أضف إلى المفضلة
السبت , 27 نيسان/أبريل 2024
شريط الاخبار
بحث
السبت , 27 نيسان/أبريل 2024


ليس دفاعا عن الاسلاميين
14-12-2011 09:54 AM
كل الاردن -


alt

مخاض الربيع العربي       

كانت أهم نتائج ما سمي بالربيع العربي ، نجاح الإسلاميين في الانتخابات التي أجريت في بعض البلدان العربية التي تمكنت شعوبها ولأول مرة من ممارسة حقها في الاختيار ، ربما كانت هذه النتائج صادمة لمنافسيهم من القوميين واليساريين ، لكنها منطقية في ظل عقود من مطاردة الإسلاميين ، وفي حالة نادرة لم تحدث سابقا : إذ التقى الغرب والشرق واتفقت الرأسمالية والشيوعية وتوحد المحافظون والليبراليون والرجعيون والتقدميون على أمر واحد هو .. محاربة الإسلام السياسي .

ألقى الرئيس كلينتون خطابا أمام البرلمان الأردني عقب حضوره توقيع اتفاقية وادي عربه عام 1994 ، حدد فيه مواصفات الإسلام المقبول ، وهو الاقتصار على الشعائر والطقوس ، أي التدين الفردي ، بلا تدخل في الأمور العامة ، بعد ذلك عام 1998 وقبل ظهور ( الإرهاب ) ووصم الإسلام به ، دعا فوكوياما أن يتم العمل خلال السنوات العشرة القادمة على إحداث تطويرات على الإسلام شبيهة بتلك التي حدثت للمسيحية من أجل فصل الدين عن الحياة العامة .

ولما تسلم المحافظون الجدد قيادة العالم ، انتهجوا القبضة الحديدية بدلا من الخطط طويلة الأمد ، فكانت الحرب على الإرهاب عنوانا ، وشارك العالم أجمع في تلك الحملة في حالة توحد فريدة في التاريخ ، والمستهدفون فيها لم يكن ( الإرهابيون ) فقط ، بل استغل تلك الحالة المجنونة كل من له ثأر أو مناوئ ، لكن المسلمين والعرب كانوا أكبر المستهدفين .

يخطئ من يعتقد أن المظلوم يسامح ، أو أن المقهور يتعود الحالة بمرور الزمن ، لذا شاهدنا الثورة العربية وهو تشتعل في تونس أولا ، ليس لأن الفقر فيها أكثر بل لأن القهر كان فيها أعظم ، حيث تفوق النظام التونسي على غيره من الأنظمة العربية ، فهو أول نظام قمع المعارضة وحظر الإسلام السياسي ، بل وسبق فوكويوما بسنوات ، فمنع الحجاب وشجع فرنسة تونس ، فلما جاءت حادثة البوعزيزي ، لم تتوقف الجماهير عند المطالبة بإصلاحات بل بتغيير النظام ، ولما جرت الانتخابات أظهرت النتائج تفوق الإسلاميين الواضح ، وتفسير ذلك أن القمع الذي كان منصبا على الإسلاميين أكثر من غيرهم ، فنالوا التعاطف من الثائرين إضافة الى أصوات مؤيديهم المنظمين ، وإذا ما أخذنا بالاعتبار أن غير المنضمين الى تنظيمات سياسية وهم غالبية الناخبين يصوتون لمن يثقوا بحسن أخلاقه ، وينظر في العادة في المجتمع المسلم إلى أن الالتزام الديني والأخلاقي متلازمان  لذا فإن المرشح الإسلامي لا يبذل كبير عناء ويكفيه انتماؤه السياسي ذاك العناء فيما لا تتوفر نفس الفرص أمام العلماني وإن توفرت فيه المؤهلات . إضافة الى كل ذلك فإن منطق الثورة يدفع باتجاه تغيير كل ما كان قائما في ظل النظام البائد .

وفوق ذلك كله تجد من يقول : كل هذا الذي نعاني منه حدث في ظل سيطرة الليبراليين على مقاليد الحكم لعشرات السنين ، فما المانع أن نجرب الذين كانوا يخوفونا منهم ( الإسلاميون ) هذه المرة فلعلهم أقل سوءا ؟ وما أدرانا بأن التذكير الدائم بالنموذج الأفغاني ما هو إلا فزاعة لتخويفنا من هؤلاء الذين لم يسمح لهم بالوصول الى الحكم ؟؟

مع انتشار الثورة العربية تم تكرار النموذج التونسي ، وظهرت النتائج الانتخابية في مصر متقاربة الى حد كبير ، رغم أن مصر تعتبر الحاضنة لأكبر نسبة من العلمانيين واليساريين والقوميين والإقليميين على حد سواء ، ومجموع هذه القوى هي التي تتنافس مع الإسلاميين ، لكن المفاجأة هي في النسبة العالية من الأصوات التي حصدتها القوى الإسلامية المتطرفة .

