أضف إلى المفضلة
الإثنين , 06 أيار/مايو 2024
شريط الاخبار
بحث
الإثنين , 06 أيار/مايو 2024


العدوان يكتب...القرارات الهوجاء والحكمة الغائبة

بقلم : موسى العدوان
16-08-2016 12:00 PM

*إذا ما وضعنا قرارات حكوماتنا ومؤسساتنا الرسمية المتعاقبة تحت المجهر، في محاولة لتقييمها على ضوء المعلومات السابقة، لوجدنا أن هناك كثيرا من القرارات، قد صدرت بصورة هوجاء دون دراسة وافية، وتبنت أسهل الحلول دون النظر إلى ما يترتب عليها من نتائج، حتى وإن كانت تضر بمصالح الوطن والمواطنين. 

 

المثل الشعبي القديم : ' عش رجبا ترى عجبا ' ينطبق علينا تماما في الأردن خاصة في العقدين الأخيرين، حيث عشنا عشرين رجبا رأينا خلالها مئات العجائب، من القرارات الرسمية الهوجاء، التي تفتقر إلى الحكمة وسداد الرأي.

من المعروف أن عامة الناس يتخذون قرارات تؤثر على أعمالهم ومصالحهم الخاصة، ولكن المسئولين معنيون أساسا باتخاذ قرارات تؤثر على أعمال الآخرين وتحدد مصائرهم. ولا شك بأن هذه العملية تتأثر بالبيئة التي يعمل بها صانع القرار والدور الذي يمارسه.

يمكن تعريف القرار بأنه العمل المنتخب بوعي وإدراك من بين البدائل المتوفرة لتحقيق الغاية المطلوبة. وهذا التعريف على بساطته يتضمن أفكارا هامة ثلاثة هي:

أولا- أن القرار يتضمن الاختيار، فإذا كان هناك بديل واحد فلا حاجة للقرار.

ثانيا- يتضمن القرار عملية ذهنية بمستوى عالي من الإدراك.

ثالثا- يجب أن يكون القرار هادفا يسهّل تحقيق الغايات المطلوبة.

لقد أثبتت الأبحاث في العقود الماضية أن عملية اتخاذ القرار، عملية معقدة ومتنوعة المقاصد والأهداف، ويجب أن ينظر إليها كعملية تقديرية للوصول إلى القرار المناسب، حيث يتم تطبيقها من خلال خمس خطوات هي:

1.إدراك صانع القرار للعوامل التي تهيئ البيئة المناسبة لاتخاذ القرار. فالخبرة بالأعمال والقرارات الماضية، تشكل الإطار العام الذي يجري التركيز عليه لإصدار القرارات الجديدة.

2.الحاجة للتعريف الصحيح للمعضلة، ففي كثير من الأحيان يقفز صانع القرار إلى الجواب على المعضلة، قبل أن يحدد طبيعة السؤال الصحيح، الذي يضرب في قلب المعضلة ليتمكن من الإجابة عليه.

3.إجراء البحث والتحليل للبدائل المتوفرة وما يترتب عليها من نتائج، من خلال الافتراضات المنطقية.

4.وضع الحلول الممكنة حسب أولويتها لاختيار الحل المناسب من بينها، على ضوء دراسة العوامل المؤثرة، بعيدا عن اللجوء إلى الحل الأسهل الذي لا يحتاج إلى عناء البحث والدراسة.

5.يجب أن يكون الحل مقنعا ومقبولا من قبل المتأثرين به، سواء كان على مستوى الأفرادأو المؤسسات.

أعلم بأن هذه الأدبيات الأكاديمية، معروفة من قبل معظم المسئولين. ولكن المعرفة بحد ذاتها غير كافية إن لم ترافقها الإرادة في الوصول إلى القرار السليم. فالواجب الرئيسي لكل مسئول سواء كان في مؤسسة عامة أو خاصة، هو صنع القرار وليس بالضرورة تطبيقه بنفسه، لأن التطبيق يتم عادة من قبل أشخاص آخرين. ولهذا يعتبر رئيس المؤسسة هو صاحب الاختصاص في تصميم سياستها، وفي فن اتخاذ القرارات المتعلقة بها.

