أضف إلى المفضلة
الثلاثاء , 30 نيسان/أبريل 2024
شريط الاخبار
"هيومن رايتس ووتش": رد فعل رؤساء الجامعات الأمريكية على الاحتجاجات قاس للغاية الحوثيون: استهدفنا مدمرتين حربيتين أمريكيتين وسفينة بالبحر الأحمر وسفينة إسرائيلية بالمحيط الهندي وفد حماس يعود لقطر للتشاور .. وبايدن يهاتف السيسي وتميم بن حمد بلينكن: التطبيع السعودي الإسرائيلي يتطلب هدوءاً في غزة أول رئيس مسلم لحكومة في أوروبا الغربية يقدم استقالته أسترازينيكا تعترف: وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا 90 ألف بقرة حلوب بالأردن نفوق 80 رأسا من الأغنام إثر السيول في الجيزة توقيف موظف في التنمية الاجتماعية بتهمة الاستيلاء على أموال إحدى الجمعيات مسؤول: بلينكن التقى ابن سلمان في الرياض الملكية تنفي بيع رئيسها التنفيذي لأكثر من نصف أسهمه عام 2023 الأرصاد: أمطار غزيرة وبرق ورعد جنوبي وشرق الأردن وزير الأوقاف يفتتح ملتقى الوعظ والإرشاد في جرش تخصيص منحة بقيمة 700 ألف دينار لصيانة وافتتاح طرق غرب إربد بمشاركة الصفدي .. السداسية العربية تلتقي بلينكن لبحث التطورات في غزة
بحث
الثلاثاء , 30 نيسان/أبريل 2024


فشل المفاوضات وتغيير قواعد اللعبة ( الحلقة السابعة عشرة – الأخيرة )

بقلم : حماد فراعنة
23-02-2014 11:35 AM
خصّ الكاتب السياسي حماده فراعنه، صفحات وقراء « الدستور «، بآخر إصداراته الكتاب المرجعي الهام « فشل المفاوضات وتغيير قواعد اللعبة « في سلسلة كتبه «معاً من أجل فلسطين والقدس»، والفراعنه المعروف عنه كباحث ملتزم عميق الاختصاص بالقضايا الفلسطينية والإسرائيلية، وجاد، يحمل رؤية سياسية ذات حضور، دفع ثمنها سنوات طويلة من حياته في العمل الكفاحي المباشر، قضى منها أكثر من عشر سنوات في السجون والمعتقلات في أكثر من بلد عربي، يتميز بسعة اطّلاعه، وقربه، من أصحاب القرار، بدون تكلف وادعاء، وتم اختياره في العديد من المحطات السياسية، مكلفاً بمهام صعبة، نجح فيها بصمت، وانعكست خبراته هذه، على امتلاكه للمصداقية السياسية والمهنية، حين تناول القضايا التي تشغل الرأي العام، وفي عرض مواقفه، والدفاع عنها بقوة مهما كلفه ذلك من ثمن، كالاعتقال والفصل من العمل وغيرها من الوسائل التعسفية.
« فشل المفاوضات وتغيير قواعد اللعبة «، الكتاب الثاني الذي تناول فيه الكاتب، المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، بعد كتابه الأول الصادر عن دار الجليل عام 2011، والذي حمل عنوان « المفاوضات وصلابة الموقف الفلسطيني «، وفي كتابيه يعتمد الكاتب على الوثائق ومحاضر الاجتماعات والاتصالات المباشرة، التي أطلعه عليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس مباشرة، وكذلك صائب عريقات عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير رئيس دائرة المفاوضات لديها، ولهذا فقد أكسب الكتاب الثقة والأهمية، لأن مصدره، مطبخ صنع القرار الفلسطيني، حيث يقدم لهما الشكر، على هذه الثقة، إذ لولاهما لما كان هذا الكتاب .
كتاب حماده فراعنه الذي تنشره الدستور على حلقات يومي الأحد والخميس من كل أسبوع، يهديه إلى ياسر عرفات وجورج حبش وأحمد ياسين وتوفيق طوبى، شموع الوعي والنضال، التي أنارت للشعب العربي الفلسطيني، طريق الحياة، وفق وصف الفراعنه لهؤلاء القادة، من أجل الحفاظ على حقوق الشعب العربي الفلسطيني الثلاثة واستعادتها كاملة غير منقوصة :
1- المساواة لفلسطينيي مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة.
