن السرقات.
الأجنبية: أي اللصوص من خارج النواحي – مكان الاتفاق ومن داخلها.
العربان: أي عشائر البدو الرحل المتنقلين الذين يقومون بالغارات والنهب والسلب وطلب الخاوة من سكان هذه النواحي.
مقابلة العدو: أي مجابهته وملاقاته بالعنف والشدة.
نفرشه: من الفرش (al-Farsh). وهو بلهجة أهل شمال الأردن يعني: استباحة المال والدم وليس العرض. أي أن دمه مهدور ساقط الحقوق العشائرية لا يجد من يقف إلى جانبه ولا من يؤازره ولا من يدافع عنه. بالإضافة إلى نهب أمواله ومواشيه وهي تقابل عند بدو الأردن: منبوذ ومطرود ومشمس.
ات: أي لفظ الجلالة الله سبحانه وتعالى.
فتودى: أن تؤدى أي تدفع – والمدا هو: الديه.
المادان: المادات. أي المواد حيث نجد التاء مكتوبة على شكل النون.
المراح: أي حرمة المنزل. وهو المكان الذي تنام فيه المواشي حول بيت الشعر أو الحجر ويدخل ضمن حدود حرمة البيت عادة.
غرش: أي قرش وهي قطعة وفئة من النقود.
يلفي lylaffi أي يستقبل ويؤوي في بيته.
الساقط: أي الذي لا شرف له ولا كرامة عنده.
تقاعد: أي تباطأ وأهمل القيام بالواجب أو تنفيذ القرارات وبذلك يكون قد انشق عن صف الجماعة.
شرح المواد
بعد البسملة والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نجد عنواناً للوثيقة بخط أكبر حجماً من سائر بقية الخط فيها. ويصف العنوان هذه الوثيقة بأنها جليلة. وذلك يعني ما يلي:
1. أنها ذات احترام وتقدير خاصين في أنفس الناس الأمر الذي يتفق مع الوظيفة المناطة بها. وهي تنظيم العلاقات الفردية والجماعية في داخل النواحي وخارجها فإذا لم تكن جليلة ذات هالة قدسية لدى الناس فكيف يمكن أن تؤدي الهدف وتصيب كبد الأماني المطلوبة؟
2. أنها صادرة عن رؤساء النواحي الذين تتمثل فيهم السلطات التشريعية والقضائية والإدارية والسياسية. كل في ناحيته وبالتالي فهم المرجع الأعلى لنواحيهم والملاذ الذي يدرأ الخطر القادم ويستوعب الخطأ القائم.
3. إنها موقعة من بقية أعضاء القرى والمجموعات بعد أن تم تداولها مع رؤساء النواحي وبعد أن أفرغوا ما في دلائهم من حاجات ماسة إلى الأمن والطمأنينة وما يتطلبه الأمر من استمرار الحياة وضمانها. فاستجاب رؤساء النواحي لهم وتداولوا الأمر جميعاً. فكان هذا القانون وهذا الدستور الذي تحول من رغبات إلى كلمات منقولة ثم إلى مواد مكتوبة ليعرف كل واحد ما له وما عليه.
4. أنها جليلة لأنها محصلة الحاجات والتطلعات ونقطة التقاء واتفاق جميع الأطراف أمام الخطر الذي يتهدد أفرادهم وجماعاتهم.
5. أنها جليلة لأنها تنص على وسيلة دفع الضرر الذي وقع على الناس من الخارج والداخل. ولأنها تعمل لدرء الفساد والمفاسد المترتبة على قطع حبل الأمن وغياب السلطة.
6. إنها جليلة لأنها حولت المجتمع إلى مجموعة دفاعية ذاتية. حماية للبقاء وتجنباً للفناء واستمراراً للعطاء وذلك باتفاق الجميع واختيارهم وطوعهم دونما إجبار أو إكراه من أية سلطة خارجة عنهم.
أما النواحي التي تتعلق بها هذه الاتفاقية فهي الكفارات والسرو والوسطية وجميعها من لواء عجلون سابقاً – محافظة اربد حالياً وتسمى بمجموعها: ناحية بني كنانة.
مقابلة خاصة مع السيد أمين محمد إبراهيم الخصاونة
الأربعاء 14/12/1988 في بيته بالشميساني بعمان
وقد أخبرني السيد أمين في المقابلة أعلاه أن زعيم ناحية السرو كان سليمان باشا السودي الروسان. وأن زعيم ناحية الوسطية كان ناجي باشا العزام. وأن كايد باشا المفلح العبيدات كان زعيم ناحية الكفارات وهو أول من استشهد على أرض فلسطين في معركة خاضها مع اليهود في معركة سمخ قرب طبريا؟ أما سليمان السودي فقد ورث زعامة السرو عن والده سودي أبو راس (أي الروسان).
ونجد هنا كتابة الياء على شكل ألف مقصورة وأن التاء المربوطة في كلمة الثلاثة مكتوبة ألف ممدودة وأن تاء الكفارات مكتوبة نوناً. وأن السين في (الفساد) غير واضحة وتقرأ الفاد.
المقدمة
نجد في السطر الأول من الوثيقة بياناً للأسباب التي دعت إلى الاجتماع والتباحث والاتفاق. وتدوين الوثيقة التي نحن بصدد بحثها أما هذه الأسباب فهي:
1. ثوران الانقلاب المستدير. فالأيام دول بين الناس. ولكل أمة أجل. وكانت هذه الديار ضمن أراضي الدولة الإسلامية العثمانية. إلا أن الهرم جاء عليها والنخر في جسمها أدى إلى اهترائها فطارت هيبتها ووهنت قوتها. فبرزت الفوضى على شكل بركان متفجر، بعد كبت للناس وبعد أن سيموا الخسف والذل وانحسرت هيمنة الدولة وأصبحت الأعمال الشخصية دونما رقيب أو حسب ولم يعد أحد من الأهالي آمناً على نفسه.
إن هذه الكلمة توضح الفوضى التي سادت المجتمع بعد أن زالت مظلة الدولة وإذا سارت المياه في غير مجاريها. وفاضت عن زباها. فإن الحياة تتعذر والاستمرار يندثر. وهو ما لا يتفق مع حب الإنسان للبقاء على هذه الأرض. إن هذا الانقلاب والثورة والخروج عن النظام وشق عصا الطاعة لجديرة كلها في أن تؤخذ بعين الاعتبار وأن يجتمع لها الناس في يوم مشهود يتفقون فيه على ما يساعدهم على استمرار الحياة الكريمة.
2. الفساد المفرط: هذا الفساد الذي عم وانتشر في هذه النواحي الثلاثة وكأنها أمواه المطر من الغيوم السوداء وقد حددت الوثيقة هذا الفساد فيما يلي:
أ‌. سفك الدماء أي قتل الناس بلا سبب أو لأقل ذنب. فلم يعد للفرد كرامة ولا مقاماً. كما أن الروح وحياة الإنسان. أصبحتا مهددتين حيث لا عقاب على الجاني إلا في حالة أن يأخذ ذوو المتضرر القانون بأيديهم أي الثأر لأنفسهم. إذ لا سلطة يشتكون إليها ولا دولة يحتمون بها.
كان سفك الدماء ناتج عن أمرين: الأول بسبب غزوات البدو والعشائر لبعضهم بعضاً فيكون طرف في موقع الهجوم للسلب والكسب وطرف آخر – من أهالي النواحي – في موقع الدفاع عن النفس إلا أن قوة المدافعين فرادى أو على مستوى كل ناحية بناحيتها ينوء بها كاهلهم الأمر الذي يستوجب التكاتف والتعاون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.
