أضف إلى المفضلة
الجمعة , 26 نيسان/أبريل 2024
الجمعة , 26 نيسان/أبريل 2024


في الذكرى السابعة والخمسين لاغتيال الشهيد هزاع المجالي

بقلم : د. فيصل الغويين
30-08-2017 05:16 PM
على أثر الانقلاب الذي أطاح بالعائلة الهاشمية في 14 تموز عام 1958، وتوتر العلاقات بين الأردن والجمهورية العربية المتحدة في عهد حكومة هزاع المجالي الثانية، سعت أمانة الجامعة العربية الى عقد مؤتمر لوزراء الخارجية العرب في بلدة شتورة خلال الفترة من 22 - 28 آب 1960، وكان الوفد الأردني للمؤتمر يتألف من موسى ناصر وزير الخارجية،
ووصفي التل رئيس التوجيه الوطني، وعبد الحميد سراج سفير الأردن في لبنان.

توقفت الإذاعة الأردنية عن تعليقاتها منذ صباح يوم 23 آب 1960 عن مهاجمة الجمهورية العربية المتحدة، لرغبة الملك حسين، واستجابة الى طلب وزير خارجية لبنان الى جميع الدول العربية للتوقف عن الحملات العربية تيسيرا لمهمة المؤتمر وعدم عرقلة أعماله.

دار في المؤتمر جدل طويل حول قضية فلسطين، وفي الجلسة الختامية أصدر المؤتمر قراراته بالاجماع. وكان نص المادة المتعلقة بفلسطين، كما يلي :' إن الشعب العربي الفلسطيني هو صاحب الحق الشرعي في فلسطين، وله أن يعمل لاسترداد وطنه بمؤازرة ومشاركة الدول والشعوب العربية... إن على الدول العربية أن تحافظ على الشخصية الفلسطينية وتجانب كل ما يؤدي إلى إذابة هذه الشخصية، حتى إذا ما استرد الشعب الفلسطيني وطنه وحقوقه أمكنه أن يمارس هذه الحقوق ممارسة صحيحة كاملة'. وصدرت الصحف الأردنية صباح يوم الاثنين 29 آب 1960 وهي تحمل نبأ الاتفاق بحروف كبيرة.

ونظراً لان الرغبة العامة التي اتفقت عليها معظم الوفود المشاركة هي الوصول الى حلول وسط في القضايا المطروحة، فقد نتج عن المؤتمر فيما يتعلق بالعلاقات العربية ما يلي:

1- وجوب مضاعفة الجهد لاستمرار قيام جو من الود والتفاهم التامين، وضرورة تجنّب الاتهامات، وكل عمل أو قول من شأنه الإساءة الى العلاقات بين البلدان العربية، وخاصة ما ينشر في الصحف والإذاعة.

2- تأكيد التزام قواعد القانون والعرف الدوليين في شان اللجوء السياسي، وما يستتبعه من وجوب امتناع اللاجئ عن القيام بأي نشاط يعكر علاقات البلدان الشقيقة بعضها مع بعض.

وصدرت الصحف الأردنية صباح يوم الاثنين 29 آب وهي تحمل نبأ الاتفاق بحروف كبيرة بارزة في صدر صفحاتها الأولى. وعندما اتخذ مجلس الوزراء الأردني قراره بالموافقة على قرارات مجلس وزراء الخارجية العرب، كان هناك شعور عميق بالارتياح، وداعب النفوس أمل بان زوال أسباب الخلاف بين الأردن والجمهورية العربية المتحدة سيؤدي الى فتح صفحة جديدة في العلاقات.

وفي ذات اليوم كان الستار قد ارتفع في عمان عن المشهد الأخير من مشاهد الجريمة الدامية؛ ففي الساعة الثامنة والنصف وصل هزاع المجالي الى دار الرئاسة، لم يكن معه أي حرس، إذ كان قد الغى مرافقة الحرس له منذ عدة أشهر، على الرغم من نصائح المسئولين عن الأمن. وكان قد خصص يوم الاثنين من كل أسبوع لمقابلة أصحاب الحاجات والمظالم.

وفي الساعة الحادية عشرة والنصف من قبل ظهر يوم الاثنين 29 آب 1960 دوّى انفجار عنيف في الطابق الثاني من دار الرئاسة، فدمّر مكتب رئيس الوزراء. وبعد حوالي عشرين دقيقة على الانفجار، وبينما الناس في اضطراب وذهول، وبينما كان الذين نجوا يحاولون البحث بين الركام عن زملائهم، دوّى انفجار آخر في الطابق الأرضي من البناية. وقد نتج عن الانفجاريين استشهاد هزاع المجالي وأحد عشر معه، وإصابة واحد وأربعين بجراح.

سقط هزاع المجالي مضرجا بدمه وهو على رأس عمله في مقر رئاسة الوزراء، كما يسقط الفارس عن ظهر جواده في ساحة القتال. كان ذلك أول حادث من نوعه في الأردن، وكان لنبأ الانفجار تأثير عميق في النفوس، وسخط الناس على الجريمة النكراء التي لم تستهدف زعزعة نظام الحكم فحسب، بل استهدف مدبروها قتل أكبر عدد ممكن من الأشخاص العاديين، لان الذين خططوا لها أرادوا أن تقع في يوم يأتي فيه المراجعون من المواطنين الى دار الرئاسة.

