أضف إلى المفضلة
الخميس , 16 أيار/مايو 2024
شريط الاخبار
استكمال دراسات الربط الكهربائي الأردني والسعودي قمة البحرين تدعو لنشر قوات حماية دولية في فلسطين لحين تنفيذ حل الدولتين أمانة عمان: كلفة رحلتي نقل من الزرقاء إلى عمّان وداخلها بسقف "دينار" التعليم العالي: تمديد فترة استكمال إجراءات الاستفادة من المنح والقروض الداخلية أجواء لطيفة في اغلب المناطق اليوم ودافئة غدًا وارتفاع ملموس الخميس هنية: اليوم التالي للحرب ستقرره حماس والفصائل الفلسطينية غالانت يشن هجوما حادا على نتنياهو:الحكم العسكري لغزة سيكون دمويا ومكلفا ويجب اتخاذ قرار صعب نكبات متتالية.. تهجير وشهداء وثكلى وآلام لم تنتهِ بعد مشروع لإعادة تأهيل مواقع حرجية في بني كنانة 4.8 مليون دينار قيمة إعفاءات الغرامات ببلدية إربد شركة "جورامكو" تعيّن هناء ابسيس بمنصب رئيس دائرة الموارد البشرية والأداء قرارات مجلس الوزراء - تفاصيل الاردن يدين محاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا السعودية: 100000 ريال غرامة الحج بلا تصريح الخريشة: الأردن سيشهد ولادة برلمان قائم على الكتل البرلمانية والحزبية
بحث
الخميس , 16 أيار/مايو 2024


إهمال البحث العلمي العربي حيلة لإدامة التخلف
مشهد لبؤس الفقر في اليمن المنكوب بالحرب - (ارشيفية)

29-10-2017 12:58 AM
كل الاردن -
على الدوام ناصبتْ السلطةُ العربيةُ، الأوساطَ الفكريةَ والبحث العلمي النظري والتطبيقي، عداء سافرا، وهو ما استخدم وسيلة لإدامة التخلف. وتؤكد الحقائق التاريخية أن الاهتمام بالبحث العلمي ومؤسساته لم يتجاوز الديكور، وما تفرضه تقاليد إعداد الميزانيات لهياكل تمارس الكسل.

وما يزيد الطين بلّة، هو أن العيش في الماضي يبعث في العربي شكلا من أشكال الشعور بالمكانة، التي تتهاوى أمام الحقائق العيانية التي تظهر أن متوسط الإنفاق العربي على الإنتاج المعرفي والبحث العلمي، يتراوح بين 0,2 إلى 0,3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، حسب معطيات دولية نشرت في العام 2016. بينما تنفق إسرائيل 4.109 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي أي 11،2 مليار دولار.

وتؤكد إحصائيات متطابقة أن إسرائيل تتفوق بشكل كبير على الدول العربية مجتمعة بأعداد العلماء، إذ احتلت الجامعات الإسرائيلية مواقع متقدمة على المستوى العالمي، لتشغل الجامعة العبرية المركز 64 عالميا من بين خمسمائة جامعة. فضلا عن أن تسعة علماء إسرائيليين حازوا على جوائز نوبل، بينما لم يحز أي عالم عربي على هذه الجائزة.

وتشي الممارسة السياسية للسلطة العربية، أنها بدأت تقطف ثمار الطريق الطويل الذي مهدته لتأبيد بقائها. نجحت، بمساعدة المجتمع وثقافته، في إلحاق هزيمة كبيرة بأفكار التحديث واللحاق بالعصر. تباينت آراء المفكرين العرب في شرح الواقع والسائد الذي يستثمره النظام العربي. قال المفكرون اليساريون إن بنية النظام الرسمي العربي تتناقض أساسا مع التحديث ويجب استثمار الإفقار والتجويع وتبعات سياسة التبعية لبلوغ مرحلة الثورة التي ستوجد البديل الحداثي، بينما ذهب المفكرون الإسلاميون إلى أن الوضع لا يحتاج سوى إلى تطبيق شعار 'الإسلام هو الحل'، وإن بطرق مختلفة. وحده النظام العربي العميق يعرف ماذا فعل، فيستهزئ من كل هذه القراءات. فهو 'إسلامي' يتمسك بما يجعل النخب السياسية الإسلامية تحجم عن معارضته راديكاليا. وهو حداثي بإيجاد كل الهياكل الصورية للدولة الحديثة وإعلامها، فينجح في إفراغ الأحزاب اليسارية والقومية من نشطائها.

