بقلم : جمال الدويري
15-08-2012 11:17 AM
كتب أحدهم 'في المسالة السورية' أقتبس ( الرد على النيران السورية التي تُطلق باتجاه الأردن يجب أولاً معرفة مصدر النيران هل هي من الجيش الحر؟! أم من القوات النظامية ؟! ونحن نعلم أن أجزاء من درعا والتي تقع في مواجهة الأردن تقع تحت سيطرة الجيش الحر، إن الإيعاز للقوات الأردنية بالرد على مصادر النيران والتي قد تطلق في معركة بين الفريقين يُدخل الأردن طرفاً في النزاع ما مصلحة النظام السوري في فتح الجبهة الأردنية هي بالتأكيد مصلحة الجيش الحر والمعسكر الغربي الخليجي والذي يطلب من الجيش الحر إطلاق النار باتجاه الأردن وهي خطة لزج الأردن في الصراع ضد مصالحه الحيوية والإستراتجية. ) انتهى الاقتباس
عجبا, وثانية عجبا, وهل يريدنا الكاتب الجهبذ أن ندير خدنا الأيسر للصفعة التالية؟ وهل يريدنا أن نفتش عن مطلق النار ونتوجه له بالسؤال اللطيف الحليم المتحفظ جدا, أيها العزيز, هل أنت من تفضلت بإطلاق النار نحونا وقتلت ضيوفنا على أرضنا واخترقت سيادتنا وعرضت حياة جنودنا للخطر؟ وهل تسمح لنا برد خفيف في الهواء لا يؤذيك ولا يزعجك؟
سبحان الله, ومرة ثانية وثالثة وعاشرة, الأردن هو سبب بلاوي الكون وهو المعتدي الأثيم الذي يصوب نيرانه نحو إخوته وجيرانه وشركائه بالمصالح الحيوية والإستراتيجية.
وما دام إن العسكرية والسياسة الأردنية قد أتيا 'أمرا فريا' على حد رأي الكاتب المحترم, بالرد على مصادر النيران التي تستهدف أراضيهم, فلا بد لنا من السؤال, وما حاجتنا إذن للجيش والتدريب والتكاليف والتعبئة الوطنية إن لم تكن للدفاع عن الحدود والسيادة الوطنية, ومن أي طرف يعتدي على هذه الثوابت, حتى ولو كان أخينا ابن أُمّنا وأبينا؟
ما فحواه أن على القوات الأردنية المسلحة على حدودنا الشمالية أن تتحرى الدقة في من يطلق النار من الجانب السوري ويقتل اللاجئين السوريين فوق الأراضي الأردنية قبل أن ترد على مصادر النيران التي تنتهك السيادة الوطنية, ثم أشار الكاتب إلى أن الجيش السوري الحر هو من يسيطر على معظم الشريط الحدودي الذي تأتي منه النيران, باتهام شبه مباشر له بأنه هو الذي يمطر الجانب الأردني بالنيران طمعا بتأجيج الوضع بين الجانبين الأردني والسوري.
بالتأكيد لا يفوت القيادة لدينا ولا يغيب عن إدراكها أن هناك من يتصيد في الماء العكر, وأن هناك قوى إقليمية ودولية تريد توسيع دائرة 'البيكار' والأحداث, وأنهم يتصرفون على هذه الخلفية والوعي, ولكن الرد على مصادر النيران من أية جهة تأتي, ليس ترفا وخيارا له حيزا واسعا للمناورة والتسامح, بل هو واجب وطني ومهمة عسكرية موكلة لمنتسبي 'الجيش العربي' الأردني لا يمكنه تأويلها ولا تسييسها ولا التغاضي عنها.
ولا أعتقد أن هذا يخالف القانون الدولي ويجرح العقيدة العسكرية العامة ويجافي سلوكيات جيوش العالم بأسره. أم أن ما هو خلال على جميع خلق الله, محرم وحرام على الأردن وجيشه؟
وفي سياق المقال المشار إليه يقول أخونا الكاتب: إن الأردن شريك أمني وسياسي واقتصادي وجغرافي لسوريا، ويُشكل الشطر الجنوبي لسوريا الطبيعية ، والأردني لا زال يُدعي بالشّامي في كافة الدول العربية فنحن جزء من بلاد الشام شئنا أم أبينا ولا انفكاك لنا ولا نستطيع إن ِشئنا ...!!
ليسمح لي الكاتب العزيز بالسؤال, ولماذا لا يوجه كلامه القومي هذا لشريكنا الشامي الآخر في الشطر الشمالي من 'سوريا الطبيعية' والذي لا نريد منه انفكاكا ولا نستطيع, ويسأله بهذه الصراحة, إن استطاع, لماذا يقتل الشامي الشامي؟ ولماذا يُهجّر شعبه؟ ولماذا يلاحقه إلى أراضينا ويستبيح سيادتنا بإطلاق النار علينا؟ ولماذا اجتاز حدودنا بدباباته وجيشه ذات يوم أغبر, مصطفا بكل صلف ووقاحة لمجموعات من الزعران والشبيحة أرادت في حينه تقويض أركان الدولة الأردنية بمنطق 'الهنانوة' نسبة إلى هانوي, وأن الطريق إلى القدس لا بد أن يمر من عمان بعد تدميرها على رؤوس أنصارها العرب؟ ولماذا أمّن نظامه الكريه كل من عادى هذا الوطن الأردني المضياف, والقومي حتى النخاع, فعلا لا قولا, واحتضنه ودفع بهم إلينا دائما يُصدّر المؤامرات والدسائس والخنجر المسموم إلى خاصرتنا الطرية والظهر الأخوي المسالم؟ ولماذا يكون هذا النظام الطائفي الحاقد شديد الممانعة تجاه الأردن والجيش الذي ترك دما عزيزا له في الجولان ودون الشام, وعديم الممانعة ضعيفها, متحفظا إلى الوقت المناسب تجاه العدو التاريخي المشترك ومحتل فلسطين والجولان العربي السوري؟ ولماذا يكون هذا النظام الأسدي دائم الاصطفاف إلى جانب أعداء العرب الأخوة والأشقاء مع غيرهم ومن يريد النيل منهم؟ وما حلف دمشق وطهران ومعتوه ليبيا ضد بغداد العرب وعراق الأمة إلا مثالا بسيطا يحضرني في كثافة الأمثلة وبحر نشاطاته المشابهة.
