أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 08 أيار/مايو 2024
شريط الاخبار
بحث
الأربعاء , 08 أيار/مايو 2024


د. حوسو تكتب عن زوجها د. محمد حباشنة في ذكرى وفاته ..

04-04-2017 10:49 AM
كل الاردن -
حكيم الأحرار محمد الحباشنة زوج وأكثر ؛؛؛
قلت لي في آخر أشعارك غداة آخر عام بدأته معي :

' وإني وإن ضاقت فأنتِ حربتي، وإني وإن غابت فأنتِ عصمتي، وإني وإن شُحّتْ عليّ مسافتي وخاصمني ربي فأنتِ جنّتي، أحبك بنت العم يا أصل الحلا ويا كلّ كلّ الأهل أنتِ حبيبتي'...

ردّي على كلماتك كنتَ قد سمعته مني في ذاك الوقت، أما ردّي بعد أن تمعّنتُ بها بعد رحيلك وكأنك كنت تودعني حينها فأقول لك عساك تسمعني الآن يا موطني : لو كان البحر مداداً لكلماتك لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلماتك ولو جاءوا بمثلها مدداً، أنت ذهبت واستحالة المآل وبقيت لي كلماتك وذكرياتك بعطر الياسمين..

غدت أيامي مُرّة متشابهة، وبات الليل موحشاً جداً، فقد تركت القلب يُدمي مثقلاً تائهاً في الليل في عمق الضباب، وإذا بي أطوي وحيدة حائرة اقطع الدرب طويلاً في اكتئاب، ويأتي الليل موحشاً تتلاقى فيه أمواج العذاب، لم يعد يبرق في ليلي سنا فقد توارت كل أنوار الشهاب، وخلت الأماكن من معانيها ثم توقف الزمن عند رحيلك، وبتُّ أعيش على ذكرى سنيننا معاً وإن كانت قليلة، لكنها كانت غزيرة بالحب ومليئة بالسعادة وتفيض بذكريات تفوق عقوداً من العشرة لأزواجٍ غيرنا. فقليلٌ منك يكفيني وقليلُك لا يُقال له قليلُ...

مرّت سنة يا موطني؛؛ سنة ثقيلة معتمة بنكهة مرّة لاسعة بحرارة الفقد، فلم أفقد الحبّ فقط وإنما فقدت أيضاً تلك القوة من زوج طوقتني بحنان أب ودفىء صديق وأمان وطن؛ هي قوة ذلك الرجل الذي أجّج أنوثتي بصخب رجولته وحبّه الآسر، فشعرت باليُتْم العاطفي منذ رحيله، وعانيت قساوة الغربة ومرارة الوحدة وحرارة الغياب لفرط ما راكمتُ في هذه السنة سنوات من الحزن والوحدة والمرار. وعلى الرغم أنه وعدني أن يكون ما بيننا أبدي ولكنه نسي أن يخبرني قبل أن يرحل أهو حبه أم وجعي ..

إن جذوة فجيعتي برحيله المفاجىء تتوهّج من جديد كلما مرّ طيفه أو لاحت ذكراه، باغته على حين غرّة ذلك الزائر الفجائي كعادته دون موعد أو سابق إنذار وهو في ذروة عطائه، فقهقه له للخلاص من كدر الدنيا، فارتاح هو وبكينا جميعاً بحسرة موجعة وألم الفراق، فأرداني موته المباغت مشلولة متجمدة بين مرحلة الإنكار والغضب، فهل سيأتي ذلك الوقت لأتقبّل هذه الحياة الجديدة ومكانه خالٍ ؟؟؟ غادرتنا مبكراً جداً يا محمد وأنت في زهو الشعر وربيعه، لربما سيهطل من هناك ورداً وغناءً لوطن ظامىء للغزل ...

اسمح لي يا حكيم ويا زوجي وتوأم روحي بعد مرور سنة كاملة من غيابك مليئة بالحسرة والألم والوجع وغربة الوطن لرثائك، على الرغم أن الكلمات دائماً تقف حائرة أمام هيبتك فقد كنت سيد الكلمات وفارس البلاغة، وعيون الأحرار ممن أحبوك وعرفوك وخبروك وأدمنوك أمضى من كل قول لأنك عربيّ اليد والفم واللسان حدّ النخاع....