خلال عهده المديد حرص النظام العربي على ألا تتولد طبقة رأسمالية منتجة، قد يتوسع تأثيرها السياسي وخياراتها في تغيير النظام من داخله. هذا النهج ترافق مع فرض شكل من أشكال الانتخاب يعتمد تبديل الظهور إلى الواجهة بين أسماء 'النخب' القبلية والدينية والجهوية. ومع تراكم الخبرة، تولدت قناعة رسمية بأن الانتخاب تفويض نهائي لتأبيد الوضع القائم الذي يحارب التغيير.

العرب وإسرائيل: فرق بين الثرى والثريا

بالنسبة لعدد العلماء، تورد منظمة اليونيسكو إحصائية تظهر أن في العالم العربي 124 ألف باحث، بينما تم تقدير عدد العلماء والباحثين الإسرائيليين بنحو 24 ألفا.

أما براءات الاختراع، بوصفها المؤشر الأكثر سطوعا، فقد سجلت إسرائيل 16,805 براءات اختراع حتى العام 2008، بينما سجل العالم العربي 836 براءة اختراع على مدى تاريخه، ما يمثل 5 في المائة من عدد البراءات الإسرائيلية.

ويعرّف البحث العلمي بأنه سلسلة من النشاطات البحثية في المحيط لزيادة المعرفة وتسخيرها في خدمة التنمية.

ويرى متخصصون أن الدول العربية لا تنظر إلى البحث العلمي والتقني شرطا للبقاء، لافتين إلى أن العجز الغذائي العربي يتجاوز 35 مليار دولار سنويا، حسب إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، التي أشارت إلى أن النسبة الكبرى من هذا المبلغ تنفق على استيراد القمح واللحوم الحمراء.

ويعزو تقرير للجامعة العربية حول العمل والبطالة، ارتفاع معدل هجرة العقول والكفاءات إلى تزايد القيود المفروضة على حرية ممارسة البحث العلمي والفكري الحر في غالبية الدول العربية، ما يترتب عليه شعور متزايد بالاغتراب للكفاءات العلمية والفكرية العربية داخل أوطانها وترقبها فرص الهجرة إلى الخارج.

ويوضح التقرير أن نحو 50 % من الأطباء العرب و23 % من المهندسين و15 % من العلماء، يهاجرون إلى الولايات المتحدة وكندا سنويا، وأن 54 % من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلادهم.

العقل الرعوي العربي

المفكر محمد جابر الأنصاري في مؤلفه 'العرب والسياسة أين الخلل؟' (دار الساقي، 2015) يقدم قراءة معمقة تؤكد أن الثقافة السياسية عند العرب تعاني من تضخم أيديولوجي هائل، وضمور وفقر دم في التحليل النقدي. الجابري يرجع هذا الاختلال إلى 'الإغفال المتطاول لخصوصيات التركيبة السوسيولوجية العربية وموروثاتها التاريخية، مقابل إبراز دور العوامل التآمرية أو الانحرافات التسلطية للأنظمة في دائرة الوعي العربي'.

وهو يستجلي مكامن الخلل وأسبابه التاريخية يقول الأنصاري 'إن أي تحليل لجذور التــكوين الاجتماعي التاريخي العربي، لا بد وأن ينطلق من مقدمة ابن خلدون ومن نهجه ورؤيته، قبل القـفز إلى تبـني مناهج علم الاجتماع الأجنبية من ماركسية وليبرالية، لأن منهجه مسـتمد من الخصوصية العربيـة ذاتها، وقوانينه مستوحاة من واقع هذه الخصوصية'.

وتبعا لذلك، كما يدفع الانصاري، فإن التحدي الأكبر الذي واجهه العرب عبر تاريخهم يكمن في البنية التعددية الصراعية في النسيج المجتمعي العربي، وتأثيرها في علاقات المجموع العربي. اذ ظل المجموع القبلي والطائفي تاريخياً مصدر تحدٍ لشمولية الجماعة الاسلامية الواحدة ولم ينصهر نهائياً فيها، وكذا في الحركات والاحزاب الوطنية والقومية والإسلامية المعاصرة، التي لا تلبث ان تعود الى تكويناتها العصبوية التقليدية في لحظة الاختبار.