ب‌. الأعمال الفردية: من تصفية الحسابات بين الأفراد والجماعات من داخل النواحي نفسها. مع احتمالية لجوء القاتل لعشيرة بدوية لحمايته من أي انتقام أو أخذ بالثأر.
من هنا نجد أن مجالات سفك الدماء كانت من الخارج ومن الداخل على حد سواء، وإن كانت الأولى أعم وأشمل وأكثر.
3. السرقة: كانت السرقة قديما نمطاً سلوكياً مقبولاً ومحموداً بسبب ما كانت الناس تعانيه من جوع وبذلك كانت هذه الممارسات وسيلة لإعادة توازن الثروة بين الأفراد والجماعات. أو لسد الرمق والحاجة إلا أن زيادتها على حدها يجعل الناس في غير مأمن على أنفسهم وأموالهم. وقد تؤدي إلى جرائم قتل وبالتالي إلى سيادة الفوضى والخوف واضطراب حبل الأمن؟ وهو واضح في نص الوثيقة وكلماتها.
أما مواد السرقة فهي: المزروعات والمنتوجات الحيوانية والمواشي، والأموال والأدوات المختلفة. وإذا كان الفرد أو الجماعة يعملون ويجدون ويجتهدون بغية الحصول على مواد غذائية أو ثروة مالية أو حيوانية. ثم تطير هذه بصفقة سرقة واحدة. فإن ذلك يؤدي إلى التخاذل والتكاسل، بالإضافة إلى عدم الطمأنينة. فلا بد إذن من الحيلولة دون هذه السرقات التي وصلت ممارساتها إلى اختراق الحد المقبول من الأشياء سلبها وإيجابها.
4. سلب المواشي ومن الواضح هنا أن الوثيقة فرقت ما بين السرقة والسلب في عرف العشائر الأردنية. ذلك أن السرقة هي أخذ مال الغير في حين غفلة منه وتكون المسروقات محدودة العدد أو الكمية. أما السلب فهو أخذ مال الغير بالقوة وبالمواجهة. وقد يتم بعد عراك شديد وقد يتم أسر صاحب المال وربطه حتى يبتعد السالب بمنهوباتها بعيداً عن مكان الجريمة.
كانت المواشي عماد الثروة في ذلك الحين. وكانت رمزاً للجاه والغنى بين فئات المجتمع فليس عجباً إذا أن يطمح الشخص إلى اقتناء المزيد منها. كان البدو يمارسون السلب بالقوة وفي وضح النهار، ويأتون على شكل مجموعات يقتسمون فيما بعد ما سلبوه وأخذوه. أما السلب الداخلي فكان ما بين ناحية وأخرى أو أن أفراداً تخصصوا في سرقة وسلب المواشي لبيعها إلى أسواق اللحم في مدن فلسطين آنذاك.
وقد تضمن النص كلمة 'وخلافها' أي سلب أشياء غير المواشي كالملابس والمنتجات الزراعية والحيوانية، فيما كان يسمى تقشيط أي أخذ ما بحوزة الآخرين بالقوة. مع الاستعداد لاستخدام العنف والقتل في حالات المقاومة من الطرف المسلوب.
5. أما المحصلة لهذا كله فهو انقطاع حبل الأمن وإقلاق راحة الأهلين جميعاً. فهم مجتمع واحد تعمه السراء والضراء على حد سواء. وفي مثل هذا الجو تبرز الحاجة إلى تنظيم الجماعة للدفاع عن نفسها وحماية ذاتها.
وحيث يتعذر اجتماع الناس كلهم فإن رؤساء النواحي ومن منطلق ثقة الناس بهم وشعورهم بالخطب الجلل. وثقة الناس بهم ولجوئهم إليهم قد اجتمعوا وتدارسوا هذه الأوضاع وهم أمام خيار واحد لا ثاني له وهو تلبية متطلبات المسؤولية الملقاة عليهم. فهم أعرف بما يدور حولهم كما أن كلمتهم مسموعة ومطاعة لذا فهم أصحاب القرار والذي يكون قوياً عندما يجد المؤازرة والثقة من الناس. ففي المادة العاشرة نجد إشارة إلى أهمية هذه الثقة عندما تنص الوثيقة على: 'فنقول بلسان واحد لازالوا (لا زالوا) رؤساء نواحينا في دروة (ذروة) التقدم لأنهم بذلوا جهدهم في راحة بلادنا هذه ثم وقد جرى الاتفاق بين رؤساء النواحي وبين عموم الأهالي بأن ... الخ'.
الاجتماع والاتفاق إزاء هذا كله كان لابد من اجتماع رؤساء النواحي وتدارس الموقف والخروج بنتيجة تضمن راحة الناس وحمايتهم أما غاية الاتفاق فكانت:
1. 'حماية لأنفسنا' – أي حماية الأفراد والجماعات وحماية الأرواح – أي حماية الإنسان.
2. 'ووطننا' – أي حماية الأرض فالإنسان بلا أرض لا وجود له – والأرض إذا كانت لغير أهلها فَلْتَمِيْدُ وتتدمر. ونجد هنا مفهوم الوطن في هذا النص وسواء أكان هذا يعني أراضي النواحي أم أراضي الأردن بما فيها النواحي فإن النتيجة واحدة وهي أنهم قوم يعرفون الوطن ويدركون ضرورة حمايته فإذا ضاع وطنهم ضاعوا وإذا بقي بقوا واستمروا. – إذن فالأرض لها قيمة عندهم وهي داخلة في مفهومهم وذلك عكس ما يشاع ويفترى على أجيالنا الأردنية السابقة أنها لا تفهم للوطن والأرض معنى.
3. 'ومواشينا' أي الثروة التي هي رأسمال الناس لاستمرار معيشتهم. إن المواشي متحركة ويستطيع الفرد وتستطيع الجماعة نهبها وسلبها وعندما يتعرض الراعي لمجموعة من الرجال لا قبل له بهم ولا طاقة. فلا مناص حينها من التعاون الجماعي للحماية. فمن يقم اليوم بهذا الواجب تجاه غيره يجد غيره غداً معه إذا ما تعرض لموقف مماثل. إنها منفعة متبادلة وفهم متبادل وحاجة متبادلة.
4. إن هذه الحماية وهذا التكاتف ضد الأعداء وهمه هنا من خارج النواحي ولا تتأتى هذه الحماية إلا بالتكاتف والتآلف 'سنشد عضك بأخيك'. إن هذا العمل – وهو التعاون ليس إلا تنفيذاً للسنة الشريفة المستمدة من القرآن الكريم فالقوم مسلمون. ومؤمنون بأن الله سبحانه قد أمر بالتعاون على البر والتقوى وعلى الدفاع عن الأرواح والأعراض والأموال. كما أنهم مدركون إلى أن التآزر يجعل منهم عصبة أولي قوة وأن التفرق يجعلهم جذاذاً أشتاتاً يتفردهم العدو واحداً إثر آخر.
لقد اتفق القول، وأصبح لسان حالهم واحداً. وقد وضعوا كفلاء من البشر، ووضعوا الله وكيلاً وكفيلاً على ما يقولون ويتفقون. على ألا يخالفوا نصوص المواد المدرجة أدناه. إن اتفاق رؤساء النواحي يعني اتفاق الوجوه وبقية القوم، وليس هذا كاف ولا واف، بل إن المسؤولية عظيمة والتضحيات جسيمة تحتاج إلى إقدام ومجابهة ومجازفة لذا يم يكتفوا بالتوقيع عنها بل ولا يتحولون عن مادتها الداخلية والخارجية.
