أضف إلى المفضلة
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024


هل يتجاوب النظام الملكي في الأردن مع تطلعات الشعب وأمانيه?

بقلم : ا.د. أنيس خصاونة
06-05-2012 09:39 AM


تناول الفيلسوف والعالم الاجتماعي والسياسي الألماني ماكس فيبر(1864-1920) موضوع شرعية الأنظمة السياسية وقدرة هذه الأنظمة على الاستمرار في الحكم، وقد وجد من خلال مراجعته لتجارب معظم الأنظمة السياسية في العالم أن الدول تتحرك باتجاه التطور من الأنظمة التقليدية والتي تضم الأنظمة السياسية المستندة في شرعيتها على أسس وراثية أو دينية إلى أنظمة تستمد شرعيتها من خصائص شخصية كارزماتية قيادية تتوفر في القائد دون اعتبار للنسب أو الدين وهذه المجموعة من الدول تضم العديد من الدول النامية التي تمجد القائد وتظهره على أن خارق بطولي ويضفون على ألقائد صفات الربوبية ،ومن ثم تأتي الدول في التصنيف الثالث التي تستمد شرعية أنظمتها السياسية من القانون وصناديق الاقتراع ويقع في هذا الباب معظم الدول المتقدمة.
يؤكد ماكس فيبر على أن الدول التي تحكمها أنظمة تقليدية عائلية مستندة للنسب والحسب أو الشرعية الدينية ستتحرك بفعل قوى حتمية تاريخية نحو الأنظمة الكارزماتية ومن ثم تصبح أنظمة قانونية مستندة لصناديق ألاقتراع في نهاية المطاف. ويستشهد فيبر في دراسته بالعديد من الأمثلة من الأنظمة الوراثية التقليدية التي آلت إلى أنظمة كارزماتية تقدس القائد وتبجله ثم أن ذات الأنظمة تحولت إلى أنظمة ديمقراطية ويقع في هذا الباب معظم دول أوروبا التي مرت بهذه المراحل في حين نجد أن بعض الدول العربية قد تحولت من الأنظمة التقليدية العائلية أو الدينية إلى كارزماتية مثل الأمامية في اليمن والملكية في سوريا ومصر وتونس وليبيا وأخرى تترنح حاليا تحت ضغوط هذا التحول.
والسؤال هنا أين الأردن ونظامه السياسي من تنبؤات ماكس فيبر ونتائجه ؟الحقيقة أن الأردن يشهد حاليا موجة من الضغوط والمطالب الشعبية للتحول إلى نظام ديمقراطي يستند نظامه السياسي إلى شرعية مستمدة من إرادة الناس التي تفرزها صناديق اقتراع حقيقية لا مزورة ، كما أن الناس تطالب بحقها في إدارة نفسها وشؤونها مع تقليص في صلاحيات الملك الهائلة والتي تترجم من خلال إشرافه المباشر على إدارة شؤون الدولة المدنية والعسكرية والأمنية وما تردد الملك في منح الولاية العامة للحكومة إلا دليلا على تمسكه بالسلطة وحرصه على أن تكون مؤسسة العرش هي المحور الذي تدور حوله حركة المجتمع الأردني . الملك الذي يستدعي وزيرين ويقوم رئيس الديوان الملكي بتخييرهما بين الملك وبين الولاية العامة للحكومة هو تصرف دكتاتوري يثبت تشبث العرش بالأسس التقليدية في الحكم وإدارة شؤون البلاد في حين أن عجلة التطور والتسارع في الأحداث ، وشجاعة الشارع في تجاوز الأنماط التقليدية الدكتاتورية تجاوزت كل هذه الإملاءات غير الديمقراطية وغير العقلانية ، وما على الديوان الملكي والمخابرات العامة إلا أن تخبر الملك بالهتافات الحقيقية للشارع وشعاراته على الدوار الرابع أو أمام المسجد الحسيني والمسجد العمري في الكرك ومسجد الفيحاء في إربد .
