أضف إلى المفضلة
الخميس , 02 أيار/مايو 2024
الخميس , 02 أيار/مايو 2024


رحلتي الى سما الروسان / بني كنانة /شمال الأردن العزيز

بقلم : د .احمد عويدي العبادي
15-09-2015 11:08 PM
1= الامبراطور نبوخذ نصر البابلي عاشق اربيلا
لرحلاتي في الأردن نكهة خاصة جدا لدي، ومتعة لا تدانيها متعة في التنقل في بلادي، لأنني اتجول في ديار الإباء والاجداد، محاولا ذلك في كل رقع منها وصقع، وعندما نتجه الى اربد وما حولها، فإنما نتذكر التاريخ العظيم من مملكة باشان الروفائية العربية الأردنية وملكها العظيم عوج OG صاحب العاصمتين بيسان / بيت شان خريفا وشتاء, ودرعا/ اذرعي صيفا وربيعا ، الى إقامة القائد العظيم (الملك الامبراطور فيما بعد) نبوخذ نصر الملك العربي البابلي الذي أطلق على اربد اسم ارابيلا أي ارض العرب الاحرار او ارض الحرية العربية، او بهذا المعنى وما حوله , مما يبين جذورنا العربية وشهادة الغرباء والمنصفين والاعداء , مرورا بلقاءات زعامات العشائر الأردنية بالقائد اليوناني الاسكندر المكدوني حيث تحالفوا معه لتحرير الأردن من الاحتلال الفارسي البغيض الذي استمر قرابة قرنين .
القائد نبوخذ نصر (الملك فيما بعد) اتخذ من اربد مقرا لعملياته في حربه ضد مملكة بني إسرائيل في بلاد كنعان وضد الفراعنة الذين كانوا يتشوفون لاحتلال الأردن والتجذر في سوريا، وتقاطر اليه ملوك الأردن وزعماء العشائر الأردنية وتحالف معهم دون ان يؤذيهم بل افتخر بهم وبعروبتهم فسمى اربد اراب (أي عرب) (بيلا) أي مكان العرب او مركز احرار العرب وهو يقصد نفسه مثلما يقصدنا كأردنيين. كما تعني أيضا : الجميلة، المحببة، حلوة الطباع , النسر , البطلة , الزهرة البنفسجية, «ارابيلا» تعني أيضا : «الارض الخصبة». وعنها اخذ الرومان معنى ارابيلا لتعني البطلة او النسر في لغتهم.
وبعد الفتوحات الاسلامية ورحيل الرومان عن بلادنا بعد هزيمتهم في معركة اليرموك (سنة 15 هـ -636م)، تم تغير اسمين هامين بالأردن هما: هيرموكس صارت اليرموك وهو اسمها العربي الأردني الباشاني القديم الذي غيره اليونان والرومان الى كلمة هيرموكس بعد احتلالهم للأردن، فعاد الى أصله العربي الأردني أي اليرموك، واما ارابيلا فصارت اربد. ومعنى كلمة «اربد» المكان الاسمر والتربة الخصبة المشوبة بالنقاط الحمراء والبقع السوداء (الحجارة) وهو حالها الجغرافي، فضلا عن معناها تحت مسمى ارابيلا
وضع نبوخذ نصر نصب عينية ثلاثة اهداف من وراء تحالفه مع الأردنيين في اربد وهي: احتلال سائر البلدان التي كان يحتلها اعداؤه الاشوريون من قبل الذي اقام دولته البابلية على انقاضهم، وهزيمة فرعون مصر الملك نخاو الثاني، والقضاء على تمرد المملكة اليهودية في القدس، ووجد انه لا يمكن له تحقيق هذه الاهداف بدون التحالف مع الأردنيين وليس مقاتلتهم، فتحالف معهم، وتحققت أهدافه كلها بدعم من ابائنا الأردنيين الأوائل.
