12-01-2012 08:32 AM
كل الاردن -
منتصر بركات الزعبي
خصَّ الله - سبحانه وتعالى - الشبابَ ، وجعل لهم حسابًا خاصًا ، مع أنَّ الشبابَ جزءٌ من العمرِ ، لأنَّ مرحلةَ الشبابِ من أخطرِ المراحلِ في حياةِ الإنسانِ . أتدرونَ لماذا ؟ لأنَّها مرحلةُ القوةِ ، فالإنسانُ يبدأُ وبهِ ضعفُ الطفولةِ ، وينتهي وبه ضعفُ الشيخوخةِ .
يبدأ حياتَه ضعيفاً ، وينتهي ضعيفاً خائرَ القُوى ، ولو كان مهما كان ، واسعَ المعرفةِ ، كثيرَ التجربةِ قال الله تعالى : ( اللهً الذي جَعَلَ مِنْ بعدِ ضعفٍ قُوةً ثم جعلَ من بعدِ قوةٍ ضعفاً وشيبة يخلقُ ما يشاءُ وهو العليمُ القديرُ ) الروم 54
هذه القوةُ بين ضَعفين ، جَعلَتْ لفترةِ الشبابِ حسابًا خاصًا ، وجعلَتْ النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : (لا تزولُ قدَما ابنِ آدمَ يومَ القِيَامةِ مِنْ عندِ رَبِّه حتى يًسألَ عنْ خمسٍ : عنْ عُمُرِه فيمَ أفنَاهُ ؟ و عنْ شَبَابِهِ فِيمَ أبلاه ؟ وعنْ مالهِ مِنْ أينَ اكتَسَبَهُ ؟ و فِيمَ أنفقَهُ ؟ و ماذا عَمِلَ فِيما عَلِمَ ؟) .
ولمَّا كان الشبابُ من العُمُرِ ، وسَيُسألُ الإنسانُ عنه ما دامَ جزءًا من العُمُرِ ، أرادَ اللهُ سبحانه وتعالى أنْ يبيِّن أنَّ للشباب حسابًا خاصًا دونَ فترةِ الطفولةِ والصِبا ، ودون فترةِ الشيخوخةِ لأنها أعْمَرُ الفترات بالقوةِ ، والعطاءِ ، والخيرِ ، وهذه الخواصُّ جعلت لأصحابها مكانةً خاصةً .
لهذا كان على الإنسانِ أنْ يهتمَّ بهذه المرحلةِ ، ولا يُضيِّعَها فلا يجدُ جوابًا إذا سُئِل عنها يوم القيامة، أين أنفقتَ هذا السنواتِ النَّظِرَةَ سنواتِ الحيويةِ ؟ .
لقد حدثتنا السِّيرةُ العطرةُ أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – كان يُحَفُّ بهذا الزهرِ المتفتحِ مِنَ الشبابِ ، الذين وَهَبُوا للهِ أعمَارَهُم وكرَّسوا لَهُ قواهُم ، واستطاعُوا أنْ يكونوا قذائفَ الحقِّ التي دمَّرَ اللهُ بها الباطلَ ، واستطاعوا أنْ يكونوا طلائعَ الفجرِ الذي طلعَ على الدنيا بحضارةِ الإسلامِ ، فهم الذين بذلوا جهودًا مضنيةً في تأديبِ الباطلِ وقمعِ غرورهِ ، وفي رفعِ رايةِ الحقِّ وإعلانِ مبادئِه.
لقدْ حدَّثنا التاريخُ عن الصحابيِّ الشابِّ إسامة بن زيد – رضي الله عنه – الذي جعلَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم ، وقبلَ وفاته قائدًا على الجيشِ لمقاتلةِ الرومان ، وَلْيُدْرِكْ ثأرَ أبيه ، مِنْ أنَّه تولَّاها بجدارةٍ واقتدارٍ .