ويمكن تفسير ذلك بأن مصر يغلب عليها التدين ، وكانت أولى نتائج غياب معايير العدالة ودعم المجتمع الدولي برعونة وعنجهية للعدوانية الإسرائيلية والتطرف العالمي في محاربة الإسلام السياسي ، هي نمو الجماعات المتطرفة على النقيض الآخر وفي جيل الشباب بالتحديد ، واذا ما أضفنا الى ذلك انقياد الأنظمة العربية وفقدانها الوزن والتأثير ، فسنجد أن الظروف قد تهيأت تماما لنمو الجماعات المستعدة لإزالة كل ذلك القهر والظلم بالقوة بعد أن فقدت الأمل بزوال ذلك بالعدالة الدولية .

من هنا فإن الأمور ستكون أصعب كثيرا أمام الإسلاميين المعتدلين ( الإخوان المسلمون) ، فالمنهج الفكري هو ذاته منهج المتطرفين مع اختلاف الاجتهاد الإيديولوجي في التطبيق ، ولن يكون التحالف بينهما سهلا ، بل الاحتمال الأقرب تحالف مع جهات وطنية أخرى ضمن برنامج توافقي ، وسيجعلهم هذا البرنامج مكشوفي الظهر أمام سهام المتشددين واصطيادهم بتهمة المروق وتطويع الدين لمصالحهم .

ربما أنه لن يكون هنالك جدال كبير بأن الدول العربية التي مازالت في مرحلة الثورة على أنظمتها أو تلك التي تنتظر على الدور ، سيختلف الأمر عن النموذجين التونسي والمصري إلا في التفاصيل الجزئية ، حتى في الأقطار التي استبقت الأحداث بإجراء انتخابات حقيقية لأول مرة كالمغرب ، فإن النتائج أظهرت أن الوضع مشابه من حيث حصول الإسلاميين على الأغلبية ، وعندما ستجرى انتخابات نزيهة في الأردن فإن النتائج لن تكون بعيدة كثيرا عن باقي الدول العربية .

الاسلاميون والنقابات المهنية :

  لم أكن يوما من الإسلاميين ، ولست من اليساريين رغم ان غالبية معارفي منهم ، إلا أنني احترم الطرفين  وأقدر نضالاتهم مثلهم مثل باقي أحزاب المعارضة الأردنية الأخرى ، كما احترم وأقدر بذات القدر أصحاب الفكر والملتزمين بالهم الوطني من المستقلين وهم أولئك الذين لم يجدوا بعد حزبا يلتقون معه فكرا فينتظمون به ، ويستودعونه طموحاتهم .

من خلال تجربتي المتواضعة في العمل العام في المجال النقابي منذ عام 1975 ، أمكن لي أن أشهد تكون الملتقى الوطني لدعم الانتفاضة الفلسطينية الذي تطور عام 2002 ليصبح ملتقى لمجابهة التطبيع وحماية الوطن ، وأصبح المنبر الرئيس لتنسيق النشاطات الوطنية المشتركة بين النقابات المهنية والأحزاب المنضوية تحت ما سمي " لجنة التنسيق لأحزاب المعارضة " ، ويتألف هذا الملتقى من النقباء المهنيين الأربعة عشر( مجلس النقباء ) والأمناء العامين للأحزاب إضافة الى عدد من الشخصيات الوطنية المستقلة تم اختيارهم بالتوافق ، وكان هذا الملتقى يعقد اجتماعات غير منتظمة برئاسة رئيس مجلس النقباء او رئيس لجنة التنسيق بشكل تبادلي ، ومهمته الإشراف على النشاطات الوطنية المشتركة من مسيرات ومهرجانات وندوات .

في الفترات التي رأست فيها هذا الملتقى ، أمكن لي أن أطلع عن كثب على هذا البعبع ( الإسلاميين) الذي طالما خوفونا به ومنه ، والذي كان محور اهتمام الكثيرين سواء كانوا من منافسيهم ( الأحزاب المعارضة الأخرى ) أو من المتوجسين منهم ريبة ( السلطة) أو من أعدائهم ( اسرائيل ومن ورائها التحالف الدولي) .