وقال 'صحيح إن هذه المجاميع العصبوية تلتقي إسلامياً في إطار حضارة واحدة وعقيدة واحدة، كما تلتقي عربياً في إطار لغة واحدة وثقافة موحدة، الا انها تتصرف في الغالب كوحدات متصارعة أو غير قابلة للتوحد في أحسن الأحوال'.

ويرى الانصاري أن هذا الصراع مثّل مقتلاً خطيراً للحضارة العربية الإسلامية من الحروب الأهلية في صدر الاسلام بين كبار الصحابة، الى الصراع بين الفروع والفصائل القرشية، إلى الصراع داخل البيت الاموي، الى تصفية الامويين وانتقال الصراع الى العباسيين أنفسهم والاقتتال بين الأمين والمأمون. غير أن اتجاه المعتصم الى جلب أخواله الترك ومعهم عصبياتهم، كانت له نتائج كارثية في الفكر والاجتماع والعمران، إﺬ أودى بمؤسسة الدولة التي لا يمكن تصور قيامها إلا على قاعدة المجتمع الحضري الآمن المستقر.

من هنا، يقول الأنصاري 'إن الدولة في تجربة العرب التاريخية كانت عرضة للإجهاض والانقطاع المتتابع بين وضعية الدولة واللا دولة، برغم أن هؤلاء عاشوا في نطاق مجتمع موحد حضارياً وعقيدياً واشتراعياً وثقافياً في اطار الحضارة العربية الاسلامية'.

هذه الخلخلة التي تعرض لها الكيان التنظيمي والمؤسسي للدولة العربية الاسلامية عبر العصور، تعود حسب الأنصاري 'إلى الجدل الصراعي بين بنية المجتمع الحضري ككل، بطبقاته كافة، وبنية المجتمع الرعوي ككل ايضاً، بعناصره كافة. الامر الذي يرجع الى ظاهرة الديالكتيك بين الحضارة والبداوة، وهو ديالكتيك لم يفطن إليه الفكر الاوروبي الذي انشغل بصراع الطبقات ولم يتنبّه الى امكانية وجود جدل اجتماعي تاريخي من نوع آخر يرجع إلى وجود مساحات صحراوية، رعوية، أو بدوية داخل المنطقة العربية تفصل بين إقاليمها المتحضرة، والى ان المنطقة العربية ككل، محاطة بسهوب رعوية شاسعة تمتد من بر الصين الى بر فارس وتمثل خزاناً تاريخياً هائلاً للموجات الرعوية الأعجمية الكاسحة، التي تسببت بظاهرة الانقطاع او التقطع او اللااستمرار في حياة الحضارة العربية، وأعاقت انتقالها الى مرحلة اكثر تطوراً كما حدث في اوروبا او الصين واليابان'.

الانصاري الذي يعتبر القبيلة هي الوحدة الاجتماعية في الموجات الرعوية، يخلص الى ان القبيلة انتقلت الى صلب مجتمع المدينة وجلبت معها عصبياتها ونزاعاتها، ما شكل الاساس التاريخي لتعددية الطوائف والمذاهب، وما يمكن ان يفسر عجز القوى المدينية في الوقت الراهن عن مواجهة الاصوليات المتشددة التي تجتاح المجتمع المدني العربي.

وفي خلاصاته يستنتج الأنصاري ما هو مغاير للخطاب السياسي السائد، إذ أن بُعد التوحيد قائم في الحضارة العربية كما أن بُعد التعدد والصراع قائم ومؤثر، ما يلزم العرب بالبحث عن صيغة جديدة لإقامة التوازن بين ظاهرتي الوحدة والتعددية بدل ترداد شعارات الوحدة والتوحيد فوق واقع التعدديات والتناقضات، وذلك من خلال اقامة شبكات تواصل اقتصادية واجتماعية في ما بينهم.

ويرى هذا المفكر ان الدولة الوطنية العربية ليست نتاجاً خالصاً للتجزئة الاستعمارية، فالقطيعة المكانية هي الاساس التاريخي لعدم انخراط العرب في جسم عمراني متصل. من هنا، فإن الدولة القطرية هي أول تجربة للعرب في الوحدة المجتمعية الحقيقية، وما لم تتحول هذه الدولة الى مؤسسة دولة حقيقية، فليس ثمة طريق للوحدة العربية.