استطاع بجيشه من الأردنيين والبابليين هزيمة فرعون مصر الملك نخاو الثاني والفراعنة والآشوريين في معركة كركميش في عام 605 ق م، في موقع كركميش (جرابلس) -ما بين سوريا وتركيا اليوم، وكانت نتيجتها انتصار القوات البابلية حليفة الأردنيين. وبعد ذلك تمكن نبوخذ نصر من السيطرة على المناطق التي كانت محتلة من قبل الآشوريين ومنها سوريا وفينيقية/ أي لبنان ، لكنه سيطرته على الأردن جاءت بالرضا والمحبة من خلال التحالف والمودة والرضى من أهلها أي من عشائرها التي تشكل جذور العشائر الأردنية الحالية بدون شك , لأنه لم يجازف بمحاربة أبائنا الأوائل الأردنيين من ملوك وعشائر , لكن في نفس العام ( 605 ق.م) وفي شهر أغسطس منه توفي والد نبوخذ نصر الملك نبوبولاسر، فعاد نبوخذ نصر إلى بابل وتمت مبايعته ملكا شرعيا عليها ثم امبراطورا خلده القران الكريم في سورة الاسراء ووصفه وجيشه انهم عباد الله سبحانه .
قال تعالى: ((وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَــابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) سورة الاسراء. وان نص الآية الكريمة ينطبق على نبوخذ نصر كقائد وعلى احلافه الأردنيين وجنوده العراقيين، وتكريم للأردنيين انهم اولي باس شديد كما هو شأن نبوخذ نصر وجيشه العراقي.
2= الى بني كنانة عبر اربد
عبرنا اربد في هذا اليوم الجمعة 28/8/2015، باتجاه لواء بني كنانة ومركزه بلدة سما الروسان وهي القرية الكريمة باهلها وتاريخها الى الشمال الغربي من مدينة اربد
سميت منطقة بني كنانة (الان لواء) نسبة للقبيلة العربية المعروفة (بني كنانة وواحدهم الكناني) وكان افرادها في جيش سيدنا خالد بن الوليد وخاضت المعارك لتحرير الأردن من الروم وفي قمتها معركة اليرموك. وهي قبيلة خندفية مضرية عدنانية ينتمي إليها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي أصل الكثير من العشائر الأردنية وان حملت عشائرنا أسماء فرعية أخرى، وتنتشر اليوم في السعودية وسوريا والعراق ومصر والسودان والأحواز فضلا عن الأردن، وبشكل أقل في دول عربية أخرى كفلسطين وتونس والمغرب.
وأقرب القبائل نسبا لقبيلة بني كنانة هم قبيلة بني أسد وقبيلة عضل وقبيلة هذيل وقبيلة بني تميم وقبيلة مزينة. ورغم ان قبيلة قريش فرع من قبيلة بني كنانة، الا ان اسم قريش استقل بذاته عن سائر بني كنانة فطغى على القبيلة، فيقال قريش وكنانة كما يقال بنو عامر بن صعصعة وهوازن، ولهذا إذا ما أطلق لقب الكناني فإنه يقصد به بنو عبد مناة بن كنانة وبنو مالك بن كنانة وبنو ملكان بن كنانة، وأما لقب القرشي فيختص ببني النضر بن كنانة.وكنانة هو الجد الثالث عشر في عمود النسب الشريف لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهو قرشي كناني. وهذا فخر للأردن انها مستقر القبائل الأردنية العريقة. كما ان قريش هم سادة العرب، ولولا قريش لسادت تميم في العرب.
اما اللواء المسمى باسم هذه القبيلة العريقة فيسمى: لواء بني كنانة فهو أحد الألوية الشمالية لمحافظة إربد الأردنية ومركز اللواء هي بلدة سما الروسان. وتمت تسميته بهذا الاسم منذ معركة اليرموك تكريما لمن خيم فيه وسكنه واستقر به ودافع عن الأردن من قبيلة بني كنانة وحلفائهم من الأردنيين أثناء معركة اليرموك الى يومنا هذا.
