أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 11 كانون الأول/ديسمبر 2024
الأربعاء , 11 كانون الأول/ديسمبر 2024


تلوث إشعاعي في سوريا

بقلم : د.أيوب أبودية
04-12-2016 03:02 PM


يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية قد اعترفت أخيراً بأنها استخدمت في سوريا أسلحة فيها يورانيوم مستنفذ خلال قصف موقعين اثنين بالقنابل وفي حالتين منفصلتين حدثتا في شهر تشرين الثاني من عام 2015 المنصرم، حيث تم استخدام قذائف خارقة متفجرة من طائرات A10 المعروفة بتزودها بهكذا أسلحة والتي كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد استخدمتها في حربها على العراق والتي أثبتت تلويثها الشديد للبيئة وأثرها الهائل على تلويث المياه وصحة الناس إذا استنشقوها أو إذا دخلت في جهازهم الهضمي.
ويُعتبر اليورانيوم المستنفذ جزءاً لا يتجزأ من دورة الوقود النووي المستخدم في الصناعة النووية شأنه شأن التخصيب الذي يستخدم لإنتاج الأسلحة النووية سواء من اليورانيوم أو البلوتونيوم. ومن الجدير بالذكر إن كل كيلوغرام من اليورانيوم المخصب الجاهز للاستخدام في المفاعل النووي ينتج في مقابله أحد عشر كيلوغراماً من اليورانيوم المستنفذ أثناء مراحل تصنيعه، الأمر الذي يستدعي استخدامه لغايات ربحية.
إن اليورانيوم المستنفذ هو مادة كيميائية سامة يستخدم في الذخائر الخارقة للدروع بفعل كثافته المرتفعة التي تبلغ 1.7 مرة كثافة الرصاص، الأمر الذي ينتج عنه زيادة مدى القذائف وزيادة قدرتها على اختراق الدروع بفعل طاقة الحركة الأكبر التي ما تلبث تمتلكها. ويتم تصنيع الجزء الخارق من الذخيرة بإضافة مواد كالتاتينيوم إليه لزيادة قوته ومقاومته للصدأ. ويسود الاعتقاد أن هذه الأسلحة استخدمت في معركة مطار بغداد سنة 2003 عام نكبة العراق.
فضلاً عن القذائف الخارقة للدروع، يستخدم اليورانيوم المستنفذ في صناعة الدروع الواقية، كما في صناعة الدبابات MIA1، MIA2، وفي صواريخ توماهوك Tomahawk وفي الألغام الأرضية PDM، M86، ADAM، حيث تحتوي الألغام على اليورانيوم المستنفذ. وقد استخدمت الألغام الأرضية ضد الأفراد 432 ADAM على أرض المعارك في الكويت خلال حرب الخليج الأولى 1991 حسب تقارير التحالف الدولي لمنع استخدام أسلحة اليورانيوم المستنفذ ICBUW.
تنتج الشركات الأمريكية الشمالية من اليورانيوم المستنفذ ذخائر كبيرة للدبابات من عيار 105 – 120 مم، كما تنتج القذائف الكبيرة شركات فرنسية وأخرى هندية وصربية وغيرها في الباكستان وبعض دول الاتحاد السوفياتي السابق. وتنتج شركات كثيرة ذخائر من أعيرة صغيرة (25، 30مم) لأسلحة الطائرات والمركبات المتحركة. كما أنتجت شركات في بريطانيا قذائف من عيار 120 مم للجيش البريطاني ولغاية عام 2003 حيث توقف الإنتاج لأسباب بيئية بعدما اتضح ضررها العظيم على البيئة بمجملها.
فعندما تحترق ذخائر اليورانيوم المستنفذ تنتج غبارا من أكسيد اليورانيوم السام والمشع، أحدهما أكسيد لا يذوب في الماء بينما الآخر قابل للذوبان فيه. والحقيقة ان بعض الجزيئات من الأغبرة دقيقة للغاية بحيث يتم استنشاقها بسهولة وتستقر في الرئتين لتنتج مركبات اليورانيوم التي تستقر في خلايا الغدد اللمفاويّة والعظام والدماغ والخصيتين.
وعندما تنفجر الذخائر ُتخلــّـف غباراً كثيفا ينتشر لمسافة عدة كيلومترات، وبخاصة في المناطق الشبه صحراوية الجافة، حيث يتم استنشاقه مع الهواء أو يدخل عبر الجهاز الهضمي للمدنيين والعسكريين شبابا وشيبا على السواء.
ويعتقد الخبراء أن اليورانيوم المستنفذ هو سبب الزيادة الكبيرة في حالات الإصابة بالسرطان، مثل سرطان الثدي وسرطان الدم في بعض مناطق العراق بعد حرب 1991 وخلال احتلال العراق عام 2003 وما بعده. كما تشير الإحصاءَات إلى زيادة كبيرة في الولادات المشوهة في المناطق القريبة من ساحات المعارك وبخاصة في جنوب العراق.
إن أهم ضرر إشعاعي مصدره أشعة ألفا، إذ يؤدي هضمها أو تنفسها إلى تأين إشعاعي. وعندما يشرع العنصر المشع في التحلل إشعاعيا يتحول إلى ثوريوم وبروتاكتنيوم Protactinium، حيث تنطلق أشعة بيتا وجاما لتزيد الضرر هولاً.
إن ضرر أشعة ألفا في داخل الجسم يكون عظيماً وبخاصة في تدمير الكروموسومات، حيث يبلغ أثر أشعة ألفا مقدار مئة مرة ضرر الإشعاعات الأخرى على الخلايا الحية، وهي تؤدي إلى ثقب في المادة الوراثية الحية DNA والتغيير في خواصها. ويمتد ضرر أشعة ألفا إلى الخلايا المجاورة حيث تتعرض إلى حالة من عدم الاستقرار الجيني، فتظهر طفرات Mutations تحفز نمو السرطان.
وبشكل عام، يمكن القول إنه لا يوجد علاج مضاد لوقف ضرر أشعة ألفا، فضررها غير قابل للإصلاح جينياً.
بدأت الأبحاث حول السمية الكيميائية لليورانيوم المستنفذ في أربعينيات القرن العشرين، وقد وبات مؤكداً ضررها الصحي بالطبيعة الحية على نحو ما تصيبنا المعادن الثقيلة من أضرار، كالرصاص والكروم والنيكل والزئبق. إذ تؤكد الأبحاث حدوث أضرار بالكلى ناجمة عن سمية اليورانيوم المستنفذ، فضلاً عن أضرارها بالخلايا البيضاء في الدم والتغيرات المحتملة في الخواص الجينية للبشر. وفي عام 2007 تم إثبات ضررها بخلايا الرئتين وإعاقة إصلاح المادة الوراثية الحية DNA والعديد من الأضرار التي ما زالت قيد البحث والدراسة، الأمر الذي جعل بلجيكا تقود العالم وتتخذ قرارها بحظر هذه الأسلحة في بلادها عام 2007.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012