الأنصاري يضيف، أن تخلف الأداء السياسي العربي العام، كان 'كعب اخيل' في بنيان النهضة العربية الحديثة، ولا يمكن إناطة التخلف العربي في هذا المجال بعوامل خارجية كالاستعمار والصهيونية، لافتا إلى أن العالم العربي الإسلامي لم يشهد المرحلة الاقطاعية الضرورية للتواصل القومي، وقد جاءت الدولة القطرية لتعوض افتقاد التاريخ العربي لهذه المرحلة.
الهويات المركبة

ويعتبر الأنصاري ان الفرضية الاقتصادية الماركسية بشأن الصراع الطبقي ليست بذات أولوية في بنية المنطقة العربية.

فالصراع الطبقي، وفق الانصاري، متضمن في الصراع القبلي والصراع الاقتصادي النمطي بين نمطي الانتاج الرعوي والحضري، بين رعوية تنتج السلطة وحاضرة تنتج الحضارة ولا تصنع السلطة.

ويقدم الأنصاري مقاربة سوسيولوجية تاريخية للخلل في الفكر السياسي العربي، تمهد لطرح المسائل القومية والاجتماعية والسياسية العربية من منظور مختلف، يساعد على تجاوز الاشكاليات الايديولوجية التي اربكت الفكر العربي منذ عصر النهضة العربية.

وهو يتتبع محطات تشكل الهوية العربية تاريخيا، يرى المفكر العربي جورج قرم، أن الشعوب العربية تحمل هويات مركبة نتاج بيئات عائلية وجغرافية ودينية ومعرفية وفكرية، مؤكدا ان هذا التهميش الاقتصادي والسياسي لن يستمر، ذلك أن فراغ القوة عند العرب هو المسبب للتدخلات الخارجية، التي ستزول لتتبعها حالة نهوض شعبي عربي ستفضي لا محالة الى تغيير الخريطة السياسية في المنطقة، وإنهاء الصراع العربي الصهيوني.

وأشار إلى أن فشل تيار القومية العربية جاء نتيجة لفشل التنمية، حيث لم تكن للعرب هوية متماسكة تنهض على أسس سليمة، بل وقعت في فخ التعصب والكراهية، لافتا إلى أن الدراسات والأبحاث تشير إلى رغبة نصف الشباب العربي من الجنسين بالهجرة من أوطانهم.

قرم يعتبر أن مشكلة عرب اليوم تكمن أساسا في وجود مؤسسات وتيارات معرفية متصادمة ومتشابكة ومتناقضة، الأمر الذي يؤكد أهمية الدولة لصهر عناصر هوية عربية متكاملة ومتجانسة.

لماذا فشل التنوير العربي؟

السؤال المقلق عن تقدّم أوروبا وتراجع العرب، يتناوله بالتفصيل كتاب 'الانسداد التاريخي: لماذا فشل مشروع التنوير في العالم العربي؟' للباحث هاشم صالح، الصادر عن دار الساقي، وأهم موضوعاته تتمحور حول الكيفية التي يمكن بها تحرير الروح العربية الاسلامية من عقالها، وما اذا كان تحرير الروح الداخلي يسبق التحرير الخارجي؟

يوضح صالح أنه على الرغم من كل الثورات والانقلابات التي حصلت منذ القرن الخامس عشر، كان العالمان العربي والإسلامي بمعزل عنها لمدة ستة قرون، في حين كانت أوروبا تشهد عصر النهضة والإصلاح الديني في القرن السادس عشر، ثم الثورة العلمية الحديثة على يد غاليليو وكيبلر وديكارت ونيوتن في القرن السابع عشر، ثم فلسفة التنوير في القرن الثامن عشر، وهي الفلسفة التي أدت إلى نقد الدوغمائية المسيحية المتحجّرة وفتح ثغرة في جدار التاريخ المسدود. كما شهدت أوروبا في القرن السابع عشر انبلاج عصر الثورة الصناعية التي تواصلت انجازاتها في القرن العشرين.