3= في سما الروسان
دخلنا المسجد حيث كان الامام يتحدث عن حب الله سبحانه وان نحب من يحب الله ونكره من يكره الله ويعادي الله, وبعد ان انهينا الصلاة التقينا الأستاذ المحامي فراس الروسان في المسجد ومعه ولداه هاشم وكريم , وثلة كريمة من عشيرة الروسان , وبعد السلام والكلام تحركنا سيرا على الاقدام الى علية الباشا أي الى قصر المغفور له الشيخ سليمان السودي الروسان وهو بغية حديثنا اليوم , ولا تبعد العلية اكثر من مائتي متر عن المسجد القائم بجوار مقبرة الأباء والاجداد , وكان الجو جميلا , وكانت القبور الدارسة تتحدث عن جذور هذه العشيرة الكريمة في تراب الأردن ذلك التجذر الذي يعود الى ابائهم الاولين في بصيرا بالطفيلة قبل اكثر من ثلاثة الاف سنة وكانوا من مملكة ادوم وهي اعظم مملكة اردنية وهي أول من اكتشفت الأميركتين قبل اكثر من ثلاثة الاف سنة
وعندما جاء العباسيون قاتلهم الله، صبوا نقمتهم على العشائر الأردنية لأنها دعمت الامويين، وقام العباسيون بإبادة من تقع أيديهم عليه من عشائرنا الأردنية وانفجرت عدة ثورات اردنية ضد الاحتلال العباسي فأبادوهم إبادة كاملة بما لا يقل عن الحقد الفارسي وحقد الرافضة في الحشد الشعبي والحقد النصيري ضد السنة العرب في هذه الأيام
بعد ذلك ( زمن العباسيين ) تفرقت العشائر الأردنية في البلاد وغير (بنو حدد= أي الأدوميون ) اسمهم الى بني حسن طلبا للسلامة من سيف وظلم وطغيان بني العباس الذين كانوا يستمتعون بالدماء والقتل والتشريد وحقدهم الأسود , واعجمية إجراءاتهم الحاقدة على العنصر العربي رغم انهم عرب ولكن سيوفهم ومطاياهم لم تكن عربية , وكانوا لا يثقون بالعنصر العربي اطلاقا ويعتبرونه مؤيدا لأعدائهم الامويين و/ او الطالبيين أي أبناء الحسن والحسين رضي الله عنهما , ولم يكن ينجلي سوادهم الى بياض ابدا حيث انهم قوم ما عرفوا التسامح والتكرم ابدا , وكل هذه الصفات هي بعكس ما كان عليه بنو امية والطالبيون رحمهم الله جميعا , من الديموقراطية والحرية والتسامح وحرية التعبير والعفو والرقي البدوي العربي الإسلامي في التعامل .
4= الملك حدد بن بدد الأدومي حاضر هنا
وكان من احفاد الملك حدد الأدومي من نزح الى رحاب قبيلة طي والتحق بها وغيروا اسماءهم كأحفاد للملوك والامراء الى اسم الخزعلي لتحاشي الإبادة العباسية لهم , وكان منهم الامراء الخزاعلة في العراق , وهم أي الخزاعلة من بني حدد( بني حسن فيما بعد ) وهو الملك الأردني العظيم حدد ملك المملكة الأردنية الأدومية قبل خمسة وثلاثين قرنا والذي أشار اليه القران الكريم في سورة الكهف (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا) .[الكهف: 79] .
وعندما تحركت جيوش صلاح الدين لخوض معركة حطين التحق الامراء الخزاعلة ورعيتهم بجيش صلاح الدين وتحركوا الى الأردن ديار الأباء والاجداد، وحطوا رحالهم في شمال الأردن حيث مقتضيات المعركة، وحيث التحقوا بقبيلتهم الاصلية بني حدد (بني حسن)، الذين توافدوا الى ديارهم الأردنية بعد طول غياب، ومع الزمن صار كل من الروسان والكوفحي والبصول يحملون أسماءهم الحالية بدلا من اسم الخزاعلة وبني حسن (او بني حدد)
هذا برهان على تجذر العشائر الأردنية وانهم حقا أبناء واحفاد الملوك والامراء في التاريخ ( كما قلت في كتابي باللغة الإنجليزية ) , وان الأجيال الحاضرة ( بعكس ما ستكون عليه الأجيال الجديدة ) تخلت عن امجاد الأباء والاجداد بسبب تجهيلها بتاريخها العظيم المجيد , وقبلت لنفسها العيش فقط وليس الحياة التي كان يحياها اباؤنا واجدادنا , ولو عدنا الى اقدم قبر في هذه المقبرة لوجدناه ممن شارك بمعركة حطين ولكن غياب تدوين التاريخ الأردني اوجد هذا الفراغ الذي يردده الكثيرون بدون علم وهم يدعون العلم , انهم يرددون بظلم عظيم اننا طارئون وحديثون على الأردن ونحن عظام جدودنا تباع فوسفات .
