05-04-2012 07:26 AM
كل الاردن -
جمال الدويري
بعد أن كتبت مرارا وتكرارا تجدني مضطرا للكتابة من جديد, أن هذا البلد الطيب, هذا الوطن الصغير الكبير, الأردن العزيز, وأهله ليعاقبون على حسن إسلامهم وإنسانيتهم وعروبتهم وبأثر مركب, وفتحهم لحدودهم وبيوتهم للأشقاء من كل جهة ومن كل "قارة" دون النظر إلى مواردنا المحدودة وجغرافيتنا الضيقة وجل المشاكل التي لا بد ستحدث بسبب الاكتظاظ وتفاوت البيئات العربية المجتمعة على هذه الأرض الطيبة ذات أل ( 94 ) ألف كيلو متر مربع فقط.
مدينة الأنصار النبوية استقبلت نبي الأمة عليه أطيب الصلاة وأتم التسليم, وهجرة واحدة من أوائل المسلمين وأصدقهم, ولولا قرب الطرفين من الرسالة وصاحيها وتعاليمها السمحة والملزمة آنذاك, لكان لتلك الهجرة آثارا غير تلك التي وصلتنا.
أما الأردن, هذا الذي بحجم بعض الورد, فقد استقبل الكثير من الهجرات والتناقضات الإجتماعية والسياسية, وكثير من التفاوت في الإعتقاد والولاءات الحزبية والتنظيمية والتي اجتمعت في بعض الأوقات على "ضلالة" وكادت أن تودي بالوطن وكيانه, وتقاسم مع هذا الكم الكبير من المهاجرين والوافدين والمتناقضين كل ما يملك ولا يملك, وتشارك مع الجميع بالهواء والماء القليل والمساحة الضيقة والموارد الشحيحة.
كوارث الأمة قاطبة من المحيط إلى الخليج, تحول إلى قناة واحدة ومزراب واحد, يصبان في بقعة واحدة أهلها طيبون وناسها معازيب حاتميو الإستضافة والعطاء, ألا وهي الأردن.
نفتخر ونعتز نحن "سكان هذا الهدم الأخدودي" وأحفاد العظماء القادة الفرسان القدماء خالد وشرحبيل وهزاع ووصفي (طيب الله مثواهم) بقلوبنا الكبيرة وأيادينا البيضاء وحضننا الدافي, ولكنه وقد طفح بنا الكيل وضاقت بنا الأرض بما رحبت ولم يعد لنا موطئ قدم واحد محترم, ولا سرير مستشفى واحد لحالات الطوارئ والولادة لأهل الأرض وهنودها "السمر" ولا مقعدا دراسيا واحدا أو كرسيا وزاريا أو إداريا أو وظيفة في بنك أو شركة أو منحة أو مكرمة تخصنا, أو حتى مكانا متواضعا لسياراتنا أو أشباه سياراتنا في زحام المواكب الفارهة من عربات الدفع الرباعي والصالونات المظللة التي يقودها كل أبناء الأرض على هذه الأرض "إلانا" جزاء ما "اقترفت" أيدينا من خير وحاتمية,
وحيث تعدت الأمور إلى نقل ثورات إفريقيا وعنفها إلى مستشفياتنا ومقاهينا وشوارعنا باسم الأخوة والعروبة والإنسانية, فقد فاض بنا وبلغ السباق خط النهاية.
ليبيون يهاجمون قبل منتصف الليل بقليل مقهى بالرابية, وليبيون يعتدون بالضرب والتكسير على طبيب ومستشفى أردني, لأن الله افتكر مريضتهم السبعينية الشديدة العياء والمرض, وسوريون تابعون للنظام الشقيق في خاصرتنا الشمالية يضبطون وهم يمثلون اللجوء ويتجسسون على اللاجئين الحقيقيين, ويشكلون بذلك اختراقا وتهديدا أمنيا حقيقيا لسيادتنا ودولتنا ووداعة شعبنا, وكثير مما لم يطف بعد على السطح ولم نسمع به, بسبب التعمية الرسمية والطبطبة على ما نعاني منه بالفعل من هذه الهجرات, لا بل ونقرأ أحيانا من بين ظهرانينا من يتهمنا بالوحشية ومستغلي الأزمات والباحثين عن زوجات مهاجرات برخص وغبن ويرد لنا حسن الضيافة وطيب الاستقبال, سكينا في الظهر وظلما ما بعده ظلم.
تهددنا الحكومات المتعاقبة برفع اسعارالخبز والمحروقات والغاز والماء والكهرباء والخدمات والهواء, يقطعون قلوبنا صباح مساء بالتخويف والتلويح برفع الدعم الحكومي عن بعض هذه الضروريات, وهم خير العارفين بأن دعمهم لا يصل مستحقي هذا الوطن بالقدر الذي يتنعم به كل ميسور ومنعم ومنغنغ "بحق أو غير حق" من خارج الحدود.
التنمية الإجتماعية والمكرمات الملكية والهبات وقوافل الخير لم تعد أردنية خالصة تصل لمستحقيها كما يجب, بل بتنا نشارك "مجبر أخاك لا بطل" كل أهل الأرض وربما بعضا من أهل المريخ وباقي كواكب المجرات الأخرى.
وعلى قاعدة كلنا من آدم وآدم من تراب, فلا بد من تقسيم التركة والثروة الأردنية الهائلة جدا على هذا الوجه المجحف واللاعادل, ونتشاطرها حتى مع من لا يضيرهم ولا يرهقهم دفع المزيد على سعر تنك سيارته أو طعامه وشرابه كما يرهق الموظف والفلاح والعامل الذي يقتات وعياله على عدة مئات من الدنانير في الشهر, من الصابرين المرابطين المسحوقين من أبناء هذا الوطن.
ورضينا, وقلنا لنا عند الله, وللآخرة أبقى. أما أن يُهدد أمننا ويتم الإعتداء على أهلنا وربعنا دون أن نقترف ذنبا غير الطيبة والإيثار, فهذا ما قد يقصم ظهر البعير, وهذا ما لا نطيق له صبرا أو استيعابا, وهذا ما قد ينذر بالردة على العروبة والإنسانية جمعاء, بل وقد يجعلنا نتعدى ذلك لوصم حاتم الطائي بالهبل وسوء الصنيع واسترداد جائزة نوبل "للكرم" التي مُنحت له منا.
ولمن قد يقول: أنتم تقبضون ثمن هذا من الجهة الفلانية أو الجهة العلانية, أقول: لم نقبض شيئا ولن نقبض شيئا, وما يقبضه الفساد لا يصلنا أبدا والسلام.
ordunnannews@hotmail.com