أضف إلى المفضلة
الأحد , 05 أيار/مايو 2024
شريط الاخبار
مستقلة الانتخاب: 9 أذار هو التاريخ الفاصل لقبول طلب الترشح عن القائمة الحزبية أورنج الأردن تعلن عن فتح باب التسجيل للمشاركة في هاكاثون تطبيقات الموبايل للفتيات تصنيف المناطق في الدوائر الانتخابية المحلية وعدد مقاعدها القوات المسلحة الأردنية تنفذ 5 إنزالات جوية لمساعدات على شمال غزة - صور الكنائس تقتصر الاحتفالات بالفصح على الصلوات نتنياهو: لا يمكن قبول إنهاء الحرب والانسحاب من غزة ارتفاع حصيلة العدوان على غزة إلى 34683 شهيدا و78018 مصابا الملك يعزي بوفاة الأمير بدر بن عبد المحسن الداخلية تعلن إحالة ‏عطاء إصدار جوازات السفر الأردنية الإلكترونية امن الدولة تُغلظ عقوبة 5 تجار مخدرات وتضعهم بالأشغال المؤقتة 20 عاما الحكومة تحدد سقوفا سعرية للدجاج الطازج لارتفاعه بشكل غير مبرر محمد هيثم غنام.. مبارك تخرجك من جامعة إلينوي الأمريكية تدهور مركبة خلاط تغلق مسربا على الصحراوي 46.8 دينارا سعر غرام الذهب في الأردن وفيات الأحد 5-5-2024
بحث
الأحد , 05 أيار/مايو 2024


د. احمد عويدي العبادي يكتب : وضاع التاريخ في تبنة

بقلم : د .احمد عويدي العبادي
20-08-2015 03:10 PM

1 = وانطلقنا من عمان
كان موعدي مع د. عبدالعزيز بن كليب باشا الشريدة ان نذهب معا الى تبنة ودير أبو سعيد لزيارة المعالم الخاصة بوالده الشيخ كليب الشريدة رحمه الله , وانطلقنا في العاشرة صباحا من عمان , حتى اذا ما دلفنا الى البقعة كان بانتظارنا الباحث والإعلامي الأستاذ محمود قطيشات الذي انضم الينا , مضيفا الى رحلتنا زخما جديدا وعبقا من اقاحي البلقاء وسنديانها المتجذر , ففي الوقت الذي كان د .عبد العزيز يتحفنا بتاريخ والده الشيخ كليب حيث يحفظه ظهرا عن قلب وبدقة متناهية , كان الوقت يسمح لصمت الراحة ليدخل السيد محمود قطيشات ويتحدث عن السياسة وانا سعيد ان اسمع دروسا وثقافة في التاريخ والسياسة , من رجلين كل منهما يتحدث بما يعرف جيدا . عرجنا الى الصريح للمشاركة في عزاء صديق مشترك للدكتور عبد العزيز والأستاذ محمود عبد محمود قطيشات.
2= في الطريق الى تبنة
واصلنا سيرنا باتجاه الغرب وعبرنا باب الهوى وهو مرتفع جدا ومطل على الكثير من القرى وعلى مدينة اربد العزيزة. وعلى يميننا بيت يافا ودير السعنة ثم سموع , وقد نشأت بلدية هنا تحت مسمى رابية الكورة وتضم البلدات التالية : السموع وزمال وجنين الصفا وكفر كيفيا , ثم سلكنا طريقا عبر وادي الحمام والسفوح فقلت لرفاقي انها تشبه جبال اليمن , وفي احد الوديان خلت نفسي في وادي الموجب بسبب حدة السفوح وارتفاعها وعمق الوادي , ورايت ينابيع في الاودية والتي كانت سيلا جاريا من قبل حتى مطلع القرن العشرين , وجفت السيول كما جف كثير غيرها , وصارت تحكي التاريخ الضائع , وكأنها تقول لي : انك تبحث عن تاريخ ضائع , وجال في خاطري حال الشاعر العرجي الاموي ( حفيد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ) الذي تشبب بنساء والي المدينة محمد بن هشام بن عبدالملك فحبسه وابقاه محبوسا الى ان توفي في حبسه وما قاله الشاعر وهو في القيود
أضاعُوني وأيَّ فَتىً أضاعوا ليومِ كريهةٍ وسدادِ ثَغــرِ
وخـلوني لمعترك المنايا وقد شرعت أسنتها بنحري
كأني لم أكن فيهم وسيطا ولم تكن نسبتي في آل عمرو
أجرر في الجوامع كل يوم ألاَ لله مَظلَمَتِي وصَـــبري
عسى الملك المجيب لمن دعاه ينجّيني فيعلمَ كيف شكري
فأجزيَ بالكرامة أهل ودّي وأورثَ بالضغائن أهلَ وترِي
وشعرت انني في منطقة مثقلة بقيود الماضي الحديث، وتدفع الأجيال الحاضرة ثمن مواقف تاريخية مشرفة للأجيال الغابرة
دخلنا تبنة وما إدراك ما تبنة؟ انها بلدة أردنية في محافظة إربد ضمن منطقة لواء الكورة. تقع في الجنوب الغربي من محافظة إربد والجنوب الشرقي من دير أبي سعيد على تلة عالية وتشتهر بزراعة الزيتون خاصة القديم منه، المسمى: الرومي. يسكنها أهلها وهم: عشائر الشريدة بنو يونس وبنو ياسين وبنو بكر وبنو عامر والخريسات وبنو عيسى. وتبلغ مساحتها حوالي 7 ك م2.
