أضف إلى المفضلة
الإثنين , 29 نيسان/أبريل 2024
الإثنين , 29 نيسان/أبريل 2024


محمد البدارين يكتب : ثقافة الاردن بالوزارة او بدونها

24-03-2016 10:29 AM
كل الاردن -
مستفيدة من كوتتين ، على الاقل ، امكن للسيدة لانا مامكغ ان تتولى وزارة الثقافة في الاردن ، وهي

على العموم وزارة من الصنف الثاني ، حيث يطلق عادة وصف سيادي على عدد قليل من الوزارات كصنف اول ، فيما لا تحظى باقي الوزارات بهذا الوصف .ومن بين هذا الذي يبقى وزارات الثقافة والزراعة

والتربية والتعليم ، حتى ان مضر بدران يتذكر ان الملك الحسين خاطبه في معرض المدح حيث كان يشغل

منصب وزير التربية والتعليم ، قائلا (إن شاء الله مفكرني جايبك وزير تربية وتعليم).

والوزيرة مامكغ ، على علاتها وعلات وزارتها ، ليست في حقيقة الامر الا نتاج الوضع السائد.وفي السائد ، لا يختلف احد عن احد ، لكنها في اخر عهدها بالوزارة ، ربما رغبت بالخروج قليلا عن هذا السائد الرتيب ، فاستعارت ما يشبه الموقف الفلسفي ، ضد وزارتها داعية لالغائها او نافية لدواعي وجودها. غير انها ستتراجع ، ما ان يصبح موقفها هذا تحت التركيز ، وستنفي اقوالهاعلى الطريقة السائدة ايضا. فكان ان خسرت رهانها المستعار بسرعة ، وعادت للانضباط بدون تردد ، فخسارة الوهم ، ككل الخسائر في ثقافتنا، تظل قابلة للتحويل والتملص.

ومن حسن حظ الوزيرة ، طبعا ، ان الناس في الاردن لا يأخذون الامور بكل تلك الجدية المفترضة ، ففي خارج المساحات العلنية المتفق على قواعدها ضمنا ، يعيش الناس حياة ثانية ، يتحرر فيها الانسان الاردني من المعلن الذي يخيفه ، ويستجيب بصورة افضل لتقلبات اوضاعه ، ولان معالي الوزيرة كسائر الناس ، فانها خافت من موقفها ، ما ان اصبح معلنا فوق السطح.

وهذه المسافة المخيفة بين العالم العلني والعالم غير العلني في حياتنا ، تعتبر قضية ثقافية كبرى، انشغل بها مثقفون عرب كبار خصوصا في المهجر ، لانها تتصل بدوائر الحياة الحقيقية للناس ، وبقوانين الاشياء الغائصة في الاعماق ، والثقافات غير المكتوبة في المجتمعات ، وربما اختصرها بنجاح مظفر النواب بقوله ان الواحد منا يحمل في الداخل ضده.وهي قضية تقع ، بدون شك ، في صلب اختصاص وزارة الثقافة ، ويستدعي البحث فيها عمليات استكشاف دقيقة في ما هو تحت اللباس العلني الموحد للمجتمع ، خصوصا في هذه الظروف التي تنام فيها خلايا العنف والارهاب بيننا ، واضعة ثقافتنا برمتها امام اصعب اختبار في تاريخها.

وسواء كانت مهمة البحث هذه غير مرغوب فيها ، او غير مقدور عليها ، فانها بكل تأكيد هي المهمة الملحة الان امام جهاز الثقافة الوطني والقومي ، وهي بكل تأكيد ، ايضا ، مهمة المثقف الحقيقي المرتبط فعليا بقضايا مجتمعه ، سواء دعمته الوزارة ام لم تدعمه.غير ان هذا المثقف الحقيقي الذي يمكن ان تباع كتبه على الدور ، لن يظهر في الاردن ، طالما ظلت الثقافة الاردنية بمجملها هامشا استهلاكيا للمركز المصري في القاهرة ، الموبوء بداء التقليد والتكرار والاجترار من ايام السادات وربما قبله.