كوريا الجنوبية والسودان: مقاربات ومفارقات

لا يتقاطع السودان كحالة تختزل أمراض المشهد العربي، وجمهورية كوريا (الجنوبية) سوى في تعرضهما لعديد من الانقلابات العسكرية. ومن الإحالات السريعة لمفهوم 'انقلاب' انه مانع للتغيير التقدمي التاريخي، بقمعه للقوى السياسية. لكن هذه الفكرة لا تصمد طويلا امام استعراض حالة كوريا التي حكمها الديكتاتور العسكري 'بارك جونغ هي' بقبضة تشددت خصوصا في فرض رؤيته التنموية، حتى أصبح اسمه خالدا في تاريخ بلاده، بعد أن أطلقت سياساته العنان للقوى الاقتصادية (البرجوازية الصغيرة والمتوسطة التي تدرجت لتصبح احتكارية لاحقا'.

فالسودان تعاقبت على حكمه حكومات عسكرية ومدنية فشلت فشلا ذريعا في انتشال البلد الغني من وهدة الفقر والتخلف، بينما ارتبط اسم الجنرال بارك بنهضة كوريا منذ ان قاد انقلابه في العام 1962، ففرض سياسة نهوض حديدية، ليرجع الكوريون إليه الفضل في النهضة الاقتصادية الشاملة التي شهدتها بلادهم، من تصنيع ونمو اقتصادي سريع نتيجة قراره الحكيم لاتباع سياسة التصنيع للتصدير (export-oriented industrialization).

تظهر السيرة الكورية، أن الجنرال بارك منح للتنمية الاقتصادية، أولية كبرى، حيث كانت كوريا تعاني من نقص حاد في نسبة الادخار وتراجع كبير في حجم المساعدات الخارجية فأنشأ 'بارك' لمواجهة هذه التحديات بنوكًا حكومية وأمّم البنوك الخاصة للتحكم في القروض وتوجيهها وفق ما تقتضيه الخطط التنموية، وغيّر الرئيس الجديد استراتيجية التنمية الاقتصادية من استراتيجية الإحلال محل الواردات إلى أخرى تعتمد على اقتصاد موجه نحو كان كان هذا التحول ضروريًا للحصول على العملة الصعبة لشراء المعدات والتكنولوجيا التي يحتاجها القطاع الصناعي الناشئ، وبالتالي تسريع عملية التصنيع وتحقيق استقلال تام.

كما ركن بارك إلى سياسة التخطيط المركزي؛ حيث أطلق المخطط الخماسي سنة 1962، وأنشأ مؤسسة جديدة تحمل اسم مجلس التخطيط الاقتصادي للإشراف على التخطيط وتنفيذ المخططات. وكان الهدف المعلن من المخطط الأول هو تحقيق نمو اقتصادي يبلغ 7.1% خلال السنوات 1962-1966 عبر تأمين مصادر الطاقة وتحسين البنية التحتية وتحسين ميزان المدفوعات الخارجية عن طريق زيادة حجم الصادرات. وارتفع الناتج الإجمالي المحلي من 4.1 % سنة 1962 إلى 9.3% سنة 1963 وحافظ النمو على معدل يزيد عن 8% في السنوات التالية.

وعمل الرئيس بارك أيضًا على تقوية دور الشركات العملاقة وتسخيرها لخدمة الأهداف التنموية. وكانت هذه الشركات ضعيفة ولا تستطيع أن تصنع منتجات كثيفة رأس المال من دون المساعدات التي تقدمها الدولة. وقد اشترطت الدولة أن تحقق هذه الشركات أداء اقتصاديًا ناجحًا والاستثمار في مجالات اقتصادية وصناعية جديدة في إطار ما ترسمه الدولة من مخططات، والتعاون الوثيق مع الحكومة، كشروط أساسية لتلقي الحماية من الدولة والعديد من الامتيازات التي تشمل المساعدات المالية والتمويلات التفضيلية وضمان الدولة للقروض الخارجية والحماية من اتحادات العمال. وبفضل هذه الإجراءات تمكنت الشركات العملاقة من المشاركة في مخططات التنمية الاقتصادية وسياسة التصنيع التي رسمتها الدولة، واستهدفت في البداية الصناعات الخفيفة مثل الإسمنت والأسمدة والكهرباء. ونتج عن هذا التعاون توسع كبير للشركات ونمو كبير في حجم الصادرات الكورية من الصناعات الخفيفة، خصوصًا النسيج والملابس الجاهزة.

