نشر موقع "كاونتر بنش" الالكتروني البريطاني مقالا للكاتب الاسرائيلي يوري أفنيري الذي يعرف بانه من دعاة السلام، وقد تناول فيه الوساطة الاميركية في شخص وزير خارجيتها جون كيري لاحلال السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين، واعرب فيه عن اعتقاده ان تلك الجهود تقوم على اساس مفهوم خاطىء بان الحكومة الاسرائيلية تريد السلام على اساس حل الدولتين. وفيما يلي ما جاء في هذا المقال:
لا يرغب كيري او انه غير قادر على الاعتراف بهذه الحقيقة البسيطة ويوجه نظره حولها. يحاول التواصل من اتجاهات مختلفة على امل اقناع رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو. وهذا يدفعه الى الخروج بفكرة جديدة: البدء بحل مشاكل الامن الاسرائيلية وعدم الالتفات الى متاعبها.
وهو يقول لنترك الحديث عن "المشاكل الرئيسية" الاخرى الان. ولننظر في ما يثير اهتمامكم وفي كيفية تلافيها. ويقوم ذلك على اساس مفهوم خاطىء بان "القلق الامني" لدى الحكومة الاسرائيلية حقيقي. وفي هذا يعرب كيري عن مفهوم اميركي اساسي انه اذا جلس اشخاص عاقلون حول المائدة وقاموا بتحليل المشكلة، فانهم سيعثرون على حل.
ويصحبه الجنرال جون ألين، القائد السابق للحرب في افغانستان، ولديه خطة يضعها على المائدة ويشرح ما فيها. انها تتناول الكثير من الامور التي تدعو الى القلق. والموضوع الرئيسي هو الاصرار على ان يظل الجيش الاسرائيلي، لفترة طويلة جدا مسيطرا على غور الاردن، ايا كانت حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية.
يمثل غور الاردن حوالي 20 في المائة من الضفة الغربية، التي تمثل مع قطاع غزة حوالي 22 في المائة من ارض فلسطين الاصلية. وهذه هي الجوهرة الحقيقية بالنسبة لحكومة اسرائيل.
فنهر الاردن الذي يعتبر أحد اكثر الانهر حفاوة في تاريخ العالم، ليس الا مجرى صغير بطول حوالي 250 كيلومتر وبعرض لا يتجاوز بضع عشرات من الامتار. ومنابعه تقع في الاراضي السورية (التي تعرف بمرتفعات الجولان) ويصب في البحر الميت.
اكتسب اهمية استراتيجية بعد حرب 1967 عندما وقعت الاراضي الفلسطينية في أيدي اسرائيل، وتدافع الخبراء الزراعيون على الضفة الغربية لاستكشاف ما يمكنه استغلاله.
تبين لهم ان الضفة الغربية تتشكل من تلال حجرية، بديعة المنظر لكنها تكاد لا تصلح لاساليب الزراعة الحديثة. اما الاراضي الزراعية فانها مليئة بالقرى الفلسطينية. ولا تصلح للكيبوتسات. باستثناء غور الاردن.
وهذا الوادي جزء من الصدع السوري الافريقي، أرض منبسطة. تقع بين النهر وسلاسل الجبال الفلسطينية وفيها كميات من المياه. وبالنسبة لمن يفتش على كيبوتسات، فانه مثالي للمكائن الزراعية. ثم انه يكاد يكون غير مسكون.
بدأت فكرة الوجود العسكري على ايدي ايغال ألو، وزير الزراعة، وهو اضافة الى كونه قائدا عسكريا كبيرا في حرب 1948، فهو زعيم اكبر حركة كيبوتسات، وقد وضع مشروعا عسكريا للاحتفاظ بالسيطرة على غور الاردن لما بعد حرب 1967. وتأسست على اساس ضم غور الاردن. وعرف مشروعه بـ"خطة ألون".
تنص هذه الخطة على ضم غور الاردن باكمله، وساحل البحر الميت وقطاع غزة. وحتى لا تنقطع الصلة بين الضفة الغربية والمملكة الهاشمية في الاردن تركت الخطة ممرا مفتوحا بين القطاعين قرب أريحا.
والاسس التي تقوم عليها خطة ألون ليست تافهة في كل الاوقات.
اذ على المرء ان يتذكر الوضع في العام 1968. كانت المملكة الاردنية رسميا "عدوة لاسرائيل" وان كان هناك تحالف سري مع ملكها. والعراق دولة قوية وجيشها يُهاب في اسرائيل. وسوريا خسرت الحرب في العام 1967، لكن جيشها بقي متماسكا. والمملكة السعودية بما لديها من ثروة تقف وراءهم (من كان يتصور ان السعودية ستصبح حليفة لنا في وقت من الاوقات ضد ايران؟).
وكان الكابوس العسكري الاسرائيلي ان كل تلك القوات العسكرية ستتجمع فجأة على ارض الاردن وتهاجم اسرائيل عبر النهر متحدة مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وتغزو اسرائيل عند نقطة معينة بين طولكرم والبحر المتوسط، حيث يبلغ عرض اسرائيل 14 كيلومترا.
كان هذ قبل 55 عاما. اما اليوم فان الصورة مختلفة. فالتهديد العسكري المحتمل الذي تواجهه اسرائيل يأتي من ايران. ولا يشمل هجوما من تجمع القوات على الارض. فاذا انطلقت الصواريخ الايرانية في الجو نحو اسرائيل فالقوات الاسرائيلية في غور الاردن ليس امامها الا مشاهدة ما يجري.
اذ يمكن نصب اجهزة الانذار في منزلي في تل ابيب. فمسافة 100 كيلومتر الى الاردن تكاد لا تُذكر. والشيء نفسه يقال عن "القلاقل الامنية"، مثل الاحتفاظ بمحطات انذار في الضفة الغربية.
ويستمع الجنرال الاميركي بأدب الى كل هذا، ويصعب عليه ان ينفجر ضاحكا.
وغور الاردن اليوم لا يقيم فيه سكان عرب تقريبا. ويتعرض الفلسطينيون فيه الى معاملة سيئة من الجيش لاقناعهم بان عليهم ان يتخلوا عن اماكنهم.
ولا تبقى هناك الا مدينة فلسطينية واحدة اريحا. ويقيم فيها كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات.
وعلى فرض ان الجنرال اقنع نتنياهو ان خطته رائعة وتحل كل مشاكله العسكرية، فما الذي سيفعله ذلك؟
لا شيء.
ثم هناك اليوم محاولة اخلاء البدو واسكانهم في اماكن اخرى. ويضع المخططون في حكومة اسرائيل مشروعات مختلفة لجمع البدو في بلدات على خلاف حياتهم التقليدية. والمشاريع تبدو معقولة على الورق، اما في واقع الامر فانها مخصصة لتحقيق الغرض ذاته من وراء مخطط غور الاردن: الاستيلاء على الارض من العرب ووضع المستوطنين اليهود فيها.
وسواء وصفنا ذلك بانه عمل صهيوني او وطني او عنصري، فانه اسلوب لا يحقق السلام. وهذا ما يجب ان يثير قلق جون كيري وجون ألين.
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .