عجبا للذين تتعبّدهم المناصب فتذهب بعزائمهم مغرياتها ، وتعتلج في حناياهم ظلماتها ،وتتربع على قلوبهم مفاسدها ، فتصدأ أفئدتهم وأفكارهم ، فلم يعودوا يفكروا الا باستغلال الناس من خلال مواقعهم ، ونهب أموال الشعب الكادح المسكين في ظلال مناصبهم.

عجبا لمن استطا لت المناصب في نفوسهم ، وشمخ الكبر في ضمائرهم، وران على قلوبهم ما كانوا يكسبون من خيلاء وكبر وعنجهية ، فاستباحوا أقوات الناس، ونهبوا خيرات البلاد والعباد ، وسيطروا على الناس بظلمهم وجبروتهم الزائف المؤقت ، وطغوا وبغوا ؛ وما علموا أن الخيلاء والكبر والعنجهية هي مصائد ابليس العظمى، ومكيدته الكبرى التي ساورت قلوبهم مساورة السموم القاتلة!!

انهم مفسدون محترفون ، تتلمذوا على أيدي أستاذهم ابليس ،واستعانوا بمستشارين وقانونين دهاة، هم اخوان الشياطين، وكان الشطان لربه كفورا، باعوا اأنفسهم له، ولبسوا جلده ، تنمروا ، وابتزوا، واستغلوا مناصبهم ، فاستحوذوا على ناصية القرار وصنعه.
منهم من يدعي الاصلاح ويتظاهر به ، ويأنف الفساد ويحاربه ، فنقول له : دائما وأبدا ، لا يجتمع نقيضان اصلاح وفساد، ومنهم من يبارك الفساد على رأي النواب، وهناك من يراوغ ويهدد من بلد بعيد، وهناك من يعرض تسوية ويساوم بمبالغ معينة. ثروات هائلة نهبت وعشرات.. بل مئات الملايين سرقت.. واستبيحت قصور فارهة، أحدها بيع بأكثر من عشرة ملايين دينار اردني.
أيها المفسدون في الأرض !! كفى عبثا بأموال الشعب ونهب خيراته!! كفى عبثا ببلد الخير والمحبة، بلدالعزة والنخوة ،بلد النشامي ، بلد الدحنون والزيتون والزعتر!!

ألم تجد حالات الاعتقالات والمساءلات ، ومنع حالات السفر والهروب ، والكشف عن الملايين ، وحالات استعادة اموال وعقارات الشعب ؟؟. هيهات !هيهات ! لكن منهم او ممن يؤيدونهم، ما زالوا يسرقون تحت مسميات أخرى غير السرقة مثل رواتب مدى الحياة !!! ( واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون ، الا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون).

قال أحد أعضاء هيئة مكافحة الفساد: ان أحد المفسدين الكبار كان راتبه خمسة دنانير، وكان الثاني يتيما لا يملك دينارا واحدا،وكان الثالث لا يملك ثمن فرشاة اسنان !! (مال لهم معنة ولا سعنة ) - مثل كانت تقوله العرب لمن ليس له قليل ولا كثير من المال - وبين ليلة وضحاها أصبحوا من أصحاب الملايين !!!

دخل موسى بن عمران ، ومعه اخوه هارون -عليهما السلام- على فرعون وعليهما مدارع الصوف ، وبأيديهما العصي ، فشرطا له: ان أسلم بقاء ملكه ودوام عزه ، فقال : ألا تعجبون من هذين !! يشرطان لي دوام العز وبقاء الملك وهما بما ترون من حال الفقر والذل !! فهلا ألقي عليهما أساورة من ذهب !!. أراد فرعون بلمعان الأصفر الرنان المغري أن يثني قوة الأيمان في قلبيهما ، ويلوي عزيمة القناعة التي تملأ القلوب والعيون غنى تحت وطأة اغراءاته ، واعظاما للذهب وجمعه .

رأى ضعفه في حاليهما ، وعرف أن الخصاصة في الانسان تملأ الأبصار والاأسماع أذى ورهبة ، لكنهما كانا من أهل القوة التي لا ترام ،والعزة التي لا تضام ؛ فلم يجد فيهما له اعتبارا ووجد فيهما عنه استكبارا.
فعجبا للذين يركعون لأول وهلة لكل لمعان رنان !! وينحنون لكل بريق فتان !! لا يستطيعون مقاومة في نفوسهم ، فيقفون حياله مشدوهين مذلولين !!
عجبا للذين تجذبهم مواقع الفتنة ، ومنافخ الشيطان التي تخدع ذوي الضمائر الهزيلة الخائرة ، فتراهم سلسا في القياد ذللا مع الاوتاد، نكّسا في السجون وراء القضبان.