أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 01 أيار/مايو 2024
شريط الاخبار
بدء العمل بمركز جمرك التجارة الإلكترونية مطلع أيلول الجمارك: تسهيلات للمسافرين عبر المراكز الحدودية بغض النظر عن مدة الإقامة مهم من التعليم العالي لطلبة رفع المعدل للشهادات العربية والأجنبية بلينكن: أول شحنة مساعدات تغادر من الأردن لغزة عبر إيريز أورنج خلوي تحصل على تمويل من البنك العربي بقيمة 30 مليون دينار لسداد مستحقات رسوم ترددات الأمير الحسن يؤكد أهمية إشراك المجتمعات المحلية في صنع القرار الملك: ضرورة تطوير صادرات الفوسفات لتشمل منتجات من الصناعات التحويلية تحويلات مرورية على الطريق الواصل من إشارة (سايبر ستي) باتجاه الرمثا انخفاض معدل البطالة في المملكة إلى 22% خلال 2023 قرارات مجلس هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي الملك يؤكد لـ بلينكن ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة تعرفة بند فرق أسعار الوقود لشهر أيار بقيمة صفر الحكومة ترفع أسعار "البنزين 90" 20 فلسا و"البنزين 95" 25 فلسا والديزل 5 فلسات القبض على 4 متسللين حاولوا اجتياز الحدود من سوريا القوات المسلحة تنفذ 7 إنزالات جوية لمساعدات على شمال غزة - صور
بحث
الأربعاء , 01 أيار/مايو 2024


عندما تبكي الرجال وطنا!

بقلم : جمال الدويري
27-09-2012 09:42 AM

قصة واقعية


تحمل قسمات وجهه أكثربكثير من سنين عمره عددا, وكل طية من طياته تحكي قصة وتروي حكاية, ولونه الحنطي الغامق لا بد أنه قد استعاره من لون تراب الأرض والذي حمَصَتْه الشمس طوال عقوده الخمس التي أعْتقد عمره عند حدودها.
عيونه ابتعدت كثيرا في غورها عن الناس كأنما انتبذت منهم مكانا قصيا, ربما إمعانا بالاصرار على حجب أسرارها عنهم واتقاء النظرات والأسئلة التي قد تأتي.
ناحل الجسم رقيقاً, مُعَتّقاً وعتيقاً مثل نبيذٍ نَسيَ حتى صانعه تاريخ قطاف عناقيده, وبات لا يدلّ على قيمته الا لونه ورائحته ومذاقه. أو مثل جوهرةٍ نفيسةٍ علاها غبار الدهر والأيام, فخبا بريقها وأنطفا لمعانها, حتى تفركها أو تنفخ عنها عجاج الخوالي البعيدة, فتضئ مثل كوكب دُرّي يشق الديجور وينير العتمة من حوله.

أوقفته في شارع الجامعة ورجوته بعد السلام أن يوصلني الى هدفي في الطرف الآخر من العاصمة الحزينة تماما مثله, كما بدا لي في وهلتي الأولى وأنا أصعد الى جانبه في سيارته التاكسي.

رد التحية بأحسن منها وتمتم بما لم أفهمه تماما, ولكنني أدركت, على عجل, أن لديه فضولا سرعان ما أدخلنا في حديث اعتقدته روتينيا, كذلك الذي يقضي به الناس أوقاتهم من حال الوطن ومآله وهموم المواطنين وما يقضّ مضاجعهم من مُنَغّصَاتٍ وكدر وخوف من الغد وعليه.

لم ينظر إليّ أبدا, مما عزز لدي الإدراك بأن وراء الرجل ما وراءه وأنه سوف يشتري أكثر مما قد يبيع, وقد صمّمْت أن أكون أكثر منه تحفظا وأقل بيْعاً.
ولقد دفعني الفضول أنا الآخر أن استقصي بدون سؤال عما يدور في كواليس سائقي ويقبع خلف سور شخصيته المرتفع.

