16-01-2016 01:54 PM
كل الاردن -
أمعنت الحكومة الاردنية خلال الايام الماضية، وعلى العكس مما روجه النواب في كلماتهم الرنانة، في ترويج رؤيا مواطنها المفكر ورئيس الديوان الملكي الاسبق عدنان أبو عودة بكون “السفينة تغرق” وأن التحديات تتعاظم أمام الدولة الاردنية بصورة يصعب وقفها، مقابل رؤىً غائبة في الاصلاح الاقتصادي خاصة والشامل بشكل عام.
الجملة التي قالها الرجل قبل حوالى العام عن خوفه من ان تكون بلاده “على متن سفينة تغرق”، والتي تحدث عنها حول السياسات الحكومية في الملف الاقتصادي بصورة اساسية، مستخدما تعبيرا “هجينا” على الاردنيين خصوصا وهم من لم يعتادوا الحديث عن السفن في بلاد لا تزيد الرقعة البحرية فيها عدة كليومترات، أعاد نواب الاردن التقاطها بصورة واضحة خلال حوارات الموازنة، وبصورة لا يمكن تبرير معظمها إلا بكونها أقرب لما أراده الدكتور معروف البخيت حين كان رئيسا للوزراء.
رغبة البخيت – وفق تحليل حرفي من عاهل الاردن الملك عبد الله الثاني- حين سمح الاول بمثول ابو عودة امام محكمة امن الدولة، كانت لـ”التقرب” من الملك نفسه، وبجهد عدّه عاهل الاردن في ذلك الوقت “مضلّلا”.
تحليل ملك الاردن، منشور في وثائق ويكليكس نقلا عن لقاء جمع عاهل عمان بسفير الولايات المتحدة وسأل فيه الاخير عن الحادثة توّ حصولها، إلا أن هذه الصيغة التي استخدمها الملك يبدو أنها لا زالت محمولة في عقول بعض النواب ويجهدون في تسويقها باعتبار ايذاء الرجل (اي ابو عودة) الطريق الاسهل لقلب الملك، بدليل ان اثنين من ثلاثة تطرقوا للجملة في استعراضات الموازنة، قرنوا احاديثهم ضد ابو عودة بالتأكيد على حكمة القيادة الهاشمية، رغم كون الملف الاقتصادي من المفترض انه حكومي بامتياز.
بكل الاحوال ابو عودة لم يتوقف عند اي كلمة قالها النواب ولا كل ما اذيع على الهواء مباشرة من اساءات نحو جملة اشار في حوارات معمقة خاضتها معه “رأي اليوم” سابقا انها “تحذيرية”؛ إلا ان الاردنيين بصورة او بأخرى استشعروا ان السفينة “قد تغرق فعلا” وهم يرون حكومة بلادهم “تتسلى” باصدار القرارات والعودة عنها خلال الفترة الماضية بالتزامن مع ايام من التقلبات الجوية خلال الشهر الماضي.
شعور “التخبط وغياب الرؤيا” الذي يشعر به الاردنيون، والذي هو بطبيعة الحال ما يُغرق اعتى السفن اذا ما استمر بالتسارع ذاته، عبرت عنه رئيسة تحرير صحيفة الغد جمانة غنيمات بجرأة في مقال سابق لها حمل عنوان “ قرارات الفوضى والارتباك”، تحدثت فيه عن قرارين يمسان شرائح واسعة من المجتمع الأردني اتخذتهما الحكومة في الفترة البسيطة الماضية وعادت عنهما بعد ايام.
القراران كل منهما جاء ضاربا بفئة من المجتمع، فالاول والذي زاد رسوم ترخيص المركبات تنبهت الحكومة لاحقا لاصداره بأنه يهدد فيمن يهدد وبصورة أساسية متقاعدي القوات المسلحة والاجهزة الامنية والذين دأبوا على اقتناء سيارات ذات محركات عالية مستفيدين بذلك من التسهيلات الممنوحة لهم، وهم فئة معروف عدم تمتعها برؤوس الاموال والاشكالات الاقتصادية التي تعانيها.
القرار المذكور واجهت اثره الحكومة تصادما عنيفا مع النواب الذين في معظمهم يدافعون عن حقوق ناخبيهم، والفئة المذكورة ليست بسيطة نسبة للناخبين الاردنيين، ما ادى في النهاية الى تراجع الحكومة عن القرار وعن قرار تزامن معه واجه نقدا اقل تحت عنوان “رفع سعر اسطوانة الغاز المنزلي”.
القرار الاول منح الاردنيين شعورا بأن الحكومة “تستغفلهم” كون القرارات تتخذ دون اي تمهيد لها أو بحث لابعادها، الا انه في النهاية ورغم كل ابعاده مرّ قبل ان تخرج حكومة عمان مجددا على المجتمع بقرار جديد.
القرار الثاني الذي اصدره أحد “فرسان” الدوار الرابع، وهو وزير العمل نضال القطامين، كان البدء بمحاسبة حملة الوثائق الفلسطينية وابناء قطاع غزة كعمال وافدين على المملكة الاردنية التي يقطنونها منذ كانت والمناطق التي يحملون جواز سفرها بلد واحد لم يفصله الا تخاذل عربي عن حماية الجميع.
القرار جاء كتعميق لنهج “الجباية” من جهة، و- ومن باب التحليل- لموازنة المعادلة من جهة ثانية، فتظهر الحكومة عقبه بمظهر “الفتّاكة” بجميع المكونات في المجتمع المحلي، فلا يسلم منها أردني ولا فلسطيني ولا غيره.
عقب اقرار القرار وتسريبه للاعلام، عاد رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور للتراجع عنه بطريقة لم تنزع عن الفلسطيني صفة “الوافد”، ولكنها عفته من رسوم “الوفادة” فقط تماشيا مع احتجاجات نيابية وشعبية، عشية نقاشات الموازنة، ولتقدمه الحكومة للنواب مجددا كسلفة بسيطة لتمرير الموازنة، في سيناريو مماثل للتراجع الاول.
في ملف الفلسطيني في الاردن، لم يعتد المجتمع على عبثٍ بسيط تتراجع عنه الحكومة وتنتهي القصة، فالعبث اساسه غالبا امني واستراتيجي، ومدفوع من مرجعيات عليا، لذا وعقب امتصاص الغضب على رسوم “الوفادة” وبعد حسم الجدل باعتبار الفلسطيني “وافد” صدرت الحكومة قرارين، أحدهما عن نجم “الرسوم الاولى” الوزير القطامين وينص على اغلاق 10 مهن أمام الوافدين، ثم ثانٍ يعقّد حياة الفلسطيني بصورة اكبر من ان تُحلّ، إذا كانت التفسيرات التي فهمتها “رأي اليوم” دقيقة.
القرار جاء يطلب معادلة اي شهادة من غير البلد الاصلي للطالب من بلده الذي يحمل جنسيته، الامر الذي بسرعة فُهم على انه يستهدف الفلسطينيين الذين لن يعادلوا شهاداتهم خصوصا ان كانوا من ابناء القطاع.
بكل الاحوال، تتذاكى الحكومة في رصد ثقل كل المكونات في المجتمع الاردني دون ان تفكر ان احد بالوناتها التي تطلقها قد ينفجر بوجهها فوضى وعدم احترام للمؤسسات التي تقل هيبتها مع كل قرار غير مدروس وكل تراجع عنه بالتوالي، خصوصا وهي اليوم تعبث بكل المكونات دون حسابات دقيقة للاحباط والعنف في المجتمع.
فرح مرقه- الراي اليوم