كان الجو جميلا ولطيفا ونسمات الأردن تداعب هدب شماغي الأردني نشوى فرحة به كوني الوحيد من الرجال الرفاق الذي يرتدي الشماغ هذا اليوم , وتتالت موجات النسيم ولا أقول الهواء ,وهي تذكرني بجلسات السمر الأردنية في هذه الربوع الطاهرة , وكأنها تنعي ساكني القبور وتشتكي اليهم ما صنعه من بعدهم سكان الدور , حيث لم اجد أحدا يقرا الفاتحة بينما لم أتوانى عن قراءتها , وتحدث النسيم العليل الي هامسا ناقلا الي سلام الأجداد والعظام والرفات وسلام شقيق جدي( محمد بن قاسم بن عويدي ) المدفون في مرمى البصر في بيسان عندما كانت قبيلتي بني عباد في نزوح استمر هناك أربعة عشر عاما من 1850-1963/4 , فقد كان قدري ان لي جذور وعلاقة بكل بقعة في ربوع الأردن من العلا وتيماء والجوف وتبوك ومعان والكرك والبلقاء وهيرموكس ( اليرموك الحالية ) وهذا فخر لي , لذا فإنني اتحدث عن الأردن انه قطعة مني وانا قطعة منه
5= همسات النسيم والمجاهدين
ومن هنا نرى ما راه المجاهدون الأردنيون في معركتي حطين (وقعت في يوم السبت 25 ربيع الثاني 583 هـ الموافق 4 يوليو/ تموز 1187 م ) وعين جالوت ( وقعت يوم 25 رمضان 658 هـ / 3 سبتمبر/ أيلول 1260)من قبل والتي شارك بها الخزاعلة وبنو حدد (بنو حسن) والروسان منهم ولهم فخر المشاركة في الدفاع عن الدين والوطن، لذا فان الوطنية الأردنية ليست طارئة على هذه العشيرة الكريمة بل جزء من جيناتها المتوارثة وترابها، وكذلك شاركت قبيلة بني عباد في حطين وكانوا من قبائل الكرك استقروا بعد المعركة في البلقاء بالاتفاق مع صلاح الدين
لقد استمعت بعمق لهمسات النسيم يردد صيحات التكبير لأجدادنا الأردنيين عندما وقفوا على هذه المرتفعات في بلدة سما أي الشاهقة العالية السامية التي سميت في اعقاب المعركة سما الروسان لإقامة هذه العشيرة الكريمة فيها , حيث نطل على بلاد فلسطين والغور , وحيث تتباين السفوح الجبلية بين أجزاء مكسوة بالأشجار المثمرة البعلية تارة , وأخرى بالحرجية تارة أخرى , بينما لا زالت أخرى تنتظر الاقوال التي اصمت اذاننا ان الأردن سيكون اردن اخضر عام 2000 وها نحن في عام 2015, فلا هو اخضر ولا هو مزروع الا ما فعله اهله وليس من بصمات أخرى تسر البال .
6= في علية الباشا سليمان السودي وعمه
وصلنا علية الباشا وهي القصر المنيف العائد للمغفور له الشيخ سليمان السودي الروسان , وهي مؤلفة من طابقين في كل منهما اربع غرف واسعة كجناحي نسر او صقر او عقاب في كل جناح غرفتان يشق بينهما ممر ضيق , وتمتد العلية من الغرب الى الشرق وتفتح الى الشمال , حيث توجد حديقة ( حاكورة) امامية وأخرى خلفية تستصرخ البلدية ان تعتني بها لأنها قصر كان يوما مقرا للحكم والقرار والعدالة والحماية والكرامة واغاثة الملهوف وايواء الضيوف واطعام الفقراء والجياع وابن السبيل والمعوز , ومن يأخذ لأسرته المعدمة عشاءهم ليناموا على الطعام بدل الطوى , وبالتالي فان من الواجب على اهله والجهات الرسمية ان تجعل منه مركزا وطنيا اثريا تراثيا يوضع ضمن برنامج من يزور ام قيس والحمة ويضاف الى قائمة التراث العالمي / اليونسكو .
وكانت الأبواب والشبابيك أصلا من الخشب , ولكن اتى عليها الدهر فاستبدلوها بالحديد , واما السقف فهو من الطين المجبول بالتبن ويقوم على جسور حديدية رئيسة تعلوها مطارق حديد عادية مما يدل على ان الأردنيين عرفوا استخدام الحديد للبناء قبل اكثر من قرن من الزمان , كما ان النوافذ مبنية بشكل قوسي واما المطلة أي الشرفة فإنها تقوم على أعمدة من الحجر وعلى عقد قوسي فيما بين الاعمدة وهي ذات منظر جميل ومنها تنعمنا بنسمات الهواء العليل الجميل مرة أخرى , ولا بد ان الشيخ سليمان السودي وكبار القوم من الروسان وسائر العشائر كان يحلو لهم السمر في الحاكورة وفي البرندا أي الشرفة , وكأني بهم وهم يلعبون السيجة ويتبادلون اطراف الحديث والاخبار حيث ان الأردنيين مولعون بتبادل الاخبار ومشاطرة اطراف الحديث والسمر الى ساعة متأخرة من الليل .