ولان المركز يبدو مخيفا عادة ، فقد انتشرت في بلادنا ثقافة الخوف والرهبة ، وجرت بشكل تراكمي فظيع عمليات واسعة لتنميط الناس بشكل تعسفي ، عبر تحويلهم الى كائنات قابلة للتلقين والحفظ والاسترجاع ، وبلغت هذه العمليات العمياء ذروتها في الاردن عبر اخضاع التلاميذ لأسوأ انواع الاختبارات في العالم ، المصحوبة بقوات البوليس والدرك ، وصار لزاما على التلميذ لكي ينجح ، ان يحول عقله كله الى اداة تسجيل ، تحفظ ثم تسترجع ، وتحت هذا الضغط المخيف ، ظهرت لدينا مؤخرا ظاهرة لجوء للخارج من نوع فريد.

وفي اجواء الخوف وبسببه او للتحايل عليه ، تنتشر ثقافة الكذب حسب ابن خلدون ، ويغادر الناس ذواتهم الاصلية بشكل جماعي ، للانتساب الى الذات المركزية المهيمنة ، طلبا للاعتراف والحماية والرزق. ومثل هذه الحركة الجماعية ، تلغي اول ما تلغي الفروق الفردية بين الناس. انها بالفعل حركة عمياء لا تعترف حتى بقوانين الفطرة والطبيعة ، القائمة اصلا على الفروقات والاختلافات والتنوعات. وبقوة هذه الحركة التعسفية المتسلحة بادوات الاجبار والارغام والاغراء ، يتحول المجتمع كله في النهاية الى لفوفة فارغة تدور حول المركز.

حدث هذا ولا يزال يحدث ، فيما يتملص المثقفون من ادوارهم الفعلية ، طلبا للراحة والسلامة او بسبب عدم القدرة على اداء المهمات الصعبة ، او بفعل الرغبة الجارفة للاقتراب من المركز، ولان طريق الاقتراب من المركز ضيق ومزدحم ، فان المواهب الحقيقية تضيع وهي تستنزف نفسها للتكيف مع احوال الطريق.

ولهذا السبب ، وغيره من الاسباب ، خسرت البلدان العربية الكثير من طاقاتها البشرية القابلة للابداع الحر ، في سياق ما بات يسمى هجرة الادمغة ، ومهما حاولنا باثر رجعي ، ان نستلحق هؤلاء المبدعين في الخارج بانسابنا ، فانهم في حقيقة الامر ليسوا منا ولسنا منهم . انهم بكل تأكيد ابناء مجتمعاتهم الجديدة ونتاج اصلي لبيئاتها الحرة ، حتى لو احتفظوا باسمائهم العربية.وبالمقياس نفسه تسقط من اساسها فرية القائلين بان علماء العهد العربي القديم ، كانوا من غير العنصر العربي ، فهم حتى ولو كانت اصولهم كذلك ، فانهم ليسوا الا نتاجا اصيلا للبيئة العربية المزدهرة في حينه.

انها المسألة الثقافية بكل تفرعاتها ، وبكل ما تشمله من جبهات الصراع الثقافي المفتوحة حاليا على مصراعيها ، في اطارصدام الثقافات او الحضارات وقضايا الاندماج او ما يسمى تلطفا حوار الاديان والحضارات والمذاهب ، وبقية العناوين الكبرى المشتعلة الان على جداول اجهزة الثقافة والاعلام والدبلوماسية والاستخبارات ، حيث تستنفر القوى الناعمة كل افلامها وادواتها. فيما تبدو منطقتنا خصوصا امام لحظة الانكشاف الكبرى ، او المحنة الكبرى ، وهي محنة ثقافية بالدرجة الاولى ، فالمطلوب الان بوضوح من هذه المنطقة ان تفحص ثقافتها وفق مناهج العلوم الحديثة التي لا يعترف العالم الحديث بسواها.

وربما ، بانتظار نتائج هذا الفحص المطلوب ، يجد الرئيس الامريكي باراك اوباما نفسه قادرا على الابتعاد عن نار المنطقة ، وقد سمعناه يقول اخيرا وهو ينأى ، بان ازمات هذه المنطقة تعود جذروها الى ما يزيد عن الف عام ، وان صراعاتها ستستمر عقودا طويلة من الزمن.وهو قد يكون مصيبا في حساباته ، ذلك ان الحل الثقافي المطلوب غير جاهز ، وفي غياب هذا الحل الجذري ، سيظل الحل الامني والعسكري قابلا للاستعمال الى اجل غير معروف.