3= في عاصمة التاريخ البائد
كانت تبنة عاصمة الزعيم الوطني الحر المغفور له الشيخ كليب ووالده الشيخ يوسف الشريدة ومأوى قبرهما، وسالت د عبد العزيز عن سبب التسمية فأورد أكثر من رواية منها التوبة ومنها التبن لأنها منطقة زراعية، فقلت قد يكون الامر صحيحا في الروايتين ولا شك انه اسم عربي أردني بامتياز.
طالعتنا أشجار الصبر والتين والزيتون والعنب عندما دخلنا البلدة عبر طريق متعرج تم شقه في سفوح وعرة، مثلما هي وعرة وصعبة على الغرباء ان يجتازوها او يبتلعونها، وقد توسعت البلدة الان وقوامها بيوت الطبقة المتوسطة مستورة الحال ويعملون بالزراعة والتجارة والوظيفة
لقد اضاعوا تبنة كما أضاع بنو امية واحدا من فوارس السيف والكلمة (وهو العرجي)، وكذلك كان الشيخ كليب ووالده الشيخ يوسف رحمهما الله فرسان الكلمة والسيف والراي السديد، وكانت تبنة زمنهما رمزا للوطنية والهوية والشرعية الأردنية ورمزا للسيادة والقيادة واطعام الجائع والعابر والفقير وابن السبيل، ورمزا للمنعة والاباء والأنفة الأردنية
وصلنا قصر الحكم الذي كان للشيخ كليب ووالده الشيخ يوسف من قبل وإذا به طلل بالي، جاء عليه الإهمال الرسمي واهمال الابناء والاحفاد فتحول الى اطلال ولكن بدون شعراء يتحدثون عن التاريخ الضائع والنجم الساطع الذي كان ينور سماء المنطقة فغاب تحت الثرى وبقيت الثريا، واختفت من تحت خيمة السماء لتكون في اديم الأرض، لقد ضاع التاريخ بل دفن (بضم الدال) ولم يبقى الا الذكريات لرفيقنا د عبد العزيز الذي يعرف تاريخ كل متر حول قلعة والده ووظيفة كل ركن وزاوية حيث عاش فيها صباه وبها ولد وعاش ردحا من عمره
قلت له ان هذا الإهمال امر محزن، فلا يعقل ان يصل الإهمال لمركز الشيخ كليب ووالده الشيخ يوسف وهما نجوم ساطعة في سماء الأردن وبنائه، الى هذا المستوى من التردي، وقد أصبحت ذريته عشيرة كبيرة ولو اتفقوا على قلب رجل واحد منهم لأعادوا مجد الأجداد بكل كفاءة واقتدار، فالاتفاق يخلق المعجزات، ولكن الاختلاف يدمر المنجزات، والتاريخ لمن يكتبه لا لمن يصنعه، ومن لا يكتب تاريخ نفسه المجيد فسيسرقه من ليس له تاريخ.
