أضف إلى المفضلة
الأحد , 05 أيار/مايو 2024
الأحد , 05 أيار/مايو 2024


ثور كبير...ثور حقير!
28-11-2011 08:42 AM
كل الاردن -

alt
د. م حكمت القطاونه
ما زلت أذكر تلك المحطة الصعبة من محطات حياتي وما أكثرها وما أصعبها وعلى اختلافها يجمع بينها أنها صارت ذكريات...ففي غُربتي الثالثة وكما أسلفت يوما وأنا طالب دكتوراه على مقاعد الدراسة في روسيا البيضاء حيث الظروف صعبة للغاية وبلادهم مُستهدفة وشبه مُحاصرة من مُعسكر الإمبريالية ورفاق الأمس والثورات الملونة، والدراسة تكاد تكون نقشا على حجر، فليس الوقت مُناسبا من حيث المسئوليات العظام على عاتقي كمُعيل لعائلة مُعظم أفرادها على مقاعد الدراسة، وتركتهم في وطني مُقتسما معهم ديناً جزئه الأكبر لتغطية تكاليف دراستي، والمتبقي لسد رمقهم، وليقيهم سؤال اللئيم والقريب على حدٍ سواء، وثانيا، وبعد أن تقدم بي العُمر وكما قال المثل (بعد ما شاب ودوه على الكتاب) أو كما قال مُشرفي العلمي الكسندر كوزنتسوف محاولا ثنيي عن التسجيل في برنامج الدكتوراه رأفة وشفقة بحالي ( أنني أيها الرفيق على مشارف السبعينات وليس بإمكاني أن أتعلم رقص الباليه) وكما هي العادة تجري الرياح بما لا نشتهي، فلقد تأخرت نصف عام عن الخطة التي رسمتها في ذهني، وكدت أعود إلى الوطن بِخُفي حُنين لولا طبعي العنيد وطبعي أني أكره أن أُهزم في تحدي وكما قال أرنست همنجوي :(الإنسان يُدمر ولكنه لا يُهزم).
أفلست في آخر ثمانية أشهر رغم التقتير على نفسي فتشردت كما الغجر وكُنت أقضي مُعظم أوقاتي في محطات القطارات لأتحاشى مسئولة السكن التي تُصر على دفع الأجرة المتأخرة، فجاء صديق شيوعي روسي قديم (فاديم) مُهندس يعمل في أحد معامل اللحوم مُديرا للصيانة فعرض علي المُساعدة أن أعمل في مصنعهم في فترة أعياد رأس السنة، حيث يزداد الطلب على اللحوم في مثل هذه الفترة، فوافقت فَرِحَاً وشرعتُ أعمل في ظروف صعبه كان يقوم هو عني في معظم واجباتي لشدة الصقيع والبرد، وأعمل أنا على إصلاح الأعطال في المواقع الدافئة نسبيا فقط.
في المصنع صورة للحياة تَجَلَتْ بمجموعة جزارين غلاظ القلب مفتولي العضلات مكشوفي المناكب وأعلى الجسد، لا يأبهون بشدة البرد والصقيع يحملون (البلطات – سكاكين كبيرة) يقطعون بها رؤوس البقر القادم إليهم من ألهناك، المُخدر بالصعقات الكهربائية على أقشطه مُتحركة، ويَحمل كل جزار بالضرورة كوباً كبيراً كالمستعمل لشرب البيرة فيملئونه بالدم الطازج ويشربونه ساخناً اعتقاداً منهم بأنه يمدهم بالطاقة وبالقوة الجسدية.
أما القصة المؤلمة فهي في ألهناك حيث في بداية المصنع حظيرة أبقار كبيرة وبجانبها واحدة صغيرة محجوزٌ فيها ثور كبير ضخم جدا يكاد يكون بحجم بقرتين أو ثورين من الحجم الطبيعي، فاكتشفت لاحقا لماذا يحتفظون بهذا الثور العملاق؟! واليكم القصة بل الحكاية:
ما أن تأتي الشاحنات وعربات القطار وتُفرغ حمولتها من الأبقار الفتيه في الحظيرة لتتم عملية دفعها إلى داخل المصنع لتُذبح، ولكن غريزة حُب الحياة وكره الموت ورائحته في المصنع تقف أمام دخول البقر عبر البوابةَ المخصصة للذبح، فيأبى البقر الدخول، ويقاوم ذلك بقوة، فيأتي دور الثور العظيم القذر، فيجمع البقر بحركة دائرية منه ويدخل أمام القطيع عبر البوابة إلى سرداب (كريدور) ضيق فيتشجع البقر ويدخل خلفه وبقيادته ولكن في منتصف الممر بوابه أوتوماتيكية جانبيه تفتح فقط للثور الكبير القائد فيخرج منها عائدا إلى حظيرته من جديد عبر ممر جانبي ليجد أشهى الطعام وبعضا من السكر ليتهيأ لعمليةٍ أُخرى، أما قطيع البقر المسكين فلا ينتبه للبوابة الجانبية التي تُغلق أوتوماتيكياً أمامه ويستمر في طريقه لنهاية الممر حيث ينتظره صاعق كهربائي يطرحه أرضا على أقشطه مُتحركة إلى المذبح ومن ثم إلى خطوط الإنتاج الأخرى.
تناقشت مع صديقي المهندس الروسي، وكما هم الروس فلاسفة حتى في الهندسة، فوجدته أكثر حُنقا مني على هذا الثور القائد، ولكنه يُخفف حُنقه وكما همومه وثورته على مرارة نظام الحياة الإنساني بأكواب الفودكا المُرة الحارقة.
حاولت إقناعه مرة أن تعال نُعطل نظام البوابة الجانبية الأوتوماتيكي ليصير الثور إلى مصيره المحتوم ويُعدم بالصاعق الكهربائي كما البقر وينال جزائه ويُصبح في خبر كان، فاقتنع بادئ الأمر لكنه عاد وانثنى قائلا أنكم العرب وكل الشعوب السامية تقبلون المؤامرة وتعملون بها وثورنا لا يستحق الإعدام وحده بل الإنسان الذي علمه الخيانة يجب أن يُعدم قبله!، وبصق إلى الأرض حُنقا وكما هي عادته يختتم شتائمه على ألنظام العالمي الجديد بعبارة ثور كبير ...ثور حقير.
والآن تذكرت القصة وفي النفس غصة أنني لم أوضح لصديقي الروسي حينها، أنه إذا كان في مصنعكم ثورٌ واحد ففي أوطاننا ثيران وأي ثيران؟!....وكما ثوركم دربوه على الدور الوظيفي فبلادي كُلما مَرَ دورٌ طلبوا من ثيرانها دورٌ جديد.
ما أسوأ العمالة! ما أسوأ العملاء! خصوصا عندما تُمعن النظر بما يلوح في الأفق وما ينتظر دمشق فأتخيلهم في جامعتهم العربية (الأمرونفطويه) بامتياز بريطاني، كالجزارين يحملون أكواب الدماء ليشربونها على نخب بلاد العرب أوطاني... أتخيلهم جميعا يقودون شعوبهم كما الأبقار عبر سراديب على أمل أن يلوذوا عبر بوابات جانبية ويسلموا من الأذى، ولكن هيهات يسلم مِنهم أحد، وخصوصا بعدما يُذبح السوريون نظاما ومعارضة داخلية من أجل أصحاب العيون الزرق والخضر والعيون السود في عواصم الاستعمار القديم الجديد من المعارضة المرتهنة طمعا في حظائر أبقارنا.
تذكرت قادة حراكات أردننا وثوارنا الجُدد وانتهازيتهم في قطف الثمار والاستثمار في حناجر الصادقين في شوارع بلادي، ليخرجوا بربطات عنقهم علينا على شاشات فضائياتنا، يشبعوننا تنظيرا وردحاً، حتى تخال أن (قيفارا) قزمٌ أمام طلعتهم، و(هوشي منه) تعلم في مدرستهم!، فأقول لذاك الثور عُذراً أيها الثور الكبير ...عذرا أيها الثور الحقير فذيلك أطهر من شوارب ولحية أطهرهم.
 hekmatqat@yahoo.com