2- الاستقلال لفلسطينيي مناطق الاحتلال الثانية عام 1967، أبناء الضفة والقدس والقطاع.
3- العودة لفلسطينيي اللجوء والشتات، أبناء المخيمات وبلدان المنافي، وعودتهم إلى المدن والقرى التي طردوا منها عام 1948، إلى اللد ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع، واستعادة ممتلكاتهم فيها وعلى أرضها .
وكاتبنا المميز حماده فراعنه، سبق له وأن عمل في « الدستور « كاتباً يومياً متفرغاً لتسع سنوات متتالية، تركها بعد نجاحه ليكون نائباً منتخباً في مجلس النواب الأردني الثالث عشر عام 1997، حاصل على وسام الاستقلال من الدرجة الأولى من جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال، ووسام القدس من الرئيس الراحل ياسر عرفات، وهو عضو في المجلس الوطني الفلسطيني، منذ عام 1984، وعضو مراقب لدى المجلس المركزي الفلسطيني، ولديه أربعة عشر كتاباً مطبوعاً في قضايا أردنية وفلسطينية وعربية، ويعمل مقدماً لبرامج سياسية في أكثر من محطة تلفزيونية وإذاعية، وآخر إصداراته كان عن ثورة الربيع العربي أدواتها وأهدافها 2011،حركة الإخوان المسلمين ودورهم السياسي 2013 ، وكتابه هذا عن فشل المفاوضات ، سيصدر في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

* المحرر

فلسطين: قراءة ورؤية مستقبلية
(1 )
مرّ الشعب العربي الفلسطيني، بمحطات صعبة متعرجة فرضت عليه الصعود والهبوط. خذلته الحياة في أول مواجهة ضد عدوه الوطني والقومي المتمثل بالمشروع الإستعماري الصهيوني الإسرائيلي، وتم ذلك على أيدي قياداته الوطنية، ومن قبل أشقائه العرب ، الذين غفلوا عن وضع الأولويات، وتحديد الأهداف، وفشلوا في كسب الأصدقاء نحو التعاون وخدمة المصالح المشتركة، وفي عدم إدراكهم لقوة العدو، وحجمه وتحالفاته، وربما الإستهتار به. وهذه الرؤية النقدية لا تقلل من المحاولات الجادة أو المخلصة، من بعض قيادات الشعب الفلسطيني، وإسناد بعض الأشقاء لهم، وتقديم التضحيات في سبيل الأهداف الوطنية والقومية في مواجهة المشروع الإستعماري الصهيوني لفلسطين، ولكن في نهاية المطاف، كان الخذلان والنكوص لتطلعات الشعب العربي الفلسطيني على أرض وطنه.
ورغم إدراك خطورة الهجمة الصهيونية، ودور بريطانيا، منذ وعد بلفور عام 1917، إنعكاساً لنتائج الحرب العالمية الأولى، وتنفيذها له عملياً على الأرض بعد ذلك، بشكل منهجي ومنظم ومدروس مع الحركة الصهيونية، وفق إجراءات وخطوات متلاحقة، إلا أن قادة الحركة الوطنية الفلسطينية لم يكونوا بمستوى التصدي للمؤامرة، وبما يُعادل قوة المشروع الإستعماري الصهيوني ومخططاته وتحالفاته، ولذلك فشلوا في مواجهته وإفشاله، وتجسد ذلك في نتائج النكبة عام 1948 التي تجسدت:
أولاً: بإحتلال 78 بالمائة من مساحة فلسطين، وهي مساحة تتجاوز ما قررته الأمم المتحدة وفق قرار التقسيم الصادر في 29/11/1947 والذي أعطى الصهيونية 54 بالمائة من مساحة فلسطين و45 بالمائة للشعب الفلسطيني وحوالي 1 بالمائة للقدس الموحدة
ثانياً: تشريد أكثر من 850 الف مواطن فلسطيني من أرضه وأملاكه ووطنه.