وإذا ما وضعنا قرارات حكوماتنا ومؤسساتنا الرسمية المتعاقبة تحت المجهر، في محاولة لتقييمها على ضوء المعلومات السابقة، لوجدنا أن هناك كثيرا من القرارات، قد صدرت بصورة هوجاء دون دراسة وافية، وتبنت أسهل الحلول دون النظر إلى ما يترتب عليها من نتائج، حتى وإن كانت تضر بمصالح الوطن والمواطنين.

أمثلة كثيرة يمكن إيرادها في هذا المجال، أحجم عن ذكرها لأنها معروفة لمعظم المواطنين. ولكن لابد لي من الإشارة هنا إلى أن سياسة الجباية التي اختطتها الحكومات السابقة، والتي تفرعنت وأبدعت بتطبيقها حكومة النسور، بحجة الحفاظ على الاستقرار المالي للدولة، بعيدا عن سياسة ترشيد الاستهلاك وإيجاد البدائل، جعلت المواطنين يتغاضون عما يصيبهم من أضرار مادية حفاظا على أمن وطنهم.

نموذج آخر على القرارات الهوجاء يتلخص بأن إحدى المؤسسات الحكومية، منعت حمل واستخدام الهواتف الخلوية لجميع أعضائها، بسبب خطأ ارتكبه أحدهم. فكان القرار عقابا ليس لأعضائها فحسب، بل لكل من تربطه علاقة بهم. فهناك على سبيل المثال أشخاص مرضي يحتاجون لمتابعة حالاتهم مع الأطباء المختصين، وهناك من يريد الإبلاغ عن حادث أو قضية تشكل خطورة أو جريمة أمنية، وهناك مسئول ميداني يحاول البقاء على اتصال مع مرؤوسيه ومتابعة أعمالهم، وهناك آباء وأمهات مضطرون للاطمئنان على أطفالهم عندما يكونوا في العمل بعيدا عنهم. ولكن هذا القرار حرمهم الاستفادة من ميزات تلك الهواتف. وأذكّر من يتجاهل أهمية تلك الوسيلة، بأنها أصبحت شريان الحياة الذي يديم اتصال الأشخاص بمجتمعهم، وبمختلف أنحاء العالم ويصعب الاستغناء عنه.

صحيح أن هناك أمور حساسة تفرض تقييد أو منع استخدام الهواتف الذكية، ولكن هذا يتطلب إجراء محليا في موقع أو زمن معين، وليس تقييدا جماعيا يضر بالمصالح العامة والخاصة. والغريب في الأمر أنك عندما تحاول الاتصال لتقديم مقترح أو ملاحظة مباشرة لصاحب القرار، لا تجد من يستجيب لاتصالك.

هذا التصرف الأخير يذكرني بما كتبه أحد النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي قائلا: ' أوقَفَ الضابط عند أحد الحواجز العراقية سائق دراجة نارية، وابلغه بأن دراجته مصادرة. وعندما سأله السائق عن السبب، أجابه الضابط بأن هنالك سائق دراجة قتل أحد المسئولين، وبناء عليه صدر قرار بمصادرة كافة الدراجات النارية من المواطنين. فردّ عليه السائق قائلا: لو أن شخصا ضرب مسئولا بالحذاء، هل تصادرون أحذية الناس وتدفعونهم للمشي حفاة على الطرق ؟ '.

أمثلة كثيرة يمكن سحبها على مثل هذا القرارات الهوجاء، التي يصدرها بعض المسئولين دون تفكير بعواقبها، تكون نهايتها إما التراجع عن القرارات الصادرة أو الإصرار على تنفيذها، فتخلق انطباعا سيئا لدى المواطن في كلا الحالتين. وبما أننا نحن المواطنون نتلقى مختلف القرارات التي تهبط علينا بصورة مفاجئة، دون أن نملك صلاحية الاعتراض عليها، لا يسعنا إلا أن نطلب من صانعي تلك القرارات، التروّي ومراعاة الحكمة قبل أن يوشحوها بتواقيعهم السامية.

التاريخ : 20 / 8 /2016


التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
لا يمكن اضافة تعليق جديد
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012