ولا يمكن لي ان اتخيل ان قصر الشيخ كليب ووالده الشيخ يوسف صار مهدم الأركان والبنيان ولم يبقى منه الا بقية من اطلال دارسة، واختفى بئر الماء المجاور تحت الركام، كما اختفى مكان بيت الشعر الذي كان ينصبه الشيخ الى الشمال والشمال الشرقي من القصر ليستقبل الناس، واختفيت اجنحة الحريم حيث كان لكل زوجة من زوجاته الأربعة جناح في القلعة لم يعد موجودا، واختفى مطبخ الضيوف الواسع تحت القلعة، واختفى أيضا مطبخ الشيخ وحريمه واطفاله. اختفى التاريخ واختفى صهيل الخيول التي كانت تأتي بالمئات فتجد الماء والعلف جاهزا ليحلوا ضيوفا على الشيخ كليب لحل مشكلة او حضور اجتماع، وصارت البنايات الحديثة تجعل من المتعذر وصف المكان وميدان صابية الخيل الذي كان مخصصا للسباق،
التقطت عددا من الصور التذكارية مع هذه الاطلال التي لم تعتني بها دائرة الاثار ولا البلدية ولا الورثة فضاع التاريخ وسط تنازع الاختصاص وكل يرمي بالمسؤولية واللوم على الاخر , وفي الحقيقة ان اللوم الأول يلقى على الورثة حيث كنت أتمنى لو انهم خصصوا وقفا باسم الشيخ كليب , وهذا ما اقترحته على د عبدالعزيز ان يكون هناك سبيل وطعام في أيام رمضان للفقراء ويتم الانفاق عليه من الورثة وان يجري تحويل حديقة مسجد الشيخ كليب الى وقف ذري تبنى فيه قاعة للمناسبات وتسمى بيت الشيخ كليب وتكون في خدمة اهل بلدة تبنة , ولكنني اعرف إنني اتحدث خيالا لا يروق لمن يهمه الامر من الجهات الرسمية والورثة
4= بين الإرث والوراثة
ان الإرث للأشخاص العاديين يقتصر على المال والعقار والدين له او عليه , اما ارث الرجال العظماء فانه يتوسع من الإرث الشرعي للتركة الى الإرث السياسي والوطني وارث المجد لما انجزه المتوفى , وليس من وريث يترك ما فرض له الشرع من ورثة الموروث , ولكن ليس كل من الورثة يؤمن بالإرث السياسي وارث المجد , ويضيع المجد عندما يقتصر مفهوم الورثة على الإرث الشرعي للمال والعقار , ونسي الورثة ان الحفاظ على ارث الشيخ كليب لن يضيع الامتيازات السياسية لمن يسعى اليها , بل ان المكاسب السياسية تزداد اذا اهتم الورثة بالموروث الوطني والسياسي والمعنوي , فيصبح لهم شان وطني وسياسي على حد سواء
قال لي الأستاذ محمود قطيشات انه زار ضريح الشيخ كليب من قبل وكتب عنه، فطلبت زيارته وإذا به قبالة المسجد المسمى باسمه وهو مسجد الشيخ كليب الشريدة، وكان قبره متواضعا والى جانب قبر والده الشيخ يوسف الشريدة وذياب الخيل شقيق يوسف رحمهم الله جميعا، حشيما أخبرني د. عبد العزيز، الا ان المقبرة تعاني من الإهمال بالفعل ولا أدرى اين دور البلدية في الحفاظ على قبور الأموات الذين صنعوا للأحياء امجادا لم يحافظوا عليها، فالمجد أيضا قد يضيع إذا اضاعه اهله، ووجدت ان التاريخ قد ضاع في تبنة للأسف الشديد
اما القلعة الزيدانية التي بنيت عام 1770 والتي تعود لغير أردني في أساسها فان الحفاظ الرسمي عليها واضح جدا، وكأنني بالدولة تتمنى ان تأتي اللحظة التي يقومون بها باقتلاع قصر الحكم الذي للشيخ كليب وابيه ليسووه بالأرض ويقولوا للناس كان هنا قصر وكان هنا حكم وكان هنا قيادات وكان هنا هوية وشرعية، ليقولوا انه تاريخ اختفى وضاع الى غير رجعة، وانا اشعر بالحزن كثيرا لضياع التاريخ في تبنة. انها قلعة بناها الشيخ يوسف الشريدة عام 1854 م
كما ان المسجد الزيداني الذي بني عام 1870 لا زال على حاله بعد ان رممته جامعة اليرموك التي لم ترمم قصر الشيخ يوسف والشيخ كليب. وقد بنى الشيخ كليب مسجدا جدده ابنه د عبد العزيز عام 1984 وهو واسع وصلينا فيه الظهر جماعة مع المصلين من أهالي الحي
تشتهر تبنة بأشجار الصبر والزيتون المميز ورايت أشجار الزيتون القديمة التي يصل قطر جذع الواحدة منها الى متر، ولا زالت تنتج الزيتون، كما تشتهر بالتين والعنب والخضروات البعلية وتشرف تبنة على الجبال المحيطة وهي في معتصم من الأرض يشكل حماية طبيعية واستحالة احتلالها او السيطرة عليها الا بالخدعة وامثالها.
قام الشيخ كليب بثورتين شرحنا عنهما عند الحديث عن الشيخ نفسه رحمه الله، وكانت اقوى زعامتين في الشمال هما زعامة الشيخ كليب في تبنة، وزعامة الشيخ راشد الخزاعي الفريحات في عجلون، فقرر الاتراك عمل مديرية ناحية في دير ابي سعيد لتهميش تبنة، وقرروا فتح مديرية ناحية في كفرنجة لتهميش عجلون، لتكون النواحي قريبة من مراكز الثورات، وبذلك تم استقطاب الناس الى دير ابي سعيد وكفرنجة في حينه، ومع هذا بقي الشيخ كليب في تبنة لأنها أكثر امنا وامانا وأصعب منالا على الأعداء.
5 = عبد الله باشا بن كليب باشا
اما عبد الله باشا بن كليب فقد سكن في كفر الما زمن الاتراك , حيث كانت سياسة الاتراك ومن بعدهم الانجليز تنصيب مخاتير على القرى من ابناء الشيوخ، ونجح في المجلس الاستشاري عام 1928 ونجح معه نجيب الشريدة ابن عم عبد الله وهو نجيب عبد القادر يوسف الشريدة، واستلم المشيخة من والده في 1/1/1941 وهو تاريخ وفاة المغفور له الشيخ كليب الشريدة، وصار عبد الله يلقب بالباشا وكان من رفاقه عطية محمد بني عيسى الذي كان مستشار الشيخ عبد الله باشا الشريدة ولازمه في حياته، وقد زرنا حفيد عطية في بيته، وكان رجلا غانما وبيتا انيقا
عندما توفي الشيخ كليب أصر اهل تبنة على ابنه الشيخ عبد الله باشا ان يرحل الى تبنة، ففعل ولم يسكن في قصر ابيه وجده وانما في بيت مقابل له من الشرق كان مخصصا لأولاد الشيخ كليب الصغار. بقي ان نقول انني رأيت البركة الاثرية التي أصبحت الان مكانا لبناء بيتين عليها، ونظرت الى تبنة التاريخ وقد صارت اطلالا ضائعة والى تبنة الحديثة وقد بناها أهلها دونما مساعدة من الدولة، ولكن البلاد لا يعمرها الا أهلها وهم من الطبقة المتوسطة وحققوا ما حققوه بفضل الله سبحانه ثم بأيديهم وجدهم وجهدهم وعرقهم، وليس من جهة لها عليهم جمائل او يد عليا.
في تبنة زرنا منزل السيد فهد سليمان بني عيسى، وقال لي د عبد العزيز ان جدهم الأعلى عقب أربعة أولاد هم: عيسى جد بني عيسى، ويونس جد بني يونس الذين منهم الشريدة، وياسين جد بني ياسين، وبكر جد بني بكر، وجاء من الكرك مع حماد كل من عامر جد بني عامر، ودومي جد بني دومي، اما شافع ونافع فذهبوا الى فلسطين
قال د عبد العزيز ان تبنة كانت تسمى المعصاة لأنها حصينة بطبيعتها وأهلها وعصية على الأعداء، وكانت بقعة العلالي تسمى صفاه ابن رباع وهو جد الشيخ كليب حيث كان يقضي بينهم عند حضور المتخاصمين عنده، وإذا تخاصم طرفان قال أي منهما للآخر (سآخذ حقي منك على صفاه ابن رباع) حيث مجلس القضاء العشائري الذي استمر زمن الشيخ يوسف وولده الشيخ كليب، وكان الوالي التركي إذا زار المنطقة اقام في الجناح الغربي من قصر الشيخ كليب
6= العز بن عبد السلام من كفر الماء
تحركنا الى دير ابي سعيد حيث زرنا محمد صالح إبراهيم احم يوسف الشريدة، وفي بيته التقينا ثلة طيبة من الناس حيت كان الحضور بالإضافة الى المعزب محمد صالح وشقيقه إبراهيم صالح الشريدة كل من: محمود توفيق محمود يوسف الشريدة، علي محمد الغول من بلدة الاشرفية، والدكتور محمد فالح مطلق بني صالح أستاذ بكلية الشريعة بجامعة اليرموك، والدكتور منجد محمود فالح مصطفى الشريدة (مدير اوقاف الكورة) ومحمود سعيد راجي سودي يوسف الشريدة وابنه خلدون، فضلا عن الأستاذ محمود قطيشات ود عبد العزيز وحضرتنا والسائق المرافق.
دار حديث طويل ولكن ليس فيه أي حديث عن السياسة اطلاقا وهو ما اتفقت ود عبد العزيز عليه الا نتكلم بالسياسة، وعلى اية حال كان من جملة ما سمعته لأول مرة في حياتي ان الشيخ العز بن عبد السلام هو من بلدة كفر الما، ومن اسرة فقيرة وارتحل الى دمشق لطلب العلم، وهو علامة فارقة في تاريخ العرب والمسلمين. العز بن عبد السلام: هو عالم دين مسلم سنّي وفقيه شافعي، الملقب بـ 'عز الدين' و'سلطان العلماء' و'بائع الملوك'.
برز في زمن حروب التتار وعاصر الدول الإسلامية المنشقة عن الخلافة العباسية في آخر عهدها. ولعل أبرز نشاطه هو دعوته القوية لمواجهة الغزو المغولي التتري وشحذه لهمم الحكام ليقودوا الحرب على الغزاة، خصوصا قطز قائد جيوش السلطان عز الدين أيبك.
كانت مدينة دير ابي سعيد عامرة الأسواق مزدهرة تعج بالحركة من الناس والاليات وفي سوقها سائر أنواع الخضار والفواكه وهي من الإنتاج المحلي لأنها منطقة زراعية وأهلها نشيطون بالعمل، ولم اشاهد وجوها غريبة فيها
وفي الرابعة مساء زرنا السيد ريحان محمد كليب الشريدة والتقينا به ثم استأنفنا رحلتنا عائدين الى عمان، بعد يوم جميل في ديار جميلة مع رفاق كرام، ورايت كيف ان التاريخ قد ضاع في تبنة
7 = وأخيرا لنا كلمة
ان بناء المجد أصعب من بناء القصر او البيت، ولا يممكن تحقيقه الا طوبة فوق طوبة وحجرا حجرا، وبالتالي فانه يحتاج الى مكان للانطلاق، وقيادة صاحبة رؤيا ورسالة، وشخصيات من حولها ذات جاذبية خاصة وحظ عظيم (كاريزما)، ورجال يبنون بكل اخلاص للمشروع والقيادة، وجنود يطيعون وينفذون بدون نقاش، ويحتاج بناء المجد أيضا الى زمن وتضحيات، فاذا اكتملت هذه اكتمل بناء المجد.
اما هدم المجد فانه أسرع واوجع بكثير، فاذا ترك أصحاب المجد مكان قوتهم وتخلوا عن إنجازات ابائهم وتاريخهم، وراحوا يركضون خلف وهم بمجد جديد في مكان اخر او بعيد وتحت عباءة من يريد سرقة مجدهم او تدميره، فان المجد العظيم يصبح اوهى من بيت العنكبوت.
وهذا حال عشرات العائلات الأردنية العريقة التي صنع اباؤهم واجدادهم المجد كابرا عن كابر، ولم يلتمسوا المجد التماسا ولم يستجدوه استجداء ولا مكرمة من هنا او هناك، بل انتزعوه انتزاعا بالسيف واطعام الضيف والحكمة والحنكة والقوة والحزم والحلم، ولكن وللأسف تخلى الابناء والاحفاد عما تركه لهم الإباء والاجداد، لهثا وراء مناصب والقاب وامتيازات هي في حقيقتها لا تساوي شيئا مع ما ورثوه لو انهم حافظوا عليه
.
ولو حافظوا لكانت موازين الأردن غير ما هي عليه الان. ولكنه قانون الصراع من اجل البقاء والبناء والعطاء , حيث ان من أرادوا ان يحلوا مكان اهل المجد عملوا على التدمير والتشويه والترويع ليس لقصور هؤلاء العظماء فحسب بل وانما عملوا ما وسعهم الجهد على تدمير تاريخ هؤلاء العظماء وتشويه مشروعهم الوطني , واحلال مكانهم من ليس له جذور العظمة والمجد والبطولات والانتماء لتراب الأردن , وان ما أقوم به هو للدفاع ليس عن الكرام الذين توفاهم الله فحسب , بل وعن بلدي وعن احفاد واولاد هؤلاء الكرام وسوف يفهمون ذلك فيما بعد , فنحن هنا نعترف بمن سبقنا ونكرمهم , وكلنا امل ورجاء ان نجد من يفعل ذلك تجاهنا في الأجيال القادمة ان شاء الله تعالى .
عندما كنا عائدين من تبنة ودير ابي سعيد، في طريقنا الى عمان كنت أتذكر قصر الشيخين كليب باشا ووالده يوسف باشا وما ال اليه حال قصر الحكم، وكان عصيا على الاحتلال لكنه لم يكن عصيا على الهدم الناتج عن الإهمال، رغم انه في راس جبل شامخ كما شموخ الرجلين وابائهم ومن حولهم من قبل، وقد صار حال القصر يشكو الزمن لنا او يشكونا للزمن ولا يسمع شكواه أحد ممن يجب عليهم سماعه.
لقد حزنت كثيرا لما ال اليه حال القصر والمجد الكريم لان هدم أي مجد لأسرة اردنية كريمة هو في منهجي هدم لأركان الأردن واحدا تلو الاخر، ولكن للمجد حق على اهله ان يحموه ابتداء واولا، ولكنني وجدت ان التاريخ قد ضاع في تبنة، ولا أدرى: هل سياتي أحد من احفاد كليب ليزرع به بذرة الحياة من جديد، لتنبت شجرة وتصبح غابة وارفة الظلال كثيرة الغلال ويجيب على سؤالي، أملى بالله ان يأتي من يحقق ذلك
كنت اردد في نفسي ابيات شعر بدوي للأمير محمد الأحمد السديري، ونأخذ منها ما يعبر عن الحال
يقول من عدا على رأس عالي رجمن طويلٍ يدهله كل قرناس
في راس مرجوم عسير المنالي تلعب به الأرياح مع كل نسناس
في مهمهن قفرن من الناس خالي يشتاق له من حس بالقلب هوجاس
قعدت في راسه وحيدٍ لحالي براس الطويل ملابقه تقل حراس
متذكرٍ في مرقدي وش جرالي وصفقت بالكفين ياس على ياس
اخذت اعد ايامها والليالي دنيا تقلب ما عرفنا لها قياس
كم فرقت ما بين غالي وغالي لو شفت منها الربح ترجع للإفلاس
ياما هفا به من رجال مدالي ماكنهم ركبوا على قب الافراس
ولا قلطوهن للكمين الموالي ولا صار فوق ظهورهن قطف الانفاس
ولا رددوا صم الرمك للتوالي كلن يبي من زايد الفعل نوماس
من بينهم سمر القنا والسلالي مثل البروق برايحن ليلة أدماس
يقطعك دنيا مالها اول وتالي لو اضحكت للغبن تقرع بالاجراس
المستريح اللي من العقل خالي ماهو بلجات الهواجيس غطاس
حملي ثقيل وشايله باحتمالي واصبر على مر الليالي والاتعاس
وارسي كما ترسي رواسي الجبالي ولا يشتكي ضلع عليه القدم داس
ولمن يعتقدون انهم شمخوا فوق الشيخ كليب وقصره وعلى الكرام من العائلات الأردنية التي صنعت مجدا فضاع مع الأجيال والزمن والظروف والسياسة، نرد عليهم بما قاله الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز رحمه الله
الزين غالـي لكـن الأزيـن أغلـى والكلّ شـرّاي ٍ بضاعـة وسوقـي
النوّ عالي والسمـا فوقـه أعلـى ولا فاق علم ٍ جـاه علـم ٍ يفوقـي
الصعب هلاّ قلت يا صعـب سهـلا دامك تبيني فأنت يا صعـب شوقـي
أحب اعسف المهـرة اللـي تغلّـى وأحب أروّض كل طـرف ٍ يموقـي
وأحب أسافر مـع سحـاب ٍ تعلّـى وأحب فوق الغيـم لمـع البروقـي
وأحب أساهر بدري اللـي تجلّـى وارسم شعاع الشمس عند الشروقي
(انتهى المقال)
ملحق المقال
8 = لواء الكورة
أصبحت الكورة الان لواء من الوية محافظة اربد الأردنية التسع. ويبعد عن اربد مسافة 25 كيلو متر الى الاتجاه الجنوبي الغربي. وتبلغ مساحته 210 كيلو متر مربع ويضم اللواء اثنين عشرين قرية. ومركزه مدينة دير ابي سعيد وعدد سكان اللواء أكثر من 150 ألف نسمة
ظهرت الكورة كوحدة إدارية اقتصادية منذ بداية العصر الراشدي وعرفت بـ (كورة فحل). بعد أن فُتحت بلاد الشام (17 هـ -638 م) في عهد سيدنا عمر بن الخطاب الذي قسم الشام الى اجناد خمسة منها جند الأردن وبه طوره طبقة فحل، وكان هذا الجند أصغر أجناد الشام ومركزه طبريا ويضم ثلاث عشرة كورة منها طبريا والسامرة وبيسان وكورة فحل -وهي محور حديثنا هنا-وجرش وبيت راس وجدارا.
احتفظت كورة فحل بهذا الاسم زمن الدولتين الاموية والعباسية، إلى أن دخلت كورة فحل ضمن سيطرة الدولة المملوكية (1250 -1517 م) فألغيت التقسيمات الإدارية القديمة وعرفت بلاد الشام بولاية سوريا فقط.وفي العهد العثماني المبكر (1532 -1864 م) أعيد تقسيم الشام إلى 'ولايات' ودخلت كورة فحل إلى ايالة دمشق، واعيد تقسيم الايالات العثمانية إلى ولايات (1864 -1918 م)، فاتبعت الكورة إلى ناحية عجلون ضمن سنجق حوران في ولاية دمشق.
وبعد الحرب العالمية الأولى طلب الفرنسيون عقد صفقة مع الشيخ كليب بإعطائه امارة تمتد من نهر الزرقاء جنوبا الى نهر الادن غربا الى شيخ مسكين وجبل الشيخ شمالا وتسمل صور وجنوب لبنان الا ان الشيخ كليب رفض ذلك، ونترك الأمر للتاريخ للجكم على الرفض
ومعظم أراضي لواء الكورة مرتفعات جبلية مغطاة بالأشجار الحرجية 'غابات برقش' يتخللها سهول خصبة مثل 'السهل الغربي' و'سهول ارخيم'، التي تخترقها عدة أودية دائمة الجريان على مدار العام مثل أودية 'الريان' (اليابس) و'ادي أبو زياد' و'وادي زقلاب'، وأعلى منطقة هي رأس جبل 'برقش' حيث يصل ارتفاعه 875 مترا ً فوق مستوى سطح البحر وتتدرج الأراضي بالانخفاض من الشرق إلى نحو الغرب حتى تصل إلى مستوى (60 مترا ً) تحت مستوى سطح البحر في منطقة طبقة فحل.
اما توزيع الأراضي: تبلغ مساحة لواء الكورة (210) ك م2 أو نحو (209518) دونم، وتشكل مساحة أراضي اللواء نحو (133041) دونم أي ما يقارب نصف مساحة اللواء، بينما تشكل الأراضي المستغلة زراعياً نحو(60509) دونم، وتحتل الأراضي الحرجية نحو (52118) دونم،
ومن المعالم الهامة في لواء الكورة فضلا عن قصر الحكم خاصة الشيخ كليب والذي أصبح اطلالا، وبقايا القلعة الزيدانية والمسجد الزيداني واشجار الزيتون المعمرة الاف السنين، يوجد أيضا:
كهف السيد المسيح في بيت ايدس: وتبلغ مساحته حوالي (17 م × 7 م) استخدم منذ العصر الروماني معصرة للزيتون، وقد استمر استخدامها حتى نهاية العصر البيزنطي، ومن مخلفاتها عدة أحواض منحوتة في الصخر وثقالات الوزن وآبار تجميع الزيت، ومواضع ارتكاز العوارض الخشبية الضاغطة، غير أن هذه المعصرة توقف عملها في نهاية العصر البيزنطي، وتمت تسوية أرضية الكهف حيث استخدم فيما يبدو لأغراض السكن.
