أضف إلى المفضلة
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024


أطفالي وطعم الربيع العربي

بقلم : د. علي المستريحي
05-12-2012 11:02 AM
ربيعنا الأردني يظهر مائعا، متذبذبا بلا طعم أو لون أو رائحة! تختلط فيه كل الفصول .. فيومنا نشهد فيه أوراقا تذبل، وأخرى تسقط، وغيرها يبدو يافعا ينتظره المجهول! يومنا يبدأ نائما بعد أن يصحو، غائما لا يمطر، ربيعيا لا يثمر .. ثم به يبحر ولا يبحر، يصغر قبل أن يكبر! يومنا ينتهي هادئا وادعا تحت سياط 'جلاد' لا يغفر.. و'لص' لا يقهر!!

سألت الكثير عن لون ربيعنا الأردني، فأجابوا: 'لم نذقه بعد!' ثم سألتهم عن كنه رائحته، فتذمروا من اصابتهم بالزكام! ثم سألتهم عن طريقه واتجاهه، فردوا: 'إذهب بأي اتجاه، حتما ستصل!'.

لقد قطعنا المسافات تلو المسافات، لنكتشف أننا نسير في دائرة مغلقة مفرغة بلا اتجاهات .. لنعود حيث انطلقنا، نسمع طحن الرحى صارخا مفعما بالأمل، لكننا لا نرى لا قمحا ولا عدسا ولا برسيما حتى! نسمع الأغاني الوطنية كل الوقت: مع الأطفال في البيت، في الشارع، في الطريق إلى العمل، وفي العمل، ثم في البيت مع الأطفال .. الأغاني التي تخلّد الوطن، وتمجّد من صنعوه، تُعرض فيها مشاهد تثير الحماسة فينا، وتجلدنا بالذنب تلو الذنب . .مشاهد يظهر فيها صفوة القوم 'مسحجون'، غارقون بحب الوطن .. وقبل أن نخلد للنوم، نطالع الأخبار، فنكتشف أن أحد المسحجين مشبوه بالفساد!!

* * *

قبل أن أخلد للنوم يسألني أطفالي: 'ما معنى الربيع الأردني؟ هل طعمه يشبه 'الشاورما العربي' مثلا؟!'، ثم يردفون: 'لا تنسى أن تحضر لنا 'ربيع أردني' عند عودتك غدا!! ..لأننا لم نر بعد لونه ولم نشم رائحته ولم نذق طعمه!!'..

ينام أطفالي على أمل كعكة أو علكة أو شطيرة إسمها 'الربيع الأردني' .. وأخلد أنا للنوم هادئا وادعا يجلدني الذنب تلو الذنب .. أنه سوط جلاد لا ينام ولا يغفر .. سياط أطفالي قبل النوم وسوط الحياة والناس عندما يبدأ يومي التالي..

ذاكرة الأطفال قصيرة .. تغلبها السذاجة والبراءة تماما كما الشعب الأردني! لكنهم برغم ذلك مثابرون لا ينسون أو يتناسون أو يغفرون .. فيقابلونني أمام عتبة البيت عند عودتي في اليوم التالي باديا عليهم الفتور والتحدي: 'أين ربيعنا الأردني؟ نرى يديك فارغتين؟!' .. أما أنا، فلا أجد طريقا إلا أن أجيبهم بكل ثقة، آملا أن يصدقونني: 'الكمية نفذت، ثم أغلق المحل، وعاد البائع لبيته!' .. غير أنني أرى في عيونهم شك وحيرة وحزن .. : 'لكنني أحضرت لكم لعبة 'ليغو' جميلة، اسمها 'مجلس النواب'! أنظروا..!!!'

فيردون: 'لكن هذه تشبه لعبة الشطرنج التي أحضرتها لنا السنة الفائتة .. لقد مللناها!!' .. فأرد عليهم بكل ثقة: 'لكن لديكم هنا خيارات أكثر .. شكّلوا منها شطرنج .. السلم والأفعى .. ليلى والذئب .. جحا وحميره العشرة .. حتى علي بابا والأربعين حرامي..!!'.. فيسألوا: 'هل يمكن أن نصنع منها ربيعا أردنيا؟!' .. فأرد عليهم: 'بكل تأكيد لو كان لها طعم أو لون أو رائحة!!' .. فيرد أكبرهم بصوت رخيم غليظ فيه كبرياء وتحدي: 'إذن، لماذا أحضرتها لنا؟! ولماذا وعدتنا أصلا؟!' ..

فأصمت برهة أبحث فيها عما يمكن أن يرضيهم، ثم أجيب: 'ما رأيكم إذن بلعبة 'الأمن والأمان الزاهية'.. صحيح أنها غالية الثمن، لكني أعد بأن أحضرها لكم، إن تبقّى من راتبي ما يكفي لها هذا الشهر!' .. فيجيب أصغرهم: 'لا يا بابا .. هذه لعبة للكبار فقط من مثل جيلكم! احضرها لك ولأصحابك، وعندما تعرف كيف تعمل لتبدأ بالربح، احضرها لنا كي تعلمنا عليها .. هذا إن بقيت بلونها 'الزاهي'!!'.

ثم يضيف أكبر أطفالي، بصوت رخيم غليظ فيه مزيد من الكبرياء والتحدي: 'كان من الأفضل لو اختصرت الطريق وأحضرت لنا لعبة 'الأمل'، على الأقل ليست بثمن يذكر واستمرت معنا العمر كله، وكلما تغيّر لونها نعيد طلائها..!!' ..

* * *


دخلت البيت مهزوما من أطفالي ومن نفسي ولكني سعيد بهم .. فقد نشأوا على تقدير الأشياء ذات القيمة العالية التي تدوم معهم العمر كله!! أعان الله الحكومة عليهم عندما يكبرون!!

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012