ثالثاً: تمزيق خارطة فلسطين بين ثلاث دول هي: إسرائيل، والضفة الفلسطينية التي أصبحت جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، ومصر بفرض سيطرتها وإدارتها العسكرية والأمنية على قطاع غزة.
في الخمسينيات والستينيات، بدأ قطاع من الفلسطينيين يبحث عن الخلاص، والعمل على تغيير عنوان قضيته من قضية لاجئين يبحثون عن لقمة العيش وإستبدال الخيمة ببيت أمن، إلى قضية شعب فقد حقه في الحياة على أرضه وتبددت هويته، وتبعثرت جغرافية مكانه.
كانت الأحزاب السياسية الخمسة هي أداة الخلاص، الحزب الشيوعي، حركة القوميين العرب، حزب البعث العربي الإشتراكي، حركة الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي. كانت ملاذ الفلسطينيين وتطلعاتهم بعد أن فقدوا هويتهم وتماسكهم ووحدتهم. تلك الأحزاب كانت تتوسل إقامة الوحدة العربية، أو الخلافة الإسلامية، أو الإشتراكية، وصولاً إلى تحرير فلسطين. وبعكس ذلك وجدت مجموعات فلسطينية صغيرة ومبعثرة، وجدت خلاصها في تشكيل منظمات فلسطينية خالصة، هدفت إلى تحرير فلسطين، بعد أن تركت أحزابها المتباينة، بعد أن عانت من حدة التصادم والتعارض بين تلك الأحزاب، فكانت حركة فتح وجبهة التحرير الفلسطينية ، وغيرهما من التنظيمات التي ترافقت مع توجهات الرئيس عبد الناصر، في إبراز مكانة الشعب الفلسطيني وإعادة إنتاج وجوده ، على الخارطة السياسية، وإبراز تمثيله، فكانت منظمة التحرير عام 1964 هي العنوان الذي سعى لتوحيد الكل الفلسطيني، ولكنها أخفقت في تحقيق هدفها، نظراً لإرتباطها بالنظام العربي، وهُزمت معه عام 1967.
معركة الكرامة الأردنية الفلسطينية في مواجهة الإجتياح الإسرائيلي يوم 21 أذار 1968، كانت بداية التحول الجماهيري والنهوض الفلسطيني خارج الوطن، وتتويجاً لسلسلة الإرهاصات التي ولّدت منظمة التحرير وحركة فتح والجبهة الشعبية وباقي الفصائل، والتي تكونت ونمت رداً على هزيمة حزيران.
النهوض الفلسطيني تمثل ببروز الهوية الفلسطينية وإستعادتها، وتوحيدها، وبروز منظمة التحرير كجبهة وطنية موحدة للكل الفلسطيني، فصائل وإتحادات شعبية وشخصيات، وعلى أرضيتها وبقيادتها، حققت الإنجازات السياسية والدبلوماسية، بوحدانية التمثيل والأداة والبرنامج، وإقرار سلسلة من المواقف والسياسات العربية والدولية لصالح الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير، بدءاً من قمة الرباط 1974، ومروراً بقرار فك الإرتباط الأردني مع الضفة الفلسطينية في 31/7/1988، وقرار الأمم المتحدة بقبول منظمة التحرير كعضو مراقب، ولكن هذه الإنجازات كافة لم تتجسد على الأرض، وبقيت أصداء سياسية للفعل الفلسطيني في المنفى، بلا أثر عميق على وضع الشعب الفلسطيني على أرض وطنه، ولكنها تركت أثارها النفسية والمعنوية على فلسطينيي الداخل، في مواجهة الإحتلال، حيث إنفجرت الإنتفاضة الشعبية في وجه الإحتلال عام 1987، وكانت بداية التحول الجماهيري في الداخل الفلسطيني، وفي النهوض على أرض الوطن، لا خارجه كما كان من قبل.
إنتفاضة 1987، أثمرت التوصل إلى إتفاق أوسلو عام 1993، والإعتراف الإسرائيلي الأميركي بالعناوين الثلاثة:
1- بالشعب الفلسطيني.
2- بمنظمة التحرير الفلسطينية.
3- وبالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني.