بادرته بالقول عندما انتهينا الى ذيل سلسلة لا منتهية من السيارات المتحركة بتثاقل لاكتظاظ الشارع وتكدسه بأرتال الحديد الملون المتململ ببطئ شديد: الله يعطيك العافية, شو هالأزمة؟
رد بكلمة واحدة ولكن باهتمام بالغ: كالعادة.
وبعد أن شق رأس الموكب السّيَار طريقه بنا الى الأمام, اندفعنا بالضرورة تابعين, تماما مثل عربة شُدت لقطار تتوقف معه وتسير بقيادته, واندفع سائقي هو الآخر بنفس السرعة مستقصيا عما إذا كنت في خيمة اعتصام الصحفيين التي أقلني من أمامها. ولما رددت بالايجاب, تنهد بعمق وتابع بالسؤال التوكيدي: بدهم يسكروا الجرايد...طاقتنا الأخيرة للهوا؟ وتنهد ثانية أو زفر.
ولمّا كان الحديث ذو شجون, فقد أسهبْنا, وعلى عكس توقعاتي الأولى للمشوار عند بدايته, بالحديث الذي لم يخرج عن نطاق السياسة الوطنية, الخوف على الوطن أو ما بقي منه, الاحتجاجات الشعبية والمطالبات والحاجات الماسة للمواطنين وكيفية تعامل الحكومة والدولة اللامبالي معها, العوز والفاقه وضيق ذات اليد, وانتفاخ الكروش والحسابات البنكية لمن يحلب الوطن على حساب جوع الغالبية العظمى من أصحاب النفوس العزيزة والذين تَعَفّفُوا دائما عن سؤال غير الله سبحانه وتعالى.

في عشرين دقيقة هي مسافة المشوار, تحدثنا في التاريخ والجغرافيا والإقتصاد وشح الموارد ومشاعية الوطن, تحدثنا في الحرب والسلام من اللطرون وجبل المكبر الى الكرامة والسموع وحتى حزيران النكسة الهزيمة وإلى الكارثة الحقيقية المتمثلة بالنية والعمل الجاد على بيع الوطن, مرورا بتعديلات قانون المطبوعات والنشر القبيحة الذي عبر مراحله الدستورية كلها, والتي ستكون أداة السلطة ومفتاحها لقمع الإحتجاجات على كل هذا.
كان يبدو واضحا حسب قرائتي الأولى أن هذا 'النشمي' الذي بجانبي ربما قد شارك بالفعل في كل ما تحدثنا عنه من معارك عسكرية دافعت عن الوطن والتراب وحمتنا من عوادي الزمان وأطماع أعدائنا بوطننا العزيز.
كان واضحا أن هذا الأردني المحشو بالوطنية المتوثب مثل صقر قبل غارة, لا بد أنه يحفظ عن ظهر قلب حِداء الجنود والضباط الأرادنة وهم يضغطون على زناد إرادتهم لقهر العدو ودحر غطرسته في كل ميادين البطولة والشرف على الثرى الوطني وخلف الحدود.

كان يحمل كل هموم الكون, وليس على كاهله فحسب ربما لضعف الكاهل أو لعدم تمكنه من حمل المزيد, فحملها على وجهه وفي حدقات عينيه الغائرة, حملها في نبرة صوته الحزينة الخافتة التي تبثك الخبر والمعلومة قبل أن تدرك معنى الكلمات القادمة من خلف القضبان الذاتية, المحبوسة في ضميره ووجدانه.
وكلما تقدمنا في المشوار والحديث, كان صوت الرجل الشاكي هذا يخترق حواسي جميعها بقوة عبر أثير السيارة القصير بيننا, وعبر إصرار الرجل ونِيّته على إيصال رسالة واحدة مفادها: لا نريد عسلا ولا لبنا, ولكننا نريد وطنا.
ولكنه استدرك في لحظة معرفة حقيقية لما يجري من حوله, وبلهجة وطنية لم يغشاها عِوَجْ 'وانتو باعوكو كمان' بإشارة للإعلام الحر ورسالته ومحاولة الرسمية الأردنية وقوى الفساد, النيل من هذه الرسالة الإعلامية الوطنية, وفي عطف لا يدركه شك بأن جلّ الوطن قد بِيع أو ينتظر.
وقفنا أمام المنزل, وكان صوت الرجل في رمقه الأخير, ونَفْسُه بانكسار واضح, وعزيمته تلفظ آخر فولت من طاقتها.

