الانتحار وثقافة الحياة

الجمعة , 26 نيسان/أبريل 2024

الانتحار وثقافة الحياة

بقلم : رمزي الغزوي
09-03-2020 06:12 AM

سخر كثيرون من فتاة تسمي نفسها ناشطة اجتماعية حين سرت وقوع 6 حالات انتحار لدينا في أسبوعين بشغفهم وحبهم للاستعراض والمظهرة، وإنهم فقط يتوقون إلى جذب الانتباه إليهم فقط.
عظم الله أجركم! فلو انتحر أحد بسبب هذا التبرير الحلمنتيشي لما لمناه. هذه الصبية لا تفرّق بين من وجدوا جثته تحت جسر عال، أو وجدوا زبد السم متيبسا على شفتيه، أو وجدوه معلقاً بحبل، أو بمسدس في يده المفتوحة. هي لم تفرق بين من غدا في الغيب، وبين المحاول للانتحار في زحمة الناس.
لا نستطيع أن نرد من نوى من كل قلبه. والمؤمن بنظرية الاستعراض كأنه يقول، أن المنتحر يرغب أن يرى نفسه ميتاً. أو يحتاج معرفة ردة فعل أهله وأصدقائه، وحجم النقص المترتب على حياتنا السريعة بغيابه.
نعلم أن من يريد الانتحار جازماً لن يصده أحد. فنحن نتفاجأ بالمنتحرين، ونندهش كيف يخبئون ذلك الإصرار على إنهاء حياتهم، مع ما يبدو عليهم من حياة طبيعية، لا تنبئ بقاتل جسور مخبوء تحتها.
كان على تلك الشابة أن تقول أن جلّ المحاولات الفاشلة، الفاشلة فقط، تنبع من رغبة في الاستعراض ولفة الانتباه. فالناوي لا نقدر صده، أما المستعرض والممثل، فشرطي قد يعيده إلى رشده، أو بعض المارة المصادفين عن سياج الجسر.
المحزن أن لا أحد قدم لنا نظرية يقينية عن معنى النقطة التي يصلها المنتحر لحظة انتحاره. ولهذا لدينا فرضيات متنوعة حول الموضوع. الفقر والضنك والبطالة نظرة مرفوضة تماماً؛ لأننا نرى منتحرين من كل الطبقات والمستويات والثقافات.
نحتاج بموازاة محثة الصبر، أن نعلي شأن الحياة. نعمق فهمنا لمعانيها، نغرس في أبنائنا وطلابنا حبها وسعينا لها ما استطعنا السبيلا. نحتاج للترويج أن السعادة في الطريق، لا في الوصول والقمم. وأننا سنواجه مصاعب نتمتع بدحرها. نريد أن نغرس فيهم روح التحدي.
الأهم أن نشيع ثقافة أن جماليات الحياة ليست دوماً في الأشياء الكبيرة، ولا في تحقيق عظائم الأحلام. السعادة في أشياء صغيرة. وردة شقت إسفلت الشارع. في شجرة فتتت جلموداً بأناة. السعادة لون الشفق بعد الغروب. تلمس ندى العشب وجه الصبح. بوح الفجر وهدوء الطرقات. زغردة المزاريب في كانون، وحيتان الغيوم السابحة في زرقة السماء.
نحتاج أن نوحي لهم، أن السعادة والحياة في ضحكات أطفال. في الأكل على جوع. بمهاتفة صديق يحسبنا نسيناه. نريد أن نعلمهم أن يبتسموا مهما كانت الظروف. نحتاج قبل حث الصبر، أن نبني ثقافة حب الحياة والحث عليها، كي نقدّر قيمتها، فلا نهدرها.الدستور

التعليقات

لا يوجد تعليقات

تنويه

تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .

الاسم :
البريد الالكتروني :
	اظهار البريد الالكتروني
التعليق :	بقي لك 300 حرف