إتّجهت أصابع الاتهام في حادثة اغتيال المجالي الى الجمهورية العربية المتحدة، وتحديداً الى جهاز المخابرات السوري برئاسة عبد الحميد السراج، في حين وجهت الجمهورية العربية المتحدة أصابع الاتهام الى الدول الاستعمارية خاصة بريطانيا وإسرائيل، للقضاء على بوادر التحسن في العلاقات بين الأردن والجمهورية العربية المتحدة.

أعلن الملك حسين بنفسه استشهاد رئيس وزرائه، ووصفه بأنه :' أخ وصديق مخلص حميم... قضى في سبيل الأردن والعالم العربي.. واستشهد أثناء قيامه بالواجب المقدس'. وفي اليوم نفسه عهد الملك حسين الى رئيس ديوانه بهجت التلهوني بتأليف وزارة جديدة تضم جميع أعضاء الوزارة السابقة. كما تم تشكيل لجنة تحقيق عسكرية برئاسة اللواء محمد السعدي مدير الاستخبارات العسكرية.

وفي 29 كانون الأول 1960 أصدرت محكمة أمن الدولة الخاصة حكماً بإعدام كل من صلاح الصفدي، ومحمد يوسف الهنداوي، وهشام الدباس، وكريم شقرة. كما أصدرت حكما غيابياً بإعدام زين عبيد، وشاكر الدباس، وكمال شموط، وزكريا الطاهر، وسعيد البرغوثي، وبرهان الأدهم، وبهجت مسوتي. وفي الصباح الباكر من آخر يوم من أيام سنة 1960، نفذ حكم الإعدام شنقاً بالأشخاص الأربعة الأوائل في ساحة المسجد الحسيني في عمان.

وفي الفترة من 30 كانون الثاني الى 4 شباط 1961، عقد في بغداد مؤتمر وزراء الخارجية العرب، وقد نتج عن المؤتمر تحسن العلاقات بين الأردن والجمهورية العربية المتحدة، وتوقفت الحملات الإعلامية بين الطرفين، وبدأ الملك حسين يميل الى الاعتقاد بأن عبد الناصر لم يكن شخصياً طرفاً في قضية اغتيال هزاع المجالي.

كان الشهيد نموذجاً فذاً ونمطاً جديداً في السياسة الأردنية. وكان يتمتع بشباب الروح والارادة والعقل، منفتح الذهن على العمل السياسي الديمقراطي والحزبي، فكان عضواً مؤسساً في الحزب الوطني الاشتراكي المصنف آنذاك في يسار الوسط.

كان هزاع يؤمن بالعمل الديموقراطي البرلماني بالرغم مما كان يبديه من تحفظات على أداء المجالس النيابية آنذاك. وكان لا يتردد في الزهد لموقعه الوزاري أو النيابي ويستقيل إذا ما شعر أنّه غير قادر على ترجمة أفكاره ومبادئه. وكان على الدوام صافي الحب والولاء لمليكه، وعميق الانتماء لوطنه، تميزه صراحة لا تعرف المداهنة أو التردد.

كان متسلحا بالعقل متحررا من غلواء العاطفة، لا تبهره الشعارات المتداولة ولم يحجم عن نقد المواقف التي تستهدف استثارة مشاعر الناس دون احترام عقولهم، لأنه يعتقد أن في ذلك مكمن البلاء الذي حل بالأمة. وكتابه مذكراتي حافل بالشواهد على رؤيته السياسية والإدارية.

وكان سياسيا يتحسس هموم المواطنين وشكواهم من قصور الداء الحكومي، وقد شخص عيوب الجهاز الإداري، وكشف جوانب الخطأ في ممارسات العاملين فيه، وبسبب ذلك كان يحرص على استقبال المواطنين وخصص يوما في الأسبوع لسماع شكواهم وحاجاتهم. كان يؤمن بالإيجابية وبالالتقاء مع الناس في منتصف الطريق ولم يكن يحمل أية مشاعر بيروقراطية بل كان ابن الشعب بكل ما في الكلمة من معنى.

وفي مذكراته التي تعتبر مصدرا مهما من مصادر تاريخ الأردن والمنطقة العربية، كتب بحس ثقافي وشجاعة ذاتية دون شعور بالحرج تجاه هذا وذاك من السياسيين المعاصرين الذين تعرض لذكرهم وحلل مواقفهم، وكان الوحيد بين رؤساء الوزارات في الأردن فيما يتعلق بنشر مذكراته وهو على قيد الحياة . تميزت مذكراته بالصراحة، إذ تحدث عن حياة الضياع التي عاشها فترة من الزمن وعن طرد الملك عبد الله له من مجلسه ذات يوم من مجلسه وانتقد رجال السياسة والحياة السياسية في الأردن.

وإننا إذ نقف اليوم مستذكرين أحد رجالات الأردن الكبار، فإننا نحيي مبادئ مدرسة سياسية متكاملة علها تكون منارة يسترشد بها شباب الوطن وقياداته السياسية، مترحمين على شهداء الأردن والأمة الذين ضحوا في سبيل وطنهم ومبادئهم في أحلك الظروف.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012