أضف إلى المفضلة
الأحد , 28 نيسان/أبريل 2024
الأحد , 28 نيسان/أبريل 2024


موسى العدوان يستذكر : من صور البطولة على ساحة الأرض المقدسة - 2

بقلم : موسى العدوان
16-05-2016 12:34 PM

( معركة كفار عصيون بقيادة البطل عبد الله التل )
موسى العدوان
' إلى أبناء الجيل الجديد، الذين لم يشهدوا أو يقرأوا عن دور الجيش العربي الأردني في الدفاع عن الأرض المقدسة، ولمن يشككون بالأدوار المشرّفة، التي قام به هذا الجيش للحفاظ على ثرى فلسطين، ذلك الثرى الذي أضحى رخيصا، ومسرحا لإقامة المستوطنات اليهودية، في عهد القيادات السياسية المتواطئة مع العدو، سأعرض في هذه العجالة، صورة من صور البطولة، التي سجلها جيشنا العربي بالدماء والأرواح، في حرب فلسطين عام 1948. '
* * *
أقام اليهود مستعمرة في كفار عصيون وهي بلدة تقع بين القدس والخليل، وقد حصنوها بقوة لأنها كانت تقع في منطقة عربية. أخذت هذه المستعمرة تقطع طريق القوافل العربية المتحركة بين القدس والخليل وغزة. واستولى اليهود كذلك على ( دير الشعار ) المشرف على الطريق الرئيسية. فوجد عبد الله التل أنه لابد من القيام بعمل حاسم للقضاء على هذه المستعمرة الخطيرة، قبل أن يجلو الإنجليز عن فلسطين ويستفحل أمرها، فتفصل لواء الخليل عن القدس.
اتفق عبد الله سرا مع الضابط الذي يقود القافلة الجنوبية أن يتحرش بالمستعمرة عند عودته من رفح إلى القدس. وبعد ظهر يوم 7 / 5 / 1948 وبينما كان عبد الله موجودا في قيادته في ( النهضة ) وصادف أن كان رئيس الأركان الفريق كلوب موجودا هناك للتفتيش، وصلت لعبد الله برقية مستعجلة من قائد القافلة، يشير فيها إلى اشتباكه مع يهود المستعمرة. فعرض عبد الله البرقية على كلوب متظاهرا بأن المستعمرة هي المعتدية واستأذنه بالحركة لإنقاذ القافلة.
تحرك عبد الله مع 6 مدرعات وفصيل مشاة و3 مدافع هاون. وعندما وصل إلى موقع المعركة اشتبك مع اليهود وأنقذ القافلة، ثم أمضى الليل في الخليل يحضّر لهجوم يشنه على المستعمرة في صباح اليوم التالي. فجمع المناضلين في الخليل وقسمهم على مناطق القتال. وعند الفجر طوقت هذه القوة المستعمرة من الشرق والشمال، وجرى احتلال ( دير الشعار ) بعد أن هرب اليهود منه. وبهذا تكون القوة قد أنجزت المرحلة الأولى من المعركة.
وبينما كانت قوات عبد الله التل تستعد لتنفيذ المرحلة الثانية من الهجوم، وصلت برقية من كلوب تقول : ' كفّوا الهجوم على المستعمرة . . إذا لم يهاجموكم لا تعتدوا عليهم '.فاضطر عبد الله إلى سحب قواته بعد إتمام هذا العمل التأديبي وعاد إلى القدس. طُلب كلوب من عبد الله الحركة إلى عمان لحضور اجتماع عنده في صباح يوم 9 / 5 / 1948. تحرك عبد الله إلى عمان تاركا خلفه في السرية 12 النقيب حكمت مهيار.
وعند الوصول إلى عمان قام رئيس الأركان بتهنئة عبد الله على نجاحه في الاشتباكات التي جرت مع اليهود، ثم قام بترقيته إلى رتبة رائد وتعيينه قائدا للكتيبة السادسة. أسند له مهمة حماية حركة الجيش العربي الأردني ومقر قيادته في أريحا، وأمره بالحركة لاستلام الكتيبة فورا دون حضور الاجتماع الذي سيشارك به الضباط الإنجليز.
أوعز عبد الله لقائد السرية 12 النقيب حكمت مهيار والتي أصبحت تابعة له بحكم منصبه الجديد، بالتحرش بالمستعمرة وبطلب نجدة من قيادة الجيش العربي، والتي ستضطر لتكليف عبد الله بإرسال قوة عسكرية لنجدته. وكان عبد الله قد اتفق مع قائد السرية على القضاء على هذه المستعمرة التي تشكل خطرا يهدد المنطقة العربية جنوب القدس. فاشتبك قائد السرية مع المستعمرة صباح يوم 12 / 5 / 1948 ومعه ثمانون جنديا ومئات المناضلين من منطقة الخليل تساندهم 6 مدرعات. وعند الظهر وردت برقية إلى عبد الله من قيادة الجيش تنص على ما يلي : ' النقيب حكمت مشتبك بمعركة كفار عصيون وهو بحاجة إلى فئة مشاة كاملة بقيادة ضابط ، أرجو تحريكها حالا '.
أرسل عبد الله القوة المطلوبة بقيادة الملازم محمد السحيم، حيث وصلت إلى موقع المعركة بعد الظهر واشتركت بالقتال، ولكن لم يتغير شيء في الموقف، وخيم الظلام بينما الجنود منتشرون على التلال المحيطة. فخطط عبد الله لتوريد الأخبار من جهات متعددة إلى قيادة الجيش، تنبئ بسوء الحالة في تلك المنطقة. كان من بينها رئيس بلدية الخليل الذي أرسل برقية إلى كلوب، يحذّره بها من سوء العاقبة إذا ما انسحب الجنود قبل احتلال المستعمرة.
وفي منتصف الليل تحدث كلوب مع عبد الله هاتفيا وقال : ' يا عبد الله حكمت وجنوده صار الهم 16 ساعة مشتبكين في كفار عصيون، وما ندري عن النتيجة. والحقيقة إني متخوف لأنك تعرف حكمت ضابط شرطة وليس محاربا. فأرجوك أن تتحرك صباحا تشوف النا المسألة '.
ابتهج عبد الله بهذه المكالمة الهاتفية من كلوب، لأن ما أراده التل وخطط له قد وقع. وها هو كلوب نفسه يكلفه بالذهاب إلى موقع المعركة وهذا ما كان يتمناه. فأمر عبد الله ضبا أركانه بإعداد 50 جنديا ، مزودين بالذخيرة الكافية لتنفيذ المهمة بقيادة الملازم نواف الجبر. وفي الساعة الرايعة صباحا تحرك عبد الله مع القوة إلى كفار عصيون فوجد الحالة في غاية السوء للأسباب التالية:
1. المناضلون يطلقون التار على غير هدى وبدون هدف.
2. الجنود في مراكزهم بدون أكل أو شرب أوراحة منذ أكثر من 24 ساعة.
3. القوات موزعة بصورة عشوائية بدون خطة معينة، والمستعمرة مطوقة من جميع الجهات مما أدى إلى أن يرمي الجنود والمدرعات على بعضهم بسبب التوزيع الخاطئ.
قَدّر عبد الله الموقف التكتيكي في الموقع وقرر ما يلي :
1. منع الجنود في المواقع الغربية من إطلاق النار وأعاد تنظيم المجموعات.
2. حدد للمدرعات أهدافها وبين لمدافع الهاون أهدافها وعدد القنابل التي يجب أن ترميها.
3. جمع 100 جندي للقيام باقتحام الأسلاك الشائكة والخنادق بعد الانتهاء من الرماية التمهيدية لأسلحة الإسناد.
وبعد الانتهاء من هذه الإجراءات بدأت أسلحة الإسناد بالقصف التمهيدي لاقتحام المستعمرة بقيادة الملازم نواف الجبر. وبمجرد بدء الرمي المركز شعر اليهود بخطورة الأمر فرفعوا الأعلام البيضاء، ولكنهم عادوا لإطلاق النار. فاستمرت القوة بتنفيذ الخطة حيث احتمى المقاتلون منهم في حصن منيع، مما أرغم جنود القوة على إدامة زخم الهجوم، وقتل من كانوا بالحصن وأسر ثلاث جنود من عصابة الأرغون. أما غير المحاربين فقد لجأوا إلى المستعمرات الصغيرة المجاورة لهم، وانتهت هذه العملية الساعة 12 ظهر يوم 13 / 5 / 1948.

