بقلم : حماد فراعنة
13-08-2012 10:33 AM
قد تكون سورية هي البلد الثاني بعد فلسطين في سلم الأهتمامات الأردنية ، نظراً للتداخل الأنساني والمصالح المشتركة والجوار الجغرافي بين الأردن وسورية ، فثمة حوالي نصف مليون سوري وسورية وفق معلومات جلالة الملك عبد الله ، متزوجون من أردنيين وأردنيات ، يعكسون الصلة والقرابة ، على طرفي الحدود وفي مسامات القرى المتاخمة ، وأبناء العمومة ، بين البلدين ، يتأثرون من أحوال بعضهم البعض ، وثمة تباينات سياسية وأمنية بين البلدين ، وتحالفات متعارضة ، لنظامين مختلفين ، نجحا في التعايش ، وتغليب المصلحة والألفة على ما عداها من عوامل ، مثلما تفرض رغبة واعية أو واقعية ملزمة للتعايش بينهما .
وعلى قاعدة هذا الفهم ، بادر جلالة الملك في وقت مبكر بعد أحداث أذار 2011 ، وأوفد لمرتين متتاليتين رئيس الديوان الملكي خالد الكركي إلى دمشق للقاء الرئيس بشار الأسد ، لحثه على ضرورة معالجة الوضع الداخلي بأساليب وأدوات مدنية سياسية ، وتحاشي المعالجة الأمنية ، لأنها ' مطب ' وفخاً ، سيقع فيه ، ويشكل حوافز للانقضاض على نظامه ، إذا إختار الحل الأمني وسقط ضحايا إعتماداً على هذا الخيار ، ولكن النصيحة الأردنية لم تجد إذناً صاغية لدى أصحاب القرار في دمشق ، ولذلك وصف الملك وضع الرئيس السوري على أنه ' وقع أسيراً للحالة الداخلية ولمكونات النظام ' .
وفي ضوء متابعته للأحداث ، لحض جلالة الملك ، رده على سؤال تشارلي روز ، من على شاشة سي . بي . إس ، إلى أين تتجه الأمور في سوريا ، رد الملك بقوله : لا أحد يعلم تحديداً ! .
ومنذ بداية الأحداث السورية ، كان الموقف الأردني ولا يزال التطلع إلى الحل السياسي ، وهو الخيار الأفضل لكل الأطراف ، لتحاشي المشكلة المتفاقمة التي بدأت مظاهرها تبرز بإتجاه ' العنف الطائفي وبداية حرب أهلية ' على حد وصف جلالة الملك ، وضرورة البحث ' عن إنتقال سلمي للسلطة ، ومن المهم جداً إقناع المعارضة أن تمد يدها إلى العلويين ، بحيث يشعرون أن لهم مصلحة ومكانة في مستقبل سوريا ' يشرح جلالته الحدث السوري من وجهة نظر المعارضة ومن يقفون معها وخلفها ويدعمونها بقوله ' لا أعرف إن كنا نقوم بما يجب في هذا السياق ' ، أي عدم التوجه الأطراف المختلفة للعمل على جمع الأطراف السورية من الداخل والخارج وبين النظام والمعارضة .
الأردن يشعر بالقلق عبر عنه جلالة الملك ، نحو الحالة السورية ، لأن الدولة أيلة للأنهيار والتمزق ، قد تكون نتيجتها قيام كيان كردي شبه مستقل في شرق شمال سورية أسوة بالحالة الكردية شمال العراق ، وأسوأ من ذلك تمزق سوريا لكيانات متعددة ، يقف في مقدمتها قيام كيان علوي إلى جانب المنطقة الكردية وضياع وحدة سورية وإستقرارها لسنوات طويلة ، والأردن يشعر بالقلق ، لأن الحالة السورية ، ستشكل حالة إستقطاب عربي ودولي طاردة عن الأهتمام بالوضع الفلسطيني ، ففلسطين وأمنها ومستقبلها له تبعات مؤثرة على الأردن ، وإستمرار البرنامج الأسرائيلي الأستعماري التوسعي يؤثر مباشرة على الأردن بعد فلسطين ، وغياب الأهتمام العربي والدولي عن فلسطين ، يمنح الأسرائيليين فرص مجانية لمواصلة تمزيق الجغرافيا الفلسطينية ، ويحول دون قيام دولة فلسطينية ، بعد إستكمال تهويد القدس وأسرلتها ، وتوسيع الأستيطان في قلب الضفة وبعثرتها ، وبدء عمليات تهويد الغور لتحول دون قيام حدود أردنية فلسطينية ، بل مجرد معابر أردنية فلسطينية مسيطر عليها إسرائيلياً ، ولذلك دوافع القلق الأردني متعدد سواء بإتجاه سورية وبإتجاه فلسطين .