وعلى أرضية هذا الإعتراف الثلاثي تمت سلسلة من الإجراءات العملية:
أولاً: الإنسحاب الإسرائيلي التدريجي من المدن الفلسطينية غزة وأريحا أولاً.
ثانياً: ولادة السلطة الوطنية على الأرض، كحكم ذاتي متعدد المراحل، كبداية وخطوة نوعية على طريق الإنسحاب الإسرائيلي، وولادة الدولة الفلسطينية المستقلة.
ثالثاً: عودة أكثر من ثلاثمائة وعشرين الف فلسطيني إلى الوطن مع الرئيس الراحل ياسر عرفات.
في إطار الإتفاق، كان من المفترض أن تستمر الفترة الأنتقالية لمدة ثلاث سنوات، لتبدأ مفاوضات المرحلة النهائية لمدة سنتين لتنتهي في أيار 1999، ولكن التطورات الجارية على الأرض، لم تأت وفق الأتفاق، حيث تم إغتيال رابين في نهاية عام 1995، وفشل شمعون بيرس في الإنتخابات عام 1996 وكلاهما كان شريكاً في إتفاق أوسلو، ومقابل هذا النكوص الإسرائيلي صعد نجم نتنياهو المتطرف الرافض لأوسلو، ولأي إتفاق قد يعيد للشعب الفلسطيني جزءاً من حقوقه، فعمل على عرقلة خطوات الإنسحاب وتعطيل مضمون الإتفاق، ساعده على ذلك عمليات حركة حماس التي لا تقل عداءاً لإتفاق أوسلو، وعملت على تخريبه، وهكذا وقف اليمين الإسرائيلي مع اليمين الفلسطيني ضد الإتفاق، وكلاهما أدى دوره في تعطيل مسار الإتفاق، وعدم تنفيذ خطواته.
في تموز 2000 جمع الرئيس الأميركي كلينتون الرئيس الراحل ياسر عرفات مع رئيس وزراء العدو الإسرائيلي إيهود باراك، في كامب ديفيد لعلهما يصلان إلى حل فإتفاق، وفشلت كامب ديفيد الفلسطينية الإسرائيلية في تموز 2000، لأن الطرح الإسرائيلي لم يصل إلى مستوى الحد الأدنى للحقوق الفلسطينية، فكانت نتائج كامب ديفيد الحافز والدافع نحو إنفجار الإنتفاضة المسلحة ضد العدو في عهد شارون وأدت إلى نتيجتين متعارضتين، أولاهما: إعادة إحتلال المدن الفلسطينية التي سبق وان إنحسر عنها جيش الإحتلال في الضفة، وثانيتهما أدت إلى ترك غزة، وإزالة قواعد جيش الإحتلال عنها، وفكفكة المستوطنات عن أرض القطاع نهائياً عام 2005.
رحيل عرفات بالإغتيال مسموماً من قبل شارون، أدى إلى إنتخاب محمود عباس رئيساً، الذي تميز عن عرفات بأنه لا يحبذ الكفاح المسلح ولا يرغب فيه، فكانت مفاوضات أنابوليس عام 2007 مع إيهود أولمرت برعاية الرئيس الأميركي بوش، ولكنها لم تفلح في التوصل إلى إتفاق رغم أنها قطعت شوطاً في تناول قضايا المرحلة النهائية.
ومرت مسيرة المفاوضات في سلسلة من المحطات، بعد أنابوليس، في محطتي المفاوضات التقريبية في 9/5/2010، والمفاوضات المباشرة في 1/9/2010، وكلتاهما فشلت في تحقيق نتائج، مما دفع منظمة التحرير إلى تغيير قواعد اللعبة السياسية في 23/9/2011، ونجاح فلسطين في عضوية اليونسكو في 31/10/2011، وتدخل الأردن لإجراء ما يسمى المفاوضات الإستكشافية في عمان يوم 3/1/2012، وفشلها، وإلى إجراء مفاوضات دبلوماسية الرسائل المتبادلة في 17/4/2012، ولم تحقق نتيجة تُذكر، وإلى الإنتصار الفلسطيني والهزيمة للأميركيين وللإسرائيليين في الجمعية العامة يوم 29/11/2012، وقبول دولة فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، وإلى إستئناف المفاوضات الجارية والتي بدأت أول جولاتها يوم 30/7/2013.