وحيث أنه لا توجد سلطة سياسية حكومية ولا محكمة ولا سلطة تنفيذية تلتزم وتلزم بتنفيذ المواد المدونة. فإن العهد والمبايعة والتكاتف وتكرار ذلك وتوكيده أفضل ضامن وضمان للتنفيذ والتقيد. ولابد من هذه العهود قبل تدوين المواد وقراءتها ليعرف كل واحد أن النكوث بها والنكوص عنها ليس خيانة للجماعة فحسب. بل وخيانة لله ولعهده ولرسوله. وقد ورد في النص الأصلي ما يلي: 'تبايعنا مبايعة لا نحول عنها ولا نحول عن مادتها الداخلية والخارجية مربوطين بلسان واحد معقودين بيد واحدة كعضد واحد ونفس واحدة'.
ولماذا هذا كله؟ الجواب: إنه توكيد وتوطيد لما سبق وذكروه. وهو: 'للمحافظة على سائر نفوس نواحينا المذكورات وأوطانها ومواشيها وعقاراتها وتخليصها من سائر الأعداء سواء كان بعيداً أو قريباً وكذلك تربية اللصوص الأجنبية وغير الأجنبية'.
إنه شغلهم الشاغل – ألا وهو الحفاظ على الأرواح والأموال والمواشي. وتبرز هنا نقطة هامة وهي: 'وتخليصها من سائر الأعداء' – أي الانتقال من مرحلة الدفاع والحفاظ إلى مرحلة الهجوم وردة الفعل المعاكس إذا اقتضى الأمر. فإذا ما حدث وتمكن العدو سواء من داخل النواحي أو من خارجها أقول: إذا ما تمكن من السلب أو النهب أو السرقة فإن على أهالي النواحي التجمع لشن الغارة وتخليص ما قد أخذه اللصوص وقد يحتاج هذا للعنف والتضحية حينها لا بد من ذلك. وللوصول إلى هذه الغاية لا بد من تقوية العهود والوعود. ليشتد عضد كل واحد بأخيه.
إن مثل هذا الهجوم المعاكس ليس لتخليص المنهوبات والمسروقات فحسب بل ولتربية المهاجمين الذين أطلق عليهم هنا: 'اللصوص'.
إن هذه الاتفاقية تعني أن الجميع أصبحوا يداً واحدة وكلمة واحدة وعصبة واحدة وهو ما يشكل رادعاً للعاديات. وضبطاً للتجاوزات، وإرهاباً للأنفس المريضة (ومنهم اللصوص) فهي بالتالي وسيلة اجتماعية من وسائل التربية لمن هم في الخارج والداخل على حد سواء.
اشتملت هذه النسخة الجليلة على نمطين من المواد والعلائق – داخلية وخارجية. أما المواد الأولى والثانية والثالثة والرابعة فتتعلق بالشؤون الخارجية بينما خصصت المواد من الخامسة حتى نهاية العاشرة للأمور الداخلية لترتيب العلائق بين أبناء النواحي الثلاثة.
المواد الخارجية
وهي التي تضع القوانين التي تنظم العلاقة وتنص على كيفية الإجراء ونمط العقوبة تجاه التجاوزات والاعتداءات التي قد تقع على أهالي النواحي من خارجها. أما النصوص فقد جاءت على النحو التالي:
المادة الأولى:
تشتمل هذه المادة على ما يجب عمله تجاه أي اعتداء من الخارج سواء من العربان أو غيرهم. ونرى هنا أن الأعداء الخارجين كانوا فئتين هما:
أ‌. العربان: وهي كلمة تعني البدو والبداوة لأن الاصطلاح الأردني القديم يعطي هذه الكلمة للبدو. ويعطي كلمة الفلاحين للمزارعين والحضر لأهل المدن وتشير هذه العبارة على تكرر غزوات البدو للنواحي الثلاثة وأن هذه المشكلة ملحة وبحاجة إلى إجراء جماعي وتكاتف عام.
ب‌. غير عشائر العربان: أي من سكان وأهالي النواحي الأخرى حيث كانت العلائق بين عشائر الشمال موزعة بين صديق وعدو وكان أهل سوف ودير أبي سعيد والعبيدات حلفاء لعشائر عباد وبني صخر وبني حميدة. وكان سكان جبل عجلون حلفاء لابن عدوان. لذا فإن الهجوم على النواحي الثلاثة ليس مقتصراً على العربان بل ويتعداه إلى حلفاء هؤلاء العربان أو ما إلى ذلك.
والآن ما هو الإجراء الواجب إتباعه في حالة وقوع مثل هذا الاعتداء؟!
1. أن يكون جميع أهالي النواحي الثلاثة وهي السرو والوسطية والكفارات يداً واحدة وعصبة واحدة. وكأنهم رجل واحد ونفس واحدة. كالجسد الواحد إذا تألم منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. 'فعلينا عموماً أن نقابل المعتدين بالمثل'.
2. الضرب بيد من حديد على أيدي المعتدين الذين يعتدون بصورة غير مشروعة لأن في الاعتداء هضم لحقوق الناس وظلم لهم. ولا يقبل الهضم والظلم من في قلبه ذرة إيمان أو في أنفه لمحة كرامة: 'ونضرب على كل يد آثمة تريد هضم حقوقنا'. أما هضم الحقوق فيتمثل في طلب الخاوة من سكان هذه النواحي وسلب أموالهم ونهب حلالهم وهذه كلها جرائم ليس فيها من مسوغ حق.
3. في حالة تقاعس أو تأخر أحد من أهالي النواحي عن مؤازرة بقية السكان فإن ذلك يعني الخروج على الإجماع والاتفاق ويعتبر من الخوالف. وهو بالتالي يستحق عقوبة صارمة لردعه من جهة وليكون عبرة لغيره من جهة أخرى. فلا يجرؤ أحد حينها على شق عصا الطاعة على اتفاق الجماعة. 'وكل من يتأخر عن مقابلة العدو (أي مجابهته ومقاومته ومحاربته) من أهالي نواحينا نكون بأجمعنا يداً واحدة عليه.'.
أما العقوبات المفروضة على المتقاعس أو المنشق من أبناء النواحي فهي التالية:
‌أ. اتفاق القوم جميعاً ضده ومحاربته واحتقاره ومعاقبته 'يداً واحد عليه'.
‌ب. استباحة أمواله وحلاله ونبذه 'ونفرشه للعموم'.
‌ج. إجباره بالقوة على اللحاق بركب الجماعة والانضمام إليهم لمقاتلة العدو.
‌د. في حالة رفضه وتعنته يتم نهب حلاله وسلب أمواله.
‌ه. عدم الدفاع عنه تجاه من يؤذيه من أهالي النواحي أو من يعتدي عليه من خارجها 'ونجبره على المدافعة قوة واقتداراً ولو اقتضى الأمر نسلب أمواله وننهب حلاله'.
‌و. في حالة وصول أمره إلى مثل هذه الحالة فإنه لا يجوز لأحد من أبناء النواحي قريباً له أو بعيداً عنه أن يأخذ جانبه. وإذا حدث ذلك فإن حكم المدافع كحكم المتأخر أو المتخلف.
المادة الثانية:
وتتعلق بدية القتيل إذا كان من الأعداء وكان القاتل من أحد أهالي النواحي الثلاثة وفي هذه الحالة فإن الدية ليست على القاتل وحده ولا على أسرته وخمسته وإنما على جميع أهالي النواحي. وفي هذه المادة تبرز بوضوح بعض الدوافع والأهداف والتي يمكن ذكرها على النحو التالي:
1. أن هذا الإجراء حافز هام في تحويل كل شخص من أفراد عشائر النواحي الثلاثة إلى جندي يدافع عن الجميع لأن الجميع يدافعون عنه ويدفعون عنه وبعد هذا الاتفاق لن يتردد أي منهم في أن يبذل أقصى ما عنده من مقارعة الأعداء وطردهم والدفاع عن 'الحلة' و'المحلة'.