ومن الشرفة رأيت متسعا من الجغرافيا والمواقع حيث تطل على الجنوب لترى الجزء الشمالي الغربي من مدينة اربد المحروسة، وبلدات: كفر جايز وبيت راس، واما الى الغرب فرأينا من الشرفة بلدات كفر اسد وفوعرة وطيبة بني علوان ومسعرة وسوم الشناق واحياء أخرى ملحقة بهذه البلدات. وعندما اطلينا من الشرفة باتجاه الغرب رأينا بلدات: حاتم والمنارة وخط ام قيس الى الحمة الأردنية الشمالية المسماة أحيانا الحمة السورية، وعندما اطلينا باتجاه الشمال شاهدنا بلدات: المنصورة وملكا وابدر وجبل الشيخ وصفد فلسطين.
تقع العلية في الطرف الغربي من بلدة سما الروسان وتقع والبلدة على دلتا مقلوبة يحيطها واديان من الشمال والجنوب ليلتقيا في نقطة الى الغرب من البلدة والعلية وينحدر الى الغور، وبذلك فإنها في موقع يتمتع بحماية طبيعية وأمنية عالية جدا. من هنا، كانت العلية نقطة مراقبة كان الناس احوج ما يكونون اليها. وفي علية الشيخ سليمان السودي دخلنا غرفة واسعة بنيت بنظام العقود اعمدة وسقفا بحيث يرتكز السقف على حجر واحد وهو اخر حجر يبنى يكون في مركز السقف تماما مثلما حجر سنمار الذي بنى قصر الخورنق، اذ قال للملك ان هناك حجر في القصر إذا نزعته انهدم القصر، فسأله الملك ان كان أحد غيره يعرف السر فقال: لا أحد، فامر به فالقي من اعلى سقف في القصر فهلك وذهب ذلك مثلا: جزاء سنمار.

7= مجالس السمر وتعاطي الشعر
ولا بد ان القوم تسامروا في قصص الشجاعة والعشق والحب، ولا بد ان الشعر التالي كان يعبر عن خلجاتهم
الصــبّ تَفضحه عُيونه وتَنمّ عن وَجد شــؤونه
إنا تَكتـــــــَّمنا الهوى والداء أقــــــــتله دَفـينة
يَهتاجنا نَوح الحـــــمام وكم يُحـــــرِّكنا أنينه
ونُحمِّل القُبَل النســـــــيم فــــهل يؤدِّيها أمينه
قَسَـــت القلوب فهل لقلـــبك يا حـبيبي من يُلينه
فتُريح قَلبا مُدنَفا أسوان لا تَغفى شُــــــــــجونه
مَرَّت عليه الذكريات فطال للماضي حَنينه
وأنا نَجيّك والذي يَســــــــــقيك من ودِ هَتونه
وبي الذي بك يا ترى سرّي وسرّك من يَصونه
معاني الكلمات أعلاه: (اسوان أي: حزين، هَتونه: غَزِيرَةُ الدُّمُوعِ او غزير المطر)
وقد رافقنا في زيارة العلية والجولة فيها كل من الأستاذ المحامي فراس احمد عارف الروسان وولداه هاشم وكريم، والمقدم المتقاعد عادل عبد الرحمن الروسان، وقاسم محمود الروسان، وسمير جميل الروسان، وعبد الله محمد فالح الروسان، واحمد علي سليمان السودي الروسان، وصالح زعبي الروسان، وصدام عاكف سليمان السودي الروسان (حيث الت اليه العلية بالوراثة والارث حسبما قالوا)، والشيخ إبراهيم محمد رومي الملكاوي، ورائد محمد داود مهيار، هذا بالإضافة الى رفيقي بالرحلة حسين الخرابشة (أبو رعد)، وانتهينا من زيارة العلية. بقي ان نقول ان علية سليمان باشا السودي تأسست في الطابق الأول في نهاية القرن التاسع عشر وتأسس الطابق الثاني في عام 1910 م
ثم فوجئت بالأستاذ فراس الروسان يقول لي هناك فقرة أخرى بالبرنامج. قلت وما تكون أستاذ فراس، قال ان رفاقنا من اقاربي يريدونك زيارة العلية الثانية المجاورة، قلت وهل هناك علية أخرى؟ قال نعم انها علية الشيخ مفلح محمد الزامل الروسان عم الشيخ سليمان السودي رحمهم الله جميعا، وقد تأسست هذه العلية قبل علية الشيخ سليمان اذ تأسست أي علية الشيخ مفلح عام 1320 هجري (حسبما هو مدون على الحجر) أي قبل 120 سنة من الان (2015م)، ويوجد ممر بين العمارتين مخصص للنساء ضمن كرامة الاردنيات التي حافظ عليها ذلك الجيل العظيم.
