أضف إلى المفضلة
الجمعة , 26 نيسان/أبريل 2024
الجمعة , 26 نيسان/أبريل 2024


العطاء بين مفهومين

بقلم : د. معن علي المقابلة
21-06-2017 05:22 PM
مفهوم العطاء قيمة إنسانية ليس مرتبط بدين او قوم او فئة او حضارة دون أخرى ، وان أعطتها الأديان قيمة إيمانية وتعبدية ، كما في ديننا الاسلامي الحنيف ، وهذه القيمة يجب ان تُغرس في النشء منذ نعومة أظفارهم ، وفي المراحل المبكرة من حياة الفرد ، فهذه القيمة من شأنها ان تعزز اواصر الالفة والمودة ببن أفراد المجتمع وتُعلي من قِيَم المواطنة والانتماء ، وهذا ما تفتقده مجتمعاتنا العربية في هذا الزمن.

في المجتمعات الغربية تتعدد اوجه الأنفاق والعطاء ، كما تتنوع الجهات المتبرعة بحيث تتوزع على رجال الاعمال ، ورجال السياسة ، والأكاديميين ، والفنانين ، والكتاب وغيرهم من الموسرين بالإضافة للمؤسسات الأهلية والشركات ، اذا تتوزع هذه التبرعات على بناء مستشفى ، او تبرع لمستشفى قائم لسد فواتير الفقراء ، او بناء مدرسة ، او جامعة ، ويكفي ان نعلم ان أشهر الجامعات الامريكية أُسست من متبرعين كهارفارد وجورج تاون وغيرها ، او منح لطلاب العالم الثالث للدراسة في جامعات الغرب ، او تبرع لمراكز أبحاث تخدم البشرية ، او تبرع لمحاربة الفقر والجهل والمرض في العالم الثالث ، ودافعهم بذلك إسعاد الانسان والتخفيف من معاناته ، وتكون تبرعاتهم احيانا بالملايين ان لم تكن بالمليارات ، كمؤسس مايكروسوفت بل غيتس بل ان وارن بافت الملياردير ورجل الاعمال الامريكي تبرع بجميع ثروته وهي بالمليارات للمؤسسة التي أنشأها غيتس وزوجته لمحاربة الأمراض ودعم التعليم في افريقيا ؛ وهذا يذكرني بحضارتنا العربية الاسلامية التي انتشر فيها هذا المفهوم للعطاء ، ففي حواضر العالم الاسلامي في العصور الوسطى كدمشق وحلب والقاهرة وقرطبة وإشبيلية والقدس والخليل والقيروان وغيرها ، انتشرت فيها مئات المدارس والمستشفيات ، والتي بنيت بالكامل على يد محسنين كالتجار والعلماء والسلاطين والامراء ، في عصر لم تكن الدولة تقوم بذلك كما في أيامنا الحالية ، ولعب نظام الوقف في الحضارة العربية الاسلامية دوراً اساسياً في استمرار هذه المؤسسات في تقديم خدماتها للمجتمع ، وكانت تخضع هذه المؤسسات لنظام صارم في تقديم خدماتها المتعددة ولفئات بعينها تحددها الوقفيات ، تكون الاولوية فيها للفئات الفقيرة ولطلاب العلم الذين كانوا يتنقلون بين هذه الحواضر للإفادة من هذه المؤسسات المنتشرة فيها والتتلمذ على يد علمائها واطبائها ، بينما في بلادنا في العصر الحديث نجد ان معظم تبرعاتنا لا تعدو عن اطعام فقير هنا اواخر هناك ، وعندما يأتي احدهم للتبرع بمال او اخراج زكاة ماله يسعى بكل الوسائل ان لا يخرج هذا المال من دائرته الضيقة كابنته او ابنه ، ويبدأ بالبحث عن فتاوي ويتم ليّ بعض النصوص الدينية لياً حتى يُبقي هذا المال في هذه الدائرة الضيقة ، بعكس المجتمعات الغربية التي اصبح العطاء فيها مؤسسي ، بل ان كثير من هذه التبرعات تذهب لمجتمعات العالم الثالث ، وهذا في الواقع يكشف عن حجم التناقضات في مجتمعاتنا العربية والاسلامية والتي تظهر وكأنها مجتمعات متدينة ، بينما هي في واقع الحال يسودها الكثير من النفاق الديني والاجتماعي ، هذا من جانب ، ومن جانب اخر ان هذه المجتمعات لم تعد تثق بمؤسسات الدولة ، وهذه انتكاسة لهذه المجتمعات ، ففي حضارتنا العربية الاسلامية ارتبط العطاء بالمجتمع ومؤسساته ، كما هو حاصل الان في الغرب فجميع المدارس والمستشفيات (البيمارستانات) التي انتشرت في مدن العالم الاسلامي في الحضارة الاسلامية والتي لا تزال ماثلة أمامنا كالأزهر الشريف في القاهرة ، وجامع القرويين في تونس بُنيت وأُنفق عليها من محسنين وقُدرت اعداد هذه المؤسسات بالألاف ، ولعب نظام الوقف دوراً اساسياً في استمرار هذه المؤسسات في تقديم خدماتها للمجتمع ، وكان يُنفق على هذه المؤسسات بسخاء كبير.في الختام ان غياب المؤسسات الأهلية ورجال الأعمال والسياسة من الأثرياء عن تقديم الدعم المنظم والمؤسسي للمجتمع عبر مؤسساته الموثوق بها غير مبرر ، وما نشاهده في مجتمعاتنا من ابتذال واستغلال في مسألة التبرع للفئات المحرومة يبعث على الأسى والحسرة.

د. معن المقابلة
Maen1964@hotmail.com

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012