2. تجعل هذه المادة من المجموعات البشرية: أي عشائر النواحي الثلاثة عصبة واحدة رغم تباين أصولهم البعيدة فقد كان للبحث عن الأمن والحماية دوره الهام في تجاوز الخلافات الداخلية والثانوية وإيجاد مفهوم قرابي الجديد لا يقتصر على صلة الدم والقربى وإنما يقوم على أساس طلب الأمن والحماية.
3. أن هذه المادة تساعد بشكل كبير في ردع العدو. الذي سيجد نفسه ليس في مجابهة فرد أو مجموعة صغيرة وإنما أمام أهالي النواحي جميعهم من هنا فإن حساباته ومعادلاته تختلف الآن عما كانت عليه من قبل.
4. إذا تفرق دم القتيل بين الناس فذلك يعني أن أحداً منهم لن يشعر بالفقر والتدهور، لأن 'الحمل إذا تفرق إنشال' كما يقول المثل.
5. وحيث نجد غياب الدولة والسلطة فإن موضوع التحقق من تحديد المسؤولية غير وارد في هذه المادة فالاختلاف المؤدي إلى القتل والموت لابد أن يترتب عليه صلح يوماً ما والدية لا تدفع إلا عند عقد هذا الصلح لكي يفهم الناس من قريب وغريب وعدو وصديق أن الناس متكافئة وهي متضامنة وأن العدو إنما يقابل أبناء النواحي جميعاً. ليس في الصلح فقط وإنما في توزيع الدية أيضاً.
6. نجدهم يستخدمون اصطلاح 'انعقاد الصلح' لأنه عقد بين طرفين ولا بد له من بنود والتي من جملتها عادة موازنة الخسائر لدى الطرفين ومقابلتها ببعضها البعض. ثم يدفع من لديه جناية أكثر وأكبر لقبيلة المتضرر ويجري الصلح أو 'الحفار والدفان'.
7. إن كلمة الأعداء هنا تطلق على أناس من خارج أهالي النواحي الثلاثة.
المادة الثالثة:
تناولت المادة الثانية موضوع القتلى من الأعداء. أما هذه المادة – أي الثالثة – فقد كرسها المتفقون لتبحث أمر القتيل أو القتلى من أهالي النواحي على أيدي الأعداء.
وفي هذه الحالة فرَّقت المادة هنا بين أمرين:
أ‌. الصلح – والذي لا يكون إلا برأي العموم.
ب‌. الدية – والتي تعطى إلى ورثته وحدهم.
وفي هذا يبرز منطق واضح. ذلك أن توزيع الدية على أهالي النواحي أمر غير مقبول إطلاقاً بل وغير معقول ولا ممكن أبداً. وإذا ما تم فإن ما يترتب لكل فرد ليس إلا مبلغاً بخساً لا يسمن ولا يغني من جوع إلا أنه مهم للورثة والأهل الأدنين. وهو وسيلة للصبر والسلوان والنسيان.
وبذلك يبدو إشباع طرفين هامين في هذه القضايا وهم: ذوو القتيل – في أخذ ديته. وأهالي النواحي في أن الصلح لا يتم إلا برأيهم عموماً.
أما سبب إصرارهم على أن الصلح لا يكون إلا برأي العموم فقد فسرته المادة الرابعة.
المادة الرابعة:
إذا وقع الاختلاف وحصلت المشاجرة والقتال وأدى هذا إلى سقوط ضحايا من الطرفين فإن الأمر مهم عند الصلح في إتباع الأساس العشائري وهو: 'المسؤولية الجماعية'. واعتبار القبيلة أو العشيرة جسداً واحداً ووحدة واحدة منها كامل الخسارة ولها كامل التعويض.
وإذا ما انفردت عائلة القتيل بالصلح وأخذت الدية. فإن هناك بالمقابل عائلة أخرى من نفس النواحي قتلت من العدو شخصاً أو أشخاصاً وهي بالتالي مطلوبة لأن تلاقي الثأر منها أو تدفع الدية إذا قبل المتضرر.
وحيث أن عشائر النواحي الثلاثة اتفقت على أن تكون يداً واحدة ولساناً واحداً فإن فقدان أي واحد. ما هو إلا خسارة على الجميع كما أن قتل أي شخص من الأعداء بأيدي فرد أو أفراد من النواحي إنما تم باسم الجميع ولأجل الجميع كما أن الجميع معرض لأن يكون قاتلاً أو مقتولاً معتدياً أو معتدى عليه.
من هنا فلا بد من مقابلة الأعداء بمنطق الجماعة والقوة لا بمنطق الفردية والتفرق وبناء عليه فإن قتيل النواحي يقابل قتيل العدو. بغض النظر عمن قتله من النواحي أو الأعداء رجل مقابل رجل ونفس مقابل نفس وذلك ما تسميه العشائر الأردنية: 'معاددة رجال' – 'إن قتيل نواحينا معادلاً إلى قتيل الأعداء حين الصلح أي معاددة رجال منا ومن الأعداء'.
وزيادة في التحوط فإنه إذا رغب ذوو القتيل من أهالي النواحي الانفراد بالحل مع الأعداء وطلبوا الدية من الأعداء فإن ذلك ممنوع البتة لأن القتيل مقابل للقتيل بين طرفين متناقضين – هما: أهالي النواحي والعداء كما لا يسوغ ولا يجوز لأهالي قتيل النواحي أن يطلبوا الدية من أهالي النواحي بسبب أن رجلهم اعتبر سداداً عن قتيل لم يقتله أهل قتيل النواحي.
وبذلك نجد أنها منفعة متبادلة بين الأفراد والجماعات داخل ناحية بني كنانة المؤلفة من: السرو والوسطية والكفارات.
وإذا صاح أهل القتيل وقالوا لا دخل لنا بقاتل من عشيرة أخرى. فإنهم قد يقترفون جريمة قتل في مرة أخرى. ويصبح القتيل من عشيرة أخرى لقاء القتيل الذي اقترفوا جرم قتله من الأعداء.
المواد الداخلية
ثم تواصل الوثيقة ذكر ستة مواد أخرى وتعنونها بـ المادات الداخلية. على أنها تخص أهالي النواحي وتنظم شؤونهم وحياتهم وعلاقاتهم الفردية والجماعية وأية سلوكيات قد يمارسونها تجاه الأعداء والأصدقاء في الداخل والخارج وفيما يلي شرح هذه المواد:
المادة الخامسة:
هناك مبدأ عند العشائر الأردنية جميعا وهي أن عقوبة السرقة من الأصدقاء وأبناء العم والحلفاء عقوبة مضاعفة أربع مرات: 'مربعة'. وذلك للأسباب التالية:
1. أن الشخص لا يأخذ حذره من هذه الفئة من الناس مما يسهل عملية السرقة من مرضى النفوس.
2. أن العلائق الحميمة بين الأفراد والجماعات ضمن هذه الدائرة يجب أن تصان ولا تهان وأن تجد الحماية الذاتية لتبقى ضمن قدسية السلوك والممارسة. من هنا فلا بد من العقوبة الصادقة لكل من تسول له نفسه أن يتجاوز هذه الحرمات.
3. العقوبة الصارمة المضاعفة تشكل ضبطاً اجتماعياً داخل المجموعة.