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
28-11-2011 09:47 AM

الهمزة في مسؤوليات تكتب على واو لانها مضمومة وما قبلها ساكن

2) تعليق بواسطة :
28-11-2011 12:08 PM

لا تعليق لقد تميزت جدا بهذا الموضوع وارجو لذوي الالباب ان يفكروا ولو قليلا بهذا.

3) تعليق بواسطة :
28-11-2011 12:46 PM

السيد الدكتور المهندس حكمت: كتبت فوصفت فابدعت ولكن هل يفهم المعنيون. شكرا لك على الكتابة الرائعة.

4) تعليق بواسطة :
28-11-2011 12:54 PM

مبدع

5) تعليق بواسطة :
28-11-2011 01:57 PM

معوق . ارجو النشر . مشان الله فكونا من الي عايشين قبل 1000 سنة والله هدا مابمثل غير حالو.تخلف بعدو بحكي عن روسيا.والطقاعةز

6) تعليق بواسطة :
28-11-2011 05:13 PM

اكرر تحيتي لكم استاذي الفاضل د حكمت وبعد.

أكاد اجزم بل وأقسم ان دورة الحياة المفترضة لنا لم تسير بوتيرة الظلم هذا والتهميش المقصود والأجبار على الشرب من بئر القهر هذا الا بقوة وخداع ولؤم ثيراننا الممتدون على عدد خفقات قلوبنا ,,,,والفرق الوحيد على ما اعتقد هو حبل المساومة على لقمة عيشنا والعصا والجزرة وهو غير موجود عند ثيران الرفاق

7) تعليق بواسطة :
28-11-2011 05:30 PM

شكراً ابو عمر لقد ابدعت كعادتك ولكن من يفهم

8) تعليق بواسطة :
28-11-2011 07:25 PM

الاخ الدكتور حكمت!....
اخاالظمأ وخاصرتي من هذا ألقفر.....
بعد ليلةٍ قضيتها بفضاء مقالتك، ليلة ليلاء لم أسترح فيها من الضجعة إلا إلى القعدة ولا من القعدة إلا الى القومة، بما ضجت به جنباتك من شقوة الايام أتلمس الصواب منك في هذه الدجينة الحالكة من ليلنا السياسي غالبت عيناي السنة من النوم.
دكتور حكمت، بلى سرجي ووهت علائقه ولم يبقى لي من فصيح المقال تلقاء مقالتك إلا ما أبتاع به سرجا وأن كنت الحصان الوحشي الذي لا يُسرج وأن كانت الساعة فجرا.