كان الهمز واللمز على الدوام من الحكومة وأعوانها مستهدفا النقباء باتهامهم بأنهم يتلقون التعليمات والتمويل من " العبدلي " في إشارة الى مقر حزب جبهة العمل الإسلامي وهي الذراع السياسي للإخوان ، فتكون لدي فضول أن أتعرف على هذا المقر – الأسطورة ، وجاءت الفرصة عندما دعيت لإلقاء كلمة باسم النقابات المهنية في إحدى نشاطاتهم فذهبت قبل الموعد ، صدمت حين دخلت بمظاهر الفقر والبساطة ، لم أجد أحدا غير موظف يصطلي بمدفأة كاز متهالكة، ولما سألته عن الشيخ حمزه منصور، قال إنه لم يحضر بعد ، وأومأ برأسه صوب شخص يقرأ في كتاب قرب الشباك قائلا : شوف الدكتور ارحيل ، وهو بالمناسبة قريبك .

كانت تلك أول معرفتي بالدكتور ارحيل غرايبه ، الذي تعجب بطيبته وتواضعه للوهلة الأولى، ويزداد إعجابك به كلما اطلعت على غزارة علمه وطول باعه الفكري .

كان النشاط الذي شاركت به مقاما في سقيفة من الزينكو على سطح المقر ، فدهشت للصورة المقلوبة التي يحاول الإعلام الرسمي أن يرسمها عن الإمكانيات الهائلة للإخوان ، ولما بحت للشيخ حمزه بدهشتي ، علق ضاحكا : الله يسامحهم ، صيت الغنى ولا صيت الفقر .

وتأكدت الصورة الحقيقية فيما بعد عندما تأخر الشيخ حمزه عن تسديد حصتهم من تكاليف يافطات إحدى المسيرات ، والمبلغ يقل عن مائة دينار ، وجاءني الى مجمع النقابات طالبا الامهال ، ولما أحس مني استغرابا ، قال إن تمويلنا ذاتي وغالبية المتبرعين هم مهنيون في الأعمال الحرة وليسوا من الطبقة الموسره ، ونشطاؤنا كما تعرف محرومون من فرص العمل ومحاربون في أرزاقهم ، ونحن معسرون الآن بسبب حلول موعد أجرة المقر .

كانت تلك حدود معرفتي بقيادات الإسلاميين ، لم تكن لنا معهم كنقابات أية احتكاكات سلبية ، مثلما لم تحدث تعديات أو تدخلات ، كما أنني لم ألحظ محاولات للهيمنة على مجمع النقابات ، صحيح أنه كانت خلال فترة تأزم العلاقة مع الحكومة من عام ( 2002 – 2005 ) ، كان ثلاثة من أصل الستة نقباء محسوبون على التيار الاسلامي ( ليسوا من الإخوان ) واثنان محسوبان على التيار القومي ، والسادس كنت أنا ومحسوب على تيار المستقلين ، لكنا في مجمع النقابات لم تحدث أية اصطفافات استقطابية فيما بيننا ، لأن غالبية قراراتنا كانت تتم بالتوافق وليس بالتصويت .

ورغم ذلك فقد كانت النقابات تتهم بأنها رهينة الاسلاميين ، وتهاجم بناء على هذا التصور ، واستهدفت بحملات عاتية من قبل الحكومة والصحافة الموالية والمغرضين ، ومن طريف ما حدث في هذا السياق ، ما كتبه يوما الأستاذ طارق مصاروة وبناء على معلومات مضلله عن تقصير مالي لنقيب ومجلس أطباء الأسنان ولما اتصلت به معاتبا عدم تحريه الحقيقة ، اعتذر لأنه أفهم أن النقيب المعني من الإسلاميين ولو عرف أنه أنا لما فعل !!.

  هذا عن الإسلاميين القياديين ، أما عن القواعد أو ما اصطلح عليه في النقابات المهنية بالتيار الإسلامي ، فكما هو معروف أن بعض النقابات انغمست في الصراع بين القائمتين : البيضاء ( الإسلاميين ) والخضراء (القوميين واليساريين ) ، وفيما ظلت النتائج سجالا في نقابات الأطباء والمحامين والصيادلة ، انفرد الإسلاميون بقيادة أكبر نقابة ( المهندسين ) ونقابة المهندسين الزراعيين منذ أكثر من عقد من الزمان ، أما نقابة أطباء الأسنان فلم يكن للبيض او للخضر تأثير كبير وبقي المستقلون هم القوة الرئيسة ، وفشل مسمى القائمة البيضاء في التجربة الوحيدة عام 1998 ، ولم يتمكنوا من الانفراد بالقيادة إلا أنهم استطاعوا المشاركة بفاعلية من خلال تحالف قاده المستقلون في قائمة الوحدة الوطنية منذ عام 2002 .