عاد عبد الله التل إلى مركز قيادته في أريحا بعد أن حقق هذا النصر التكتيكي. وفي المساء وردت البرقية التالية من قائد السرية 12 في كفار عصيون : ' من حكمت مهيار إلى الرائد عبد الله التل :المستعمرات المجاورة لكفار عصيون عرضت أن تسلم بواسطة الصليب الأحمر حسب الشروط التالية :
أ‌. تسليم السلاح للعرب.
ب‌. أخذ الرجال أسرى حرب.
ت‌. تسليم النساء والأطفال والعجزة للصليب الأحمر.
والوكالة اليهودية وافقت على هذه الشروط. ما هو رأيكم ورأي كلوب باشا ؟ '
اتصل عبد الله التل بكلوب وأطلعه على مضمون البرقية، فما كان منه إلاّ أن هنأ عبد الله بالنصر على مجموعة مستعمرات كفار عصيون وهي: ريفاديم، عين تسوريم، ما سوثوت اسحق، ووافق على ما ورد بالبرقية. كانت نتيجة المعركة مقتل أكثر من 200 مقاتل يهودي، وأسر 387 آخرين نقل منهم 300 مقاتل إلى معسكر المفرق، وسلم الشيوخ والأطفال وال إلى الصليب الأحمر. واستشهد من قوة الهجوم 16 جنديا كان أولهم الرقيب مثنى اليماني و20 مناضلا آخرين.
وقد أصيب الملازم محمد السحيم برصاصة في بطنه، إلاّ أنه رفض أن يحمل وسار على قدميه من موقع المعركة إلى سيارة الإسعاف على بعد 3 كيلومترات. وفي المستشفى وُجد أن الرصاصة قد مزقت أمعاءه ومع ذلك فقد كتبت له الحياة.
وممن شاركوا في هذه العملية كل من: الملازم محمد أبو دخينه، الملازم سعود الخشمان، الملازم نزار المفلح، الملازم قاسم الناصر، الملازم محمد المفلح. رحم الله الشهداء وأسكنهم فسيح جناته.
المراجع:
- تاريخ الأردن في القرن العشرين/ منيب الماضي وسليمان موسى.
- أيام لا تنسى / سليمان موسى.
- عبد الله التل بطل معركة القدس / د أحمد التل.


كتاب عبد الله التل ص 63 - 67

التعليقات
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012