ما هو الوضع على الأرض؟
( 2 )
وصف صائب عريقات، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، مسؤول ملف المفاوضات فيها « أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، ولا بد من تغيير قواعد اللعبة «. مثلما أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس لوزير الخارجية الأميركي « أن الوضع لا يحتمل، ويتم قضم أراضي دولة فلسطين تدريجياً، وهو وضع لا يمكن السكوت عليه، ولا يمكن الإستمرار فيه «. ولذلك إذا كان الفريق الفلسطيني الذي عمل بالمفاوضات منذ بداياتها ولا يزال، هو الذي وصل إلى هذه النتيجة، وإلى هذا الإستخلاص، يبقى السؤال ما العمل في مواجهة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي على أرض فلسطين، حيث يقوم بكافة الإجراءات والسياسات العملية على الأرض في مناطق الإحتلال الثانية عام 1967، أسوة بما جرى للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، من حيث التهويد والأسرلة، وبخاصة للقدس وللغور من خلال تغيير المعالم، وتبديل سكان المنطقتين، إضافة إلى توسيع الإستيطان في قلب الضفة وتمزيق جغرافيتها، وجعلها طاردة لأهلها بالإفقار والتضييق وإشاعة الخوف والموت والدمار.
البرنامج الإسرائيلي، يتم بشكل منهجي متواصل، سواء في ظل المفاوضات أو خلال توقفها، وفي ظل الإنتفاضة أو في غيابها، وفي ظل المقاومة أو إنهائها، ولذلك يحتاج هذا الوضع لوقفة تأمل، ومراجعة، وإعادة البرنامج الوطني الفلسطيني إلى مسلكه الطبيعي والصحيح، في مواجهة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي، وهذا لا يتم برغبة شخصية، أو بشعار حزبي من هذا الطرف أو ذاك، أو برمي الكرة في ملعب طرف لحساب طرف، فالكل الفلسطيني تحت الإحتلال وأسير برنامجه، عاجز عن مقاومته، وعن خلق البديل في مناطق الإحتلال الثلاثة: 1- في منطقة 48، 2- وفي الضفة، 3- وفي القطاع.
مشروع الإحتلال الإسرائيلي هو الذي وحّد الفلسطينيين تحت ثقل المعاناة والقهر وسلب الحقوق، في مناطق 67، في القدس والضفة والقطاع، أسوة بما جرى في مناطق 48، في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة، وهو يتعامل من منظور عقائدي وعنصري وأمني مع الفلسطيني، كفلسطيني، كنقيض لوجوده ومشروعه وبرنامجه، سواء كان من المسلمين أو المسيحيين، لا فرق، وإذا كان ثمة فوارق جغرافية وقانونية، بين أهل 48 وأهل القدس وأهل الضفة وأهل القطاع، فهي بمثابة إجراءات إدارية، تهدف إلى التمكن وتذليل العقبات، وإضعاف» العدو» الفلسطيني وتمزيق أدواته وإمكاناته، معتمداً في ذلك على عوامل جوهرية عدة :
أولها: التفوق الإسرائيلي بشرياً وسياسياً وعسكرياً وإقتصادياً وتكنولوجياً وإستخبارياً، على الإمكانات المتواضعة للشعب العربي الفلسطيني.
ثانياً: الإعتماد على دور ونفوذ الطوائف اليهودية في العالم كرافعة ومجال حيوي لخدمة المشروع الإسرائيلي الصهيوني.
ثالثاً: التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، وتجيير جبروتها العسكري والسياسي والإقتصادي والدبلوماسي لمصلحة المشروع الإسرائيلي وحمايته وتشكيل مظلة أمن واقية له.