قيل الكثير عن سيطرة الإسلاميين على النقابات المهنية ، وسواء كان ذلك وهما أم حقيقة ، فإن حصولهم عل حصة الأسد في بعض النقابات كان بالطرق الديمقراطية المشروعة وعن طريق صناديق الاقتراع ، وإن تمكنوا من التفوق في النتائج على كل مرشحي الأحزاب الأخرى مجتمعين فلا يدل ذلك ألا على حجم تأثيرهم الحقيقي في الشارع النقابي ، وهو مقياس صحيح لأنه لم يعرف عن الانتخابات النقابية يوما أية حالة تزوير أو ممارسة غير قانونية .

هذه حقيقة ، أما الحقيقة الثانية فهي أنه لم تسجل على الإسلاميين أو مناصريهم أية حادثة رفض لنتيجة اقتراع لم تكن لصالحهم ، ولم يلجئوا يوما الى التحريض على منافسيهم أو الاستقواء بالسلطة أو الإجراءات القضائية لإفساد نجاح منافسيهم ، كما فعل كثيرون مناكفة أو مكابرة .

والحقيقة الثالثة التي يعرفها كل من تشارك معهم في قائمة أو في ائتلاف ، وهي الوفاء بما التزموا به والأمانة بالتصويت للحليف ، ولا أعتقد أن التاريخ النقابي سجل عليهم موقفا غادرا أو إخلافا لعهد عاهدوه .

كل ما ذكرت آنفا هو شهادة لصالحهم لكن الوجه الآخر للصورة غير مشرق ، وهو ما يؤخذ عليهم من سلبيات اتسموا بها وساهمت في توسيع الهوة بينهم وبين الشارع وأهمها :

1 – الأنانية التنظيمية : وتظهر جلية عند استفرادهم بإدارة أي مرفق عام ، فالأولوية في المواقع الهامة تعطى لأتباعهم ومؤيديهم ، ولا ينال الآخرون إلا الفتات ، لكن الأمانة تقتضي تبيان أن هذه الحالة تنطبق أيضا على التنظيمات السياسية الأخرى والتي تمارس نفس الشيء لو أتيح لها السيطرة ، وقد جرب ذلك في النقابات المهنية ، فكلا القائمتين البيضاء والخضراء كانت الفائزة منهما تحتكر المكاسب لأتباعها وتحرم الطرف الخاسر من الكعكة .

2 – الحرد أو العزوف عن المشاركة ، وهذه الظاهرة امتاز بها الإسلاميون دونا عن غيرهم ، ففي النشاطات الوطنية العامة التي لا يقودها الإسلاميون أو لا يكون لهم فيها حصة الأسد ، تغيب كوادرهم وذلك من أجل ايصال رسالة الى المنظمين بأن جمهور الإسلاميين هم الذين ينجحون النشاط أو يضعفونه .

وقد تعلمنا ذلك الدرس جيدا في النقابات ، فكنا نلجأ الى إعطاء كلمة للشيخ همام سعيد أو قيادي آخر من أجل أن تزدحم القاعة بالحضور .

وفي المسيرات المشتركة وخاصة في المحافظات ، كثيرا ما كان الاسلاميون يفاجئون المنظمين  بأن انطلاق جمهورهم من مكان غير المتفق عليه ، وذلك من أجل إظهار أن حجمهم أكبر من حجم الآخرين .

3 –: الحمائمية : وهي حالة لبستهم منذ البدايات الأولى ، فعلى الرغم من الاختلافات بين قياديهم على مر السنين ، وظهور جناح متشدد يطالب بالتزام بالمبادئ وعدم الدخول في مساومات عليها ، إلا أن الصوت الغالب دوما كان للحمائم فهو الذي يتغلب دائما ، وينجح في عدم الدخول في أي صدام مع السلطة مهما تطلب الأمر من تنازلات .