بنيت علية الشيخ مفلح محمد الزامل الروسان من الحجارة المحلية، كما بنيت علية ابن أخيه الشيخ سليمان السودي من بعده بالحجر من نفس المنطقة، فهم كانوا يرفضون الأجنبي والغريب من الحجر والشجر والانسان والاحتلال والاخلال والانحلال، لقد كانوا وطنيين بكل ما تعنيه كلمة الوطنية الأردنية وما هي عليه من الهوية والشرعية.
يا ألهى حتى بيوتهم بنوها من الحجارة الأردنية، لقد كانوا جيلا عظيما لهم هيبتهم رغم قلتهم عددا مقابل اجيالنا التي تكثر ويكثر زحامها بدون هيبة ولا سيادة ولا قيادة، ونحن في عصر نجد الكثير من هذه الأجيال الحديثة ممن يستمتعون بإعلان الرضوخ المجاني للغرباء ويعتبرون ذلك جوهر وجودنا واستمرارنا ونحن متجذرون وعظام جدودنا تباع فوسفات.
8= اطلالة من شرفات العلية
من قصر الشيخ مفلح الروسان رأينا جبل الناصرة في فلسطين المحتلة وتل الراهبات وبيسان ومدينة الناصرة وأكثر ما تتضح هذه المعالم ليلا. وفي ثورة عام 1936 كان الثوار يجتمعون في بيت الشيخ مفلح الروسان الذي كان وأولاده منخرطون بالعمل الوطني الجهادي وكانوا يؤمنون ان امن فلسطين هو من امن للأردن وحماية فلسطين حماية للأردن، وكان الثوار يتزودون بالسلاح والعتاد والطعام من أهالي المنطقة حيث شارك الأردنيون كل قدر إمكاناته في الجهاد من رغيف الخبز الى المال، ومن الطعام الى العتاد والسلاح الى النقل وتقديم الرواحل، وينزلون مع بطن الوادي الذي وصفناه أعلاه. لا بد من القول هنا وحسبما روى لي الحضور ان قصر الشيخ مفلح قد ال الان الى أحد احفاده وهو الشيخ بشير باشا بن مفلح الروسان.
لا بد هنا من القاء الضوء على الحالة المتنورة المبكر جدا التي كانت عليها عشيرة الروسان منذ بناء القصرين وما قبلهما في القرنين التاسع عشر ومطلع العشرين الميلادي , حيث انهم اسسوا مدرسة في سما الروسان زمن الاتراك وبدأت الدراسة فيها عام 1918 , واسسوا جمعية نسائية لا زالت منذ نشأتها برئاسة سيدة منهم وهي جمعية سيدات سما الروسان التي تأسست عام 1956 وتحول اسمها الى الجمعية الخيرية عام 1965 , وأيضا اعطوا أهمية للتعليم الجامعي وحفزوا الشباب والبنات للدراسة الجامعية منذ وقت مبكر واسسوا جمعية التعليم الجامعي عام 1965 وكانت تقدم قروضا للطلاب لمواصلة دراساتهم الجامعية . انها عشيرة متميزة ليس بالشجاعة والاقدام والصلابة فحسب، بل وتتميز أيضا بالعلم والإرادة الحديدية، وعندما كانوا على قلب رجل واحد كانت لهم شوكة تنحني امامها الاشواك الأخرى.
