02-06-2017 07:52 PM
كل الاردن -
ثلاث مسائل في غاية الأهمية يمكن رصدها في الحديث الأخير والصريح لرئيس هيئة الأركان الأردني الجنرال محمود فريحات مع نخبة من المتقاعدين العسكريين على هامش مأدبة إفطار أقيمت بـ 'توجيهات ملكية'.
المسألة الأولى التأكيد مجدداً على أن القوات المسلحة الأردنية لن تتواجد داخل الأراضي السورية ولن تدخلها مع الإشارة إلى أن كل ما يقال في السياق عبارة عن تكهنات إعلامية.
الثانية مسألة تشرح ببساطة عناوين خطة إعادة الهيكلة التي أمر بها الملك عبدالله الثاني الجنرال فريحات علناً عندما كلفه برئاسة الأركان قبل أشهر وبعبارة موجزة حيث قال الأخير لضيوفه من المتقاعدين العسكريين أن 'إعادة الهيكلة هي تصحيح لما هو موجود بما يتناسب مع الأوضاع الراهنة باعتبار أن التهديدات على المدى المنظور إرهابية'.
أما المسألة الثالثة فقد تولاها المسؤول عن الاستخبارات العسكرية وهو يشرح لضيوف رئيس الأركان من المتقاعدين العسكر إيجازاً عن الأوضاع في المنطقة وآخر التطورات على المناطق الحدودية وتحديداً على الجبهتين الشرقية والشمالية.
في التفاصيل بدا المشهد جديداً تماماً وسياسياً بامتياز هذه المرة فلأول مرة يتم الإعلان عن لقاء مبرمج وموجه ومفصل بهذا المعنى مع قطاع المتقاعدين العسكريين على هامش مأدبة إفطار تكريمية لهم وبأمر ملكي وستعقبها مأدبتان كما فهم الرأي العام من الإفصاحات الإعلامية الأولى في الشمال والثانية في الجنوب.
يعني ذلك ببساطة أن مؤسسة الجيش تنفتح اليوم على رفاق السلاح القدامى ولا تترك الأمر لاجتهادات الشارع او الإعلام بل تلتقيهم وتجيب على تساؤلاتهم باعتبارهم جزءاً من المنظومة والدولة بكل حال، الأمر الذي لم يحصل سابقاً.
يمكن القول هنا إن فكرة الفريحات تبدو فعالة وإيجابية جداً بدلاً من ترك جمهور المتقاعدين هدفاً للروايات الأخرى وتحولهم لقوة ضغط سياسي وأحياناً شعبي في المجتمع خصوصاً بعدما تشكلت جماعات عدة تدعي وتزعم انها تمثل المتقاعدين العسكريين وتزاحم بعضها أحياناً في سياق المناكفة السياسية وتصدر بيانات تتأثر بروايات غير نظامية. الأسلوب الجديد سيساهم في تخليص أجهزة الدولة من 'الصداع' الناتج عن حراك المتقاعدين العسكريين.
بمعنى آخر تخاطب مؤسسة القوات المسلحة اليوم متقاعديها مباشرة وتشرح لهم خططها ومشاريعها بكل شفافية وتقدم لهم روايات مباشرة من رأس النبع حول مشاريع محددة مثل أهداف خطط إعادة الهيكلة والفلسفة القتالية الجديدة القائمة على مواجهة تحديات الإرهاب.
الجديد سياسياً في السياق ان المؤسسة المرجعية تقر علناً وأمام الرأي العام وليس المتقاعدين فقط وعلى لسان الجنرال فريحات بأن الأولويات القتالية العسكرية تغيرت والخطط الحالية على اساس مواجهة 'الإرهاب'، وهذا برأي خبراء إقرار نادر بان الأردن في مواجهة اشتباكية مع الإرهاب العابر دوماً للحدود وتحديداً من العراق وسوريا مما تطلب شروحات باسم إدارة الاستخبارات العسكرية.
عملياً ايضاً كانت تلك من المرات النادرة التي يتم فيها الإفصاح ببيان رسمي عن شرح ميدانية ذات طابع استخباري وتقييمات عسكرية ذات طابع سياسي تقدم بصورة علنية لمتقاعدين يفترض انهم اليوم مدنيون وخارج الوظيفة مما يؤشر على ان تقدير غرفة القرار اليوم يقضي بالمزيد من الانفتاح والإفصاح عبر المجتمع بمختلف وحداته الناشطة تمهيداً لأي تحولات يمكن ان تحصل لاحقاً بالمستوى الإقليمي. هنا تقدم للناس 'رواية' مستقلة ووطنية ومهنية ضمن استراتيجية فعالة ومنتجة يوصي بها الجنرال الفريحات.
وهي رواية تصلح للرد على تلك البيانات التحذيرية السياسية التي صدرت عن نشطاء ومجموعات ووقع على بعضها متقاعدون عسكريون تحت عنوان التحذير من 'أي مغامرة عسكرية' في سوريا للقوات المسلحة التي تؤكد اليوم عدم وجود اساس لمثل هذه الأقاويل بالتوازي مع الإشارة للاحتياطات التي تتخذ تحت عنوان إعادة الهيكلة وفقاً لمتطلبات الواجب الجديد وهو حماية البلد من العصابات الإرهابية التي تتربص خصوصاً عبر الحدود مع العراق وسوريا.
عبارة 'التهديدات المنظورة إرهابية' لها ايضاً ما يبررها في ظل مخاوف الأردن من فوضى الأجندات التي يشهدها الشريط الحدودي مع سوريا وفي ظل سيناريوهات محاولات إقتراب تنظيمات داعش للبحث عن موطئ قدم لها في الأرض الأردنية في حال تعرضها للضغط الشديد في تدمر ودير الزور والبادية السورية الوسطى وبالقرب من كثبان الركبان الصحراوية القريبة من بادية الأردن الشمالية.
مثل هذه الإفصاحات في سياق انفتاح المؤسسة العسكرية على المجتمع تحصل لسبب وضمن تقدير 'سيادي' أردني لا يستهان بتقييماته خصوصاً وان التقارير الميدانية لا زالت تتوقع نشاطاً عسكرياً فوضوياً في الجبهة السورية الجنوبية.القدس العربي