ومع بداية السبعينيات، واجهت كوريا تحديًا جديدًا يتمثل في المنافسة الشرسة مع دول صاعدة استطاعت تطوير صناعاتها الخفيفة مما فرض على كوريا التحول نحو استراتيجية مغايرة تهدف إلى إنشاء قطاعات جديدة تستطيع المنافسة على الصعيد العالمي. وجاء المخطط الاقتصادي الخماسي الثالث ليعطي الأولوية لإنشاء الصناعات الكيماوية والثقيلة. ولإنجاز هذا المخطط تم إنشاء العديد من مدارس التكوين المهني ومعاهد تكوين المهندسين والعلماء، وألزمت الدولة الشركات الصناعية الكبرى بتدريب مستخدميها. وتم تركيز جهود الدولة وتسخيرها لتطوير هذه الصناعات حيث تم إنشاء لجنة لتطوير الصناعات الكيماوية والثقيلة، وأنشئ صندوق الاستثمار الوطني للإشراف على الاستثمارات في هذا القطاع الذي عرف ارتفاعًا كبيرًا.

واستفادت صناعات مثل بناء السفن والبتروكيماويات والصلب من إعفاء ضريبي كامل خلال السنوات الثلاث الأولى، وتكفلت الدولة بتجهيز المناطق الصناعية وربطها بشبكة الطرق والماء والكهرباء. وبحلول 1992، حققت هذه الصناعات نجاحًا كبيرًا في الأسواق الخارجية وأصبحت تشكّل 60.4 % من حجم الصادرات. وحافظت كوريا على معدلات نمو مرتفعة حيث ركزت خلال فترة الثمانينيات وبداية التسعينيات على الاستثمار بكثافة في البحوث والتطوير وعملت على تطوير قدراتها التكنولوجية وتحسين تنافسية منتجاتها، مع الانفتاح على الخارج وتحرير سوقها المالي.

الالتزام قيمة مقدسة

ولعل تتبعا لأسباب فورة التنمية في جمهورية كوريا يظهر أن جملة من العوامل الداخلية لعبت دورا حاسما في النهوض العاصف، ومن أهمها: التنفيذ الصارم للسياسة الاقتصادية التنموية وقمع الفساد بقسوة.

- استثمار السلطة في المستقر الثقافي لدى الشعب الكوري، وهو الالتزام الفردي والجمعي ذو الجذور الدينية والسيكولوجية.
ويذهب محللون إلى وصف ثقافة الالتزام هذه بثقافة 'الطاعة والانقياد'، التي يساعد استثمارها في بلوغ مستوى تنموي للإنسان الذي يكتشف مع تحسن اوضاعه المعيشية ان ثنائي 'الطاعة والانقياد' أفضى إلى إحداث نقلة نوعية في حياة المجتمع العامل.

يتوقف محللون كذلك عند الوحدة الديموغرافية للشعب الكوري بصفتها عاملا مساعدا لتنفيذ السياسات الاقتصادية التي نقلت البلاد الى ذرى العالمية.

كوريا الأولى عالميا في الابتكار

جاء في تقرير مؤسسة بلومبرج الأميركية الصادر في كانون الثاني (يناير) الماضي والخاص بدراسة وتحليل مستويات الابتكار للدول، أن كوريا الجنوبية سجّلت الرقم الأول عالمياً في مجال الابتكار. ويعتمد مؤشر بلومبرج للابتكار على مجموعة مدخلات لتحديد مستوى الابتكار وهي: غزارة البحث العلمي، القيمة المضافة للتصنيع، الإنتاجية، غزارة انتاج التكنولوجيا، مؤشر التعليم الجامعي للقوى العاملة، وكثافة الباحثين، وبراءات الاختراعات.

أما في العام 2014 فقد سجلت كوريا الجنوبية أعلى مستوى في نسبة ميزانية البحث والتطوير من الناتج المحلي الإجمالي من بين الدول الرئيسية مثل الولايات المتحدة وألمانيا واليابان.

واحتلت كوريا الجنوبية المرتبة السادسة من حيث حجم ميزانية البحث والتطوير بقيمة 13.7 مليار دولار.
السودان يختزل الحالة العربية

بلغت مخصصات البحث العلمي في موازنة السودان للعام 2015 نحو 26 مليون دولار وتمثل نسبة 0.03 % من الناتج المحلي الإجمالي.