تتميز سما الروسان (وهي إحدى قرى ناحية / لواء بني كنانة)، كما قرى وبلدات الشمال بكثرة أشجار الصبر والزيتون وكروم العنب، وتتناثر الأشجار الحرجية هنا وهناك. ولا شك انها تنمو على رفات ابائنا واجدادنا الأردنيين، لذا فان الجلوس في افياء اية شجرة حرجية له نكهة خاصة لأنه جلوس في حضرة أرواح الأباء والاجداد الذين تحولت عظامهم الى فوسفات كما قلنا، والى أشجار من البلوط والسنديان والبطم والسدر والعبهر والصنوبر واشجار الصبر التي تتجدد كلما اندثر لأنها تتغذى من عروق ودماء وعظام اجدادنا، لذا فان لون لبها احمر قاني كلون دماء اجدادنا الأوائل
، اما الذي لا تاريخ له او فقد الثقة بنفسه وقبل لنفسه التبعية والعبودية فيحاول جاهدا ان يتحدث اننا طارئون على الأردن. اما نحن فننظر انه لا فارق او فرق او تناحر وتنافر بين تربة الطفيلة حيث كان الملك الأعظم ( حدد بن بدد ) في تاريخ الأردن وبين تربة سما الروسان من قبل ومن بعد حيث قصر احفاده الشيخين مفلح الزامل وسليمان السودي وعشيرته الكريمة , ولا فرق بين تراب ام قيس حيث شهدت انتصار بني عباد عام 135 ق.م على ملوك بني إسرائيل , وبين تربة السويسة ( مسقط راس الكاتب), كلها تربة اردنية واحدة وان في كل بقعة من الأرض توجد عظام جدودنا نحن العشائر الأردنية دفاعا عن الأردن التاريخي وليس اردن سايكس بيكو , الذي لا يشكل الا اقل من 1/7 من مساحة الأردن التي كانت قبل عام 1921 .
9= السياسة الرسمية وطمس تاريخنا
ولكن السياسة الرسمية عملت على طمس تاريخنا وهويتنا وشرعيتنا ومساحة الأردن الحقيقية واخفتها جميعا من المناهج فنشأ جيل أردني يؤمن بأمرين حسبما هي التربية الرسمية: وهي انه لا يوجد أردن في التاريخ ولا شعب ولا اهل ولا حضارة ولا هوية ولا شرعية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى الادعاء الظالم ان الأردن كان جزءا من بلدان أخرى وانه تم انتزاع هذه المساحة من هنا وهناك كطبيخ الشحاذين وتسميتها الأردن. قاتلهم الله انى يؤفكون ويفترون.
وبالتالي كرست السياسة الرسمية بلا برهان سوى برهان القسر والقوة والاجبار ان الأردن ارض بلا شعب ويجب ان يكون لشعب بلا ارض ، وانه ارض بلا سلطة ليكون لسلطة ليس لها ارض ولا وطن , وزادوا في الافتراء ان الأردن ليس له اهل ولا هوية ولا شرعية ولا تاريخ , وصارت السياسة تقوم على انه لا مكان ولا منصب ولا نجاح لأي مؤهل اردني في أي امر له علاقة بالجهات الرسمية اذا لم يؤمن بهذا الهراء , هذا باستثناء حالات قليلة تسللت لواذا الى مستحقها وحقها من المواقع الرسمية المنتخبة او القائمة على التعيين , وبعد ان ظهرت على حقيقتها الوطنية وابت وعصت ان تعبد غير الله سبحانه , حيل بينها وبين حقها في المواقع فيما بعد .
ومن المؤسف ان التلقين التربوي والإعلامي والسياسي والاجتماعي بني على هذه الافتراءات والاكاذيب الى درجة ان من صار يؤمن بهذا الوهم صار ينظر الى اثار ابائنا واجدادنا الأردنيين هنا وهناك انها رومانية او يونانية او فارسية، وهي في الحقيقة اردنية في عصور الاحتلال الفارسي واليوناني والروماني وقبلها وما تبعهما من احتلالات جعلت مساحة الأردن جزءا يسيرا من مساحته التاريخية والحقيقية، وتفضح الامر خريطته الحالية التي تبين الاقتطاع الواضح الفاضح لمساحته وأهله وعشائره، كما تفضح خائنة الاعين ما تخفيه الصدور من الحقد والمرض .
