أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 08 أيار/مايو 2024
شريط الاخبار
بحث
الأربعاء , 08 أيار/مايو 2024


الأردن في السؤال «السلطي»:: مدينة تواصل الحراك وغالبية نخبها صامتة

بقلم : بسام البدارين
07-04-2018 06:45 AM

لا يمكن في الظرف الحالي على الاقل تقديم اجابة مقنعة على السؤال المحلي الأردني الغامض: .. ما الذي يريده تحديداً اهل مدينة السلط المصرون على ادامة حراكهم الشعبي وتصعيدهم في الخطاب؟
ثمة بعض الشكوك في ان المعتصمين بصفة ليلية في ساحة عامة داخل مدينة السلط لديهم تصور موحد اصلاً يجمعون عليه خصوصاً بعدما انحسرت موجة الحراك في بقية المدن والمحافظات. وثمة شكوك اقل عند الغالبية المتفرجة من نخب مدينة السلط نفسها في ان المعتصمين واصحاب الصوت المرتفع جداً يعرفون بدورهم ما هو المطلوب لوقف احتجاجهم وبصورة تفصيلية.
وسط هذه التكهنات والتقولات يسجل حراك مدينة السلط مجددا الاسبوع الماضي وفي أمسية محتجة هتافات ورسائل لم يصل لها قبلهم أي محتج او معترض اردني وفي اي وقت على اي شيء. ثقبت تلك الهتافات كل السقوف وبدا ان نخبة من اهالي السلط وكلما تأخر العمل على التعامل معهم مستعدون لتوجيه رسائل قاسية وخشنة تنتهك حتى تلك المحرمات التي اعتاد عليها الأردنيون في حالة الغضب الاجتماعي حيث لم يعد حراك السلط يطالب بإسقاط حكومة الدكتور هاني الملقي ولا اسقاط مجلس النواب ولا فقط محاربة الفساد بل تبرز عبره في بعض الاحيان خطابات وهتافات تعترض وفقط .
وفي بعض المفاصل توجه كلمات قاسية للمستوى المرجعي وبصورة تظهر غياب جرعة التسييس المنطقية لصالح التصعيد اللفظي فقط. الحراكات المسيسة طويلة الامد لها بالعادة مطالب محددة ،الامر الذي لا يمكن استنتاجه حتى في حال محاورة المعترضين في هذه المدينة السياسية والتي كانت بالأصل عاصمة الدولة الأردنية الحقيقية قبل عمان.
غياب السياسة لصالح الصراخ وتجاوز الاسقف والخطوط الحمراء قد لا يؤدي لنتيجة عمليا بقدر ما يظهر الاحتقان فقط لا على صعيد برنامج مطلبي محدد ولا على صعيد المبرر الذي نتج عنه الانفعال الشعبي اصلاً وهو ارتفاع الاسعار والتصعيد الضريبي. هنا يبدو ما يحصل في السلط مثير للحيرة لكنه في الوقت نفسه مدعاة للشفقة السياسية على غياب مريب للمبادرات المألوفة والمعتادة في حالات الاعتراض المناطقي والشعبي. ففي الحالة السلطية حتى اللحظة لا يمكن رصد مبادرات للوصول إلى معالجة توافقية لازمة المعترضين وهم بكل حال يمثلون جزءاً من اهالي السلط وليس كل بنيتها الاجتماعية والعشائرية.
غريب جداً عدم وجود مبادرات لا من المحتجين انفسهم ولا من قياداتهم. والاغرب هو عدم وجود مبادرات بالمقابل من قادة المجتمع المحلي ومفاتيح البنية الاجتماعية سواء كانت مستقلة او محسوبة اصلًا على الدولة وقريبة منها حيث لا اهتمام واضحاً هنا من شخصيات سلطية كبيرة تقلدت مواقع اساسية في الماضي باسم محافظة البلقاء.
فنخب البلقاء وهي تترك مشهد السلط الحراكي يتفاعل من تلقاء نفسه تنتج بالمقابل لغزاً حقيقياً حيث يغيب عن اضواء المشهد المحلي اخر رئيس وزراء من أبناء المدينة حكم لأكثر من خمس سنوات وهو الدكتور عبد الله النسور. ويغيب معه عن المشهد في مساره الاحتوائي شخصية كاريزماتية زعيمة وذات ثقل وطني وعشائري في المدينة من وزن الوزير السابق وعضو مجلس الاعيان مروان الحمود. ويترك المشهد ايضاً وزير الداخلية الاسبق وابن المدينة نذير رشيد رغم ان منزله استقبل اخر محطة حوار وتفاعل ملكية.
لا مبادرات في الاحتواء من شخصيات اخرى بارزة محسوبة على محافظة البلقاء بمن فيها البعيد عن الأضواء والمخضرم علي ابو الراغب وآخر وزير داخلية حاول واستقال الجنرال غالب الزعبي حتى شخصيات بلقاوية تغيب ايضاً مثل الدكتور معروف البخيت وعضو البرلمان المخضرم ضابط الامن المتقاعد محمود الخرابشة واللاعب الأساسي رجائي المعشر.
وفي الأفق علامات فارقة في حراك السلط الاحتجاجي تشكل بدورها المزيد من الاحجيات والالغاز فلا احد حتى اللحظة حاول التحاور مع المحتجين من طبقة اعيان ونواب ووزراء وجنرالات متقاعدين من ابناء المدينة.
ولا يبدو ان الحكومة اصلاً استعانت بأحد هؤلاء وطلبت منه التحدث مع المحتجين باعتبارهم مواطنين يلفحهم الجوع بسبب ارتفاع الاسعار او باعتبارهم نشطاء مسيسين غاضبين لان الصف الرسمي اسقطهم في الانتخابات او لديهم نوايا بالاستثمار في لحظة انفعال شعبي.
على ضفاف المسألة السلطية العشرات من النخب ذات الحضور القوي في بنية القرار والمشاركة في عمان وغالبيتها تصمت ولا تتدخل والاغرب جداً ان احداً في سلطة القرار والحكومة لا يستعين بها ولا يطالبها بالتدخل. سياسياً اذا جاز الحديث عن مسألة سلطية تنمو وتتدحرج في افق الحالة الوطنية الداخلية كما تدحرجت سابقاً ازمة مدينة معان جنوب البلاد فان الاستنتاج جائز في المقابل وبقوة بعنوان طرح سؤال شرعي يبحث عن تفسير أكثر الظواهر غرابة حيث لا يوجد ادلة او قرائن على مشروع رسمي يحاول احتواء المشهد في السلط.
المسألة الأخيرة هي الأكثر غرابة فعلاً لسبب بسيط فأهل السلط غاضبون ومحتقنون وشيمهم الوطنية خارج نطاق التشكيك بالولاء والانتماء بالعادة وبنيتهم العشائرية غير معروفة في المناكفة او الانتهازية ونخبهم تمتلك قدراً كبيراً من الثقافة… وبالتالي التحاور مع هذه الحالة الانفعالية المستمر منذ نحو 3 أشـهر واجب طبيعي خلافاً لأنه تقليد أردني بالـعادة.
وهو واجب كل المسؤولين اليوم في الدولة وبدون استثناء لأن التموقع في حالة ترفض تفعيل مبادرات الاحتواء لانفعال الشارع السلطي لا يقل من باب المسؤولية عن دور الانفعاليين في تصعيد اللهجة والخطاب واختراق السقف خصوصًا عندما تستخدم لغة غير مألوفة وتضر بمشاعر الأردنيين الوطنية عامة في بعض الهتافات حيث لا خلاف على المرجعيات ولا على ثوابت الدولة ولا على النظام بل على سياسات الحكومة وقراراتها وعلى اللصوص والفاسدين وكيفية التصرف معهم فقط.
وعليه يمكن القول بأن عدم وجود وتفعيل مبادرات نخبوية وسياسية او حتى بيروقراطية وحكومية لاحتواء حالة الغضب في الشارع السلطي اصبح السر الأعظم الذي يحتاج بدوره إلى تفسير وتحليل مضمون اكثر من الحاجة إلى فهم دوافع اطلاق عبارة جارحة او مسيئة هنا او هناك من مواطن انفعل او خسر مصالح حيوية بسبب موجة ارتفاع الاسعار.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012