وسمعت نشيجا وبكاء خفيا أراد صاحبنا أن لا يفضحه, ولكن دموعا سحت على خديه من عينين صغيرتين احمرتا دما وظلما وخوفا لم تدع مجالا للشك أن الرجل كان يبكي بحرقة وصمت قبل وصولنا بكثير.

لقد تكلم بصدق النشامى الفرسان الذين حملوا لواء الدفاع عن الوطن وقيمه وسيادته منذ معاركه الأولى مع الباطل والعدوان, وحتى استشهدوا على الثرى الطاهر من أجل أن لا يسقط العلم ولا تُدنس الكرامة, ويُطوّب الوطن على اسم مجهول.

نعم, وصلت رسالتك أيها الأردني الشهم, أيها المنافح المغوار عن كل المعاني المحترمة في قاموسنا الوطني الزاخر بها. وصلت رسالتك الصادقة الى من تريد ومن يهمه الأمر ومن يشاطرك عشق هذا الوطن المشاع المُباع المظلوم مثل أهله.
وصلت رسالتك يا ابن وطني بأن طُغم الفساد والرذيلة التي لا تنفك تعاقرها في وضح النهار وتحت ضوء الشمس الذي تحاول حجبه عنا بالغربال وبقوانينها الجائرة الخبيثة.
وسيفك يا ابن وطني لم يسقط ولم يثلم حدّه تحت ضغط الحيف وحرارة الدمعات العزيزة التي أصابتني في القلب والوجدان وفتحت جروحا ظننت أنها في طريها الى الإندمال والشفاء.

ولكن براءتها وصدقها وعفويتها قد راكمت على العزيمة عزيمة, وعلى الإرادة المزيد من الإرادة, بأن لا يسقط الحق ولا يُهرق دم الحقيقة.
والأهم من هذا كله, مزيدا من العزم والعزيمة والعهد أن نحمي الأردن بماء الحياة وغالي المُهج.

قلت للرجل, هذا 'الجندي المجهول' وقد سبر غوره وعرفت سبب انكساره, وكّل الله عمّي, وكل الله...الدنيا بخير والوطن بخير, فرد بلا تردد وهو ينظر الى ما خلف بؤبؤ عيني بسؤال توكيدي آخر الوطن؟ 'تعيش انت عمّي'.

ولا أدري عندها...لا بل إني أدري تماما, لماذا حضرتني كلمات حقٍّ ازليةٍ للشهيد وصفي التل عن الأردن الوطن والدولة في شبه الظروف وتطابق الأحوال, وقبل نَيّفٍ وأربعة عقود,

'.. الذين يعتقدون أن هذا البلد قد انتهى واهمون، والذين يعتقدون أن هذا البلد بلا عزوة واهمون كذلك، والذين يتصرفون بما يخص هذا البلد كأنه (جورعة) مال داشر واهمون كذلك، والذين يتصرفون كالفئران الخائفة على سفينة في بحر هائج سيغرقون هم كما تغرق الفئران وستبقى السفينة تمخر العباب إلى شاطئ السلامة..'.

' لا مكان للفساد ولا مكان للرشوة.. ولا مكان لتلوّن وجوه, الميدان فقط للصابرين الصادقين.. ذوي الرأي الجريء الصريح..'. صدقت يا وصفي.

أخي سائق التاكسي, ساكن البيادر, أخي وسيدي الشهيد الحي أبا مصطفى, ساكن ما وعد الرحمن من فردوسه, بإذنه وإرادته, عزيزي الوطن الأردني الحبيب, ساكن القلوب والحواس كلها,
لن نخذلكم, ولن تتلوّن وجوهنا, وسوف نكون الصابرين الصادقين...ذوي الرأي الجريء الصريح, والممتشقين السيوف إذا طلبتم.


التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012