أضف إلى المفضلة
الجمعة , 26 نيسان/أبريل 2024
الجمعة , 26 نيسان/أبريل 2024


لا تفتتنوا بأمريكا يا إخوان
23-01-2012 07:19 AM
كل الاردن -

alt

 راتب يوسف عبابنة

 لا يخفى على المراقبين للمشهد العربي والتغيرات السياسية التي جاءت نتيجة التحرر والإنفلات من قيود الحكم الفردي في بعض الدول العربية, لا يخفى الإستلطاف والمغازلة والإنسجام بين الحركات الإسلامية وخصوصا الإخوان وأمريكا. ولا يخفى الرضا الأمريكي عن هذه الحركات لتحكم أو تشارك في الحكم, حيث هم في المغرب وتونس وليبيا ومصر يتصدرون المشهد السياسي وبمباركة أمريكية وتأييد غربي يدفع بالحركة الإسلامية لتفعيل دورها وقبولها بما لم تكن تقبل به من قبل بل كان هدفا للمقاومة. إنها الحقيقة قد اتضحت وحان وقت كشفها.
 وليعلم الإسلاميون (رغم تحفظي على التسمية والمقصود هنا الذين ينطلقون بنهجهم من منطلق ديني) أن أمريكا لا تقترب من دولة إلا ولها مصلحة وخصوصا عندما يكون الإقتراب من دولة عربية فإسرائيل لها نصيب الأسد من مردود ذلك الإقتراب. ولاننسى أن أمريكا يحركها ويوجهها اللوبي الصهيوني واليمين المتطرف حيث من الواضح نواياهم تجاه الإسلام والمسلمين لدرجة أصبحت كلمة "مسلم" نوع من الشبهة والتهمة خصوصا بعد تفجيرات نيويورك. وقد شنت أمريكا وأتباعها حملة شرسة من الرقابة والمتابعة والإعتقال والسجن لمن له ملامح شرق أوسطية أو اسمه ذو صبغة عربية إسلامية حتى تولد عند العرب والمسلمين الذين يعيشون منذ سنين طويلة في بلدان الغرب شعور بعدم الأمان عند خروجهم إلى الشارع وكل أنثى محجبة أصبحت تشكل خطرا على المجتمع وبنفس الوقت ينادون بحرية الأديان وحرية التعبير والديمقراطية, لكن هذه الحريات وقوانينها تطبق على أصحاب البشرة الشقراء فقط أما أصحاب البشرة "الملونة" فلا نصيب لهم من هذه الحريات.
 أكثر من يعلم هذه الحقائق هم الإخوان المسلمون وقد اكتووا بنارها وعانوا منها الأمرّيْن. فما الذي جعل الإخوان يقبلون اليوم بما كان مرفوض بالأمس؟ ما سر هذه الطمأنينة لأمريكا؟ وكيف للشيطان أن يكون هاديا؟ ما الذي نسج خيوط الثقة بين الطرفين؟ إخوان مصر وصل بهم الأمر لقبول وتأييد اتفاقية كامب ديفيد التي قتلوا السادات بسببها. وقبولهم هذا طمأنة لإسرائيل بعدم إزعاجها عند تسلمهم زمام الأمور وهذا تعهد سعت إليه أمريكا منذ زرعت إسرائيل في المنطقة. فمن المأكد أن أمريكا لن تقبل بهم إلا إذا تعهدوا بعدم مناكفة إسرائيل وقبولها والتعامل معها كدولة جزء من المنطقة وليست لقيطة. وأمريكا لاتتكارم على جهة إلا إذا ضمنت ريعا كبيرا لتكارمها وهو قطعا شراء المواقف والتزام أصحابها بها بل تقييدهم بطريقة تضمن لها بقاءهم على مواقفهم لدرجة تجعلهم يقاتلون شعوبهم لإثبات حسن نواياهم تجاه أمريكا, فالهدف من وراء ذلك الإستلطاف هو المصلحة والمصلحة هي بلا أدنى شك إسرائيل وليس الإخوان وبالتالي فهم وسيلة لتحقيق الأمن والطمأنينة لإسرائيل وليس اقتناعا من أمريكا بالإخوان أو حبا لهم. وما ذلك إلا ركوب للموجة التي تجتاح عالمنا العربي والتي على راكبها أن يكون مستعدا لأنه لا يعلم يقينا أين ستقذف به هل على شاطئ آمن أم في غابة تسكنها الوحوش أم في جزيرة معزولة تصعب الحياة فيها؟ أما والحال كذلك فقد حق القول أن قبول الإخوان بهذا الطرح الشيطاني يعني الهدف منه الوصول للحكم والتخلي عن الأهداف السامية والمثل الراقية والقيم العالية التي كانت تعد من الثوابت التي لا يحق لأحد تجاهلها والتي طالما رددوها على مسامعنا في تصريحاتهم وخطبهم ودروسهم ومنها إزالة إسرائيل واسترداد فلسطين من البحر إلى النهر وتحرير كل الأراضي العربية المحتلة وعدم الإنصياع لسياسة أمريكا ومن يحالفها بل كانوا باستمرار ينظرون لمن يحالفها وكأنه يحالف الشيطان ويجب محاربته والقضاء عليه.
 لقد كثرت الإجتماعات واللقاءات بين شخصيات أمريكية وشخصيات من الإخوان وخصوصا إخوان مصر في ظل إفرازات الربيع العربي. وإن سألنا هنا في الأردن يا إخوان ما الذي تصنعوه؟ يجيبون أن من فعل ذلك هم إخوان مصر وليسوا إخوان الأردن. وكأنهم ليسوا حزبا واحدا وليس لهم نفس النهج والمنطلقات ونفس الأهداف. ولم يخطروهم ولم يستشيروهم بتلك اللقاءات. فهذا تنصل من المسؤولية وهروب من المواجهة التي يترتب عليها خلافات واستحقاقات وانشقاقات من الصف الأول وإدانة من قواعدهم قبل الآخرين.
 أمريكا وأعوانها لا يقبلوا بحكم الإخوان إلا بمقابل سيتم تمريره شيئا فشيئا مادام المراد هو الحكم. وبعد تمرير "الحلول" التي سيقبل بها الإخوان شاؤوا أم أبوا مقابل الحكم لابد للشعوب عندئذ أن تنتفض لعدم قبولها بحلول مجحفة مفروضة عليها تصادر حقهم لصالح إسرائيل, فتسقط ورقة الإخوان ويصبحوا هدفا للشعوب والثقة المتبقية عند القِلّة بهم ستزول حتما وتبدأ الصراعات الداخلية منتهية بزوال الإخوان وإسرائيل تراقب مطمئنة بعد أن تكون الإتفاقيات المذلة قد وقعت ومخططات أمريكا الخبيثة قد أقرت وتم تحصين إسرائيل بقرارات دولية تضفي على الإتفاقيات صفة الرسمية والإلزام تضمن لإسرائيل البقاء دون منغصات للتغول في المنطقة على حساب فلسطين أولا والدول العربية ثانيا.
 أيها الإخوان, ألم تلتقوا مع إيران بأن أمريكا الشيطان الأكبر الذي على الجميع محاربته؟ هل دعاءكم الذي ترددونه بكل مناسبة وخطبة والقائل "أللهم عليك بإسرائيل وأمريكا ومن والاهما" لم يعد معبّرا عما تكنونه لأمريكا؟ كيف تبدل الشيطان إلى ملاك؟ أين المبادىء التي أسمعتمونا إياها ومن اختلف معكم بخصوصها يكون موضع شبهة؟ وأين المثل والقيم التي حاولتم غرسها في عقول الكثيرين؟ هل كل ذلك ذهب أدراج الرياح ثمنا لرضا أمريكا؟ كلنا نعلم أن لكل شيئ ثمنا لكن لا يكون الثمن التنازل عن المبادئ, وأي مبادئ؟ إنها مبادئ شارككم بها الكثيرون وآمنوا وإياكم بها, فماذا أنتم قائلون لهؤلاء من محبيكم والمتعاطفين معكم؟ وكيف ستقنعوهم بأنكم على صواب وأنتم تنفذون ما كانت تنفذه الأنظمة وكنتم له رافضون؟ أسئلة لا محالة ستطرح عليكم فاستعدوا وأعدوا الإجابات قبل ألا يكون لديكم متسعا في زحمة الأحداث والإنشغال بالتحريم والتحليل وقد كنتم دائما تعكسون لنا انطباعا وتصورون لنا الإسلام الحنيف كأنه دين التحريم عنده أصلا والتحليل استثناءا. وما الإسلام إلا دين اعتدال ووسطية شهد له كل متعقل وصاحب بصيرة ومن مختلف الأديان.
 هذه دعوة للإخوان أن يتنبهوا ولا ينبهروا ولا يفتتنوا بالملمس الناعم للثوب الطويل الذي ترتديه أمريكا لسترعورتها لهذه المرحلة في هذه الأيام العجاف. فأمريكا تريدكم حكاما لا معارضين حتى تكبلكم بقيودها التي يصعب الإنفكاك منها أو يستحيل وتجعلكم لاحقا هدفا لشعوبكم بعد أن كنتم هدفا لأنظمتكم. أمريكا لا تقبل (وإن تظاهرت بالعكس) ولا ترضى عمن يناصر الإسلام ويحاول أن يرفع من شأنه. تلك حقيقة عايشناها وإياكم على مدار السنيين. ألم تدعم أمريكا القاعدة في أفغانستان عندما كان يحتلها الإتحاد السوفياتي واستماتت بدعم المتطوعين ليس حبا لعلي بل نكاية بمعاوية؟ ألم تنقلب أمريكا على القاعدة بعد أن تحقق هدفها؟ ألم تصور لنا أمريكا أن القاعدة شيطان سيدمر العالم؟ ألم تتعامى أمريكا عن السعودية التي كانت أحد ثلاثة دول في العالم تؤيد وتعترف بحكم طالبان مقابل أن تدفع السعودية أثمان باهظة مقابل ذلك التعامي؟ هل أمريكا بهذه الحقائق يمكن أن تسعى لمصلحة غير مصلحتها المشتركة مع إسرائيل؟ أم تدفع بالآخرين لينوبوا عنها بتنفيذ مآربها متظاهرة أنها تعمل لصالحهم؟
 تلك دروس عليكم أخذ العبرة منها وأنتم أيها الإخوان حزب عالمي وعندكم من المفكرين والعقول وذوي العلم والمعرفة والمؤهلين علميا ما ليس عند غيركم من الأحزاب الأخرى. فلا تغرّنكم أمريكا باسترضائها لكم ولا تغرّنكم قناعتكم باستغلال هذا الرضا لتحقيق أهداف طالما سعيتم إليها على مبدأ "إذا هبت ريحك فاغتنمها" فهي والله ريح عاتية لن يصمد أمامها إلا الذين صدَقوا أنفسهم وغيرهم الحق, إنكم مستهدفون كجزء ناشط منظم من هذه الأمة بل أنتم أكثر أجزائها نشاطا وهذا ما جعل أمريكا تتخذكم طُعما لأمتكم وقررت استقطابكم حتى تمرر بكم ومن خلالكم ما تريد تمريره من الإمعان في إخضاع هذه الأمة حتى لا تقوم لها قائمة.
 بعد أن حقق الطواغيت أمثال المخلوع على سريره مبارك ما حققوه من خلق المناخ الملائم وتجهيز التربة وتعبيد الطرق وغسل الأدمغة جاء الآن دور الحل النهائي الذي ستكونوا أنتم ادوات تنفيذه. فاقبلوا وتقبلوا الرأي الآخر والنصيحة الخالصة وتريثوا ولا تتعجلوا حيث في العجلة الندامة وفي التأني السلامة.
 حمانا الله وحمى أردنا وأمتنا. والله من وراء القصد.

 ababneh1958@yahoo.com

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012