أرهقني جداً مشهدك وأنت جاثم على سرير الموت مع أني أحببتك وأدمنتك في جميع الأحوال، فقد اعتدت عليك دوماً في وضعية الوثوب؛ فكنت مسدس عربي أردني فلسطيني عراقي مصري سوري لبناني يمني ليبي جاهز دائماً ومسحوب الديك، ينفلت دون عقال عند أية قضية ترى فيها الحق (صائباً كان أم أقل صواباً). ولمن يهوى عشرة الأسود فقد ساءه الحظ مع غياب محمد، ومن لا يحب محمد فهو يكره في نفسه الجود والشجاعة ولا يعشق الحرية والكرامة ..

هذا الرجل استفاض من الدنيا صعوداً وهبوطاً، متعة ورهقة، وقد عصرته الحياة وعصرها حتى زهد العصير، أرهقته الثنائية المتناقضة من ميراث ثقيل من المجد ويوتوبيا الوحدة القومية. أسعفته أشعاره وكلماته إلى حين حيث استخدمها لتشتيت آماله القومية الضاجّة وهاجس فلسطين وجع الخاصرة فطالما استفاقت عليه جراحاته، وأدرك هزلية الموقف، وعبثية النهوض والنضال، وغموض البوصلة وتيهها نحو العدوّ الحقيقي. خلع منكّهات الحياة من فمه واستسلم للموت ليتذوق هو الحقيقة الوحيدة المطلقة ويذيقنا نحن مرّها...

كان يحب أشعار المتنبي جداً واعتبره أنه غار في النفس البشرية والسلوك الإنساني قبل فلاطحة العلوم النفسية بمسافات طويلة. ومن أحب الأبيات الشعرية له وكان يبوح به عندما يُخذل أو يُصدم وما أكثرها تلك المواقف :-

'ومن نكد الدنيا على الحرّ أن يرى عدواً له ما من مودته بُدُّ ' ...

قِرّ عيناً يا زوجي وتوأم روحي فلن تفتحها بعد الآن على عدوٍ أو لئيم فقد أراحك الله منهم جميعاً. مدحوك أو ذمّوك، رثوك أو هجوك، ذكروك أو نسوك، خلّدوك أو خلعوك، حفظوك أو خانوك، فضحوك أو ستروك فأنت نظيف السريرة والضمير والعروبة..

دامت ذكراك فقد أوجعتنا بغيابك وعلى مثلك تبكي البواكي يا حكيم الأحرار ...

هذه نفثة من صدري كتبتها بمداد المحبة على الرغم أن حبك لا تكفيه حروف الأبجدية ولا حتى كل اللغات، وإن شئت أن أبكي دماً عليه لبكيته ولكن ساحة الصبر أوسع. لعلّ الكلمات تنسيني زرقة الكدمات التي خلّفها رحيلك، ولعلّ الأقلام تكفي ما بي من حزنٍ وشجنٍ، وليت الأيام تنسيني ما عانيته من ألمٍ ومن خبرات صادمة بعد رحيلك..

سأحافظ على وعدي وسأبقى كما أحببتني وكما عهدتني (امرأة حرّة) قوية صامدة، وسوف أمضي مثلما كنت تلقاني في وجه الصعاب، وسوف يمضي الرأس مرفوعاً فلا يرتضي ضعفاً بقولٍ أو فعلٍ أو جواب.. وستبقى الحب الذي انكسر قلبي بفراقه وخيّم عليه الحزن بألوانه، فكل شيء جميل لن يمحيه ألم الصدمات وأثر الكدمات أو طول السنين ...

أنتٓ وأنا تطابقنا بمسافة مداها التاريخ ووحدة وشائجها كل شيء، فنحن توأمة بجينات متطابقة، وطنان من رحمٍ واحد، ونحن معاً ننتمي للأردن كما ننتمي لفلسطين وكلّنا فخر؛ فأنّى أن ينزعوا منا حبّ أحدهما ...

الله يرحمك ويغفرلك يا حكيم الأحرار، أيها الطبيب الإنسان، نعم خسر الوطن قامتك العلمية وهامتك الوطنية وهيبتك الفكرية ولكن؛؛ خسارتي أنا كانت الأكبر فقد كنت زوجاً وأكثر...