النظام السياسي في الأردن يمكن أن يستمر وفق الشرعية الدستورية الملكية الوراثية أذا تجاوب مع طلبات الناس وحقق الديمقراطية وليس الالتفاف عليها وعمل المستحيل لإرضاء الناس عن طريق تغييرات شكلية تجميلية دون تحقيق مطالبهم الحقيقة. أفكار ماكس فيبر تنطبق إلى حد كبير على معظم دول العالم وحتى الأنظمة الملكية في بريطانيا وإسبانيا وبعض الدول الأوروبية فقد تخلى ملوك هذه الدول عن السلطة لصالح الشعب ومؤسساته مع بقاء الأنظمة الملكية ولكن بأدوار رمزية وغير متدخلة في إدارة ومفاصل الدولة المختلفة. لا يجوز بأي شكل من ألأشكال أن تستمر دائرة المخابرات العامة في حكم الأردن والأردنيون يعرفون تماما أن مدير المخابرات العامة هو الشخص الثاني في المملكة من حيث قوة التأثير في مجمل الجوانب المتصلة بالتعيينات القيادية وغيرها ،لا بل فقد امتدت صلاحيات هذه الدائرة لتمارسها على المواطنين الأردنيين خارج الأردن أو من يريد أن يذهب للعمل في دول الخليج العربي إذ أصبح مطلوبا منه شهادة براءة ذمة من الأجهزة الأمنية الأردنية،كما أن أذرع الدوائر الأمنية تمتد لمن يريد أن يعمل في القطاع الخاص فأي ديمقراطية هذه وأي حرية نتشدق بها من على شاشات التلفزة !
الأردنيون عقدوا عزمهم وحزموا أمرهم على نيل حقوقهم وممارسة حياتهم بكرامة ولا يقبلون المزيد من الخنوع والقمع والاستهتار بالشعب وهدر كرامته ونهب أمواله.الأردنيون لم يعودوا يهمهم الحكومة ورئيسها وشخوصها فهم صوريين وموظفين لا يستطيع أحدهم التصريح بشكل مستقل حتى عن رؤيته لسياسات وزارته وهذا ما يفسر ظاهرة الازدواجية عند المسؤولين والتي انتقلت إلى الكثير من القطاعات الشعبية وذلك بوجود خطابين ورأيين وموقفين للشخص الواحد أحدهما يمجد الموقف الرسمي والنظام الحاكم خوفا لا إيمانا وقناعة، ورأي آخر يحتفظ فيه لنفسه ويبيح فيه للقريبين منه وهو عادة رأي مغاير لرأيه المؤيد للحكومة. حكومة تضم في عضويتها وزراء اتهموا من مؤسساتهم التي كانوا يعملون فيها بالسرقة وسوء الائتمان ووزراء آخرين كانت أزمتهم بأن يصبحوا أبواقا للحكومة كما كانوا في حكومات الكازينو والتزوير يوضعوا في مواقع متقدمة لينظروا على الناس ويمارسوا فحولتهم اللغوية على المزارعون والمهنيون في بوادي المملكة وحواضرها؟
صحيح أن نظام الحكم في الأردن ليس دمويا وأكثر ليونة وتسامحا مع المعارضة مقارنة بدول أخرى حولنا أو بعيدة عنا ولكن التساؤل لماذا المقارنة مع الأسوأ دوما؟ ولماذا يستكثر بعض المنافقين علينا أن لدينا كهرباء وماء وتعليم مقارنة بأردن الخمسينات؟التطور سمة المجتمعات والنظام يؤدي دوره ولكن يجب أن لا يتدخل في ما لا يجب التدخل فيه وإذا أراد التدخل فعليه أن يكون جاهزا للمسائلة وتحمل المسؤولية. النظام يحظى بتأييد أوساط كثيرة في الأردن ومن ضمنها المعارضة بكافة أشكالها ومشاربها، ولكن النظام يتباطأ بشكل جلي وواضح في التجاوب مع طلبات الناس الحقيقية ويسقط هذه التباطؤ على الحكومات التي تذهب أكباش فداء لتحقيق شعبيات غير حقيقية. النظام السياسي في الأردن تحت ضغط من الشعب لتطوير نفسه وإدراك أن شرعيته تستمد وينبغي أن تستمد من إرادة الناس وليس من شجرة العائلة المعلقة على جدار كل مسجد في الأردن.الهاشميون عائلة لها احترام في أوساط الأردنيين ولكن الأردنيين ينادون بحقهم في أن يكونوا أسيادا لا عبيدا في وطنهم ،محترمين في بلادهم، وتكون كرامتهم مصونة، وأموالهم ومؤسساتهم في أيدي أمينة نحاسبها متى انحرفت عن قواعد العمل الديمقراطي الذي يناضل كثير من الفصائل والأطياف الأردنية من أجل إرساء أسسه ومعاييره. كثير من الأردنيين كما هو الملك جابوا الدنيا من مشارقها إلى مغاربها، وتعلموا واطلعوا على تجارب الآخرين، ويعرفون السياسة وأصولها ويرنون إلى التمتع بحقوقهم في العيش في أوساط الحرية والكرامة والديمقراطية بعيدا عن التسلط والرعب من الدولة وتهم إطالة اللسان، وتقويض الحكم، وقدح المقامات العليا!

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
06-05-2012 10:18 AM

مقال هام وله ابعد معرفية عميقة خاصة وان ماكس فيبر قد صاغ نظريته هذه متخذا من عملية التطور في الغرب مرتكزا لهذا التعميم وهو كلام سليم ضمن خصوصيات الغرب الذي ظهرت فيه الدولة تاريخيا كاستجابة لتطور المجتمع وحاجته لمؤسسة فوقية تدير شؤونه وسارت هذه المؤسسة ضمن التحولات التي أشار لها كثيرون من الفلاسفة والمفكرين . وكادت البلاد العربية ان تنحو نفس المسار ولكن ولاسباب تاريخية لم تنشا الدولة العربية الحديثة المعبرة عن حاجة المجتمع للتطور فقد نكىءبهذه المرحلة عندما قام المستعمر بتشكيل كيانات مؤطرة سياسيا لخدمة مصالحه وفي هذا السياق ظهرت على الاغلب ما دعي دول عربية ومنها الاردن. بشير الكاتب الى مصائر الدولة في تطور شرعيتها في الغرب وكذلك طبقا لما يقوله فيبر يتوقع الدكتور الخصاونة نفس المسار لبلداننا على أساس القياس ولكن كما اسلف لم تنشا الدولة عندنا بنفس السياق لذا اقترح سيناريو تاريخي اخر جزئيا يستند لنظرية المفكر الالماني حيث ارى انه بتاخاذ قرار تاريخي بالسير طبقا لما انتجه الفكر والممارسة البشري سيرا على أساس انتاج نظام بشرعية ديمقراطية سيشكل اساس لاستقرار النظام والمنطقة وسيلعب الحكم دور بيدمونتي أو سينهار كل شبء بما فيه الكيانات القائمة لصالح نموذج الانكا والمايا

2) تعليق بواسطة :
06-05-2012 10:41 AM

مقال اكاديمي وطرح تشريحي لوضع ثقافي مختلف تماما عن المنظور الأردني خاصة والعربي عامة، مع تهميش مقصود او غير مقصود من قبل كاتبنا المحترم للفروق الثقافية والحضارية بين اطياف موضوع النقاش، اضافة الى ذلك ، أغفل كاتبنا المحترم حقيقبة المؤثرات الخارجية والمتغيرات التي أدت الى الوضع الذي اشار اليه في اوروبا. فمجتمعاتنا العربية وانظمة الحكم جاءت كنتاج لما بعد الأمبراطورية العثمانية ومن ثم الأحتلال الفرنسي والبريطاني وغيرها من التأثيرات التي اسهمت في رسم صور الأنظمة الحالية. هل الخيارات الموجودة امام النظمة الحالية كتلك التي وجدت في فترة ما اوروبا؟ هل الأستقلالية السياسية والأقتصادية التي تمتعت بها أوروبا هي نفسها التي تعيشها الأنظمة الحالية؟!!

3) تعليق بواسطة :
06-05-2012 12:10 PM

باختصار مقال رائع يحاكي الواقع الاردني المر

4) تعليق بواسطة :
06-05-2012 05:30 PM

مقال علمي جريء يحمل فكرا عميقا وبعداً استراتيجيا يجمع بين ثناياه نقداً موجهاً يصلح لان يؤخذ به ايجاباً وليس سلباً لانهم يقولون في الموروث الاجتماعي صديقك من صدقك لا من نافق واطربك بالرغم من اننا شركاء جميعا في كل محطات التراجع التي عشناها لاننا كنا وما زلنا جزء من المشكلة ولم نكن جزء من الحل .

5) تعليق بواسطة :
07-05-2012 09:08 AM

مقالك يادكتور خصاونه متميز بموضوعيته ويخلو من النفاق والمجاملات الرخيصة ، ويمكن القول ان الطبقة الوسطى وما تحتضنه من مفكرين وكتاب وصحفيين هي اكثر نضجا ووعيا وفهما بالامور السياسية والاقتصادية والاجتماعية من الطبقة الحاكمة التي مازالت تعيش في عقلية الخمسينيات حيث كان الناس يعيشون بلا ثقافة وبلا كهرباء ويظنون ان العالم كله ظل متخلفا الا الاردن الذي بلغ درجة الخيال في تقدمه ورقيه ,آن للطبقة الحاكمة ان تترجل لتبصر الواقع بشكل اكثر وضوحا .

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012