أضف إلى المفضلة
الجمعة , 26 نيسان/أبريل 2024
الجمعة , 26 نيسان/أبريل 2024


موسى العدوان يكتب : الحرب البرية في سوريا

بقلم : موسى العدوان
13-02-2016 11:15 PM

موسى العدوان
عندما أعلنت المملكة العربية السعودية ، بأنها على استعداد للمشاركة في أي عمليات برية في سوريا لمحاربة داعش ، إذا قرر الائتلاف الدولي القيام بذلك ، اعتقدنا للوهلة الأولى أن الإعلان جاء لأغراض إعلامية ، رفعا لمعنويات الشعب وإظهارا لقوة الدولة أمام الرأي العام . ولكن المؤشرات التي تبعت هذا الإعلان تدل على أن هناك نية حقيقية لتنفيذ ما أعلنت عنه ، من خلال المؤشرات التالية :
1. الولايات المتحدة الأمريكية رحبت بالقرار وأعلنت بأنها ستقوم بدراسته .
2. قيادة حلف الناتو عقدت عدة اجتماعات لبحث الموضوع ، وبحضور وزير الدفاع السعودي ، ورئيس هيئة الأركان المشتركة في القوات المسلحة الأردنية .
3. إعلان السعودية عن عقد اجتماع لعشرين دولة عربية وإسلامية ، خلال الشهر القادم في الرياض ، لبحث شؤون الحرب البرية في سوريا .
4. تجري حاليا تمارين عسكرية مشتركة في شمال السعودية بين القوات المسلحة السعودية والقوات المسلحة الأردنية ، لتوحيد الأساليب والمصطلحات العسكرية .
5. أكدت السعودية في وقت لاحق بأنها مصممة على شن العمليات العسكرية ضد داعش والإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد .
6. أعلن جلالة الملك عبد الله الثاني في مؤتمر ميونخ يوم الجمعة الماضي بأن الأردن سيكون في طليعة القوة العسكرية البرية التي ستحارب الإرهابيين والخوارج .
وهذه المؤشرات تجعلنا نفترض بأن العمل العسكري سيأخذ طريقه خلال الأشهر القادمة . ولكي لا نحكم على هذا الفعل من النواحي العاطفية والمتحيزة ، أرجو القراء الكرام السماح لي بمناقشة هذا الأمر من الناحية العسكرية بتجرد تام ، وعلى ضوء المعطيات المتوفرة بين يدي في الوقت الحاضر ، والتي ترتكز على ثلاثة أسئلة .
والسؤال الأول الذي لابد من طرحه : من هو العدو الأكثر خطرا في قضايا الإرهاب على الأردن والعالم في الوقت الحاضر ؟ والإجابة على هذا السؤال والتي قد تتوافق مع إجابة المؤتمرين في الرياض هو ' تنظيم داعش '. وهو العدو الذي يشكل تهديدا إرهابيا لمختلف الدول الإقليمية والعالمية . وإذا ما ترك له المجال لتنفيذ مخططاته الإرهابية ، فهذا يعني أن القتل والتدمير والتهجير سيستمر دون حلول تعيد لسوريا استقرارها .
صحيح أن هناك العدو الإسرائيلي الذي يشكل الخطر الأزلي على الدول العربية ، منذ ما يزيد على 67 عاما ، جرت معه خلالها عدة مواجهات قتالية ، ولكنها لم تكن في صالح الدول العربية . وتبدل الحال فيما بعد حيث عقدت بعض الدول العربية مع إسرائيل اتفاقيات سلام علنية ، وعقدت دول عربية أخرى أيضا علاقات صداقة مستترة . ومن غير المنتظر أن نتوقع صداما جديدا بين العرب وإسرائيل في المستقبل المنظور ، فذلك مؤجل إلى أن تتوحد الأمة العربية وتمتلك القوة اللازمة لاسترجاع أراضيها المحتلة في المستقبل .
