أضف إلى المفضلة
السبت , 27 نيسان/أبريل 2024
السبت , 27 نيسان/أبريل 2024


مدينة الزعيم

بقلم : سهام البيايضة
06-06-2012 10:02 AM
اجتمع أبناء الزعيم، وزوجته الأخيرة وأولادها، حول فراشه المزركش والمزين بأرقى المفارش والأخشاب الغالية الثمن.
الجميع يدعون له بالشفاء ويتناوبون السهر على راحته ،غير مكتفين بالخدم والحشم ،واللجان الطبية التي اجتمعت لمراقبته ومتابعة حالته الصحية .
مضي أكثر من شهرين على هذه الحالة ،ولا يزال الناس يخرجون إلى الشوارع، من كل الأديان والمعتقدات، للدعاء والابتهال لزعيمهم المريض، ليمن الله عليه بالشفاء ..كل بعقيدته وبلسان حاله .
تقول الأخبار التي تسربت للناس عبر 'الفضائيات العالمية ' - في الاوانة الأخيرة - أن صحة الزعيم قد تدهورت بعد حضوره الأخير، للعرض العسكري الكبير، الذي أقيم في ميادين عاصمتهم المزدهرة بالمال والأعمال ..والناس .
زوجة الأب، الزعيمة ، كانت دائما تقف على مسافة من أبناء الزوج ،وقد التف حولها أبناءها الثلاثة، أما أولاده من الزوجات الأخريات، وباقي أفراد الأسرة 'ألزعيمه ' من الأعمام والعمات، وقفوا يشكلون فريقا آخر في الطرف البعيد من صالة الانتظار .
الجموع الغفيرة من سكان المدينة ، اجتمعت تاركةً أعمالها وأشغالها، ولا تزال تقبع في الميادين والشوارع والدموع تنهمر من عيونهم على زعيمهم المفارق ..لا بد.
في اللحظات الأخيرة التي أعلن فيها الأطباء، عجزهم عن تقديم أي مساعدة للزعيم الكبير ،اخذ التوتر والاضطراب يظهر بين أفراد العائلة ..وعندما وصلت الأخبار إلى جموع الناس في الخارج ،ارتفع العويل والبكاء وأغمي على النساء والرجال من أصحاب القلوب الضعيفة والحساسية العالية .. غير مصدقون ، أن الزعيم سيموت ! ،وارتفعت أصواتهم بالنحيب :لا لا ..الزعيم لا يموت .!! ويمرغون وجوههم بالتراب مبدين استعدادهم للتضحية وتقديم أنفسهم و أبناءهم فداءً للزعيم .
قلة قليلة.. كانت تنتشر بين الناس،تتابع طقوس الولاء والدعوات ، وقد التزمت الصمت ..فلا مجال لحديث العقل والإيمان بين من فقد العقل والإيمان ..فللصمت محراب يلتجئ إليه العقلاء في لجة الدجل، وزوابع الكذب والنفاق.
لا احد كان يتوقع خروج احد أبناءه..ولو من قبيل التواصل بين الحاكم والمحكوم ، ليطمئن الناس ،أو ليهدئ من روعهم على زعيمهم المريض..وان يظهر من باب البرتوكولات أمام العالم المهتم بالمدينة ،أن العلاقة السائدة بينهم ، علاقة بعيدة بعض الشيء عن ، الطاعة ،والتواجد في الوقت المناسب والمكان المناسب عند الحاجة المناسبة.. التي يقررها الزعيم ....وأما غير ذلك ،فهو شأن عائلي لا علاقة للناس به، وان عليهم الابتهال وإظهار ولاءهم فقط ، والاكتفاء بسعادتهم التي تتكلل بوجود الزعيم وأبناءه على أرض مدينتهم.

أوقات صعبة جدا، مرت على سكان مدينة الزعيم ..ينتظرون بصيص آمل في انفراج غمتهم ..لا كلمة .. لا من يساند أحزانهم ويطيب خواطرهم !
من سيخلف الزعيم ؟ من سيتولى مهام البلاد والعباد من بعده ؟؟؟..الموضوع بحد ذاته كان خارج اختصاص كل هؤلاء البكاؤون والمبرمجون على ردود الفعل المناسبة لزعامة الزعيم وأسرته الزعيمة ..في الحقيقية ،هذا أمر لا يعنيهم، من قريب أو بعيد .ولا يستدعي ..حتى التفكير ...الشيء الوحيد الذي حرك مشاعرهم أخيراً ..وجعلهم في حالة حبور وانبلاج .. عندما خرج مدير القصر معلنا :الزعيم أفاق ..أيها الناس..أيها الناس ..الزعيم أفاق !!
حالة من الذهول والرجاء المرتبك ..ظهرت على وجوه الناس الذين اخذوا بالبكاء ... والدعاء للزعيم :الزعيم أفاق ..الزعيم أفاق ..انها معجزة ..بركاتك يا زعيمنا ..الشكر والحمد يا الله ... أن وهبتنا زعيمنا المبارك ..ما لنا غيره يا الله !!
الزعيم أفاق، ويريد أن يقوم بجولة وأفراد أسرته'الزعيمة ' في المدينة ..لعلها الجولة الأخيرة !
استعد الجميع لاستقبال الزعيم وأفراد أسرته، ومرافقيهم وحاشيتهم ومستشاريهم وأصدقائهم وانسباهم..
الجميع خرج من جديد إلى الشوارع والميادين ..ترك الناس أعمالهم، لعلهم يتبركون بنظرة ،يلقيها الزعيم الكهل عليهم ،ويتشرفون برؤية يده المباركة وهي تلوح لهم من بعيد .. ربما ستكون الأخيرة من زعيمهم الكبير!
الدموع لا تزال تنهمر والنساء يصرخن من الانفعال ،والفقراء يصلون مبتهلين ،ومن بقي من 'ميسوري الحال' ، يرشون الورود والعطور في طريقهم ..وقد ازدانت الشوارع باللافتات من كل الأنواع، وقد غطت أشعة الشمس عن ارض المدينة ،و تجمع الناس تحتها .
مشاهد مهيبة لا تزال في ذاكرة الجميع من الصعب أن تنسى .
أثناء مسير الموكب .لاحظت القلة القليلة من الناس ،أن الزعيم،وأثناء مسيره في المدينة الكبيرة ..كان يقف ليناول أبناءه الواحد تلو الآخر، صكوك ملفوفة بشريط ملون ،بلون الأسرة الزعيمة المعروف، يتناولها ابن الزعيم ثم ما تلبث قوات وأفراد الحماية خاصتهم ،أن تنتشر فوقها .. تحرز عليها بعد أن يستلمها ابن الزعيم ويقف فوقها .
القلة القلية.. استغربت هذا السلوك الذي تكرر حتى شمل كل أرجاء المدينة الكبيرة ..التي وزعها الأب الزعيم على أبناءه الزعماء الجدد، الميادين ،الشوارع ،المؤسسات فوق الأرض وتحت الأرض ،حتى دور اللهو وملاعب الرياضة و رياض الأطفال ومعاهد الكبار .
كل شيء تم تقسيمه وتوزيعه ، والناس من حوله يتدافعون خلف موكبه يركضون ويسقطون .. وكأنهم حبات قمح تتناثر من كيس مثقوب ،اختلطت بالتراب وضاعت تحت الأقدام .. يلهثون خلفه ويدعون له ، ولا يزال منشغلاً عنهم يوزع ويقسم ويفتت !
انتهت جولة الزعيم الذي أعياه التجول،في المدينة الواسعة ، وظهرت على تقاسيمه علامات الإجهاد، واصفر وجهه وغبر شعره ،وظهرت مخالب الموت تريد أن تستوف حقها منه ..ومن شدة التعب، أمال رأسه على كتف زوجته التي جلست بجانبه ،وقد استبشرت وأولادها خيراً بعد رحيله.. وقد توزعت المدينة عليهم بأكملها .. أمام الجميع وعلى الملأ .
لحظات وينتهي الزعيم من جولته ،و يتوارى موكبه خلف الأسوار العالية ..
من رحم الدهشة والوجوم العام ..خرج صوت القلة القليلة .. :ونحن أيها الزعيم ..ونحن أيها الزعيم ؟؟..ماذا بشأننا نحن.... سكان المدينة ؟؟
رفع الزعيم رأسه المثقل فوق كتف زوجته... موجهاً كلامه لها قائلا :..
RIFF RAFF
..خذيهم على البيعة !












التعليقات

1) تعليق بواسطة :
06-06-2012 11:40 AM

سلمت ولو ان عتبي علىك في قفلة الروايه
(اما من أعور لا يتزغلل نظره يقود قطارا يطدم بالموكب وينهي مباراه تجاوزت ال90د ولم يتحدد لها وقت ضائع أم أن هذه المدينة لا يلعب فيها غير ذات الفريق)

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012