مقابل ذلك، ماذا يملك الفلسطيني على أرض الوطن لمواجهة إستكمال إستعمار فلسطين وتهويدها وأسرلتها ؟؟
يملك الشعب العربي الفلسطيني على أرض وطنه مجموعة من العوامل الهامة التي لا يمكن مصادرتها وهي:
أولاً: وجود بشري لشعب ما زال يعيش بأكثريته على أرض وطنه، تجاوز عدده خمسة ملايين ونصف المليون نسمة، منهم مليون وأربعمائة الف في مناطق 48، ومليونان وسبعمائة الف في الضفة بما فيها القدس، ومليون وسبعمائة الف في القطاع. والوجود البشري هذا، هو أول عنوان لفشل المشروع الإستعماري الإسرائيلي، الذي سعى إلى تحقيق غرضين هما: 1- سلب أكبر مساحة من الأرض، و2- طرد أكبر عدد ممكن من السكان، ولهذا فإن وجود نصف الشعب العربي الفلسطيني على أرضه يشكل حالة القلق الإستراتيجي المصحوب بالفشل لعدم قدرة الإسرائيليين على طرد الفلسطينيين كما فعلوا عامي 48 و 67.
ثانياً: يتميز الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بحالة عداء شديدة، دمرت فرص التعايش المشترك أو الرغبة الجماعية للتعايش المشترك، بسبب عدوانية المشروع الصهيوني الإسرائيلي وعنصريته، وبرنامجه القائم على مصادرة الأرض وإحتلالها، وطرد أهلها، مما ترك فجوة عميقة بين الطرفين، شكلت مكسباً للحركة الوطنية الفلسطينية، يسهل من خلالها كسب وتنظيم وتجنيد الفلسطينيين للعمل ضد الإحتلال الإسرائيلي الذي فشل في كسب أية شريحة فلسطينية يمكن أن تنفصل عن شعبها، بمن فيهم الدروز والبدو الذي يخدم بعضهم في المؤسسات الإسرائيلية.
ثالثاً: توفر التعددية الفلسطينية، إنعكاساً لواقع الحياة، وهي سلاح إيجابي يوفر للشعب الفلسطيني فرص الأختيار السياسي، وعدم طغيان رؤية فلسطينية من قبل قائد أو زعيم متسلط، أو تنظيم يدعي القدسية، فوجود فتح وحماس والشعبية والديمقراطية والجهاد والشيوعيين والقوميين، دلالة عافية في البنية الإجتماعية للشعب الفلسطيني، وتطور التقدم السياسي الذي يتمتع به.
رابعاً: قرارات الأمم المتحدة، وجميعها منصفة لصالح الشعب الفلسطيني، بدءاً من قرار التقسيم 181، وقرار حق عودة اللاجئين 194، وقرار الإنسحاب وعدم الضم 242، وقرار حل الدولتين 1397، وخارطة الطريق 1515، تشكل أسلحة سياسية قانونية دولية بيد الشعب الفلسطيني، نقيضة للسلوك السياسي والعملي للإسرائيليين على الأرض.
ولكن هذه الأسلحة الفلسطينية الفتاكة والقوية في مواجهة المشروع الإسرائيلي تواجه حالة عدم التوظيف، وإنعدام العمل بها بما يكفي، لجعلها حقاً أسلحة متكاملة ومكملة لتحقيق الإنتصار، وبدلاً منها، يعاني المجتمع الفلسطيني على الأرض، من شيوع التمزق والإنقسام وحتى المساومة على بعضها، ويتمثل ذلك بما يلي:
أولاً: الإنقلاب والإنقسام وتمزيق الوحدة الوطنية الذي قادته حركة حماس والإخوان المسلمين في قطاع غزة في شهر حزيران 2007.
لقد حققت حركة حماس حضورها وإحترامها في الشارع الفلسطيني والعربي بفعل عاملين: أولهما، دورها الكفاحي ضد الإحتلال وتضحيات قياداتها. وثانيهما، نجاحها في الإنتخابات وحصولها على الأغلبية البرلمانية عام 2006، ولكنها مع الأسف لم تحافظ لا على العامل الكفاحي الأول، ولم تحترم العامل الثاني المتمثل بإرادة الأغلبية الفلسطينية التي إنحازت ديمقراطياً وطوعاً لها، وها هي بعد سبع سنوات من سيطرتها على قطاع غزة، وتفردها به، لم تستطع لا القيام بعمل مقاوم ضد الإحتلال، ولا إستطاعت تقديم نموذج إداري في توفير الأمن والعيش الكريم والديمقراطية لأهل القطاع، ورفضها الإحتكام مرة أخرى إلى صناديق الإقتراع الذي منحها الشرعية في الحكم.