4. تشجيع السطو والنهب من الأعداء لأنه إذا ما وقع الأذى على الناهب إن قومه يؤازرونه. أما إذا ما وقع الفعل على الأصدقاء فإن عزوته تعاقبه.
5. تعتبر السرقة من الأصدقاء والأقارب والحلفاء خيانة للعهد الذي اتفقت عليه الجماعة. وبناءً عليه فإن العقوبة ليست للسرقة وحدها بل ولجريمة خيانة العهد ولجريمة استغلال الغِرَّة – أي عدم الانتباه والاشتباه. وعقوبة للجبن في أنه أحجم عن الأعداء واستغل الأصدقاء.
ثم نعود إلى نص المادة الخامسة: والتي تبين ما يلي:
1. إذا قام بالسرقة أحد من أهالي النواحي ووقعت على أموال أفراد من النواحي نفسها. فحينها لابد من شهود عدول يشهدون وقوع السرقة. وهنا نجد تنظيماً للعلاقات وعدم الأخذ بالجريرة. وإنما الاقتصار على المسؤولية الفردية فقط. وذلك بعكس ما كان عليه الأمر في التعامل مع الأعداء.
2. هناك إشارة مهمة وهي 'شهود عدول'. ذلك أن الشاهد في عرف العشائر الأردنية لابد وأن يتحلى بمواصفات معينة منها (أ) لم يجرب عليه كذب من قبل. (ب) لم يشهد شهادة زور سابقاً. (ج) لا يكون طرفاً في القضية. (د) ألا يكون من ذوي السوابق المشبوهة أو المحرمة كتعاطي المسكرات أو الاعتداء على أعراض الناس أو عقوق الوالدين فمن لا يكون مؤتمناً على هذه الأشياء. ليس أميناً على أداء الشهادة وحقوق الناس.
3. هناك نمطان من العقوبة للسارق. نصّت عليهما هذه المادة وهما: (أ) دفع قيمة المسروق مربعاً. (ب) أن يخضع للمجازاة العشائرية. وهو اصطلاح عام يشابه اصطلاح: الضبط والربط العسكري في القانون العسكري واصطلاح: التعزيز في العقوبة الشرعية. واصطلاح: محاربة الله ورسوله في الشريعة.
وقد تقتصر هذه العقوبة العشائرية على: كد الجاهة إلى صاحب المال المسروق للاعتذار عن السرقة رغم أنه أداها مربعاً. وقد تكون بإجراء صلح ودعوة المتضرر مع مجموعة من الناس والاعتذار أمامهم ولا ننسى أن السرقة من شخص تعني فيما تعنيه الاستعانة بالشخص المسروق منه مالاً أو حلالاً. وإشارة إلى ضعفه وإهماله. رغم أنه قد لا يكون كذلك وأن ما تم وحدث ليس إلا بسبب عدم أخذ الحذر من الأصدقاء. وقد تكون العقوبة العشائرية في نبذ الشخص وطرده من حظيرة الناس ومجتمعهم.
4. ولا تفرق هذه المادة بين ذكر وأنثى ولا شيخ وشخص عادي. ولا غني وفقير. ولا سليم وسقيم. بل أن فعل السرقة يستحق العقوبة بغض النظر عن الجنس أو السن أو الدرجة الاجتماعية: 'كل من سرق من أهالي النواحي الثلاث المذكورات إلى (أي من) أحد أهاليها شيئاً من مال أو حلال وثبت عليه بموجب شهود عدول شرعية يؤدي ما سرقه مربعاً ويجازي عشائرياً'.
المادة السادسة
أشارت هذه المادة إلى ممارسة هامة في عرف العشائر الأردنية وهي قتل السارق في مكان السرقة إذا كان هذا المكان ضمن حرم البيت وحدوده: أي المراح فالعرف الأردني العام أن القاتل بدفع الدية لأهل القتيل السراق. لكن دون أن يجلي أو يرحل إلى مكان آخر ودون أن يتعرض للثأر والانتقام. وهذا ما نصت عليه هذه المادة أيضاً وترجمته إلى كلمات مكتوبة.
فإذا كان القتيل من العدو فيعامل معاملة العدو. ولا تتم تسوية أمره إلا ضمن التسوية العامة. وهي عقد الصلح أو الطيبة أما إذا كان من ضمن المنظومة الاجتماعية الواحدة فالأمر مختلف ود وضحت هذه المادة النقاط التالية:
1. أن يكون السارق من أهالي النواحي وأوقع جرم السرقة على شخص آخر من أهالي النواحي فيما يسمى: سرقة داخلية.
2. أن يكون القتل وقت السرقة وفي مكانها أما إذا كان خارج المكان والزمان. فأمره مختلف تماماً.
3. يعتبر رد الفعل بالقتل نمطاً من فورة الدم وضرورة رد الاعتداء ووسيلة لضبط من تسول له نفسه الاعتداء على الآخرين.
4. إن هذه المادة إيذان لأرباب الأسر أن يردعوا أبناءهم ومرؤوسيهم ألا يقترفوا مثل هذه الجريمة. وإفهام لكل لصٍّ أن دمه سيذهب هدراً دونما جلاء للقاتل ولا صلح ولا ثأر ولا اهتمام. إنه معتد وقاتله مدافع عن ماله وحلاله.
5. لا يجوز لأهل القتيل طرد أهل القاتل لأنهم فعلوا ما فعلوا دفاعاً عن أنفسهم في بيوتهم أما في حالات القتل العادية فإن جلاء القاتل وخمسته عادة نصَّت عليها أعراف العشائر الأردنية. وتناولناها بحثاً وتحليلاً في كتابنا: الجرائم الكبرى عند العشائر الأردنية.
أما اصطلاح الطرّ هنا. فهو ترحيله من بيته ومنعه من الذهاب إلى حقله. أو المشي في شوارع القرية أو التجول في أراضي الناحية أما اصطلاح الجلاء فهو طرد القاتل خارج النواحي الثلاثة ذلك أن الجلاء عند العشائر الأردنية يجب أن يتم إلى خارج ديرة ومضارب الأصدقاء والخلفاء.
6. حددت المادة دية الشخص الذي يقتل في مثل هذه الظروف بخمسة آلاف غرش.
7. أن يدفع هذا المبلغ إلى ورثة القتيل ولا يوزع على خمسته. ولا على أهالي الناحية أو النواحي.
8. لم تحدد المادة من سيدفع الدية. ولكن المعروف لدى العشائر الأردنية هو أن الدفع يكون من القاتل وخمسته لكل منهم نصيبه بمقادير محددة.
المادة السابعة:
تعالج هذه المادة نقطة هامة تحول دون اختراق المجموعة الواحدة وبعثرتها. فالأعداء قد يتسللون باسم الصداقة أو الوعود أو التهديدات إلى بعض ضعاف النفوس ليفرقوا بين أهالي النواحي ثم يقومون بالهجوم عليهم وتشتيتهم والانتقام منهم.
ودرئا لهذه المفسدة المحتملة نجد أن هذه المادة تمنع أي فرد من النواحي من أن يستقبل العدو أو يذهب إليه أو يتصل به. تماماً مثلما تحرم قوانين الدولة الاتصال بدولة معادية أو العمل لحساب تلك الدولة كما أن العقوبة هنا صارمة مثلما هي صرامة عقوبة الدولة لأي فرد من شعبها يتجسس عليها أو يتعاون مع أعدائها ضدها.
ويمكن أخذ النقاط التالية من هذه المادة:
1. لا يجوز لأي فرد من أهالي النواحي أن يذهب إلى الأعداء أو أن يستقبلهم خوفاً من العواقب التي أشرنا إليها أعلاه من جهة وللحيلولة دون استغلال العدو لهذه النقطة من جهة أخرى.