ولماذا هذا البرود الممل لجبهة المعركة الحقيقية لنظام دمشق التي كان عليه أن يُسخّنها حتى 'يفقع' ميزان حرارتها, أو تحرير المغتصب من الجولان وفلسطين؟ ولماذا قبوله الإهانة والصغر العسكري مرارا وتكرارا من إسرائيل, بالإغارة على أراضي الشقيقة سوريا تارة, والهبوط عليها تارة أخرى, والحوم فوق قصره في دمشق تارة ثالثة, دون أن يحرك ساكنا, اللهم إلا لسانه وأثير إذاعاته المُمانِعة والمُقاومة؟
أما عن عدم الانحياز إلى طرف من الأطراف المتنازعة في سوريا الشقيقة الذي يؤكد عليه كاتبنا المحترم وينصحنا به, ويلعن الفتنة النائمة, وكأننا نحن في الأردن من يريد إيقاظها, فينطبق عليه سؤالنا السالف الذي يجب أن يوجهه إلى حكام طرطوس واللاذقية, ليس لنا في أردن العروبة والعزة, رغم أننا وبحكم قربنا الجغرافي وسياستنا العربية المتصالحة مع الجميع والحضن الدافئ الذي نوفره لكل بردانين الأمة والكون, لا نملك خيار التفرج على الموت وقطار الحاجات الإنسانية الأخوية الملحة يعبر أراضينا مضطرا وتاركا خلفه أشلاء الأحبة وبقية الأهل وما يملك من متاع الدنيا, والذي يُحمّله الأسد الكثير من 'عسسه' وشبيحته, متخفين بثياب الحملان واللجوء, وحتى يحتاجهم ويحرك بشاعتهم نحونا.
وكل هذا وغيره الكثير مما لا يتسع المجال لسرده وأعاف ذكره, من أجل المحافظة على كرسي الحكم البائد وصولجان الطغيان الأسدي وسيفه فوق رقاب الشعب السوري الشقيق, أو لنقل جزءا كبيرا منه إلى ابد الآبدين وحتى يرث الله الأرض وما عليها.
ولو كانت شراسة الأسد وطغمته الحاكمة من أجل الوطن والأمة والممانعة والمقاومة كما يحاول كاتبنا أن يلمح وغيره أن يصرح, فلما كانوا قد سكتوا على احتلال الأرض واستباحة العدو الإسرائيلي للجو والبحر, ولما اختاروا الاصطفاف الخاطئ دوما ولما انتهى بهم الأمر والمطاف إلى إعادة نشر قوات الجيش العربي السوري في المدن والأرياف السورية هذا النشر المهين لشن حربهم البغيضة على أبناء جلدتهم وذويهم دون العدو والطامع.
لا, وقد بات هناك وجودا واضحا للعيان للمقاتلات السورية في أجواء حلب والشام وحمص وحماة وإدلب, وهي تصب جام غضبها وحمم الموت والدمار فوق رؤوس الأهل والعشيرة, دون أن نسجل لها طلعة واحدة فوق تل أبيب أو الجولان المحتل حتى, وهذا أضعف الإيمان, طيلة عقود طويلة من الزمن مضت.
أما أن تخوض القوى الدولية التي تناصر ظاهرا نظام بشار الأسد حرب موت أو حياة من أجله ونظامه, كما يخلص كاتبنا للقول في مقالته, فهذا هو الهراء بحد عينه, وهذا هو سوء التقدير وفشل الحسابات التي طالما وقعنا بها نحن معشر العرب. فلا الغرب ولا الشرق ولا ما بينهما ولا حتى 'الصياينة' أصحاب السور العظيم, مستعدون حتى بالتفكير بشن مثل هذه الحرب من اجل عيون بشار ولا غيره, ولكنها لعبة شد الحبل وطاولة تقسيم الغنائم العربية التي يتناهشها أولئك وهؤلاء.
إنها الوحوش والدببة 'والتنانين' ومفردها تِنّين' التي تتنافس على الفريسة وتتجاذب أطرافها دون أن تنشب مخالبها بلحم المنافس أو عظمه. فلا خوف من حرب عالمية ثالثة من أجلنا أو للحفاظ على كرسي الأسد في دمشق, وكذلك تصنع بلاد فارس, وسنرى.
والأردن العربي دائما, فعلا لا قولا, يوزع الدفئ وينشر العون, ويمنح الحضن والملاذ, ولا يريد بأحد سوءا, وإن أخر ما يتمناه ويسعى إليه هو حرب الأخوة والأشقاء, أو أية حرب مع أي أحد. ولكنه وبكل تأكيد وعزم وإصرار لن يقبل الضيم والحيف, ولن يترك حدوده وشعبه وضيوفه رهنا بطيش طائش أو جهل مغامر ليس للأخوة والجيرة وشراكة الدم والمصير عنده قيمة أو حساب, كرسي الحكم والعصبية العمياء وضيق الأفق ما يحركه ويملي عليه مواقفه وحلفائه, وسوف نرد على مصادر العدوان, ومن أي اتجاه هب ريحها.