أضف إلى المفضلة
الأحد , 28 نيسان/أبريل 2024
الأحد , 28 نيسان/أبريل 2024


وكبُرت

بقلم : ناي البرغوثي
05-06-2012 10:03 AM
طالبة فلسطينية عمرها 15 عاماً تدرس في رام الله المحتلة


إلى أحمد قطامش، المعتقل الإداري، المناضل، الملهم، المبتسم، والمتفائل بالنصر دومًا في خضم الإضراب البطولي للأسرى الفلسطينيين عن الطعام لنيل حريتهم...


لم يكن فرحاً، لم يكن حزناً، لم يكن لا مبالاة أو عدم اهتمام، بل فقط عدم معرفة؛ عدم معرفة الواقع، الجهل، وفقدان القدرة على تحويل ذاك الجهل إلى معرفة.



لو عدت يوماً فالسبب انتمائي، انتمائي للكثير؛ انتمائي لجذوري، انتمائي لوطني، لأصدقائي، لعائلتي؛ والأهم من كل ذلك، انتمائي إلى ذاتي، انتمائي إلى كل ما أحببت وما أنتجت.
لم أعرف يوماً معنى الحياة إلا حين تم العَبَثُ بمشاعري، بمعتقداتي وبكل ما آمنت به وصدّقته.
لم أعرف يوماً معنى الحزن، معنى الإهانة، معنى الخسارة، معنى الكراهية، معنى الفوز ومعنى الحب إلا في تلك الليلة.


بكيت، ابتسمت، ضحكت، توترت وابتسمت من جديد، ولكن كلماتي لن تسعفني هنا على وصف خوفٍ غريبٍ لم أعهده من قبل. هل كنت خائفة من بكائي أم كنت أبكي من خوفي؟ لا أعرف.. هل كنت أضحك لأن هناك ما يضحك أم كنت أضحك لأخفي شيئاً ما، كذاك الخوف اللعين؟ لا أعرف..


فقدت آخر ذرة من طاقاتي، فلم تعد كلمة «طاقة» مدوّنة في قاموسي. لطالما سمعت أن الصمت في بعض الأحيان هو أفضل وسيلة لتجاوز الصدمات والخوف؛ فالتزمت الصمت، خفت وتوترت، ولكني التزمت الصمت.


لم أقوَ على التفكير، وعَجِزَ لساني عن الكلام؛ لم أستطع البكاء أو الضحك، لم أستطع الاستمرار أو إكمال ما بدأت، من حب وبهجة وتحرر.. لم أستطع.


تلك الكلمة القذرة التي أصر ذلك الجندي الإسرائيلي على توجيهها إلي في كل مرة تحديته بها، في كل مرة تحديت نفسي، وفي كل مرة تحديت الحياة، كانت مظلمة بحد ذاتها. قصد إهانتي فقوّاني!


في ساعة من ساعات تلك الليلة، كنت نائمة.. أحلم بالجمال، أحلم بالموسيقى، وأحلم بالحياة. أحلم بأحلام شعب قد تحرر. كنت نائمة وكنت أحلم، مبرهنة للجميع ولنفسي أنني ما زلت على قيد الحياة.


بعد ساعة الأحلام تلك، جاءت الساعة التي أعادتني إلى واقعٍ مظلمٍ، فعدت إلى تلك الفتاة الصغيرة في ذاك العالم الكبير؛ وجدت نفسي عاجزة. غابت الأغاني ومعها الألحان واختفى الجمال وعم سواد الاحتلال. ولّى الربيع وحل الشتاء فجاء معه الظلم والموت والخوف؛ بل جاءت الحياة بأكملها حاملة كل معانيها الجارحة.


أربعون جندياً إسرائيلياً يدخلون بيتي، يبحثون عن أحد أقربائي الذي كانت تهمته الوحيدة هي المقاومة. وجدت نفسي مرة أخرى أرتجف. عندها جلست ملتزمة الصمت. كان قلبي كالقنبلة ينتظر موافقتي على الانفجار. مرت ثوان وتلتها دقائق وأنا أرتعد. أخيراً، وافقت على الانفجار..

فانفجرت. لكنني لم أنفجر بالبكاء، بل انفجرت بالمقاومة، بأسلوبي، فاتهموني بها. انفجرت بقوة وعناد لم أدرك يوماً أنني أملكهما، إذ لم أسمح بإظهارهما أبدا، وكنت دائما تلك الفتاة الصغيرة في ذلك العالم الكبير. لكن في تلك الليلة أصبحت فتاة قوية، متمردة، قالت «لا» وتحدت كل ذلك العالم الكبير، فغدوت فتاة كبيرة. لم أسمح لنفسي أن أنكسر أمام سطوة الاحتلال مرة أخرى، فهو أجبن من الوقوف أمام أي متمرد ومتحد، وأمام كل إنسان يرفض الذل ويقول «لا». ذلك الاحتلال يخاف من كل فلسطيني يرفض الطاعة.


أرادني جالسة، وجدني واقفة شامخة، كشموخ أحمد. أرادني نائمة وجدني متيقظة وكأنني ارتشفت فنجاني قهوة. أرادني عمياء فوجدني مبصرة. أرادني مستسلمة فوجدني صامدة، كصمود أحمد الأسطوري في أقبية التحقيق. أراد أن أتوقف عن الحركة فأصررت على الاستمرار، فكما قال أحمد، «لنمض قدماً مهما صار». بكلمات أخرى، أرادني أن أموت، فوجدني على قيد الحياة أصر أن أحياها بكرامة، كما علمني أحمد؛ أعيش يومي بقوة وعزيمة وحب وحياة غنية ومثيرة وكأنه آخر يوم في حياتي. فأراد لنفسه أن يموت. وكَبُرت.






التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012