وما دمنا نتحدث عن الروسان فقد ظهر فيهم ومنهم القيادات العشائرية والسياسية والاجتماعية والوطنية والعلمية والقانونية الذين يشار إليهم بالبنان عبر التاريخ الحديث، ولهم مواقف لا يستطيع المؤرخ ان يمر بها مرور الكرام، لأنه تستوجب الوقوف والتوقف وتستحق الدراسة والثناء العطر، ونأخذ منهم الشيخ سليمان السودي الروسان رحمه الله
كان المغفور له الشيخ سليمان السودي أحد القامات الأردنية السامقة الذي رفض الانحناء لغير الله والذي كان يحسب له حساب في المنطقة والأردن والعمل القومي على المستويين الوطني والقومي، وهو أحد رواد الأردن الذين لازم مولدهم عصر النهضة الذي تنبه فيه الأردنيون الأوائل لمجريات الأحداث من حولهم، وكان لهم نشاط قومي ووطني وفكري ملحوظ
10= النشاط السياسي الوطني والقومي
وتمثل نشاطه السياسي القومي من خلال مشاركته في المؤتمر السوري الأول الذي عقد في تموز – كانون أول 1919م وعضوا في اللجنة الوطنية الأردنية لمقابلة اللجنة الأمريكية (كنج- كراين) التي جاءت للتحقيق حول اتجاهات الرأي العام العربي في الأردن وسوريا حول وحدة واستقلال سوريا والموقف من نظام الانتداب ووعد بلفور، وكانت اللجنة الوطنية الأردنية تتألف بالإضافة الى الشيخ سليمان السودي من كل من الشيوخ والذوات التالية اسماؤهم : ناجي العزام ( الشمال ) وخليل التلهوني( معان ) ، وسعيد الصليبي وسعيد أبو جابر ( وكلاهما من السلط ) وعبد المهدي محمود وحسين العطيوي ( الطفيلة ) وعيسى المدانات وعطيوي المجالي( كلاهما من الكرك ) وناصر الفواز الزعبي( الرمثا / حوران ) .
وقد طالب الوفد الأردني أعلاه باستقلال البلاد السورية ورفض الانتداب واقتصاره ان يكون مساعدة فنية واقتصادية لا تمس استقلال البلاد.
وتشكلت لجنة تنفيذية لعقد مؤتمر (قم) كانت مؤلفة من الشيوخ التالية اسماؤهم: سليمان السودي وتركي الكايد وناجي العزام ومحمود الخالد وفواز البركات وراشد الخزاعي، ومحمود الفنيش، حيث قابلوا أعضاء لجنة البراق في القدس وحيث عقدوا مؤتمر قم المشهور.
أما عن نشاط الشيخ سليمان السودي في سوريا فقد ذكر المؤرخ د. ممدوح الروسان قائلاً: (مع أن محاولة اغتيال الجنرال غورو أعدت من قبل أحمد مريود لكن سليمان السودي كان متعاطفاً معه بدليل أن أحمد مريود ربما دعا كلاً من تركي الكايد وسليمان السودي والمجاهد أدهم خنجر وغيرهم إلى الاجتماع به في بيت محمود أبو راس( الروسان ) في مدينة اربد حيث أعلن في الساعة التاسعة من صباح يوم 23/6/1921 أنه في هذه الساعة اغتيل غورو بناءً على الاتفاق بينه وبين الجماعة التي أرسلها إلى القنيطرة لاغتياله ويذكر علي خلقي الشرايري أنه أبلغ أحمد مريود ورفاقه بالذهاب إلى بلدة سما الروسان ليكونوا في حماية سليمان السودي تجنباً لاعتقالهم) .
لقد لعب سليمان السودي بالنيابة عن والده سودي أبو راس دوراً في توقيع اتفاق بين نواحي السرو الذي نشرناه سابقا ، والكفارات، والوسطية في تموز عام 1919م. تحت عنوان دفع الضرر وحسم الفساد عنها لحماية نواحيهم من الاعتداءات الخارجية وعلى أثر سقوط الحكومة العربية في دمشق في أعقاب موقعة ميسلون تم تشكيل حكومة إربد برئاسة علي خلقي الشرايري عام 1920م وتم تشكيل مجلس إداري تشريعي لتقديم المشورة لرئيس الحكومة وتألف المجلس من راشد الخزاعي وسليمان السودي ومحمد الحمود وتركي الكايد وسعد العلي البطاينة ونجيب فركوح..
لقد عاش الشيخ سليمان السودي الروسان حياة وطنية اردنية قومية نضالية مليئة بالكفاح من أجل الأردن وهويته وشرعيته واحقاق الحق الأردني والعربي والإسلامي، ولكي يبقى الأردن الذي ورثناه عن الأجداد نبراسا وامنا وقويا للأبناء والاحفاد، تغمد الله المغفور له الشيخ سليمان باشا السودي بواسع رحمته ورضوانه واسكنه فسيح جناته

التعليقات
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012