ينطلقُ إلى وِجْهَتِهِ وقدْ امتطى صَهوةَ جوادهِ ، والخليفةُ أبو بكرٍ الصدِّيق – رضي الله عنه – ابن الواحدِ والستين عامًا ، يمشي إلى جانبه يُوصِيه ، وقد أمسكَ بعنانِ فرَسِهِ – فرسِ أسامةَ – فيخجلَ أسامةُ ويقولُ : يا خليفةَ رسولِ اللِه – صلى الله عليه وسلم – إمَّا أنْ تركبَ ، وإَّما أنْ أنزِلَ – احترامًا وتقديرًا – فيقولَ الخليفةُ له : ( واللهِ لا أركبُ ولا تنزلُ ، وما عليَّ أنْ أُغَبِّرَ قدَمَيَّ ساعةً في سبيلِ اللهِ )
ثمَّ مِنْ بابِ احترامِ القائدِ وإعطائِهِ حُرْمَةِ القيادةِ ، ومكانةِ الرياسةِ ، يقولُ أبو بكرٍ لأسامةَ : هلْ تأذنُ لي في " عُمَرَ " ليبقى معي ؟ مَنْ ؟! إنَّه عمر بن الخطاب . صدِّقوا أو لا تصدِّقوا إنَّه كان جنديا في جيش أسامة ، فيأذن أسامةُ في أنْ يبقى عُمَرُ ، ويُصدِرُ أمرًا ببقاءِ عُمر معَ خليفةِ رسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – عندما أتصورُ شابًا في الثامنةِ عشرةَ من عُمُرِه أقولُ في نفسي : طبيعةُ الإيمانِ ، تربيةُ القرآنِ ، لو كان هذا في إحدى المدنِ العربيَّةِ ، لرأيناه كما هي حالُ الكثيرين من أبناءِ هذهِ الأمةِ ، يتسكعُ في الطُرقِ سادلاً شعره كأنما هو امرأةٌ ، أو لابسًا بنطالاً تبدو منه سوأتُه ، أو طوَّق عنقَه ويديه بالسلاسلِ كأنما هو ... لا يعرفُ ماذا يصنعُ ؟ ولا يدري ألَهُ في الحياةِ رسالةٌ أم لا ، لا يجيدون إلا تزجيجَ الحواجبِ ، وتصفيفَ الشعرِ واختيارَ الملابسِ ، وحلاقة الرعيان – القزَع - والتشبه بالساقطين .
لقدْ بصقتْ الفضائياتُ وعَبْرَ شاشاتِها ، وجوهًا ممسوخةً ، ممن لا شرفَ لهم ، ولا خلقَ من رجالِ السخريةِ والتمثيلِ والغناءِ ، ممن يحاربون الفضيلةَ ، ويُشيعون الفاحشةَ ، ممن تربَّى في مَواخير العُهْرِ والدعَارةِ .
خُذُوا هذا الوصفَ لأحدِهم : بينما كُنتُ رَاكبًا في إحدى الحافلاتِ ، خطرَ على بالِ السائقِ الطربُ – كما هي حالُ سائقينا معَ الأسفِ – ففتحَ آلةَ التسجيلِ ، فإذا بصوتٍ عجيبٍ غريبٍ ، لا يشبه أصواتَ الآدميين يخرجُ كأنَّه صوتُ مختنقٍ يطلبُ النجدةَ ، أو كأنَّه صوتُ امرأةٍ جاءَها المخاضُ ، أو كأنَّه صوتُ دجاجةٍ عَلِقَتْ فيها البيضةُ ، فلا هي تَخرجُ ، و لا هي ترجِعُ ، سألتُ مَنْ هو بجانبي مدهوشًا ما هذا ؟ فقال لي : هذا صوتُ أحدِ المغنين المشهورين يُغنِّي ، ويقول : آآآه ، فلمْ أصدَّق ما سمعتُه ، فنظرتُ في الآه ، فإذا هذه الآه قد خرجَ ربعُهَا فكان على لسانهِ ، وربعُها قد عَلِقَ في حلقه ، أمَّا نصفها فقد أصابه الإمساكُ المزمنُ ، فبقي في رجَوفِهِ ، فقالوا : هذا هو الفنُّ الحديثُ فقلتُ : ألا لعنةُ اللهِ عليه مِنْ فنْ .
هناكَ مخططٌ رهيبٌ ، يقومُ على تنفيذه لصوصٌ ، وقراصنةُ باعوا أنفسَهم للشيطان ، هدفُهم سرقةُ أعزُّ ما لدينا – فلذاتُ أكبادِنا – الشباب .
وفي زوالِ الشبابِ زوالنا ، فإذا أردْنَا أنْ نطمئنَّ على مُستقبلِ أمَّتِنا ، فلننظرْ إلى شبابنا أيّ نوعٍ همْ ؟
هلْ همْ من الشباب الجادِّ ، أمْ من الشباب المنحطِّ الهممِ الذي يسيرُ وراءَ البناتِ ، ويتمترسُ على أبوابِ مدارسِهنَّ كالكلابِ الضالَّةِ ، في غيابٍ تامٍ لقوى الأمنِ ، وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيدٍ وأنَّه ليس من ضِمْنِ اختصاصِهم ، أو من مِهامِهم .