ثانياً: لقد تشكلت السلطة الفلسطينية، كمشروع ومقدمة تدريجية لبناء مؤسسات الدولة المستقلة، لا لكي تكون عبئاً على الفلسطينيين، وعلى مشروعهم الوطني، فالسلطة وإحتياجاتها المالية، والمديونية التي وصلت إلى أربعة مليارات دولار، غدت عبئاً وأداة ضاغطة على صانع القرار الفلسطيني، كما حصل مؤخراً في قبوله الذهاب إلى المفاوضات، مقابل إستمرار تقديم الدعم المالي، وتغطية الرواتب، وستبقى كذلك إذا لم تتم معالجة هذا المأزق الذي وقعت فيه منظمة التحرير وسلطتها الوطنية.
ثالثاً: فشل منظمة التحرير وفصائل المقاومة كافة في إختراق المجتمع الإسرائيلي وكسب إنحيازات إسرائيلية لعدالة القضية الفلسطينية ومطالبها المشروعة. وهذا توجه وإجراء إذا نجح فيه الشعب الفلسطيني فهو يضيف لنفسه قوة من داخل المجتمع الإسرائيلي، ويؤدي إلى إنقسام المجتمع الإسرائيلي وإضعاف قدراته وتفوقه، لصالح الشعب الفلسطيني وأهدافه الوطنية العادلة والمشروعة.
رابعاً: المس بقرارات الأمم المتحدة، وتعريضها للمساومة، بدون تحقيق مكاسب فلسطينية ملموسة وبديلة. وثمة مظهران من مظاهر المس بقرارات الأمم المتحدة، أولهما: المس بالقرار 194 وإضعاف مضمونه والتلاعب بمحتوياته، كما يقال حل قضية اللاجئين وفق القرار 194 ومبادرة السلام العربية التي قللت من قيمة القرار بقولها « حل متفق عليه «، أي حل يقبل به الإسرائيليون. وثانيهما: المس بالقرار 242 من خلال ما يسمى بـ « تبادل الأراضي» الفضفاض، وكلاهما يقدم تنازلاً مسبقاً يستهدف ترضية الإسرائيليين وجلبهم إلى طاولة المفاوضات على حساب حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية ومحتوياتها.

ما هو الحل؟ ما هو البديل؟
( 3 )
خلال السنوات الطويلة، من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الصراع بين الشعبين، والبرنامجين، والروايتين، فشل كل منهما في إنهاء الأخر. لقد فشل الشعب العربي الفلسطيني في تحرير فلسطين ورمي اليهود إلى البحر، مثلما فشل الإسرائيليون في تطهير « إسرائيل « ورمي الفلسطينيين إلى الصحراء، وتحولت فلسطين مع مرور الزمن إلى وطن للشعبين، لا يستطيع أي منهما إنهاء الأخر وتصفيته، بصرف النظر عن العوامل والمسببات ودوافع كل منهما في الثبات على الأرض والتمسك بها وجعلها وطناً له، فثمة ستة ملايين يهودي إسرائيلي باتوا على أرض فلسطين، وأكثر من خمسة ملايين ونصف المليون عربي فلسطيني يعيشون في وطنهم في منطقتي 48 و 67.
لقد شكل القرار الدولي 181 أساس الحل العملي والواقعي من منظور القوى النافذة في الأمم المتحدة، وهو أبو القرارات وأرضيتها، وعليه تم إعتماد باقي القرارات الدولية، بدءاً من القرار 194 بالمطالبة بعودة اللاجئين إلى المدن والقرى التي طردوا منها وإستعادة ممتلكاتهم على أرضها، وإنتهاء بقرار قبول فلسطين دولة مراقب لدى الجمعية العامة يوم 29/11/2012.
