أضف إلى المفضلة
الجمعة , 26 نيسان/أبريل 2024
الجمعة , 26 نيسان/أبريل 2024


دقّيق الحجر مهنة أردنية تضيع بين الأحفاد

02-04-2011 08:58 AM
كل الاردن -


 

لم يكن الشيخ السبعيني رشيد حسن «ابو يوسف» يتوقع أن يعيش إلى يوم يضطر فيه إلى السكوت على خطايا ـ حسب تعبيره ـ يرتكبها طارئون على مهنته «دقّيق حجر» وأن لا يكون قادرا على التدخل لتشكيل ملامح دار يبنيها نجله.

ومهنة دق الحجر عرفها الاردنيون منذ عقود طويلة، وتتعلق برسم الصخر بطريقة يصبح فيها جاهزا ليصبح لبنة بناء تزين فيها جدران البيوت الخارجية.

وتمنع قوانين العاصمة الاردنية في الكثير من المناطق ان يتم بناء البيوت من غير تأسيس «الحجر» على الجدران الخارجية، وهو ما اضفى على العاصمة عمان منظرا خاصا.

 

ممارسة المهنة

ظل «أبو يوسف» ينظر من بعيد إلى عامل وافد يدّعي انه «يدقّ حجر» يكابد غصة تكاد تحرق جوفه، بالكاد تمكن من تجاوز آثارها عليه، فرغم انه لم يعتد السكوت على الاخطاء، ولم يكن يتوانى عن انتقاد الكبير والصغير على حد سواء، مهما تكن النتائج المتوقعة، الا انه لزم الصمت هذه المرة، وهو يجلس بعيدا، متألما وهو يراقب مشهد العمال يمارسون عملهم.

في البداية، حينما طلب منه نجله ان يبتعد عن اعمال العمار في الورشة شعر بالخذلان، فهذا فلذة كبده، يحيله على التقاعد المبكر، ويطلب منه الانزواء بعيدا بانتظار الموت، لكن الامر زاد في طين الرجل بلّة حينما عرف السبب وراء موقف ابنه

. لقد فسر الابن ذلك بقوله انه يخشى على صحة والده، إن هو تركه يمارس دوره كخبير في البناء، خاصة بناء الحجر، فللعمر ضروراته، لا سيما ان «ابو يوسف» خرج للتو من ازمة قلبية كادت تودي بحياته، لكن اوضاع البناء في «ورشة» الابن تزداد سوءا يوما بعد آخر، وفق تعبير «ابو يوسف» ما دفعه - بعد ظهر احد الايام - إلى الخروج عن مألوف اعتاده العمال منذ أكثر من شهرين، فرمى عصاه بعصبية، وتوجه بهمة لا تناسب عمره إلى مكان مظلل بمظلة بدائية، اتخذه العامل الوافد الذي يدقّ الحجر مكانا لممارسة عمله فيه، وصرخ في الرجل قائلا: يا اخي ذبحتني «دقّ الحجر» فن وما تقوم به لا يمت بصلة إلى هذا الفن.

مضمون حكاية «ابو يوسف» يعلق عليها مدير عام مؤسسة التدريب المهني م. ماجد الحباشنة بالقضية التي لم يعد مقبولا السكوت عنها. فبحسبه «ليس من المعقول ان تتحول مهنة اردنية خالصة - لم يكن احد يوما يحلم ان يفقدها اصحابها - إلى مهنة يمارسها فقط في الاردن غير الأردنيين»، فـ «دقّ الحجر» وفقا لمورد الحجر الخام إلى المناشير محمد حسن ابو عرقوب كان وما زال شأنا خاصا من شؤون الناس في بلاد الشام، فهذه المهنة تعد خلال القرنين الاخيرين جزءا من النسيج الثقافي لأهالي بلاد الشام.

وتعبيرا حقيقيا لفكرة انسجام الانسان مع بيئته، واشتقاقه ادواته للعيش من مفرداتها، فـ «دقّ الحجر» ظهر في بيئة متخمة بالحجر الخام المناسب للبناء والتشييد، وهذا ليس طارئا على المنطقة، فتاريخها كما تتحدث عنه آثارها يزخر بتفاصيل حضارات عديدة قامت واندثرت وما زالت معالمها قائمة إلى اليوم، استخدمت في تشييد منشآتها الحجر الموجود في البيئة ذاتها.

صحيح ان حجر البناء ظل موجودا منذ القدم واستخدمته شعوب المنطقة بطرق شتى، وتفنن البناة في تزيينه بنقش الصور والزخارف العديدة عليه، والحروف والكلمات الكثيرة، لكن ما طرأ على فن استخدام الحجر في البناء خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة بعد دخول التكنولوجيا الحديثة على عالم الحجر وتفاصيله احدث ثورة في مفاهيم صناعة حجر البناء، فأصبح ما كان يستغرق «دقّيق الحجر» في انجازه ساعات، تقوم به اجهزة النشر والقص والخراطة وخلافها بلحظات، واصبح ما كان منغلقا يصعب التعامل معه، لجهة صعوبة تكوينه او تشكيله، امرا متاحا بعد دخول الكمبيوتر وبرامجه المتطورة عالم الحجر وفنونه.

 

ادوات الدقّ

يتذكر ابو يوسف الأيام الأولى التي بدأ فيها العمل في تعلم مهنة «دقّ الحجر»، كان ذلك كما يقول في نهاية خمسينات القرن الماضي، حينما استعان به ابن عم له كان قد بدأ العمل في ورشة بناء في بلدته بالضفة الغربية، كانوا يجلبون الحجر الخام من «محجر» في «بيت حنينا» بالقرب من مدينة القدس، فالحجارة لغايات استخدامها في البناء يستخرجها «حجّارة» من مقالع يطلق عليها الاهالي مَحْجَرْ، فيبدأ مساعد دقّيق الحجر بتهذيب اطراف الحجر وحوافه باستخدام «المهدّة» و«الشاقوف» حتى يصبح شكل الحجر مستطيلا، وزواياه قائمة وهنا يأتي دقّيق الحجر الذي يجهز الحجر وفقا للطلب باستخدام ادوات يدوية عديدة.

«ابو يوسف» يتحدث بحميمية عن ادوات العمل، فقد امضى معها أكثر من اربعين عاما، واول الادوات «المهدة» والشاقوف اللذين يستعملان للتهذيب والمطرقة التي يُطرق بها على «الازاميل» و«الشُوّك» و«الطمبر» والازميل هو قطعة من الحديد الصلب حاد مثل السكين يستخدم لتنعيم اطراف الحجر، «الشوكة» تستخدم لتهذيب الحجر من الزوائد الصغيرة.

واما «الطمر» فإنه يستخدم لكسح اطراف الحجر او «شق» الحجر حسب تعبير اصحاب المهنة، واما اداة «المطبة» فهي لتجهيز وجه الحجر «المبرز» الذي يستخدم عند الشبابيك، فإطار الشبابيك تكون الحجرة فيها ذات وجوه مبرزة، وهناك شوكة بسن واحدة، وبسنين وبثلاثة اسنان، وبأربعة، وذلك لـ «دقّ» الحجر المسمسم وأداة أخرى اسمها الزاوية، وهي زاوية معدنية للحصول على الزوايا القائمة للحجر.

 

أنواع الحجر

أنواع الحجر كثيرة، تكتسب اسماءها من المنطقة التي استخرجت منها، وافضل انواع الحجر في الاردن حجر «سطح معان» لجهة انه حجر صلب قليل امتصاص المياه، ويوازيه في الصلابة والجودة حجر عجلون، واسعار المتر المربع من هذين النوعين الاعلى بين انواع الحجر المختلفة ويراوح حول ستة دنانير، ويوجد بعد ذلك اصناف كثيرة من الحجارة تتراوح اسعار المتر المربع منها ما بين دينارين واربعة دنانير، مثل حجر «الرويشد» و«حيان» وحجر صحراوي ومن الهاشمية الحجر الاصفر، سعره بحدود ‬4 دنانير، ويستخدم لأعمال الديكور وكذلك الحجر الاحمر الذي يستخدم ايضا لأعمال الديكور، لكن سعره اعلى من الاصفر.

في الضفة الغربية وقبل احتلالها عام ‬1967 كان افضل واشهر انواع الحجر هو حجر «الجماعين» نسبة إلى منطقة قرب نابلس، ويأتي في ذات المرتبة كما يقول ابو يوسف حجر قباطية الذي اشتهر لاحقا، واصبح مطلوبا لدول الخليج العربي بشكل كبير، وارتفع سعره إلى حدود عليا، واما حجر الخليل فهو من اقسى انواع الحجر، كان الحجّارة في الماضي يجدون صعوبات جمة في استخراجه، كما كان العاملون في دقّة يعانون الأمرين، والبناؤون كذلك لجهة صعوبة التعامل معه لقسوته.

 

المصدر : نور دبي

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
02-04-2011 09:29 AM

هناك الكثير من المهن التي اقصتها التكنولوجيا الحديثة ,وهذا امر طبيعي لتوفير الجهد والكلفة ,

2) تعليق بواسطة :
02-04-2011 10:04 AM

اسعار الحجر اعلاه بالمترالطولي وليس بالمتر المربع لحجرارتفاعه 25 سنتيمتر وسماكة(4-5) سنتيمتر

3) تعليق بواسطة :
03-04-2011 12:40 PM

دق الحجر كان له متعة خاصة عندي فقد عملت في هذه المهنه في احدى عطلات الصيف عندما كنت طالبا في المرحلة الثانوية في بداية عام 1990 واذكر كم كانت المعاناه حتى اتعلم دق الحجر وكان الدم ينهمر من يدي ولكن بالاصرار تعلمت هذه المهنه القاسية ولكن لم تكن مجزية جزاءا تعادل المعاناه وقد عملت اسابيع قليلة قبل ترك هذه المهنة ولكن علمتني هذه المهنة الاصرار على العمل الجاد والاجتهاد وان لا شئ في هذه الدنيا ياتي بسهوله واليوم و بعد الاصرار والعمال الشاق الجاد و الطويل اصبحت اعمل كمحاضر و باحث ادكاديمي في احدى اقوى الجامعات الاجنبية ولله الحمد. هذه هي المرة الاولى التي اكتب فيها عن هذه المرحلة من عمري ولكن قرائتي لهذه المقالة شئ في داخلي تحرك و تذكرت تلك الايام ايام الصيف الحارق تحت المظلة الصغيرة البدائية لدق الحجر. وشكرا لكم على هذا الموقع الرائع.

4) تعليق بواسطة :
19-11-2012 05:37 PM

بحث عن منارحجر لكي اعمل فيه وانا دقيق مارست العمل في الحجر معان5(5)سنوات

5) تعليق بواسطة :
02-06-2015 05:50 PM

مهنة حلوة انا تمارسها منذ اكثر من عشرة سنوات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012