أضف إلى المفضلة
السبت , 11 أيار/مايو 2024
السبت , 11 أيار/مايو 2024


لبوابة العالم (العربي الإسلامي).. دفتان
08-04-2012 07:44 AM
كل الاردن -

alt

عمر عبد الهادي

في القرن الماضي كان معظم كتابنا ومفكرينا وسياسيينا العرب يتحدثون بإفاضة عن العوامل التي توحد العالم العربي , وكانت القومية العربية هي الأساس المتين للوحدة باعتبار أن كافة المواطنين العرب المقيمين على الأرض العربية الممتدة من الرباط حتى مسقط , مؤمنين بالعروبة وفخورين بها وقابلين فيها إطارا يجمعهم , وللأسف لم يكن المثقفون والساسة العرب يلتفتون إلى الأقليات القومية الأخرى التي تشارك العرب أوطانهم (الأكراد, الأمازيغ , التركمان وغيرها) , كما أنهم لم يعيرون اهتماما لشعوب المنطقة من جيرانهم  المنتمين لأعراق أخرى و المتشاركين معهم في الدين كالإيرانيين والأتراك , حيث كانوا ينظرون لهؤلاء كغرباء وأعداء دائمين , وعلى الأغلب لم تغادرهم هذه النظرة العدائية, أما الدين الإسلامي فكان عروبيو القرن العشرين يعرجون على ذكره بصفته عاملا وحدويا مساعدا لا أكثر.

أطلقت جميع الحركات والأحزاب القومية كالناصرية وحزب البعث وحزب القوميون العرب شعارات تدعو للحرية والوحدة العربية ولاشتراكية مُقولبة على الطريقة العربية , أما الأحزاب الشيوعية التي نشأت في القرن الماضي في بلاد العرب , فكانت تتحدث عن الاشتراكية الأممية وعن وحدة عمال العالم أينما وجدوا.

في النصف الثاني من القرن المنصرم برزت الحركة الناصرية الوحدوية التي قادها زعيم مصر والأمة العربية الراحل الكبير جمال عبد الناصر كأقوى حركة قومية وأوسعها انتشارا , وكانت الوحدة الاندماجية بين ومصر سورية (عام 1958) انجازها الوحدوي الأكبر , التي انتهت بفجيعة الانفصال بعد أقل من أربع سنوات من سريان الوحدة . أما حزب البعث العربي فكان الثاني بعد الناصرية على سلم الشعبية والجماهيرية العربية , وقد نجح الحزب بحكم قطرين عربيين هما سورية والعراق. 

لقد حققت الحركة الناصرية نجاحات عظيمة يعتد بها وواجهت إخفاقات مؤلمة (أبرزها هزيمة عام 1967) ورغم تلك الإخفاقات, أبقت الشعوب العربية على تعلقها بالناصرية وبالقائد جمال عبد الناصر ومنحته مزيدا من الثقة والحب لأنها كانت تؤمن بصدقه وإخلاصه ونظافة يده , وعند وفاته الفجائية عام 1970عن 52 سنة, شعرت الجماهير العربية بالفجيعة وابتليت مبكرا باليتم السياسي . أما البعث الذي حكم في سورية والعراق فقد تحول في زمن قياسي من "الحزب الحاكم" إلى "حزب الحاكم" , أي بات الحزب ملكا للحاكم يخدمه ويخدم مصالح عائلته وذويه ويعلي من شأنهم , الأمر الذي أدى لإصابة الجماهير العربية بخيبة أمل وصدمات متكررة.

دفتا البوابة الإسلاميتان

عام 2011 انطلقت الثورات العربية ضد الأنظمة المستبدة من تونس وأطاحت برؤوس أكثر من نظام عربي , لكن الثورات كانت بلا رأس فكان نجاحها جزئيا لعجزها عن الإطاحة بجسم الأنظمة , الأمر الذي أتاح لأعداء الأمة الداخليين والخارجيين التغلغل في مفاصل هذه الثورات بغية إجهاضها, أو الإبقاء على مصالحهم في الحد الأدني , فتحولت الساحات العربية لميادين حرب ساخنة وباردة لا تزال أمتنا نعاني من تداعياتها .

استثمر الإسلاميون بجناحيهم الاخواني والسلفي , الانقلابات والتغيرات التي طرأت في الأقطار العربية , واستفادوا من الاضطهاد الذي مارسته بحقهم رغم كثرتهم الأنظمة المستبدة المطاح برؤوسها , فتمكنوا بواسطة صناديق الاقتراع من الحصول على أغلبية مريحة في مجالس الشعب العربية أهلتهم أو قربتهم من حكم أقطار عربية عديدة كانت حتى الأمس القريب حكرا على طغاة العرب .
حملت حركة الإخوان المسلمون مدعومة أو متشاركة مع السلفيين الإسلام السياسي على أكتافها , بغية تكريسه منهاجا سياسيا واجتماعيا وتشريعيا في كافة الأقطار العربية والإسلامية , ولم تجد الحركتين معارضة ملحوظة من قبل الأنظمة العربية التي بقيت قائمة أو التي تعيش مرحلة التغيير, ولم تجابه الحركتين من قبل أميركا والغرب أو من الكيان الصهيوني , لأن هؤلاء على ما يبدو أدركوا أن الأولوية لدى الإسلاميين هي الوصول إلى سدة الحكم , فمدوا الجسور معهم من أجل الإبقاء على اتفاقية كامب ديفيد وعلى مصالحهم ومصالح حلفائهم.

