أضف إلى المفضلة
الإثنين , 29 نيسان/أبريل 2024
الإثنين , 29 نيسان/أبريل 2024


غزة : تغير إستراتيجي في شكل الصراع بقلم : أ . د . عبدالله سرور الزعبي

بقلم : الأستاذ الدكتور عبدالله سرور الزعبي
22-10-2023 06:11 AM

إن ما جرى في قطاع غزة خلال الأسبوعين الماضيين وما يزال، يعتبر تحولا إستراتيجيا وتاريخيا في شكل الصراع وقواعد الاشتباك مع الإسرائيليين، والذي يعتبر الأطول في العصر الحديث والممتد لأكثر من سبع عقود، دون الوصول لحل سياسي وفقا لقرارات مجلس الأمن الدولي والمتضمنة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي المحتلة وإقامة دولة فلسطينية كاملة الحقوق وغير منقوصة السيادة الوطنية.

جاءت أحداث الاجتياح لغلاف غزة بتاريخ 7/10/2023، والتي هزت المنطقة بالكامل، لا بل وصلت ارتداداتها إلى معظم دول العالم، وزعزعة ثقة الإسرائيليين بحكومتهم وجيشهم (هذا مع العلم بأن الحكومة الإسرائيلية كانت تعيش أحد أسوأ الأزمات الداخلية).