والسؤال الثاني هو : لماذا الحرب على تنظيم داعش في هذا الوقت ؟ والإجابة هي أنه مضى أكثر من أربع سنوات ، والصراع مستمر بين نظام الحكم السوري وحلفائه من جهة ، وبين داعش والمنظمات المسلحة من جهة أخرى ، إضافة لقوات التحالف الستيني . فأدى هذا الصراع غير المنضبط إلى مزيد من القتل والتهجير والتدمير والحصار ، دون التوصل إلى حسم لصالح أي طرف . الأمر الذي جعل داعش تتمدد وتقوم بعمليات إرهابية في دول عربية وأجنبية عديدة . ومن المتوقع أن يوجه داعش عملياته الإرهابية في وقت لاحق ، إلى الأردن وبقية دول العالم مهددا أمنها الوطني في عقر دارها .
والسؤال الثالث هو : هل سيشارك الأردن في العمليات البرية إذا قرر المؤتمر ذلك ؟ والجواب هو : نعم سيشارك بتلك العمليات بكل قوة للأسباب التالية :
1. أن تنظيم داعش يسعى لإقامة دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام حسب خطابه المعلن . وإذا ما كتب له النجاح في مسعاه ، فإن خطره سيداهم الأردن في وقت لاحق .
2. الأردن عضو في التحالف الغربي ضد الإرهاب والذي يضم 60 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، وسيكون عضوا في التحالف الإسلامي العشريني القادم . وفي هذه الحالة عليه أن يلتزم بتنفيذ مقررات التحالفين . وتأكيدا لذلك فقد أعلن رئيس هيئة الأركان المشتركة بأن الأردن سيشارك في العمليات البرية ضد داعش .
3. أعلن جلالة الملك في خطابه في اجتماع ميونخ يوم الجمعة الماضي بأن الأردن سيكون في طليعة الدول التي ستحارب داعش والخوارج .
يقول المنظّر الإستراتيجي كلاوزفتز : ' الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى ، ولا يتم اللجوء إليها إلا بعد أن تفشل الوسائل السياسية في تحقيق الأهداف الوطنية '. فعندما نتفحص الأوضاع القائمة في سوريا ، نجد أن كل المبادرات السياسية خلال السنوات الأربع الماضية ومن بينها مؤتمرات جنيف الثلاثة ، قد فشلت في تحقيق السلام المطلوب . وأصبحت سوريا مسرحا للمنظمات المسلحة من دول متعددة ، ومجالا لتدخّل دولا أجنبية في الشئون السورية ، وعلى رأسها روسيا ، وليس هناك من رؤيا مستقبلية لانتهاء هذا الوضع المأساوي . فهل يقف المجتمع الدولي مكتوف الأيدي إزاء ما يجري من حرب طاحنة في بلد عربي ، منذ أكثر من أربع سنوات ومازالت مستمرة ؟
إن متطلبات الأمن الوطني لكل دولة من دول العالم ، إضافة للنواحي الإنسانية والأخلاقية ، تبرر العمل العسكري بقوات برية ، بعد فشل القصف الجوي وفشل جميع الأطراف في القضاء على داعش . ولكن قبل الإقدام على ذلك العمل لابد من تحقيق الشروط التالية :
1. إنهاء الحرب في اليمن ، إذ لا يمكن أن تفتح السعودية صاحبة الدعوة جبهتين في آن واحد .
2. أن تشارك الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو في قيادة العمليات بالصورة التي يتفق عليها مع الدول المشاركة بالعمليات .
3. أن يتم التنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا ، لتجنب الاصطدام بين الطرفين قد يكون سببا في وقوع حرب عالمية ثالثة .
4. يجب أن توجه العمليات نحو ( مركز الثقل ) ممثلا بالرئيس بشار الأسد بعد أن حول سوريا إلى دولة فاشلة ، وكان سببا رئيسيا في جلب الميليشيات المسلحة ، ودخول الإيرانيين والروس وحزب الله للقتال في سوريا . وبعد ذلك يمكن التحول لتصفية داعش .
