أضف إلى المفضلة
الجمعة , 10 أيار/مايو 2024
الجمعة , 10 أيار/مايو 2024


الربيع الأردني يرحل!

بقلم : د. علي المستريحي
24-02-2013 11:05 AM


غالبا ما أخصص بعض الوقت نهاية الأسبوع –كهذا اليوم- أعمل في حديقتي الصغيرة حول المنزل..هذه الأيام أكرس جل جهدي 'لأنكش' حول الشجر الذي من بعمره لم يدخل المدرسة بعد ! أزيل العشب الذي ينمو بجنون –كجنون الناس هذه الأيام- حوله، و'أقلّم' من الأغصان ما ذهب منها بعيدا وغرّد خارج السرب، أو اشتبك مع غيره من الأغضان مناكفا متحديا عنيدا! أجد متعة خاصة بالقيام بذلك لا تظاهيها غير محاضراتي الجامعية بالقيام بذات الشيء من النكش والتقليم، وأحيانا الصعود على مرتفع أو السقوط في حفرة!

وعندما جلست منهكا (وسعيدا) لآخذ قسطا من الراحة يعلوني العشب ويطمرني للركب، أحزنني هذا المشهد:

ذلك الباص الصغير الذي يدور في الأحياء، مسرعا كالمجنون تارة ومتوقفا تارة، يصدح مدويا بتلك الموسيقى التي لا يفهمها أحد كما يفهمها الأطفال، يجمع منهم صناديق 'البولوسترين' الفارغة ويناولهم قطعة حلوى أو 'حبّة بوزا' (غالبا ما تكون من النوع الردئ) مقابل كل 'بكسة' فارغة! الأمر يعني للأطفال أكثر من مجرد هذا المقابل المتواضع..انه يعني لهم ممارسة حق البيع والشراء كالكبار! انها بالنسبة لهم تجربة بنكهة الكبار!

لم أعر انتباها كبيرا للباص عندما كان صوته بعيدا، الا أنني سمعت صوتا وجلبة من ابنتي الطفلتين بعمر الشجر الذي أنكش حوله، وهما يركضان كالبرق يتسابقان للوصول للمخزن المكشوف تحت درج البيت ويتناولان بعض 'بكس البولوسترين' الفارغة وقد خزّناها قصدا لمثل هذا اليوم، ويهمان مسرعتان باتجاه الشارع تلوّحان وتناديان بحرارة ورجاء للباص أن يتوقف! تبا لذلك الباص، فقد مرّ مسرعا كالمجنون ولم تلحقان به!

توقفت ابنتاي على جادة الطريق لبعض الوقت لا تصدقان مروره بهذه السرعة .. لا تنظر أحدهما للأخرى .. هما قطعا تعرفان أنه لن يعود قبل أسابيع .. وربما لن يعود .. ربما تنتظران معجزة تعيد الباص ليقف حيثما تقفان!

كنت لا زلت في مكاني أراقبهما عن بعد قريب، تعودان وهن يحملن الصناديق وقد تصدّعت حزنا وقد تركتا كومة من الأمل على حافة الطريق !! لقد تعمدت النطر الى عيونهما وهن راجعات، فوجدتهما خائبتان مكسورتان وكأنهما خسرا معركة لا ذنب لهن بها .. وهن لا يعرفن معنى الخسارة وكيف يكون الربح وكيف ولماذا تكون الحياة أحيانا قاسية فارغة هشة مثل صناديق 'البولوسترين'!

أما أنا، فقد وجدت الحزن يجتاح أجزائي ويحطم أغصان أشجاري الفتية ويكسر فأسي الذي أنكش فيه ! ثم سألت نفسي: هل حقا سيرحل باص الربيع الأردني (مثل باص 'البوزا') الى الأبد وتبقى طفلتاي تنتظران العمر كله وهماً اسمه الاصلاح؟!

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
24-02-2013 02:45 PM

"هل حقا سيرحل باص الربيع الأردني (مثل باص 'البوزا') الى الأبد وتبقى طفلتاي تنتظران العمر كله وهماً اسمه الاصلاح؟! "
نعم يا أخي، طالما اننا نقضي "نهاية الاسبوع" تنكيش، كلٌ في بستانه!