9) تعليق بواسطة :
28-11-2011 07:54 PM

الى تعليق رقم 5 يظهر من جوابك انك انتا المعوق ولم تفهم المقال من أصلو...ارجو النشر

10) تعليق بواسطة :
28-11-2011 07:56 PM

ابدعت يا ابو عمر

11) تعليق بواسطة :
28-11-2011 10:18 PM

مع اني لا اعرف الكاتب ..لكنه ابدع ..شكرا على المقاله الرائعه او الروايه التي توصف حال العرب ..وااسفاه

12) تعليق بواسطة :
28-11-2011 10:32 PM

حلو كثير ولا اروع فهل من متعظ؟

13) تعليق بواسطة :
29-11-2011 08:57 AM

كل التحية والتقدير للدكتور العزيز وانا من اشد المعجبين بافكارك ولاكن اسمح لي هل المقصود باالابقار المسكينة هذا النظام السوري الوحشي وان الشعب السوري ومن تعاطف معة من العرب هم الثور حقا انة زمن الشقلبة

14) تعليق بواسطة :
29-11-2011 09:57 AM

د.حكمت..تحية واحتراما. اتصور معاناتك واثمن صمودك واصرارك على النجاح رغم الظروف التي ذكرت..مع ان معظم ابناء عمومتك من الكركية والجنوب المقهورمروعلى نفس الدرب الا القلة من العائلات البرجوازية التي ورثت الجاه والمنصب ومن قدر
له ان يتبغدد في بغداد العرب قبل ان تتحول الى عدو للعرب بفعل العرب.
وعن الثور اياه المسير وليس المخير فلا مجال للمقارنة بينه وبين ما اسميتهم ثيراننا
فعلى الاقل ثورهم يقوم بدوره الغريزي في التلقيح واستمرار السلالة البقرية
ويستفاد من ذريته حليبا ولحما وحلدا وقد يسستعمل حراثا وفي اندلسنا المفقود
ضحية لامتاع الجماهير السادية التي ارتوت من دمائنا بعد تفرقنا والكيد لبعضنا والعمالة لعدونا كما حال حكامنا اليوم.
وعن ثيراننا الذي ذكرت فلقد ظلمت الثيران وجنسهم عندما ضممتهم لذاك القطيع
النافع...سمهم ضباع سمهم خفافيش سمهم مصاصي دماء الشعوب سمهم بابشع الاسماء فلا
فائدة منهم بل كل ما نحن به من مصائب بسببهم ومنهم وبفعلهم..ولك كل الحب والاحترام

15) تعليق بواسطة :
29-11-2011 10:43 AM

ابدعت يا دكتور حكمت في هذا الكلام الجميل

16) تعليق بواسطة :
29-11-2011 01:27 PM

إلى الأخوة المعلقين المحترمين جميعا....إلى من أيدني ومن خالفني تحية وإلى كل قراء كل الأردن وما يخط قلمي إيمائة تقدير وتلويحة يد ان حياكم الله ويا هلا:
أشكر بشكل خاص المعلق أبن العم شاهر المعايطة الذي يُصر دائما على متابعة ما اكتب وألفت نظره إلى قدرته الخلاقة التي تأتي بمستوى كاتب كبير من العيار الثقيل.
ولا ننسى المهندس فواز الصرايرة وذوقه الرفيع الواضح من متابعاته لقضايا وطنه وهموم زملائه وشعبه، والاخ المغترب المتواصل مع الاردن من جده عبر شاشة كل الارن السيد طايل بشابشه الذي أحترمه وادعو الله له بالتوفيق والصبر على غربته والبعد عن اهله وعشيرته وبلده.
للأخ ابن العم رزق المجالي تحية وجوابا على سؤاله اقول: يا أخو خضرا أختلطت علينا الأمور وتبدلت الأصطفافات وبتنا في حيرة الحليم ألحيران في زمن الفتن وبالنسبة لموضوع سوريا ،فأنني أُمسي بقناعه وأصبح بعكسها ولكن الثابت عندي ان لعن الله كل حاكم ينفرد بالسلطه ويظلم شعبه ولعن الله كل طامح للوصول للحكم على دبابة المستعمر وينتهز ثورة الناس وتضحياتهم لأغراض الخيانة والعمالة وهمه ان يسبدل الثور الحقير بآخر أكثر حقارة.
لكل المعلقين والقراء دون إستثناء ألف شكر.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012