بقلم : د.أيوب أبودية
06-10-2016 03:12 PM
حذرنا مراراً من خطورة اللجوء إلى خيار مفاعلات الجيل الثالث، التي لم تجرب بعد بما يكفي في بلد المنشأ، من أن تدخل في الخدمة في دول أخرى من دول العالم الثالث كالأردن وفيتنام وبنغلاديش، فالمفاعل النووي الروسي من الجيل الثالث في محطة كودانكولام الهندية فشل أربع مرات متتالية عندما تمت محاولة تشغيله في الهند مؤخراً. هذا هو مضمون مقالة نشرت في مجلة Economic and political weekly بتاريخ 10 سبتمبر 2016 مجلد LI 37.
يقول مجموعة من الباحثين المختصين في المقالة أن هذا النموذج من المفاعلات التي تم تشغيلها في الهند في منطقة كودانكولام وهو مفاعل روسي متطور شبيه بالمفاعل الذي سوف يشرفنا في العقود القادمة ليفجع قلوب أولادنا عند اقتراب تشغيله. لقد شرعوا في محاولة تشغيله وبدأ المفاعل العمل مع نهاية عام 2014 ولكنه لم يحقق في عام 2015 سوى 40% من قدرته الحملية 'Load factor' وذلك مقارنة بالمفاعل الإيراني في بوشهر الذي حقق 47% من قدرته التشغيلية فيما وصلت قدرة مفاعل Tianwan -1 في الصين إلى 85%.
ويذكر التقرير أن محاولات تشغيل مفاعل كودانكولام الهندي من الجيل الثالث قد فشلت أربع مرات منذ عام 2014، حيث كان الفشل الأول في 10 كانون الأول 2014 خلال فترة تشغيل امتدت من 10 كانون الأول 2014 لغاية 19 كانون الأول 2014، ولمدة عشرة أيام، ثم توقف بعدها عن العمل إلى أن أعادوا تشغيله بعد تصحيح بعض الأمور التي تنبهت لها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وتمت إعادة تشغيله مرة أخرى في 21 كانون الأول 2014، ولكنه عاد للتوقف عن العمل بتاريخ 13 كانون الثاني 2015؛ أي أنه عمل لمدة 15 يوماً فقط. وعندما تم تشغيله مرة ثالثة بتاريخ 21 كانون الثاني 2015 عاد ليتوقف عن العمل في 18 نيسان 2015، أي أنه بعد 89 يوماً من العمل المستمر توقف عن العمل مرة أخرى ولمدة عام كامل، حيث تم تشغيله في 12 نيسان 2016، وعاد ليتوقف عن العمل في 29 من شهر نيسان نفسه بعد 18 يوماً فقط.
هذه هي قصة حياة أحد مفاعلات الجيل الثالث القصيرة التي كان يظن أنها منظومة أكثر تطوراً وأمناً واستدامة. فما هي المنطويات الاقتصادية لهذا الفشل على مستقبل التجربة الأردنية؟
أولاً، تخيلوا أن مفاعلين بقدرة 2200 ميجاواط يتوقفان عن العمل لمدة سنة في بلد يستهلك 3000 إلى 4000 ميجاواط من الطاقة الكهربائية! عندها سوف نحتاج إلى تشغيل كافة محطات التوليد التقليدية وتحديثها لتبقى داعمة للكهرباء النووية عندما تتعطل، أو عندما يتم تبديل الوقود النووي فيها مرة كل سنة ونصف لمدة بضع أسابيع. وهذا يعني أن التكلفة العالية للبنية التحتية للمشروع النووي أصبحت عبئاً على الاقتصاد الوطني.
ثانياً، إن عمل المحطات النووية بكفاءَة متدنية وصلت إلى 40% يعني أن سعر الكهرباء النووية سوف يتضاعف على أقل تقدير لأن الحسابات الاقتصادية تقوم اليوم على 90% قدرة حمل منتجة الأمر الذي سوف يهدد السلم المجتمعي ويؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني من صناعة وسياحة وزراعة وغيرها.
ثالثاً وأخيراً، فإن هذه الاستثمارات الضخمة في المشروع النووي سوف تجعل من الاستثمار في الغاز الإسرائيلي لمدة 15 سنة بلا معنى، طالما أن نسبة مساهمة النووي في الكهرباء هي أكثر من 50% من القدرة على الإنتاج، فضلاً عن أن الاستثمار في الغاز الإسرائيلي والمحطات النووية معاً يصل في مجموعه إلى 30 مليار دولار في 15 سنة القادمة الأمر الذي سوف يعيق الاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة كالشمس والرياح وفي البحث عن مصادر جديدة للطاقة كالغاز والنفط والصخر الزيتي.