أضف إلى المفضلة
الثلاثاء , 30 نيسان/أبريل 2024
الثلاثاء , 30 نيسان/أبريل 2024


التطرف فـي الفكر الصهيوني وحلم العودة إلى غزة

بقلم : أ. محمد بن سعيد الفطيسي
29-01-2024 04:46 PM

إذًا هي عقيدة متأصِّلة قَبل أن تكُونَ سياسة مستحدثة. فالحقيقة هي أن لا صهيونيَّة بدُونِ استيطان، ولا (دَولة) يهوديَّة بدُونِ إخلاء العرب ومصادرة أراضيهم وتسييجها وطردهم مِنْها وتحويلهم إلى لاجئين ونازحين.

في مقال منشور بصحيفة يديعوت أحرونوت «الإسرائيليَّة» بتاريخ 14/7/1972م، أشار أحَد أبرز كتَّاب السِّياسة الإسرائيليَّة حينها «يورام بن بورات» إلى حقيقة تاريخيَّة ما زال الواقع يثبتها كُلَّ يوم بما لا يدع مجالًا للشَّك حينما قال «يجِبُ على المسؤولين الإسرائيليِّين أن يوضحوا للرَّأي العامِّ بكُلِّ صراحة وقوَّة عددًا من الحقائق الَّتي تنشأ بمرور الأيَّام، وفي مقدِّمتها أنَّه لا وجود للصهيونيَّة أو الاستيطان أو الدَّولة اليهوديَّة دُونَ تهجير العرب ومصادرة أراضيهم».

ما يدلُّ على أنَّ الفكر الإسرائيلي المتطرف لا يُمكِن أن يتعايشَ مع غيره من الشعوب أو الدوَل مهما حاولت هذه الأخيرة التقارب مِنْه أو التعايش معه، أو حتَّى حاول بعض السَّاسة أو القادة الإسرائيليِّين الترويج لفكر التعايش أو التقارب مع الشعوب المجاورة عمومًا، والشَّعب الفلسطيني تحديدًا.

يؤكِّد هذه الحقيقة، كذلك وبكُلِّ صراحة وتجرُّد، أحَد أبرز المؤرِّخين والدَّارسين لتاريخ الصهيونيَّة الحديث، وبشكلٍ لا يترك مجالًا للشَّك في ذلك، وهو الكاتب دافيد هرست في كتابه «البندقيَّة وغصن الزيتون» فيقول واصفًا ثيودور هرتزل وهو المؤسِّس الحقيقي للصهيونيَّة الحديثة، وواضع حجر الأساس للقاعدة الأيديولوجيَّة الصهيونيَّة المستقبليَّة لفكر السَّلام والتعايش الصهيوني.
يقول هرست «بأنَّ هرتزل قَدْ أدرك بأنَّه لا مفرَّ من الإكراه والقوَّة الجسديَّة، وأنَّه على الصهاينة أن يحصلوا على هذه الأرض الَّتي اختاروها بقوَّة السِّلاح».

والمتتبِّع لِمَا تقوم به الحكومة الإسرائيليَّة في فلسطين العربيَّة المُحتلَّة، من محاولات التوسُّع والاستيطان وضمِّ المزيد من الأراضي الفلسطينيَّة، وبناء المساكن والمستوطنات، لا يُمكِن أن نطلقَ عَلَيْه بالظاهرة الاستعماريَّة الجديدة في فكر هذا الكيان الإرهابي المحتلِّ الغاصب، وإنَّما هو فكر متأصِّل في جذور تاريخ هذا المستعمرة الكبرى منذ قيامها بقرار ورَقِي ظالم، بالتَّالي هي مسألة مألوفة كغيرها من القضايا الكثيرة والمتنوِّعة الَّتي تتداخل في تعقيداتها مع النَّهج السِّياسي العملي المفروض على الشَّعب الفلسطيني العربي الأعزل، من خلال الممارسات القمعيَّة الَّتي تنتهجها حكومة الاحتلال وسُلطاتها العسكريَّة كُلَّ يوم وبشكلٍ متواصل.

إذًا هي عقيدة متأصِّلة قَبل أن تكُونَ سياسة مستحدثة. فالحقيقة هي أن لا صهيونيَّة بدُونِ استيطان، ولا (دَولة) يهوديَّة بدُونِ إخلاء العرب ومصادرة أراضيهم وتسييجها وطردهم مِنْها وتحويلهم إلى لاجئين ونازحين.

ولكون هذا الاستيطان من أهمِّ العوامل الرئيسة للبقاء الصهيوني في هذا العالَم، فقَدْ ظلَّ على قمَّة الأولويَّات السِّياسيَّة الإسرائيليَّة الحكوميَّة وبمختلف تقسيماتها وفروعها، ما بَيْنَ يمين ووسط ويسار، بل وأيديولوجيَّاتها السِّياسيَّة والدينيَّة مِنْها أو التصحيحيَّة. وإن دلَّ هذا على شيء، فإنَّما يدلُّ على الأهمِّية البالغة والقصوى لهذا النَّهج الاستيطاني في فكر بناء الدَّولة الصهيونيَّة الحديثة، أو المستعمرة الإسرائيليَّة الكبرى على أرض الطُّهر والرسالات فلسطين العربيَّة المحتلة، بل ونراه دائم التصدر على قمَّة الأولويَّات الصهيونيَّة الإسرائيليَّة في جميع المحافل الدوليَّة.

ليس ذلك إلَّا لكونه أداة مُهمَّة لممارسة الفكر الاستيطاني الَّذي تقوم عَلَيْه النظريَّة الصهيونيَّة، مدعومةً بكُلِّ وسائل القمع والإرهاب. وتنبع تلك الأهمِّية الاستراتيجيَّة للاستيطان الصهيوني من خلال كون هذا الاستيطان يُشكِّل العمود الفقري والتطبيق العملي للصهيونيَّة، واللبنة الأولى لإنشاء الكيان الإسرائيلي في فلسطين. فـ»إسرائيل ما هي إلَّا مستوطنة كبيرة قامت على أساس غزو الأرض وطرد سكَّانها العرب، وإنشاء كيان غريب عن المنطقة العربيَّة من خلال جلب المهاجرين اليهود من جميع أنحاء العالَم واستيطانهم فيها». من أبرز الأمثلة الحاضرة على هذه الاستراتيجيَّة المتطرِّفة والَّتي تسعى لاستغلال كُلِّ الظروف، ومِنْها الحرب الصهيونيَّة على غزَّة عَبْرَ الدعاية للاستعمار والاستيطان والتهجير، هو عودة المطالبات والدَّعوات الداخليَّة للمطالبة بالتوسُّع واستيطان هذا القِطاع مرَّة أخرى، خصوصًا من تلك الفئة الَّتي أجبرت على الجلاء من غزَّة في العام 2005. وبالفعل نسمع تأييدًا مستمرًّا لهذه الفكرة المتطرِّفة وتلك الدَّعوات غير الواقعيَّة من قِبل السَّاسة الإسرائيليِّين المُقبلين على الانتخابات، وقَدْ يكُونُ حلم (كابوس) إعادة توطين غزَّة هي الاستراتيجيَّة الَّتي سيحاول من خلالها توحيد اليمين خلفه برغم استحالة تحقيق هذه الفكرة المتطرِّفة.
' الوطن العمانية '
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية


التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012