وهو يفسر عثرات التطور في السودان، يرى الباحث السوداني الدكتور النور حمد، أنّ التحليل الذي قدمه عالم التاريخ الشهير 'جاي اسبولدينق' في مؤلفه عن 'عصر البطولة في سِنّار' ما يزال يحتفظ بحيويته.

وكانت سِنّار لقرون عديدة عاصمة للسلطنة الزرقاء التي حكمت السودان في القرن السابع عشر وحتى عام 1821. يقول اسبولدينق في وصف أسباب سقوطها بيد الحملة التركية المصرية في العام 1821: 'تقمصت الطبقة الوسطى الجديدة، على سبيل المثال، شخصيةً عربيةً، ومارست النظام الأبوي، وتعاملت بالنقود، ومارست في معاملاتها التجارية قوانين الشريعة، واستأثرت بالصدقات، واشترت العبيد، وحددت علاقات التبادل، وقيدت الرعايا الأحرار بالديون، وفرضت مفاهيمها القانونية والأيديولوجية على الحكومة، ثم طالبت بالإعفاء من كل الالتزامات تجاه الدولة، وخصّت نفسها بمجموعة متنوعة من المهام التي كانت، إلى حينها، تقوم بها الدولة أو طبقة النبلاء، وأهمها إدارة القضاء والضرائب'. ويرى النور حمد أن هذا التوصيف الحاذق للأكاديمي اسبولدينغ هو ما ما جرى وظل يجري منذ أن وضع الدكتور حسن الترابي الدولة السودانية في قبضة المنظومة الرعوية الفالتة والعقل الرعوي.

ويوضح النور حمد، أنّ 'بنية العقل الرعوي التي رعاها 'الإسلاميون'، هي التي أخرجتهم من الحكم واحدًا تلو الآخر.

وهكذا أصبحت مقاليد الأمور في يد قلّةٍ قليلة تدير البلاد أمنيًا، ساندةً ظهرها إلى أخطبوطٍ رعويٍّ نفعي، سبق أن ناصر كل الأنظمة، على اختلافها منذ الاستقلال، وحال بينها جميعًا، وبين أن تعمل عملاً نافعا. الآن، تحولت الدولة السودانية، إلى مجرد دولة جبايات. فأرهقت كاهل الرعايا بالأتاوات، وأسرفت في تقييدهم بالديون. بل سلبتهم أهمَّ مقومات حياتهم، التي عاشوا عليها منذ الأزل، وهي الأرض. فما يسمى 'المجلس الوطني'، وما تسمى 'الجمعيات الخيرية'، وأعني هنا تحديدًا، من تحمل منها صفة 'الإسلامية'، وما يسمى 'المحليات'، وما تعج به الحواري والدساكر مما يسمى 'لجان شعبية'، وما تعج به المكاتب الحكومية من امبراطوريات صغيرة للرشوة والفساد، ليست، في مجموعها، سوى 'تمددات انقاذية' لبنية العقل الرعوي الذي نخر بنية الدولة الحديثة وحولها إلى حيازاتٍ خاصة، فأضحت الدولة مجرد قوقعةٍ فارغة. يأكل هذا الأخطبوط الرعوي أموال الدولة، وأموال الناس في آنٍ معا.

واضاف ان 'إعادة العقل الرعوي انتاج نفسه عبر فعل الثورة، هو بالضبط ما قام به الإخوان المسلمون، حين قاموا بانقلابهم في 1989. سموا انقلابهم 'ثورة'، بل وسموها، 'ثورة انقاذ'. لم ينتبهوا إلى أنهم التصقوا في دوافع فعلتهم تلك، بالدين التصاقًا رعويًا فجًا، أخفوا به عن أنفسهم العلل البنيوية التي تحيط بفكرهم وبممارساتهم.

ويخلص الباحث السوداني إلى أن 'الرعوية يمكن أن تكون دينية، كما يمكن، أن تكون علمانية. من يرفع عقيرته بالأسئلة وبضرورة المدارسة، وفحص السياق القائم فحصًا دقيقًا، والتريث، يجري تخوينه، ودمغه بأرذل الصفات. وهكذا يشترك بعض العلمانيين مع بعض المتدينين في إعادة انتاج العقل الرعوي، بالإعلاء من شأن الشحن العاطفي، والتبسيط البئيس”.الغد
التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012