2. لا يجوز ضيافة العدو ولا استضافته لما يترتب من سوء على مثل هذه التصرفات.
3. إذا تجرأ أحدهم ومارس مثل هذا السلوك الممنوع فتقع عليه حينها العقوبات التالية:
أ‌. يعتبر الشخص عدواً مثل الذي تعامل معه ويعامل معاملته من الاعتداء وعدم مراعاة حرمته.
ب‌. وبناءً عليه يستباح ماله وحلاله. وذلك ما يوضح طريقة التعامل والسلوك مع الأعداء في حينها وتكون هذه الاستباحة غير مقصورة على فئة دون أخرى. وإنما للجميع من أهالي النواحي المتفقين على نص الوثيقة.
4. تؤكد المادة مرة أخرى بتحريم التعامل مع العدو أو الذهاب إلى حيث مضاربه وبيوته. 'وكذلك لا يجوز لأحد من أهالي نواحينا المتفقة أن يذهب إلى طرف الأعداء أو إلى بيوتهم.
المادة الثامنة:
جاءت هذه المادة حادة اللغة. قاسية الكلمات مؤكدة لما نصت عليه المادة السابعة وذلك دليل على أن هذه النقطة كانت محور المعاناة. وأن العديد من الأشخاص في قلوبهم مرض. وغير مقتنعين بهذا الاتفاق ولا يتوانون عن اختلاسه أو نقضه إذا ما وجدوا منه حين غَرَّة.
وأكدت المادة أن الاتفاق على هذه النقطة بالذات لم يقتصر على رؤساء النواحي بل وأهاليها أيضاً ثم أضافت شيئاً جديداً وهو أن يمارس الجميع أي نمط يحلو لهم من العقاب والاستباحة لأن هذا جزاء من يخون بني قومه أو يخترقهم لصالح الأعداء.
وحيث أن غياب الدولة والسلطة كان أحد الأسباب الكامنة وراء هذا الاتفاق فإن اية إشارة إلى السلطة لم تتعدى سلطة رؤساء النواحي وهم من العشائر والأهالي أي حكم داخلي اجتماعي باتفاق الجماعة لضمان ديمومتها واستمراريتها.
وتلزم هذه المادة جميع الرؤساء والأهالي في أن يكونوا يداً واحدة. وبذلك يجب ألا تقف فئة إلى جانب المتخاذل بل أن تنضم إلى صف الجماعة وأن تقاتل أقرب الناس من أبنائها أو عصبتها في سبيل الحفاظ على قوة المنظومة وتأمين العيش الكريم للجميع وحمايتهم من أنياب العدو وسطوته.
وتتضمن هذه المادة (أي الثامنة) النقاط التالية:
1. تم الاتفاق بين رؤساء النواحي والأهالي معاً.
2. كان موضوع الاتفاق أن تطبق المادة السابعة بحذافيرها.
3. كل من يخالف الاتفاق أعلاه. فإن الجميع يقفون موقفاً واحداً موحداً ضدّه. حتى أقرب الناس إليه. وبذلك نجد أن المصلحة هي أساس نمط القرابة الجديد. وليس عصبية الدم ورابطته.
4. يحق للقوم أن يفعلوا ما شاءوا وما يحلو لهم من العقوبة على من يخالف نص المادة السابعة وذلك بهدف تربيته وتأديبه.
وبذلك يتضح أن العقوبة لا تصل إلى القتل والإعدام وإنما تقتصر على إهانته وسلب أمواله وحلاله. ليصبح مقعداً ليس لديه أية وسيلة يفاوض بها العدو فهو منبوذ من جماعته فاقد لمقومات استمرار الحياة وقوتها.
5. في حالة لجوئه إلى فرد أو جماعة داخل هذه النواحي فلا يجوز لأحد تلبية دخالته ولا مساعدته في المال والسلاح أو الهروب إلى الأعداء أو الانضمام إليه لمقاومة الناس القائمين على عقوبته.
'ولا يجوز لأحد منا أن يلبي دعوته بشيء ولا يجوز لأحد منا أن يساعده بشيء ولا يجوز لأحد منا أن يدافع عنه'.
إذن فمساعدته محرمة والدفاع عنه أمر غير مشروع أبداً. وتلبية دعوته في طلب المساعدة أو الاستجارة أو التعامل مع العدو أمور لا تدخل في دائرة الجواز بل في دائرة المحرمات التي تستحق العقوبة على الملبي والمساعد والمدافع وتقع عليهم العقوبة التي كان من المقرر وقوعها عليه. 'وإذا صدر ذلك فحكم الملبي والمساعد والمدافع حكم جاني هذه الأفعال'.
المادة التاسعة:
بعد بيان أسس التعامل مع الداخل والخارج فلا بد من كفالة وكفلاء يضمنون تطبيق هذه المواد. وما هو متعارف عليه بين العشائر في حالة عدم اشتمال هذه الوثيقة على أية نقطة أو مشكلة جديدة قد تبرز فيما بعد.
واشتملت هذه المادة على عدة نقاط كالتالي:
1. تعيين كفلاء على كل ناحية وذلك على النحو التالي:
- كفلاء ناحية السرو. وهم: سودى أفندي أبو راس، الحاج عمر أفندي الملكاوي، خلف المحمد الملكاوي، قسيم المحمد، فالح السمرين، محمد الأحمد أبو راس – وعددهم ستة كفلاء.
- كفلاء ناحية الوسطية. وهم: ناجي أفندي العزام، حسن عبد الوالي، إبراهيم العطية، باير السليمان، سليمان الأحمد، حمدان أو عزة – وعددهم ستة كفلاء.
- كفلاء ناحية الكفارات، وهم: كايد أفندي المفلح، محمد المحمود، اقويدر السليمان، محمد السالم، رشيد العلي – وعددهم خمسة كفلاء.
وبذلك نجد أن الكفلاء قد تعينوا بالاسم. وأن البدء كان بزعيم كل ناحية ثم بالوجوه من بعده كما نلاحظ استخدام لقب أفندي لرؤساء النواحي بالإضافة إلى مصاحبة اللقب للحاج عمر الملكاوي. بينما ذكرت بقية الأسماء دونما وجود هذا اللقب معها. وتجدر الإشارة إلى أن لقب أفندي تركي وأنه تحول إلى باشا بعد تأسيس الإمارة بشرق الأردن.
وقد لاحظت أيضاً أن الأسماء قد ذكرت من مقطعين فقط. ما عدا اثنين منها وهما: خلف المحمد الملكاوي ومحمود الأحمد أبو راس. كما يلاحظ وجود سبعة أختام مصاحبة للأسماء. وهي: الحاج عمر الملكاوي، خلف المحمد الملكاوي، محمود الأحمد أبو راس، ناجي أفندي العزام، حسن عبد الوالي، إبراهيم العطية، باير السليمان، ومن الملفت للنظر عدم وجود تواقيع وإنما تدوين الأسماء فقط مصحوبة أحياناً بالأختام ليس إلا.
2. إن هذه الكفالة إلزامية، أي ليست اختيارية، إذن لا خيار للأفراد أن يقبلوا أو يرفضوا هذه الكفالة لأنها إجماع من الشعب أي من سكان النواحي إن هذا لدليل واضح على أهمية هؤلاء الأشخاص ونفوذهم الاجتماعي وأن كلمتهم مسموعة لدى الناس، من هنا فإن كفالتهم تعني ضمان تطبيق هذه المواد وبالتالي استمرار الحياة والتآلف والتعاضد بين الأفراد والجماعات.