وقد شهدنا حالات كثيرة تم فيها تمرير الأزمة بتنفيسها من طرف واحد هو طرفهم ، وبالتالي استثني خيار الصدام ، والحالات متعددة لكننا نورد مثالا واحدا فقط وهو قصة السيطرة الحكومية على جمعية المركز الاسلامي الخيرية ، وهي الذراع المالي القوي للإسلاميين ، فمن المعروف لدى الشارع الوطني أن هذا القرار جاء كأحد متطلبات الحرب على الإرهاب لقطع التمويل عن منظمات يعتبرها الأمريكان إرهابية مثل حماس ، ويعرف الشارع الوطني أيضا أن ردة فعل الاسلاميين على ذلك كان قبولا كاملا من دون احتجاج ، كما استبعد أي قرار بالتصعيد .

ومرت سنوات ولم تجد اللجنة الحكومية المعينة لإدارة الجمعية ما كان يعلن  أنها تبحث عنه – أي الفساد ، ورغم ذلك لم يرتفع صوت من العبدلي يطالب باستعادة الحالة الطبيعية للجمعية ، مما رفع من وتيرة اتهامات منافسيهم القائلين بأن صمتهم هذا من أجل طمأنة الأمريكان على انتفاء وجود دعم مالي لحماس .

 4 – البراغماتية : منذ البدايات كانت المسوغات لهكذا نهج أن الجماعة حركة اصلاحية اجتماعية وليست تنظيما سياسيا ، فكان التوسل بالدعوة سبيلا لتجنب الملاحقة الأمنية ، ولما انشق الشيخ تقي الدين النبهاني ليؤسس حزب التحرير ، ظهر وكأن الجماعة تحظى بالرعاية الرسمية ، من خلال انغماسها في محاربة الشيوعيين إبان الخمسينيات والستينيات ، واستطاعت التمدد لكنها لم تقدم خطابا ايديولوجيا مثلما فعل التحريريون ، فنالت الرضا الأمني وانصب القمع على التحريرين .

كما استفادت من السماح بتأسيس الأحزاب فتم لجماعة الإخوان المسلمين السيطرة على حزب جبهة العمل الإسلامي الذي كان كثيرون من الإسلاميين من غير الأخوان يأملون بأن يكون مستقلا عن الجماعة ، لكن ذلك لم يحدث ، وأصبح الحزب واجهة سياسية للإخوان ، وظهرت البراغماتية جلية من خلال استفادة الأخوان من هذه الازدواجية التنظيمية ، ففي النواه ( الجماعة ) يتفق على القرارات الإستراتيجية ، وتترك القرارات التكتيكية للغلاف ( الحزب ) .

5 – احتكار تمثيل الإسلام : لم يسجل على الإخوان يوما إعلانهم تمثيل الإسلام سياسيا أو عقيديا ، بل أكدوا دوما أن المسئولية عن أخطاءهم لا يتحملها الدين ، لكن حظر الحزب الاسلامي الآخر ( حزب التحرير ) ادى الى انفرادهم بالواجهة الاسلامية ، فيما تعددت الأحزاب الماركسية والقومية .

لا شك أنهم استفادوا من حالة الانفراد هذه بالتعاطف الشعبي الواسع المندفع من عاطفته الدينية أولا ، ومن فشل القوميين في تجربتهم في الحكم ثانيا ، واخفاق الماركسيين في اقناع الناس فكريا ثالثا ، لكن وعلى الرغم من هذه الظروف المواتية لهم لاكتساح الشارع ، إلا أنهم لم ينجحوا باغتنام هذه الحالة بسبب الممارسات السلبية الآنفة الذكر

بل على العكس أتاحت كل تلك الممارسات الفرصة للمتربصين بهم أن يضعفوا الثقة بالإسلام السياسي كمنهج صالح لإدارة الحكم ، كما فتح المجال للمعادين للإسلام لاستهدافه بسهام حقدهم دون وجل ، تحت غطاء مهاجمة الاسلاميين .  

 الاسلاموفوبيا العربيه ( الخوف من حكومة اسلاميه ):

حاربت الأنظمة العربية منذ قيامها الإسلام السياسي ، واعتبرته العدو الرئيس ، واستعملت كافة الوسائل من قمع ومطاردة وحظر والتفاف ، ولم يتخلف عن هذا النهج نظام رجعي او تقدمي ولا حكم ممانعة او موالاة .

وجرى تزوير الانتخابات لمنعهم من الوصول الى الحكم برضاء وموافقة الغرب حامي الديمقراطية  .