هناك من يعارض مشاركة الأردن في الحرب البرية في سوريا ، واقتصارها على الحرب داخل حدودنا في حالة وقوع التهديد ، على اعتبار أن لا مصلحة لنا في المشاركة بالحرب خارج الحدود ، وأننا لسنا على استعداد لاستقبال نعوش القتلى في حالة المشاركة . والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل من المنطق أن ننتظر العالم ليقوم بحرب برية بالنيابة عنا ، ونقول للعالم كما قال بنو إسرائيل لموسى : ' اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ؟ '.
من المعروف أن القوات المسلحة يجري تشكيلها للحفاظ على الأمن الوطني وتحقيق المصالح الوطنية . وعندما يكون هذان العنصران مهددين ، فيجب أن تتصدى القوات المسلحة لمصادر التهديد أينما كان داخل البلاد أو خارجها واجتثاثه .
ولابد من التذكير هنا أنه عندما ينتظم الضابط أو الجندي في الخدمة العسكرية ، فهو يعلم أنه سينفذ الأوامر الصادرة إليه بالقتال ، في أي مكان تقرره القيادة السياسية وهي أعلم بالمصالح الوطنية ، فعليه أن يتوقع ذلك في أي لحظة . كما أن الروح الانهزامية والجنوح إلى السلبية من بعض المواطنين هما صفتان تبعثان على الأسى والشفقة .
ولو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أن الجيش الأردني خاض عمليات عسكرية خارج البلاد منذ تأسيسه . ففي العراق شارك في إخماد ثورة رشيد عالي الكيلاني ، وشارك في إخماد الثوار في سلطنة عُمان عام 1975 ، وفي عام 1973 حارب القوات الإسرائيلية في الجولان إلى جانب القوات العراقية والسورية . وهنا لابد من التساؤل : لماذا يقاتل الجندي الإيراني والروسي ومقاتلو حزب الله على أرض سوريا خارج حدود أوطانهم ؟ ولماذا يقاتل الجندي الأوروبي والأمريكي في فيتنام وكوريا وأفريقيا وأفغانستان والعراق خارج حدود أوطانهم ؟ أليس ذلك من أجل مصالح بلادهم ؟ أعرف بأن هذا الكلام سيغضب الكثير من المنظرين والمنحازين إلى نظام الأسد ، فلهم رأيهم ولي رأي آخر .
ومن الأمثلة الأخرى على مهاجمة العدو خارج الحدود ، دون انتظار لمواجهته على الحدود أو داخلها عند توقع التهديد : هجوم اليابانيين على الأسطول الأمريكي في ميناء بيرل هاربر عام 1941 ، وهجوم إسرائيل على الدول العربية عام 1967 ، وتخليص الرهائن الإسرائيليين في عنتيبي على بعد 3000 ميل .
من المعروف في الأدبيات العسكرية أن الإستراتيجية تسعى لتأمين الأهداف الوطنية بتطبيق القوة أو التهديد بتطبيقها . وقد يكون هذا الحشد العسكري تهديدا بتطبيق القوة العسكرية ، ويشكل دافعا للقيادة السورية بالجنوح إلى الحل السياسي ، وتجنيب المنطقة المزيد من القتل والدمار وإعادة المهجرين إلى وطنهم . ويلاحظ في اليومين الماضيين أن المجتمع الدولي ، قد قرر وقف إطلاق النار بين الجهات المتصارعة - باستثناء داعش - خلال الأسبوع القادم .
وأختم هذا المقال بالقول ، أن الإستراتيجية العسكرية لابد وأن تجيب على أسئلة ثلاثة هي : إلى أين نتجه ؟ وكيف نصل إلى وجهتنا ؟ وكم ستكون كلفة ذلك ؟ وقد أجبت في هذه العجالة عن السؤال الأول فقط ، وسأترك الإجابة على السؤالين الآخرين إلى وقت لاحق .
التاريخ : 13 / 2 / 2016

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
لا يمكن اضافة تعليق جديد
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012