ويجاور الكهف معصرة عنب، وقبران فرديان منحوتان في الصخر، إضافة إلى بئر ماء ويبعد هذا الكهف عن موقع الدير البيزنطي حوالي نصف كيلومتر، ولم يُعثر على أي ما يشير إلى قدسية المكان غير ملاحظات يذكرها بعض كبار السن من سكان بلدة بيت إيدس بأن مدخل هذا الكهف كان له سابقاً باب حجري متحرك وعليه صليب وباليد الأخرى رمحاً وقد جرى تكسيره من قبل بعض السكان واقيم فوق مدخل الكهف القديم سقفاً قوسياً حديثاً من الحجر والطين واستخدم الكهف لأغراض التخزين.
طواحين وادي الريان في جديتا: يوجد في وادي الريان خمس طواحين كانت تعمل بقوة تدفق مياه النبع، وتعود بتاريخها إلى القرن السادس عشر الميلادي حوالي 1596 م بناءً على دفاتر الطابور العثمانية التي تشير إلى وجود ضرائب على هذه الطواحين في السنة المشار إليها، وتم تجديد بناء هذه الطواحين عدة مرات، حتى توقفت عن العمل في منتصف القرن العشرين الماضي بعد دخول الآلات الحديثة. تتكون كل طاحونة من أربعة أجزاء: قناة وبرج، وحجرة الطحن وحجرة الدولاب.
9 = المواقع الطبيعية في الكورة
غابات برقش: تقع في الجزء الشرقي من لواء الكورة وإلى الجنوب من محمية برقش للأحياء البرية، ولهذه الغابات مزايا بيئية تتمثل بوجود قمة لهذه الغابة تعـرف (برأس برقش) الذي يرتـفع حوالي (875) متراً فوق مستوى سطح البحر. ويعلو قمة الجبل موقع أثري قديم يدعى “القصر” يعود في تاريخه إلى العصور الرومانية حين كان يستخدم كنقطة مراقبة وإنذار للقوافل العسكرية.
ومن مميزاتها الجغرافـيــة أنها تشرف على معظم مناطق شمال الأردن وسهول حوران وجبل الشيخ وجبل الكرمل وغور بيسان ولواء جنين في فلسطين وتضم هذه الغابـات أشجار حرجية حوالي مليوني شجرة قديمة من السنديان والبلوط والبطم والزعرور وتعتبر الغابة من المناطق السياحية المميزة نظراً لتوسيع الغطاء النباتي وكثافة النشاط الحيواني واكتساء الغابة بالأعشاب المتنوعة من أزهار برية وأعشاب طبية حيث تمتزج الألوان في بساط أخضر جميل.
وادي زقلاب: يقع وادي زقلاب على مسافة (4) كيلو مترات شمال غرب بلدة دير أبي سعيد، في وسطه نهر صغير تقدر كمية المياه المتدفقة منه بحوالي (800) متر مكعب في الساعة. ويكسي جنبي الوادي أشجار الرمان والعنب والزيتون. ويوجد على السيل عدد من الشلالات الجميلة وعلى ارتفاعات مختلفة تكسب الوادي مزيداً الحسن والبهاء.
وادي الريان: يقع وادي الريان إلى الجنوب من بلدة جديتا ويمتاز بمناخه المعتدل صيفاً وشتاء وبمياهه العذبة وظلاله الوارفة وأشجاره الخضراء اليانعة التي تجلب السياح والمتنزهين من جميع مناطق المملكة وكان يطلق عليه في الماضي وادي اليابس، ثم أطلق عليه اسم وادي الريان لمناظره الخلابة، وكان يوجد في الوادي العديد من الطواحين التي كانـت تدار بالمياه التي كانت متوفرة في ذلك الوقت.
(انتهت الرحلة)


التعليقات
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012