ولا شك أن المسؤولية جسيمة وتحتاج إلى شجاعة وإقدام وقد ينكص الشخص أو يتراجع في أن يجازف بضمان الناس أو الدفاع عنهم. من هنا كانت كفالة إلزامية وليست اختيارية.
3. أما دور الكفلاء فهو ضمان تطبيق مواد الاتفاقية ومعاقبة المنحرف أو المتمرد. ويبدو جلياً أن كل واحد من الكفلاء منوط به معاقبة العاق المتمرد من مجموعته وأن بقية الكفلاء والناس مدد له وسند وبذلك يحدث الضبط الداخلي في خشية الأفراد من العقوبة: والدعم الخارجي للكفيل في أن يتخذ ما يراه مناسباً لتحقيق الغاية المرجوة. أما النص فهو: 'قد تعين على كل ناحية كفلاء لها كفالة التزاميه يقوم كل كفيل على المخالف من هذه الشروط المشروحة أعلاه وكل منا مساعدين له فيما يطلب من المخالف كافة أحكامه المستديرة بين العشائر'.
وبذلك تبرز نقطة هامة أخرى. وهي أنه في حالة بروز خطأ أو اختراق للحد المقبول المتعارف عليه بين الجماعة ولم تنص مواد الاتفاقية على علاج هذا الاختراق فإن الحل المثل حينها يجب أن يقوم على أساس العوائد العشائرية المتعارف عليها بين العشائر وقد وردت كلمة 'المستديرة' هنا لتعني ما هو سائد ومتعارف عليه بين العشائر الأردنية – والتي منها عشائر النواحي الثلاثة. مدار البحث والاتفاق.
4. إن المخالف مجبر على دفع ما يترتب عليه. وملزم طواعية أو كرهاً على تحمل مسؤولية أخطائه هو وحده. دونما مشاركة أو مساعدة له من أقرب الناس إليه. بل إن الأقرباء هنا أعداء له وينضمون إلى سائر أهالي النواحي لإجباره على الالتزام بتبعة سلوكه الذي تجاوز حدود المتعارف عليه والمألوف عندهم.
أما ما يجب دفعه وكميته وقيمته فهو غير محدد هنا وإنما بما هو متعارف عليه بين العشائر كل خطأ حسبما يقتضيه أمره وتستدعيه درجته وعلى المخترق لحرمة الاتفاق أن يتقيد بالإجراء والعقوبة كليهما معاً.
5. في حالة تراخي أو تمنع المعتدي عن دفع الاستحقاق، فإن للكفيل أن يلجأ إلى أي أسلوب ويتخذ أي إجراء من شأنه ضمان استيفاء الحق وإيقاع العقوبة وليس من لوم عليه في أي سبيل بهذا الصدد.
6. على جميع رؤساء النواحي والكفلاء مؤازرة الكفيل فيما يطلبه من المخالف أي أن عليهم القيام بالواجب اللازم. أما إذا قصر الكفيل نفسه وتقاعس عن عمل ما يطلب منه فإنه يعتبر حينها فاقداً للغيرة والشهامة والرجولة وفارغاً من الحمية والحرص على أرواح أهالي النواحي الثلاثة ومتجرداً من الانتماء للوطن مما يجعله من الساقطين الهالكين.
7. وقد ورد النص الدال على ما قللناه في المادة العاشرة وهذا تفصيله: 'وإن المخالف مجبوراً ومكلفاً بدفع كافة الاستحقاق المنوه عنه بيد رؤساء العشائر والمرتب (أي المخصص) لهذا الجزاء. ولا تأخذ الكفيل القائم (أي المكلف بتنفيذ هذه المواد) على هذه المادة لومة لائم وإن تراخي الكفيل عن القيام وتقاعد (أي تخاذل وتقاعس) فلس يكون من أصحاب الغيرة ولا الحمية على حياة نفوس أصحاب النواحي ولا وطنه أيضاً ويعد من الساقطين'.
8. إن الأسباب التي دعت للوصول إلى هذه الإجراءات إنما تكمن فيما يلي:
‌أ. ثورة الانقلاب والهياج وقد شرحنا ذلك في المقدمة ولا داعي للإعادة.
‌ب. الفساد الثائر (أي المتفشي الظاهر) في سائر النواحي الثلاثة.
‌ج. حسم هذا الفساد وهذه الفوضى وضبط الأمور.
‌د. تحقيق راحة الأهالي وطمأنينتهم على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم من أي اعتداء خارجي أو بلبلة داخلية.
‌ه. حماية أراضي هذه النواحي وما فيها من مزروعات وممتلكات.
وتؤخذ هذه النقاط (من أ – هـ) من النص التالي في المادة العاشرة والذي جاء على النحو التالي: 'وإن جميع ما درج وذكر وحرر أسبابه (أي إنما تعود أسبابه إلى) ثورة الانقلاب والهياج والفساد الثائر في سائر النواحي ولكي يصير حسم ما ذكر وراحة هذه النواحي المذكورات أعلاه حررنا هذه النسخ الثلاث لكل ناحية نسخة وتسلميها إلى رئيسها ليكون العمل بها عند اقتضاء اللازم'.
9. يتبين من نص هذه المادة (أي العاشرة) أن هذا النص والاتفاق قد كتب على ثلاث نسخ. لكل ناحية نسخة لتكون دستورهم وقانونهم التي يعودون إليها عند اللازم وأن المهم هو توقيع الرؤساء والكفلاء ثم يوقع مخاتير ووجهاء كل ناحية على نسختهم.
من هنا نجد أن التواقيع على هذه الوثيقة مقصورة على الكفلاء ووجهاء ناحية الوسطية وقليل من تواقيع ناحية السرو وانعدام تواقيع ناحية الكفارات. لأن المفروض أن تواقيع وجهائها (أي الكفارات) إنما يكون على نسختها فقط.
10. نجد أيضاً أن النسخة تعطى لزعيم الناحية – أي رئيسها. لأنه مرجع الناس فيها والقيم على تنفيذها والمؤتمن على متابعتها ولكي يلزم نفسه ويلزم الآخرين بتنفيذ بنودها والسير بموجبها.
11. تم تحرير هذه الوثيقة في التاسع من شهر شوال لعام ألف وثلاثمائة وسبع وثلاثين للهجرة.
12. بعد الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجميع حرصهم على التنفيذ والتقيد بالمواد ووضعوا الله سبحانه وكيلاً وكفيلاً وشاهداً على ما يقولون وهو خير الشاهدين 'والله على ما نقول وكيل'. إن لذلك أهمية في أن اختراق الاتفاق إنما هو إساءة لحرمة الله سبحانه ولوكالته وإن الله لهو خير الشاهدين وهو خير الشاهدين ومثل هذا يتبين إيمان الناس بالله سبحانه رغم هذه الفوضى واللجوء إليه وإلى حوله وقدرته فيصبح المخطئ أو المتخاذل أو الجبان أمام كفالة الله سبحانه. وأمام عهده على نفسه أمام خالقه. فلا مناص له إلا بتنفيذ ما أعطى عليه عهد الله سبحانه وتعالى.
المادة العاشرة:
وتشمل هذه المادة عدة نقاط يمكن إجمالها فيما يلي:
1. تمت قراءة ومطالعة المواد التسعة أعلاه على مسامع الناس وإفهامهم مضمونها وأهدافها وأسبابها'. ولما جرت مطالعة هذه المواد المشروحة بها'.
2. تكمن في هذه الاتفاقية راحة أهالي النواحي، وهي (أي راحتهم) الهدف الأسمى المقصود تحقيقه من وراء هذا الدستور العشائري.