ولكن لا القرار الدولي 181، ولا القرار 194، ولا قرار الإنسحاب وعدم الضم 242، وحل الدولتين 1397 ولا خارطة الطريق 1515، وجدت الأدوات والوسائل والظروف للتنفيذ والحل والتطبيق، بل على العكس يرى المراقب أن أدوات العمل والفرص المتاحة تسير بإتجاه واحد فقط، وهو العمل على تهويد كامل فلسطين وأسرلتها، وخلط الجغرافيا مع الديمغرافيا، حيث باتت خطوط الهدنة لعام 1967، لا تشكل أساساً واقعياً للحل، وبات التداخل السكاني متشابكاً يستحيل فصله، وبقدر ما يحتاج لعمليات جراحية قاسية، بقدر ما يحتاج للتراضي والتوافق لوضع حلول خلاقة للعيش المشترك بين الشعبين المتصارعين، على واحد من خيارين: إما تقاسم الأرض عبر الدولتين، أو تقاسم السلطة وفق نتائج صناديق الإقتراع، دولة ديمقراطية واحدة متعددة الديانات للمسلمين والمسيحيين واليهود، للشعبين وللقوميتين.
وفي كل الأحوال، ومن وجهة نظر فلسطينية خالصة، وصل البرنامج الوطني الفلسطيني لطريق مسدود بسبب عوامل التفوق الإسرائيلي وقوتها، وعوامل الضعف الفلسطيني وتأثيرها، مما يتطلب تكييف البرنامج الوطني الفلسطيني بإتجاه تعزيز العمل الكفاحي، لا تراجعه، والتمسك بالحقوق الفلسطينية وليس التخلي عنها، فعوامل القوة الفلسطينية متوفرة ولكنها تحتاج لقيادة خلاقة كي يتم توظيفها، وإستنباط الأدوات المناسبة للتعبير عنها، والعمل من أجل تحقيقها، فالإنتفاضة الشعبية ذات الطابع المدني غير المسلح عام 1987، أثمرت إتفاق أوسلو عام 1993، الذي نقل الموضوع الفلسطيني وعنوانه وقضيته من المنفى إلى الوطن، بإستثناء قضية اللاجئين.
والإنتفاضة المسلحة عام 2000، أجبرت الإسرائيليين على ترك قطاع غزة عام 2005، بعد إزالة المستوطنات وفكفكة قواعد جيش الإحتلال.
وسواء في الإنتفاضة المدنية الأولى، أو الإنتفاضة المسلحة الثانية، كانت النتيجة العملية، إجبار العدو الإسرائيلي على تقديم التنازلات على خلفية الفعل الفلسطيني، وبسالة الشعب، وتضحيات قياداته وكوادره وشبابه وبناته، وهو الإستخلاص الفاقع الذي يمكن الإعتماد عليه والمباهاة به. وغير ذلك من الإنجازات السياسية والدبلوماسية والقانونية، سواء في قبول عضوية اليونسكو أو عضوية المجلس الوطني في الإتحاد البرلماني الدولي، أو قبول دولة فلسطين كمراقب في الأمم المتحدة، هي حصيلة الصمود والنضال على الأرض، مثلما هي حصيلة العمل السياسي والدبلوماسي التراكمي على المستوى الدولي.
يتوزع الشعب الفلسطيني بين ثلاثة مكونات أساسية أولها: فلسطينيو مناطق 48، حيث يعانون من التمييز ويناضلون من أجل المساواة. وثانيهما: فلسطينيو مناطق الإحتلال الثانية عام 1967، ويواجهون الإحتلال ويناضلون من أجل الإستقلال، وثالثهما: فلسطينيو المنافي والشتات الذين يواجهون الغربة، ويعملون من أجل العودة.
ثلاثة مكونات يكمل بعضها بعضاً، تشكل مجموع الشعب العربي الفلسطيني، ويصب نضالها في مجرى واحد، يهدف إلى إزالة الظلم المثلث الواقع على الشعب الفلسطيني، ظلم التمييز العنصري في مناطق 48، وظلم الإحتلال في مناطق 67، وظلم التشتت واللجوء لأبناء المخيمات واللاجئين في المنافي.
ولهذا تكون المساواة والإستقلال والعودة، هي عناوين النضال الفلسطيني المكملة لبعضها البعض. ومنها، ومن خلالها، يستطيع الشعب الفلسطيني إستعادة حقه في الحياة على أرض وطنه، وإستعادة حقوقه الكاملة غير المنقوصة.
والسؤال كيف يكون ذلك ؟؟ وما العمل من أجل تحقيق ذلك ؟؟

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012