نجح الإسرائيليون في بداية الأزمة لنقل صورة مرعبة لما حصل في المستوطنات، الأمر الذي دفع معظم دول حلف الناتو وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية لإعلان دعم غير مسبوق وبدون تردد لدولة إسرائيل، لحمايتها من غزة المحاطة بالسياج والمحاصرة من البحر، إلا أنه سرعان ما تكشفت الحقائق.
غزة التي استعصت خلال العقود الماضية واتعبت إسرائيل، حتى أن رابين وزير الدفاع الإسرائيلي خلال الانتفاضة الأولى للفلسطينيين قال عنها «أتمنى ان استيقظ واجد غزة قد غرقت في البحر» وكذلك شارون الذي خبر معظم الحروب في القرن الماضي قرر الانسحاب منها كليا في عام 2005، وكلاهما من الجنرالات الأكثر خبرة في الحروب العربية الإسرائيلية منذ تاريخ تأسيس إسرائيل.
إن عملية اجتياح غلاف غزه أصاب نتنياهو بجرح عميق في كبريائه وقيادته، ووجد فيه فرصة سانحة للخروج من أزمته، ورغم جروحه، الا انه بداء بخلط الأوراق مهددا الجميع، وباشر بشن حرب انتقامية غير متكافئة (غير آبها بعدد الضحايا ومتناسيا بأن غضب الانتقام لن ينجح، على الرغم من أن هناك شبه اجماع بان وجود نتيناهو يعتبر كارثة لإسرائيل ودول الجوار لا بل والاستقرار العالمي) معتبرها حرب وجود، ومعتمدا على الصمت الدولي ودعم الدول الغربية والتي لا يمكن لها أن توافق على أصدار قرار ادانة له من قبل مجلس الأمن والمعطل حاليا (بعد حرب أوكرانيا) عن القدرة على اتخاذ القرارات.
خلال الأسبوعين الماضيين تم قطع المياه والغذاء والدواء والطاقة عن حوالي 2.3 مليون من البشر واسقاط كم هائل من القذائف والصواريخ على غزه بهدف تدمير البنية التحتية (حرب ابادة جماعية)، الا أنه ولغاية الآن (مساء يوم الجمعة 20/10/2023) لم تقدم إسرائيل على تنفيذ العمليات البرية، وقد يعود ذلك لعدم وضوح الرؤية لديها عن حجم الخسائر التي قد تنجم عن مثل هذه العملية (أو كما أعلن الرئيس الأميركي بأنه طلب تأجيل الحرب البرية حتى يتم الإفراج عن الرهائن)، وعن الخطة المستقبلية لقطاع غزة في حال نجحت عملية اجتياحه. وعلى الرغم من تصريحات نتيناهو المتغطرسة، بأنه ذاهب في الحرب حتى النهاية وتحقيق النصر في حرب هو شخصيا لا يعرف امدها، أمام قدرة هائلة للفلسطينيين على الصبر والصمود وهم أصحاب الخبرة والحق (منذ 75 سنة) في ذلك (مقابل دولة تعودت على الحروب الخاطفة)، وهم ايضا يعلمون جيدا بانه ليس أمامهم أي خيار آخر، لأنهم أمام حرب وجود، وخاصة بعد الخسائر التي لحقت بهم من حيث عدد الشهداء الذي تجاوز 4100 واصابة ما يزيد على 12000 شخص، ناهيك عن الدمار في البنى التحتية.
كما انه لمن المحتمل ان تسعى إسرائيل نفسها لتوسيع رقعة الصراع في المنطقة لتحقيق نصر سريع هنا أوهناك، مقابل النصر غير المضمون بدون تكلفة عالية عليها في غزة، وتكون نتائجه كارثية على الطرفين من حيث عدد الضحايا، وخاصة بين المدنيين الفلسطينيين، والتي بدون شك ستشكل كارثة إنسانية لا يمكن للمجتمع الدولي مهما كان انحيازه من تحملها (بدأت أصوات شعوب العالم ومنها الغربي ترتفع بقوة ضد الحرب).
ليس إسرائيل وحدها التي من الممكن ان تسعى لتوسيع الصراع، لا بل قد تكون هناك دول أخرى تسعى لمثل ذلك في الخفاء، بهدف منع الولايات المتحدة الأميركية من الانفراد في السيطرة على الشرق الأوسط بكامله وخلط أوراق إعادة تشكيله، وعلى الرغم من أن مثل تلك الدول تدعم حل الدولتين كغيرها من الدول (بما فيها الولايات المتحدة الأميركية) الا انهم جميعاً لم يسعوا لتنفيذ ذلك على أرض الواقع خلال العقود الماضية، لا بل بدأ الحديث يتصاعد بشكل كبير عن تهجير الفلسطينيين من ارضهم كجزء من مخطط تصفية القضية الفلسطينية على حساب الجيران (مهددين بذلك أمنهم)، الأمر الذي يرفضه جلالة الملك قطعيا وبقوة ومهما كان الثمن.
ام ما يدور في المنطقة من عسكرة ينذر بالبدء بتنفيذ المرحلة شبه الأخيرة من مخططات دولية تسعى لبلقنة الشرق الأوسط (ستؤدي لظهور دول عرقية او عقائدية جديدة) في ظل وضع ديناميكي عربي غير مسبوق لم يكن متوفر لإسرائيل (جعلها لا ترى أهمية للوجود الفلسطيني) وغيرها من الدول في عقود القرن الماضي.
اننا ما زلنا نتطلع بأمل الى نتائج المؤتمر الدولي والذي ستبدأ اعماله يوم السبت بتاريخ 21/10/2023 في القاهرة وبمشاركة عدد كبير من الدول العالمية والإقليمية من قدرته على وقف الأعمال الحربية ووقف قتل المدنيين، وان يفرض على إسرائيل السماح باستمرار تدفق المياه والغذاء والدواء ومصادر الطاقة لسكان غزة (وعدم الاكتفاء بإدخال عدد محدود من الشاحنات).
اما نحن في الأردن، فأننا نعي جيد المخطط الإسرائيلي الهادف لتهجير الفلسطينيين من ارضهم، ولدينا الخبرة في ذلك، الا أن هذه المرحلة تعتبر الأخطر على القضية الفلسطينية وعلى الأردن، وعليه فانه مطلوب منا جميعا (الأردنيين) عدم السماح لمثيري الفتن وأصحاب الأجندة من بث الإشاعات بيننا، وان نكون جميعاً السند القوي للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية بقيادة جلالة الملك (المتقدم على الجميع في مواقفه المشرفة)، كي يبقى الأردن قويا منيعا ويتمكن من تنفيذ إصلاحاته المنشودة في قطاعات الدولة وخاصة التعليمية والهيكلة الإدارية منها، ولكي يبقى الأردن ايضاً السند القوي للشعب الفلسطيني والقادر على الدفاع عنه حتى يتمكن من الحصول على حقوقه وإقامة دولته على أرضه في الضفة الغربية وغزة وفقا لقرارات الشرعية الدولية، والتي نراها قريبة جدا.

الغد

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012