وفي الجامعاتِ التي أصبحت ملاذًا آمنًا لهؤلاءِ ، يعيثون فيها فسادًا قد شوَّهوا صورةَ التعليمِ الجامعيِّ في بلادنا ،والذي يتطلبُ تخصيصَ قوة ردعٍ لحفظِ الأمنِ ، و لكبحِ جماحِ هؤلاءِ العابثين ولجمِهم .
في ذات الوقت الصحافة الإسرائيلية تقومُ وبشكلٍ لافتٍ للنظرِ ، منذُ وقتٍ ، وعلى لسان كبار المسؤولين والحزبيين والأكاديميين ، تروِّج للوطن البديل ، وأنَّ الأردنَّ هو هذا الوطن ، إن َّخطورة هذه التصريحات تأتي من قبلِ وزراءِ وأعضاءِ كنيست ، وعلى رأسهم اللعين " ليبرمان " الذي يتبنَّى دعواتِ نقلِ عرب "48" إلى الأردنّ وذلك من أجلِ نقاءِ يهوديةِ الدولةِ .
أيها الشــــــــــــباب : إنَّ هؤلاءِ اليهودِ لا يهزلُون ، فكفانا هزلاً ، كفانا تسكعًا في الشوارعِ ، كفانا وقوفًا أمامَ مدارسِ البناتِ اللائي هنَّ بناتُنا ، وأخواتُنا ، وبناتُ عمومتنا ، وجاراتُنا ، كفانا نومًا ، كفانا هل رأى الحبُّ سكارى .
فالأردنُّ بلدُ الحشدِ ، والرباطِ ، لا يحب السكارى ، وربى ،عمان ، و إربدَ ، والسلطَ ، ومعانَ ، لا تريدُ النياما .
إنَّ عدوَنا لا يٌعدُّ لغزونا فرقًا منً المغنين ، والمغنيات ، والممثلين ، والممثلات ،والسبَّاحين والسبَّاحاتِ ، والكُورَوِيين والكُورَوِيَّاتِ ، والتنَسيين والتنَسيِّاتِ ، ولكنَّه يُعِدُّ فِرَقَاً للموت ، وأساطيلَ في البحرِ ، والجوِّ ، وقذائفَ للهلاكِ ، فهلْ يفهمُ هؤلاءِ المنحلُّون ، والببغاوات ، والكُسالى ، والمفتونون .
أيُّ عاقلٍ مخلصٍ يودُّ أنْ يكونَ لنا نجومٌ ، أو أبطالٌ في التمثيلِ ، والغناء ، والرقص ، وكرة الرجل، والسباحة ، قبلَ أنْ يكونَ لنا أبطالٌ في الحروبِ ، يحمون الأرضَ ، والعرضَ ، وأقوياء في الإيمان والأخلاق .
سؤالٌ أطرحُه على مسامعِكم وتبقى الإجابةُ عندكم وهو : هل يخاف العدوُّ إذا كنَّا نُحسِنُ ثقافةَ هزِّ الوِسْطِ ؟ أمْ إذا كنَّا نُحسِنُ صناعةَ الموتِ ؟ .
سَلُوا التاريخَ في الأندلس : هلْ أفلَ نجمُنا إلا يومَ أنْ سطَعَتْ نجومُ المغنين ، وقَويتْ دولةُ الراقصاتِ في سماءِ حضارتِنا ؟
هلْ رأيتُم تاريخًا يصنعُهُ رجالٌ ونساءٌ خربت قلوبُهم وأفكارُهم من الدِّينِ وقيمِه ؟
أهذا مسلك تسلُكُونَه والبلادُ يتحيفُها الخطرُ من كل جانبٍ ؟ وأعداؤنا جاثمون على صدرِنا ، وسوادُ الذلِّ يقطرُ من وجوهِنا ْ، فإذا أردنا أنْ نصنعَ مستقبلَنا فلا يجوزُ أنْ يصنعَه شبابٌ تائهٌ . هل يصلحُ شبابُ هذا الوقتِ لأن يكونوا ورثةَ مصعب بن عمير ، ورافع بن حُدَيج ، وسُمْرَةَ بن جُنْدُب ، و ابنَي عفراءَ معاذ ومعوذ ، وعُمير بن أبي وقاص ؟ وإذا لمْ نطمئِن على شبابنا ، فكبِّر على مستقبلِنا أربعَ تكبيراتٍ من غيرِ سجودٍ ، وصلَّ صلاةَ الجنازةِ .