زوجتك الدكتورة عصمت حوسو
التعليقات

1) تعليق بواسطة :
04-04-2017 11:17 AM

سيدتي الكريمة،

أعزيك و أنحني احتراما لك، و لهذا الرجل الذي و إن لم يتسنى لي أن أعرفه إلا أن حديث زوجه فيه جعلني أتمنى لو تعرفت عليه.

أتمنى السلام لقلبك.

2) تعليق بواسطة :
04-04-2017 11:38 AM

نعتذر

3) تعليق بواسطة :
04-04-2017 11:38 AM

.. وهن حرائرنا اللاتي ما انسكر شموخهن ولا كربايائهن يمضين بالعهد والوعد والمحبه والاخلاص والود ..
هاي هي سيدة عربيه عربيه بمعنى العرووبه وانفتها وشموخها تلحن اجمل القصائد والوعظ والارشاد في رثاء وشوق وحنين لرفيق دربها .
ها هم الرجال الرجال الذين سطروا برجولتهم معنى الانسانيه والصدقو والامانه الزوجيه طيلة مدة حياته الزوجيه مع زوجته ، فحفظته كتابا و ودعته مكتبة .
هي رسالة لكل زوج بما يجب ان يكون

4) تعليق بواسطة :
04-04-2017 11:38 AM

نعتذر

5) تعليق بواسطة :
04-04-2017 11:44 AM

بما يجب ان يكون الزوج والرفيق والحبيب والصديق والامن والامان .
تحية لروح المرحوم في جنانه ، وتحيه لكبريائه ورجولته ومحبته الباقيه في نفس زوجته ما بقي الخير والاخلاص والمشاركه .
وتحيه لكل زوجين يتقيان الله في علاقتهما ووجدانهما واخلاصهما لبعضهما ,
ومن مثل هذه السيده وبها يولد الناجحون الذي يباهي بهم كل وطنهم ببشره وشجره وحجره .
تحيه للقلوب المحبه الصافيه المتسامحه في كل مكان .

6) تعليق بواسطة :
04-04-2017 12:08 PM

أوجعني كلامك وأكثر ما أوجعني حروف العربيه المطواعه ورفيقة قلمك,, ابدعت واوجزت عشرة العمر في نفس امرأة عربيه كريمه,,تعلو هامتك بالولاء المطلق لرفيق دربك وحنينك الموشح بالفخر لا بالسواد..نعم رحل د.محمد ولكن زملاء المهنه والاصدقاء يذكرونه ان جد الجد, فهو المدافع الشرس والشاعر الحنون والطبيب الذي لا تلين كلمته.. الف رحمه على روحه ولكن في ذكرياتك الجميله فوانيس تضيء الجزء المعتم الذي تركه..بورك قلمك

7) تعليق بواسطة :
04-04-2017 12:13 PM

*
كم أنت طيبة أيتها الإنسانه ، فقرأت كل الأدبيات في مقالتك ، وكل واحدةٍ منها كانت تهزُ بي عاطفه ، إلى أن رج كل ما بجسمي ، نعم أجدت وأجدت وكأنك إستحوذت على جود الارض والسماء وما بينهما ، نعم هكذا يكون الوفاء لا بل هي السكينة والمودة وهما ما جاءت سيرتهما في سورة الروم ، كتابات منتقاةٌ كثيرةٌ كنت قد قرأتها ، لكني لم أجد فيها نفساً وروحاً كالتي أنت اعدتيها ، رحمة الله عليه ولك من بعده حسن العزاء..

*

8) تعليق بواسطة :
04-04-2017 12:19 PM

الله برحمه.... ويجبر عليكوا ...لاحول ولا قوه الا بالله.... انا لله وانا اليه راجعون

9) تعليق بواسطة :
04-04-2017 12:53 PM

.
-- مقال يقطر بنداه على سُوَر الجفاف الذي بنيناه حول مشاعرنا ظنا منا اننا بذلك نحميها فانبت بين أحجاره براعم امل وأدناه

-- اسوء ما في الموت هو الفراق وليتنا نستطيع ان نغادر متى نشاء مع من نشاء فلا يذهب ومعه جزء منا ويترك معنا جزء منه

-- أردد لنفسي دوما قول ابا العلاء المعري " تعب كل هذي الحياه فما اعجب الا من راغب في ازديادِ - ان حزنا ساعه الموت اضعاف سرور ساعه الميلاد

.

10) تعليق بواسطة :
04-04-2017 02:17 PM

نعتذر

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012