2) تعليق بواسطة :
24-02-2013 04:06 PM

تعليقك يا أخي مؤثر للغاية، وأنت محق جدا فيما ذهبت اليه .. وأن تحمل هم الوطن ان كنت خارجه أو داخله في حديقة منزلك هو بالتأكيد أضعف الايمان .. والمطلوب أكثر بكثير .. أشكرك أخي على المتابعة والمشاركة واقبل احترمي ..

3) تعليق بواسطة :
24-02-2013 06:56 PM

لطالما ساهم المبدعون من كتاب القصه القصيره في التغيير الذي سعت وكافحت من أجله الشعوب وأجدك يا دكتور مبدعٌ في هذا الفن القصصي واتمنى ان ارى لك مشاركات مستمره وكل الاحترام,وأتفق مع ما تفضل به السيد سور البلقا الذي أقرأ في تعليقاته دائما الوطنية والغيره على مصلحة الوطن وأعتقد ان السبب الذي سيؤدي الى رحيل باص الحراك هو تخندق الحراكيين في زوايا لا تسمح لهم بالتفاعل الايجابي واحداث ايجابيات يتجدد من خلالها الحراك وانسياقهم وراء قيادات وشعارات لا تؤمن بها قياداتهم وانما الاكثرية من هذه القيادات تناضل لاجل الظهور ولاجل تعويض التهميش الشخصي لهم ولاجل تحقيق مكتسبات مشخصنه ولن يتوانون عن ترك الحراك على اول مفترق طرق اذا ما تحققت طموحاتهم,بالاضافه الى التفتيت المخطط لقوى الحراك من قبل النظام,ولن تستقيم الامور بدون قيادات تنكر ذاتها وتؤمن بانها تسعى وستسعى لاجل الوطن وتشعر بان مصلحة الوطن قبل كل شئ,فاين للحراك هؤلاء الرجال واين من يمتلك القوة والخبرة والمال ليبذل ما بوسعه لاجل وطنه.

4) تعليق بواسطة :
24-02-2013 08:01 PM

تحياتي لك يا د علي، ما اشرت اليه في هذا الاسقاط القصصي الرائع يدعونا مجدداً الى احياء وتنشيط عناصر الأمل المفقود والهمه المنشوده والاراده الصلبه والراسخه من اجل التأسيس لتحقيق الحياة الكريمه الى الاجيال القادمه باذن الله.
لا نريد ان نصدع ونحزن ونترك كومة الأمل تلك باقيه على حافة الطريق كما تركها الابناء بل نريد مساعدتهم على السير نحوها!! والاراده الطموحه والمأموله..لا تعرف معنى للخسارة مع قساوةالحياة!

5) تعليق بواسطة :
25-02-2013 12:32 AM

ايها الكاتب المحترم ,موسم الربيع لن يغادر المنطقه وهناك حجراً على حجر ولا يمكن احداث اي شيء الآن لتغيير هذا الواقع . يدرك الأمريكيون تماما هذا الكلام ولهذا فلم يأخذوا موقفا معاديا من الربيع , كنت أسمع لتحليلات الأمريكيين عن واقعنا فرأيتها دقيقه ,لم يتحدثوا عن نضريات المؤامرة ولكن تحدثوا عن البلدان العربيه و أعداد الشبان الهائله ونسب البطاله العاليه والدخول التي لا تكفي التي لا تكفي وفساد النخبه الذي لم يكتفي بسرقه حليب البقرة بل استلوا السكاكين واخذوا يمزقون الهيكل الهزيل للبقرة فلم يبقوا شيئاً .

6) تعليق بواسطة :
25-02-2013 02:50 AM

لو اتحدت كل مكونات الشعب لما سمحنا للربيع الأردني أن يرحل ...حفنة من شباب الحراك ذاقوا مر التجربة وتركوا لمصيرهم دون أن تخرج مظاهره واحده لاخراجهم من حبسهم ...
مع تعليق رقم 1
لماذا لم تحرك ساكنا بدل التنكيش في بستانك ..كف واحده لا تصفق ..التغيير يحدثه الجميع وليس فردا واحدا ...

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012