أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 11 كانون الأول/ديسمبر 2024
الأربعاء , 11 كانون الأول/ديسمبر 2024


مدينة الحجّاج

بقلم : د عودة ابو درويش
14-09-2015 07:17 PM
موسم الحج في مدينتنا معان له طعم آخر , ومنذ ان كنّا صغارا, ننتظر حجّاج بيت الله القادمين من كثير من الدول التي يجب على حجّاجها أن يتوّقفوا في مدينة الحجّاج التي تتوسّط مدينتنا , وبعضهم يأتي من بلاد بعيدة , شرق آسيا وتركيّا وسوريا , ومصر وغيرها , يدخلون المدينة ليرتاحوا من عناء السفر ومن وعثاءه , ليجدوا أناس طيبين يستقبلونهم بالترحاب والمحبة والمودة , لا يسألونهم أجرا على خدمة يقدّمونها لهم , و لا ينتظرون منهم شكر او جزاء , ويقدّمون لهم السكينة والامان , في الحل والترحال .

منذ فجر الاسلام , وبعد أن قدّم فروة بن عمر الجذامي والحارث بن عمير ارواحهم شهداء في سبيل الله , و دخل اهل بلاد الشام والعراق ومصر وشمال افريقيا في الاسلام , والحجيج لا ينقطع عن المرور في المدينة والتوّقف فيها , وهي المحطة التي تعتبر بوابة الحجاز , من وصلها فكأنما قربت لحظة وصوله الى الديار المقدسة , وكانت قوافلهم تستريح لأيام وليالي عديدة فيها , ليقّدّم لهم سكّان المدينة ما يشتهون من أطيب الغذاء , والفاكهة من بساتينها الشاميّة والحجازية , والرقراق من ماءها العذب من عين سويلم والضواوي وبير الخماسي , واليوم يقّدم شباب سبيل اهل معان , ما كان يقدمه اجدادهم للحجيج واكثر .

ولن أنسى ما حييت كيف انّي كنت وأقراني , كلّ يوم ننطلق الى مدينة الحجّاج لنتفرّج على الذين قدموا من كلّ أصقاع الدنيا , طالبين من الله الرحمة والمغفرة , وأن يجعل حياتهم ما بعد حجّهم كيوم ولدتهم امهاتهم , نستمع الى لغاتهم المختلفة , والى لباسهم الغريب عن لباسنا , ونحاول قدر المستطاع ان نساعدهم , ونقّدم لهم الخدمة التي يحتاجون , ونحن فرحين مبتهجين بما نقدّم لهم , ونحاول ان ننطق بعض الكلمات التي علّمنا اياها من هم اكبر منّا ويعرفون معنى بعض الكلمات التركيّة , مثل الخبز واللبن والماء وغيرها , نبتسم في وجوههم ويبتسمون هم ايضا , نوّدعهم بمثل ما استقبلناهم به من الترحاب .

في السنة القادمة لن يدخل الحجّاج الى وسط المدينة , فقد بني لهم مدينة واسعة جميلة , تبعد بعض الشيء عن طرف المدينة الشمالي , فيها مرافق كثيرة , ومسجد كبير , وفيها يستطيعون انهاء جميع الامور الادارية التي كانت تجري على الحدود , ولن اتمكّن من ان أرى حافلاتهم تدخل مدينتهم القديمة , التي يبدو انها ستتحوّل الى شيء آخر غير أن تكون مدينة للحجّاج , ولكن ستبقى الذكرى الجميلة لحجّاج بيت الله بلغاتهم ولهجاتهم المختلفة ولباس بعضهم الغريب , محفورة في خيالي .


التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012