الأردن لا يسعى للتورط في الصراع السوري ، ولن يكون طرفاً في هذا الصراع ، ويجب أن لا يكون ، لأن سوريا ستتحول إلى محرقة ، ستؤذي كل من يتورط فيها ، فالصراع لم يعد بين نظام متسلط ، وبين حركة سياسية معارضة تتوسل الديمقراطية والتعددية والأحتكام إلى صناديق الأقتراع ، ولم يعد الحل الأمني خيار النظام وحده ، بل هو خيار متبادل ، بين النظام وجيش المعارضة ، والصراع الدموي أدواته محلية ، ولكنه يعكس صراعاً عربياً دولياً ، يقف في جبهته لمصلحة النظام : حزب الله وجزء من النظام العراقي وإيران ومعهم روسيا والصين ، ويقف في جبهة المواجهة الأخرى : تركيا والنظام الخليجي وأميركا وأوروبا ، ولا حدا أحسن من حدا ، كلاهما يتجاوز حقوق الأنسان ويسعى نحو السلطة ، بأدواته المحلية ومعتمداً على المساعدات الخارجية ، لا مصلحة للشعب السوري لها وبها ، فهو الذي يدفع الثمن بالموت والدمار والأفقار واللجوء .
الأردن ، لا خيار له بالأنحياز لهذا الطرف أو ذاك ، ليس لأنهما على باطل ، أو لا يملكان الشرعية لأحدهما أو لكليهما ، بل ثمة موقف سياسي ومبدئي يُفترض أن نتمسك به يقوم على العوامل التالية :
أولاً : أن لا نتدخل بشؤون الأخرين حتى لا نسمح للأخرين أن يتدخلوا بشؤوننا .
ثانياً : إن الصراع المسلح بينهما أضاع الأولويات وسيؤدي إلى تدميرقدرات سوريا أمام العدو الأسرائيلي الذي ما زال يحتل أرض الجولان .
ثالثاً : إن السماح بالتدخل الأجنبي في بلد عربي سيفتح المجال للتدخل وإستباحة بلد أخر ، ومنذ الأجتياح العراقي للكويت ، طالب الأردن بالحل العربي بعيداً عن الحروب والتدخلات الأجنبية ، ولا يزال المطلب الأردني صائباً .
رابعاً : إن الحرب الدائرة على أرض سوريا ، ولّدت الكوارث على الشعب السوري ، وها هو التهجير يعود على الأردن بالأذى ، والأردن لا يستطيع إقفال حدوده أمام معاناة المتضررين من الأشقاء السوريين ، ولكن الأردن في نفس الوقت ، بلد فقير يُعاني من ظروف إقتصادية صعبة لا يستطيع تحمل المزيد من الأعباء وتدفق اللاجئين إلى أرضه .
خامساً : الحل السياسي هو الأمثل وجلوس طرفي الصراع على طاولة الحوار ، عبر التفاهم وصولاً إلى الأتفاق ، بما يخدم مصالح الشعب السوري ويحمي وطنه ، من الدمار والخراب والتمزق .
الأردن يمنع مجموعات أصولية متطوعة ، للإنتقال نحو سوريا ، ليحول دون إنخراط عناصر أردنية في الصراع ، وهو بذلك يمنع تورط الأردنيين في الصراع المسلح ، لا مصلحة لنا فيه ، ولا مصلحة لنا في تورط عناصر أو أحزاب أو مجموعات في الصراع السوري المسلح أو أن يكونوا أحد أدواته أو جزءاً من أفعاله .
الملك رداً على سؤال تشارلي روز : إلى أين تتجه الأمور في سوريا ؟ بقوله لا أحد يعلم مع سلسلة الأنهيارات والعنف المتبادل والحرب الأهلية !! وجلالة الملك يضع النقاط على الحروف ويدق جرس الخطر والأنذار ، لعل الأطراف المختلفة تستقبل الرسالة الأردنية بما تستحق من الأهتمام .
h.faraneh@yahoo.com