للعالم "لعربي الإسلامي" بوابة كبيرة لها دفتين واحدة سنية والثانية شيعية , ومن أراد العبور لا بد له من فتح دفة منهما على الأقل . في الواقع.. أمامنا  إسلام سني وآخر شيعي وهما في النهاية اثنان في واحد . والإسلام السياسي السني أوصلته صناديق الاقتراع  لحكم تركيا , ثم أوصلته الصناديق على اثر الثورات العربية إلى منابر الحكم في تونس ومصر والمغرب في ظل الملكية , ويتأهب الإسلام السياسي السني لحكم الأردن برعاية وموافقة ملكية والحبل على الجرّار.

في تركيا وفي تونس ومصر رأينا الإسلام السياسي السني يغازل الغرب ويغازل الأنظمة العربية الرجعية النفطية وغير النفطية ورأيناه يقفز عن القضية الفلسطينية ولا يتطرق لها إلا من باب رفع العتب , وفي موقفه من الأزمة السورية الخطيرة انحاز ذاك الإسلام لوجهة نظر الأنظمة النفطية المعادية لتطلعات الأمة "العربية الإسلامية"  كما انحاز للمواقف الأميركية والغربية المعادية للوطن السوري بحجة الدفاع عن الديمقراطية المنتهكة بالكامل من قبل عرب النفط  والتي يمنع الغرب تصديرها لعالمنا وحسنا يفعل .

حسب رؤيتي... سوف يحكم إسلامنا السني السياسي بلاد العرب في السنوات الخمس القادمة , وقد يمتد حكمه لخمس سنوات إضافية , لكنه سوف يتعرى بالكامل بعد انقضاء تلك السنين  وسوف تكتشف الشعوب الإسلامية إفلاسه , كما اكتشفت إفلاس الدعوات القومية واليسارية التي راهنت عليها لعقود كثيرة مضت.

الجانب الآخر من الإسلام السياسي هو الإسلام السياسي الشيعي الذي لعب عبر التاريخ دور المعارضة لأنظمة الحكم في العصور الأموية والعباسية والعثمانية وما بعدها , التي اتخذت من التوريث والبذخ منهاجا للحكم , وكانت المعارضة الشيعية تتذبذب بين النشطة والسلبية.

في النصف الثاني من القرن العشرين , صعد إلى السطح الإسلام السياسي الشيعي "الإثنا عشري" الذي ينتمي إليه العدد الأكبر من المسلمين الشيعة . وتمثلت أولى انتصاراته بنجاح الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 بقيادة الإمام روح الله الخميني , نجحت هذه الثورة وأحدثت تغييرا جذريا في إيران وانقلابا كاملا فيها, أظهر للشعوب وللمراقبين أهمية أن يكون للثورة رأس لضمان نجاحها , الأمر الذي قد يفسر تعثر ثوراتنا العربية المفتقرة لقيادة لها بوصلة تشبه قيادة الإمام الخميني . أما ثاني انتصارات الإسلام الشيعي "الإثنا عشري" فجاءت على يد حزب الله الشيعي اللبناني الذي أنشئ عام 1982 وحرر جنوب بلاده عام 2000 وهزم الجيش "الإسرائيلي" عام 2006 .

إن دعاة الإسلام السياسي الشيعي في كل من إيران ولبنان ينادون بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر, ويدعمون حركات المقاومة , ويرددون  دوما أن "إسرائيل" ليست أكثر من غدة سرطانية في الجسم "العربي الإسلامي" ولا بد من إزالتها , ويدعون لطرد الأميركي والغربي من مياه وتراب الدول العربية والإسلامية , وخلال عشرات السنين لم يرهم أو يسمعهم أحد يغيرون من مبادئهم وأهدافهم ومطالبهم الأمر الذي يجعل من معتنقي هذا الإسلام الثوري  قادة لجميع للمسلمين في المستقبل المتوسط والبعيد , وملجأ للأحرار من المسلمين السنة الذين خيبت أو قد تخيب آمالهم قياداتهم السنية.

لدى القيادات الإسلامية السنية المتجهة لحكم البلاد في الخمس أو العشر سنوات المقبلة فرصة لتثبت حرصها الكامل على تحرير فلسطين من البحر إلى النهر وتبذل مساعيها في شتى الاتجاهات من أجل تحقيق طموحات الأمة "العربية الإسلامية" القائمة على الحرية والتحرير وطرد الغرباء من مياهنا وترابنا , وإلا ستجد نفسها خارج التاريخ وسوف ترى بأم عينها أبناء امتنا العظيمة لا يلجون العالم "العربي الإسلامي" الكبير إلا من خلال دفته الشيعية.


omarjahadi@yahoo.com

 

 

 

 

 

 

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012