3. إنها تساهم مساهمة رئيسة وفعالة في إيقاف سفك الدماء وبذلك تبرز أهمية الحفاظ على الأرواح 'وحسماً لسفك الدماء'.
4 = تحول دون انتشار الفساد بل وتردعه (وردع الفساد الثائر).
5= تجديد وتوكيد ثقة الناس برؤساء النواحي في أنهم الأمل والركن الآمن الذي يلجأ إليه الخائف ويقصده الملهوف كما أن الوثيقة تعترف بالجهود الكبيرة التي بذلها رؤساء النواحي لتحقيق هذه الاتفاقية والتوصل إليها وحرصهم على راحة الناس وحماية الأراضي ونجد في هذا النص الأصلي الذي يقول: 'فنقول بلسان واحد (لا زالوا) رؤساء نواحينا في (ذروة) التقدم لأنهم بذلوا جهدهم في راحة بلادنا هذه'.
6. إن الأمر قد بدأ باتصالات ومشاورات بين رؤساء النواحي. وذلك ما يدل على أهمية دورهم وقوته حتى إذا ما توصلوا إلى صيغة تخدم الجميع وتكرس وحدة أراضيهم ومنظومتهم الاجتماعية. وتنسجم مع المتطلبات الخاصة والعامة. طرحوا الأمر على العموم وحولوه من كلمات شفوية إلى كلمات مكتوبة يلتزم بها الجميع ويتقيدون؟
7. ثم نجد التعريج ثانية على أهمية النفس والحفاظ عليها. في أنه إذا ما قام أحد أهالي النواحي بقتل آخر من نفي النواحي ظلماً وعدواناً فإن على القاتل وحده دونما مشاركة أو مؤازرة من أحد أن يدفع الدية الشرعية إلى أولياء المقتول. وتمنع مساعدة المعتدي أو إعانته من قريب أو غريب.
وبذلك نجد ثلاثة وجوه وعقوبات للقتل في هذه الاتفاقية:
وذلك على النحو التالي:
‌أ. مبادلة النفس بالنفس إذا كان القتيل على أيدي الأعداء وذلك حسب المبدأ العشائري: 'معاددة رجال'. ولا يحق في هذه الحالة لذوي القتيل من النواحي أن يطلبوا الدية لا من القاتل العدو. ولا من ذوي القاتل الآخر من أهالي النواحي – وقد شرحنا ذلك في المادة الرابعة أعلاه -.
‌ب. إذا كان القتيل والقاتل من أهالي النواحي. وتم القتل في حالة التلبس بالسرقة في زمانها ومكانها فعلى القاتل أن يدفع الدية ومقدارها خمسة آلاف غرش. دونما وقوع جلاء أو طرد على القاتل أو ذويه – وقد بينا ذلك في معرف شرحنا للمادة السادسة من هذه الاتفاقية.
‌ج. إذا كان القتل ظلماً وعدواناً من أحد أهالي النواحي ضد فرد آخر من أهالي النواحي أيضاً حينها تتم الإجراءات التالية:
1. على القاتل أن يدفع الدية الشرعية – أي التي نصت عليها الشريعة الإسلامية، وهو أمر تختلف العشائر في تفسيره فمنهم من يقدره بمائة ناقة ومنهم من يقدره بثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ديناراً ذهبياً. ويسمونها: الدية المحمدية أي 333 ليرة ذهبية.
2. أن تدفع هذه الدية إلى أولياء المقتول أي أهله الأقربين.
3. أن يدفع القاتل الدية دونما مساعدة من الآخرين له وذلك لردعه ومعاقبته وليشعر أنه وحيد في جريمته ومسؤوليته.
4. يقع الجلاء على القاتل وحده وأن يكون الجلاء خارج النواحي الثلاثة المسمية هنا: الأوطان.
5. بعد تفهم مضمون الاتفاقية تم تصديقها من الحضور جميعاً نيابة عن بقية الناس.
6. أن الموافقة والتصديق تما بطوع الناس واختيارهم.
7. هناك توكيد آخر بخصوص القتل والعقوبة عليه. فإذا ما ثبت بموجب شهود عدول. فإن على القاتل أن يدفع الدية المحمدية وهنا نجد التوضيح والتخصيص ومقدارها كما قلنا أعلاه ثلاثمائة وثلاث وثلاثين ليرة ذهبية.
8. أن يثبت القتل بشهود عدول.
9. تدفع الدية إلى أولياء المقتول.
10. لا تجوز المماطلة في الدفع.
11. في حالة المماطلة فإن جميع رؤساء النواحي والكفلاء والأهالي يقومون بمهمة الانتقام وإجبار المعتدي على الجلاء ودفع الدية في آن واحد وكأن القوم جميعاً قد تحولوا إلى سلطة تنفيذية إذا اقتضى الأمر ذلك.
12. وقد دون في ذيل هذه المادة. أي العاشرة، رؤساء النواحي والكفلاء بذكر كلمة: 'رؤساء النواحي وكفلائها' دونما توقيع، وذلك لأنهم مذكورين وموقعين في ذيل المادة التاسعة ولا داعي للتكرار والإعادة.
الخاتمة
وتتألف من سطر ونصف السطر وتتعلق بالتصديق والتطبيق وذلك على النحو التالي:
1. تصديق رؤساء وكفلاء النواحي الثلاثة وهي الكفارات والسرو والوسطية على مواد هذا الدستور العرفي.
2. الطلب إلى مخاتير وهيئة اختيارية كل ناحية بالتوقيع كل على نسخة لأن تواقيعهم تعني موافقتهم على ما فيها والتزامهم ببنودها وإطلاعهم وفهمهم لهذه المواد.
3. بعد التصديق والتوقيع يجري تطبيق ما ورد فيها واعتباره المرجع القانوني الخطي للجميع.
4. تتم معالجة المخالفات حسبما ورد بهذه المواد وفي حالة وقوع ما لم تنص عليه فإن سوادي العشائر تكون حينها الأساس الذي تجري الأمور بموجبها.
5. وصفت بنود الاتفاقية بكلمتي أحكام المواد أي أحكام المواد وهي بذلك تقوم مقام القانون وإذا كان القانون يصدر عن أعلى هيئة بالدولة. فإن هذه المواد صادرة عن المصادر العليا في هذه النواحي وهي بالتالي بمثابة القانون وإن كان يزيد على القانون قوة في أن الجميع أدلوا بدلائهم وآرائهم حيال فحوى المواد كما أن جميع الرؤساء والكفلاء والأهالي مكلفون بتنفيذ وتطبيق المواد بينما يقتصر الأمر في القانون الصادر عن الدولة على هيئة محدودة لتنفيذه.
6. يكون التصديق على هذه الاتفاقية على ثلاث نسخ كل ناحية على نسختها بينما وقع الرؤساء والكفلاء على النسخ الثلاثة كما سبق وقلنا.
7. في الخاتمة أو الصفحة الثانية (الوجه الآخر) من الاتفاقية نجد تواقيع المخاتير والوجهاء من ناحية الوسطية وقليل من ناحية السرو وليس من أي توقيع عن ناحية الكفارات ما خلا ما كان على الوجه الأول للورقة في المادة التاسعة عند ذكر الرؤساء والكفلاء.
النتائج
يمكن اعتبار هذه الوثيقة من الوثائق النادرة جداً والتي تلقي الضوء على مرحلة من تاريخ الأردن في مطلع القرن العشرين (انتهى نص الوثيقة وشرحها)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
لا يمكن اضافة تعليق جديد
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012