عندما حانت ساعة الحرية وسقطت أنظمة الظلم والقمع أظهرت الانتخابات حجم القوى السياسية ، وكشف الفارق الحقيقي فيما بينها ، وبغض النظر عن الظروف التي أدت الى النجاح البين للإسلاميين ، فإن على كل المؤمنين بالمنهج الديمقراطي أن يتقبلوا النتائج بصدر رحب .

لا شك بأن العلمانيين العرب كانوا المستفيد الأكبر من اضطهاد الإسلاميين وإبعادهم  وحظر منابرهم ، وإن كانوا بحكم مبادئهم ضد القمع ومصادرة الحريات ، لكنهم إن كانوا يؤمنون حقيقة بمبادئهم ، فعليهم التوقف عن النشيج ويبتلعوا دموعهم ، ويبدءوا بمراجعة شاملة وموضوعية لاستعادة موقعهم في الخريطة السياسية .

إن الأصوات التي تعلو هذه الأيام منددة بنتائج  الانتخابات لأنها ستعطي الإسلاميين الفرصة للحكم ، هي تسرع غير حكيم بالحكم المسبق لمن لم يجرب قبلا ، وينبغي التروي وانتظار نجاح أو فشل التجربة ، وإلا فإن ذلك يدل على نزق سياسي ، وانحراف عن النهج الذي يقدس حرية الإنسان في اختيار منهج حياته .

لقد استمد اليسار شرعيته من التزامه بالدفاع عن المقهورين والمظلومين أينما كانوا والوقوف في وجه المستبدين والطغاة مهما كانوا ، وذلك من مبدأ حق الإنسان في حياة كريمة حره وفي ظل عدالة اجتماعية .

ولم يكن من مبادئ اليساريين يوما انحسار نضالهم ليقف عند حد الوقوف في وجه الاسلاميين أو منع وصولهم للسلطة ، والأمر المحزن أكثر هو استعداء عدوهما المشترك ( الامبريالية ) للمساعدة في هذا الهدف غير المقدس .

إن الحالة التي نشهدها اليوم من مناصرة الطغاة ضد الجماهير المطالبة بحرياتها خوفا من أن تؤول الأمور الى الإسلاميين يمثل قمة الردة على المبادئ ، بل ويشكك أيضا في حقيقة الدوافع .

ولا يشفع لمن تلبس بهذه الحالة الادعاء باكتشافه تحالفا موهوما بين الشعب الثائر والامبريالية ضد الحاكم !!

لأن الامبرياليين معروفون بأنه لا مبادئ لديهم بل مصالح فقط ، وليس من الصعب عليهم أن يقلبوا ظهر المجن لنظام آفل ليراهنوا على القادم ، والساذج فقط هو من يتوهم بأن مجرد رفعهم الغطاء عن حاكم يجعله بطلا وطنيا ، وأن تأييدهم للقادم يحوله الى عميل للمخابرات الأمريكية .

 

د. هاشم غرايبهنقيب اطباء الأسنان الأسبق

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
14-12-2011 03:29 PM

مقال موضوعي منصف محايد جزاك الله كل خير

2) تعليق بواسطة :
14-12-2011 04:32 PM

مقال جميل ودفاع لا بأس به عن الاخوان المسلمين, ولكنه لا يخلو من بعض التناقض ومخالفة واضحة للواقع الذي يعلمه المواطن الاردني, فادعاء او تصوير الاخوان " بانهم حزب فقير لا يملك 100 دينار"...!!! اضعف رد الكاتب الكريم وافقده المصداقية.
اظهار الاخوان بأنهم منافس شريف للوطنيين والقوميين واليساريين هو ايضا طرح يخالف الواقع, فمن المعروف ان الاخوان امتهنوا سرقة جهود الاخرين وركوب الموجة هو ديدنهم, بالاضافة الى اقصاء وتهميش خصومهم.....
قد لا اتفق مع ما ورد في مقالات " الاسلام المعتدل والخطر القادم- مشروع الشرق الاوسط الجديد" ولكن ارى شخصيا انه ابرز واقع الاخوان بصورة اكثر واقعية من مقال الكاتب الكريم هنا. والحقيقة قد تكون في المنتصف ما بين هذا الطرح وذاك.

3) تعليق بواسطة :
14-12-2011 04:39 PM

مقال رائع جدا,يصلح ان يكون ورقه سياسيه يسترشد بها من يدعون
انهم سياسيون في هذا الوطن,للأسف كل عباقرة الوطن مهمشون,واقول بكل حسره وألم اصبح المتزلفون والفارغون هم اصحاب الكلمه والراي

4) تعليق بواسطة :
14-12-2011 04:49 PM

أشكر الدكتور كاتب المقالة على هذا التحليل المنطقي , وأخيراً وجدت مقال يستحق القراءة

5) تعليق بواسطة :
14-12-2011 05:15 PM

فعلا مقال يستحق القراءة

منذ زمن لم نقرأ مقال رائع يحمل قراءات للماضي و الحاضر بصورة متسلسله و ربط جميل بين الاحداث .

كل احترام للدكتور هاشم غرايبه

6) تعليق بواسطة :
14-12-2011 08:21 PM

و ما فرق الاسلاميين عن الامبرياليين.....فكلاهما بلا مبادئ

7) تعليق بواسطة :
15-12-2011 12:51 PM

كنت من المطالبين بالملكيه الدستوريه, ولكني تراجعت عندما ايقنت ان الملكيه الدستوريه في الوضع القائم (مشكلة التجنيس) سيحول الاردنيين الى هنود حمر . شخصيا ,, لا مانع لدي ان كان الوزير المنتخب او حزب الاغلبيه بالبرلمان هو من الاخوان المسلمين . اذا كان ذلك ما يريده الشعب فعلينا ان نخضع لذلك وهذه ضريبة الديمقراطيه, لكن مشكلتي مع الاخوان ان لديهم اجنده فلسطينيه!!!! نعم , اذا لم نكن صريحين مع انفسنا ونسمي الاشاء بمسمياتها ونضع يدنا على الجرح , لن نستطيع تشخيص الوجع لكي نعرف ما هو الدواء المناسب.
نحن اردنيون, ومن حقنا ان نتولى حكم وسياسة بلدنا , بعملية التجنيس العشوائيه والتي تمت على حساب الشعب الاردني والتي تكررم بها ولاة امرنا عليهم , سيفقدنا هويتنا وبالتالي سيفقدنا وطننا.
قد يظن البعض انها اقليميه او انانيه او قد يظن آخر انها تهرب من القضيه الفلسطينيه, كلا انها ليست كذلك , لن نستطيع اعاده فلسطين اذا لم نقوي اساسنا وهو الاردن, بعملية التجنيس هذه ,, اننا لا نساعد الفلسطينيين , بل اننا نمحي هويتهم ونحول الاردن الى وطن بديل بدون ان نشعر .
قد يتسائل احدهم , وماذا سنفعل بالفلسطينيين الموجودين حاليا بالاردن او بالخارج, هل سيكونون ( بدون ) كما حصل بعد ازمة الكويت؟ اقول ,, لا,, وانا مع اعطائهم جميع الحقوق ما عدا الحقوق السياسيه ومنحهم جوازات سفر مؤقته للتنقل الى ان تحل القضيه الفلسطينيه .
تخيلوا معي هذا السيناريو ,,,, قبل عام 1990,,, كم كان عدد الفلسطينيين بالكويت مقارنه بعدد الكويتيين؟ لو تم تجنيسهم بالطريقه التي جنستهم حكوماتنا الرشيده ,, هل سيكون هنالك كويت؟
واخير,,, هذا رائيي الشخي ومنضوري الشخصي للامر وهو عرضه للانتقاد والمناقشه ودمتم اردنيين

8) تعليق بواسطة :
16-12-2011 08:25 PM

هذه عصا طويلة لا يحسن بك حملها من المنتصف , الانظمة العربية مسؤولة عن وضع شاقولي مقصود وممنهج فهي تلاحق مواطنيها لابسط سبب بينما تتفهم بعمق امتدادات حركات وتنظيمات وتتقسم معها مكاسب سيسية تبدو للبسطاء بانها نجاحات للاسلاميين بينما هي دفع مقدم على امل بيع اجل , ها قد جاءت موجة استعمار جديدة فمن يستقبلها ؟ اليس من المناسب ان يتم استقبالهم من (شخص اعتباري) ذي قيمة يسهل لهؤلاء الغزاه مهمتهم ؟ لقد جربوها في موجة سابقة وجولات انتهت بالضربة القاضية لصالحهم وجربوها في العراق وليبيا والان في سوريا عداك عن استثمار غباء اخرين في افغانستان والبوسنة والشيشان وووو وتطول القائمة واطول منها قائمة العلاقات لمحرمة التي اباحها اسلاميون بينما حرمها القرآن فاي اسلاميين تعني يا اخا العرب , لماذا كل هذه المجاملات الفاضية على حساب البسطاء والعامة او الدهماء كما تسمونهم ؟؟اتضحكون على ذقون الناس وتهزون لحاكم !!