معالي وزير الشباب المحترم :
هذا ما أكدتّه نتائجُ الدراسةِ المسحيَّةِ ، التي أعدَّها الدكتور موسى شتيوي بعنوان : "الشبابُ الأردنيُّ الاتجاهاتُ والقيمُ والتصوراتُ "، لصالح الحكومة ، والذي جرى تشكيلُ لجنةٍ حكوميِّةٍ لدراسةِ نتائجِها فهلْ كنتم من مكونات هذه اللجنة ، أم خارج التغطية ؟. والتي أشارتْ إلى أنَّ أخطرَ ما يتعرضُ لهُ الوطنُ الأردنيُّ ، هو فئةُ الشبابِ ، فهي القنبلةُ الموقوتةُ التي تتهددُ الوطنَ في أيِّ لحظةٍ . فقدْ برزَ جيلُ غيرُ قادرٍ على تحديدِ هُويَّتَه بدقةٍ ووضوحٍ ، ويتوهُ في التعاملِ مع دوائرِ انتمائِه ، يميلُ إلى الاستنكافِ عن أيِّ نشاطٍ أو دورٍ خارج الأطرِ الضيِّقَةِ جدًا .
وتدعو الدراسةُ إلى إنهاءِ حالة الميوعةِ واللامبالاةِ ، وإزالةِ التشوهاتِ القائمةِ في علاقاتِ الأبناءِ الهشةِ بعائلاتِهم وذويهم ، عندها يشعرُ الشابُ أنَّ هناك وجهًا آخرَ جادا للحياةِ ، وأنَّ هناكَ دولةٌ قويةٌ ذاتُ قيمٍ راسخةٍ تستحقُ الموتَ ، والحياةَ ، من أجلها .
ويحقُّ لي أنْ أسألَ هنا ، ما دورُ وزارةِ الشبابِ في هذا الشأنِ ؟ هلْ دورُ وزارةِ الشبابِ يقتصرُ فقط على الرياضةِ ومشتقاتها ، وصناعةِ نجومٍ في السباحةِ ، والتنسِ ، وكرة الرجلِ ، وتخصيص أربعين مليون دينارًا ، ليس من أجل معالجة القصورِ الفكريِّ ، والسلوكيِّ من خلالِ غرسِ القيم الايجابيةِ ، وتفعيلها في نفوس الشباب ، والإسهامِ في معالجةِ آفاتٍ اجتماعية ٍكبرى ، لعل أهمَّها أمنية حلّ لغزِ آفةِ العنفِ المجتمعي ، وبلاءِ الجريمةِ والانحراف ِ والخروجِ من حفرةِ الفسادِ ، بل لأشياءَ أخرى بعيدةً كلَّ البعدِ عن واقعِ الشباب وهمومهم .
وأودُ أنْ أذِّكِّرَ معاليهِ بالمادةَ الخامسةَ عشرةَ من قانونِ وزارةِ الشبابِ في [اليمنِ العزيزِ] والتي تُحدِّدُ المهَّامَّ والاختصاصاتِ أنقلها حرفيَّاً وهي :
• وضع السياسات والخطط والبرامج التي تستهدف رعاية الشباب في المجال العلمي والتقني.
• اقتراح التشريعات التي تسهم في رفع المستوى العلمي والتقني.
• اقتراح إنشاء مراكز الشباب ونوادي العلوم الجديدة.
• توفير الاحتياجات والمستلزمات لتشغيل مراكز الشباب ونوادي العلوم .
• تنمية النشاطات العلمية والتقنية في أوساط الشباب كإحدى الوسائل الهامة في التنمية.
• رعاية الموهوبين وأتاحه الفرصة أمام تنمية قدراتهم وملكاتهم في المجال العلمي والتقني .
• نشر الوعي العلمي والتقني لتشجيع الشباب على الابتكار والإبداع.
• تنمية العلاقات الثنائية وتبادل الخبرات والمعلومات مع المراكز الشبابية ونوادي العلوم المماثلة في الدولة الشقيقة والصديقة.
معالي وزير الشباب المحترم :
الشبابُ أمانةٌ في عنقكَ ، وأنت المسؤولُ عنهم بين يديِّ اللهِ الحقِ المبينِ يومَ القيامةِ في محكمةِ عدلٍ إلهيةٍ القاضي فيها جبَّارُ السمواتِ والارضِ ، والشبابِ الأردنيُّ شاهدٌ عليكَ يومئذٍ . قال الله تعالى :﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾الحِجر . ويقول أيضًا { يوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }الزلزلة .
Montaser1956@hotmail.com