وسواء بالغنا ام لم نبالغ ، فان قضيتنا الثقافية هي العنصر الحرج في كل ازماتنا بدءا من ازمة السير وحتى ازمة الصراع مع اسرائيل ، وسواء بقيت الجبهة الثقافية في الاردن مغلقة او انفتحت ، فان عليها في نهاية المطاف ان تواجه الاسئلة الكبرى المتعلقة بالمصير والمستقبل وحق الحياة بسلام . فبلدنا الان يقف على خط المواجهة الاول مع ازمات المنطقة ،ومدننا الان تتحول الى ملاذات امنة لكل الذين تحترق مدنهم ، وديننا العظيم نفسه هو الان محل البحث والمساءلة في كل محفل.

وفي سياق هذا الجدل ، ربما يكون مفيدا ان نتذكر ان تونس التي قد تنجو من بشاعات ما يجري ، كانت قد اهتمت بجهازها الثقافي في سياق تفكير استباقي متحرر ، ويروي الشاذلي القليبي وهو اول وزير للثقافة في تونس عام 1961، ان بورقيبه اخضع المرشحين لتولي هذا المنصب لمقابلات شخصية طويلة ، قبل ان يقع اختياره عليه ، فقد كان بورقيبه بطبيعته الحادة ، قادرا ان يقف علنا في وجه الوهم الطاغي ، فكان ان سقط الوهم وبقيت نصائح بورقيبة صالحة لاغراض الندم.
التعليقات

1) تعليق بواسطة :
24-03-2016 12:40 PM

كشف في العمق للحالة الثقافية بطريقة فوق المستوى السائد

2) تعليق بواسطة :
24-03-2016 05:06 PM

هذه ليست مقالة بل مقدمة " فخمة " اوعناوين لاطروحة وطنية عن " مصيبة" ما حل بالثقافة الوطنية الاردنية منذ 1923 حيث تم تغييب كل مايمت للبلاد الاردنية من تاريخ للارادنة واجدادهم ووجهت ما يُسمى بالثقافة فقط لمدح اشخاص بعينهم............وتم منع اظهار ثقافة هذا الجزء من بلاد الشام وصور لابناء اهل الدار انهم لم يكونوا سوى مجموعات من الناس تمر من اراضي بدون"ناس" وان التاريخ بدأ فقط ب 1922-1923 .
الحديث يطول ولا بد من تقديم الشكر الدائم للاستاذ محمد البدارين على طرح الموضوع.

3) تعليق بواسطة :
25-03-2016 03:09 PM

مقال ولا اقوى والدليل انه لا يقبل النقد

4) تعليق بواسطة :
26-03-2016 10:24 AM

تشريح للحالة الثقافية الاردنية ، وضع القاط على الحروف ،، والثقافة ليست لفئة تدعي الثقافة وانما للمجتمع ككل

5) تعليق بواسطة :
26-03-2016 03:14 PM

مقال محترم ، وهناك طروحات جميلة جدا لكن الذين يحملونها ينتمون الى ما اتفق البعض على تسميته بالخردة السياسية ، المشكلة ان بعض هؤلاء يسارعون طوعا للتنازل عن الرؤى والافكار عند اول اشارة من اشارات اعادة التدوير ، حصل ذلك مرات و مرات لاسباب ليس اقلها ان معظم هؤلاء لاقضية لديهم ،، و ما احتراف التنظير الا تكتيك مرحلي واشارات حول قابليتهم لاعادة التدوير

6) تعليق بواسطة :
05-11-2016 08:46 PM

امامك مادة منشورة علق على الموضوع كما تشاء ، اما مشكلتك مع صاحب الموضوع فلا علاقة لها بالموضوع ، ارجو من ادارة الموقع عدم السماح بنشر التعليقات التي تخرج عن نطاق نقد المادة المنشورة وتستهدف شخص الكاتب بعبارات غير لائقة.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012