9) تعليق بواسطة :
16-12-2011 10:20 PM

الزميل الدكتور هشم لقد فدمت دراسة للواقع الذي فيه الحركة الإسلامية ولكن لا ننسى أنها الوحيدة ضمن القوى السياسية الأخرى التي كان لها مطلق الحرية بالعمل في الوقت الذي كان قادة الأحزاب والقوى السياسية الأخرى تعتقل أو تشرد فكان تواجدها على الساحة السياسية شبه معدوم وهذا مما جعل للحركة الإسلامية لها قوة شعبية كبيرة كانت الحكومة تعتمد عليها في توجيه الطاقات السبابية بعيدا عن الأفكار القومية أو اليسارية وغيرها وخاصة في فترة حروب أفغانستان . وحتي عندما بدأت ما يسمى الحرب على الإرهاب وكان هناك توجه لإقصاء الإسلاميين لم يتم قمعهم أو الجز بهم في المعتقلات بينما إستمر القمع على الآخرين وعندما زورت الإنتخابات لإسقاط الإسلاميين في نفس الوقت تم إقصاء الأخرين من أصحاب الفكر القومي واليساري الوطني .
وهذا ينسجب على الحركات الإسلامية في بقية الدول العربية ففي مصر كانت تشارك في الإنتخابات المزورة لنظام مبارك وكانت مشاركتها شرعنة لمبارك وحكمه وأستبداد حزبه. ولي تعليق للأخ حسان تعليق 7 لم تتوفق في طرحك.

10) تعليق بواسطة :
17-12-2011 01:57 AM

انته الان بنظر الاخوان المسلمين (ذراع حماس بالاردن) عنصري اقليمي انته بينت الحقيقه واعطيت الحلول لاحظ انه عندما وعدهم عون الخصاونه برجوع حماس للساحه الاردنيه اصبحو مع الدوله الاردنيه وخفت الاعتصامات ولما جرى تاخير على زيارة مشعل للاردن بدات الاعتصامات لاسقاط وزارة عون ان قائدهم مشعل وليس الملك عبدالل اول مطالبهم (الملكيه الدستوريه) بس ياريت يفهمو الانصار الاردنيين شو بده ايصير فيهم مش هنود حمر ياريت ويجب ان نتذكر قول ياسر عرفات الاردنيين بالازرق ارجع للتاريخ واسال النائب الحجوج عضو منظمة فتح يا اخ حسان بدنا نسال الملك بهم اياه بدون صلاحيه لهم انتماء وقائد اخرر اذن جريمتهم تتعدى الفساد انها الخيانه وناهيك عن استخدام التقيه الايرانيه في كل عمل يقومو به اما مقال الدكتور هاشم غرايبه جردهم اقراء المقال اكويس شكرا د هاشم ياذكي

11) تعليق بواسطة :
18-12-2011 07:34 PM

الى الاخ حسان
مخاوفك ليس لها مكان على ارض الواقع ولكنها موجوده فقط في مركز الخوف لديك الذي تم العمل علية لعقود

12) تعليق بواسطة :
18-12-2011 08:18 PM

مقال مميز وفيه انصاف , مع الانصاف في هذه الايام اصبح شبه معدوم

ابدعن يا دكتوور

13) تعليق بواسطة :
19-12-2011 07:58 AM

[quote name="عدنان غرايبة"]الى الاخ حسان
مخاوفك ليس لها مكان على ارض الواقع ولكنها موجوده فقط في مركز الخوف لديك الذي تم العمل علية لعقود[/quote
اخ عدنان,,,, ارجو دحض رايي بالحجه والبرهان وليس بالقاء التهم او ادعاء احتكار الحقيقه,,, ولمعلوماتك,,, ,, اني جديد عالسياسه وكنت مغيب عن كل اشي بصير بالاردن وفتشت حالي 9 مرات تا الاقي مركز الخوف الي بتحكي عنه وما لقيته , واشكر لك تجشمك عناء القراءه والرد
واورجو من ادارة كل الاردن ان تفعل المربع الذي الاسفل الذي يقول (ارسال ايميل في حال ورود تعليقات اخرى ) لانه لايعمل

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012