تعتمد هذه الجولات في فضاء الأسلوب ، على إعادة النظر في غير قليل من المفاهيم، كتعريف الأسلوب، بصفة عامة، والأسلوب الأدبي خاصة، ومراتب الأسلوب بين الرفيع والعادي والوضيع، والنظر فيما قيل عنه وعن علم الأسلوب stylistics أو الأسلوبية بوصفها علمًا يقوم على البحث في السمات اللغوية للنصوص ، وعدول المبدع الأديب، شاعرا وناثرا، عن العام إلى الخاص، الذي يتجلى في اختياراته الجديدة، المبتكرة، التي تنم على الخصوصية التي يتمتع بها من حيث هو فرد ينشيء خطابه الأدبي في منأى عن هيمنة الأعراف اللغوية السائدة، متمتعًا بهامش عريض من حرية الاختيار، والانتقاء، الذي لا يتنافى مع ضوابط النظام اللغوي، وقواعده.

علاوة على التفريق بين أنماط الأسلوب، تبعًا للزمن، وتبعا للنوع الأدبي، وتبعا لشخصية الكاتب، وتوضيح ذلك بالأمثلة التطبيقية التي تحدد بالتحليل النصي المَوْضعيّ السمات الأسلوبية، وطرائق التحري الأسلوبي، كاشفةً- بالطرُق الإجرائية - عن جماليات الأسلوب حينا، وقبحياته حينا آخر، سواء أكان ذلك في الشعر، أم في النثر، وفي السرد القصصي أم في السرد المقامي، وفي فنون الترسل أم في فنون التخاطب، لافتة النظر للمداخل التي اعتادها الدارسون من تعبيرية ، ووظيفية، وتكوينية، وإحصائية، مما يضع القارئ في أجواء الدراسة الأسلوبية شكلا وفحوى.

وهذا الجهدُ يتغيا- في المقام الأول - التنبيه على جماليات الأسلوب في النص العربي، بعيدا عن الإفراط في التنظير، والتغريب، واستعراض المدارس، والتيارات الأسلوبيّة. وهو شيء اعتاده القراءُ في غير قليل من الكتب، وغير قليلٍ منَ البحوث، والمقالات، التي يغيب عنها الاهتمامُ بالأسلوبية العربية، لذا يمكن القولُ ، في شيء من التأكيد، أن القارئ يستطيع بعد الوقوف على هذه الفصول ، وما تضمنته من الشواهدِ والاقتباسات والنقول، أن يتصور للأسلوبية مجالاتٍ تختلف فيه وتتباين عن مجالات الأسلوبية في لغات أخرى، وفي آداب تكتبُ بلغات أخرى.